يعد من الصعب جداً وصف مدى الأهمية والتعقيد اللذين ينطوي عليهما برنامج تأشيرة المهن المتخصصة أو ما يصطلح عليه بـ (H-1B) في الولايات المتحدة، حيث يعتبر أكبر برامج التأشيرة للعمال الأجانب في البلاد، فضلاً عن كونه أحد أهم أبواب الهجرة للأشخاص أصحاب المهارات والكفاءات العالية. يسمح للشركات في الولايات المتحدة باستقدام العمالة الأجنبية لشغل الوظائف التخصصية التي قد يكون من الصعب إيجاد من يشغلها من المواطنين الأميركيين. ويعد قطاع التكنولوجيا من أكثر المستفيدين من هذا البرنامج، بالإضافة إلى قطاعات أخرى مثل الرعاية الصحية والعلوم والمالية، حيث مكنهم البرنامج من سد النقص في القوى العاملة.
ولكن في شهر أبريل/نيسان من العام 2017، وبعد أن أجرت دائرة خدمات الجنسية والهجرة الأميركية (يو إس سي آي إس) (USCIS) القرعة السنوية لمنح تأشيرات "H-1B" (تلقت الدائرة 199,000 طلب مقابل 85,000 تأشيرة متاحة)، أصدر الرئيس ترامب قراراً رئاسياً يخضع بموجبه برنامج "H-1B" والبرامج الأخرى المشابهة لآلية تدقيق جديدة. ويعمل القرار الذي يحمل اسم "المنتج الأميركي والمواطن الأميركي أولاً" على توجيه الوكالات والمؤسسات الفيدرالية لمراجعة وتدقيق ما إذا كانت السياسات الحالية تمنح الأولوية للمنتجات الأميركية وتحمي حقوق العمال الأميركيين.
ويعد هذا القرار الخطوة الأحدث حتى الآن في المناقشات المطولة حول كيفية استخدام الشركات لبرنامج "H-1B" وكيف يؤثر على العمالة المحلية. وهناك جدل كبير حول ما إذا كانت الشركات تستفيد من البرنامج لتوظيف العمالة الأجنبية مقابل أجور منخفضة، ما يحرم المواطنين الأميركيين من تلك الوظائف. ولكن من الأهمية بمكان فهم العناصر الأساسية لهذه المناقشات، حيث يتناول أحد جوانب هذه النقاشات الاستخدام الكبير لتأشيرات برنامج "H-1B" من قبل شركات توريد الأيدي العاملة؛ بينما يتناول الجانب الآخر الخلاف والجدل حول ما إذا كان البرنامج يعزز من وصول الشركات إلى أصحاب المهارات والكفاءات النادرة، أو أنه يساعدهم فقط على خفض تكاليف أجور اليد العاملة.
من يحق له الحصول على تأشيرات "H-1B"؟
تُمنح تأشيرات "H-1B" من خلال نظام تديره الشركات الموظفة، ما يعني أن أرباب العمل يتقدمون بطلب إلى الحكومة للحصول على تأشيرات لوظائف محددة. ويجب أن تُمنح هذه التأشيرات للأشخاص أصحاب المهن التخصصية، والتي تتطلب عادة شهادة بكالوريوس (أو ما يعادلها)، وأن تكون في مجالات مثل العلوم والهندسة وتكنولوجيا المعلومات والطب والأعمال. وعلى الشركات أن تتعهد بعدم دفع أجور أقل للعامل صاحب تأشيرة "H-1B" من نظيره الأميركي، وأن العمالة المستقدمة عبر برنامج "H-1B" لن تؤثر سلباً على أحوال العمال الآخرين، ولكن من الشائع جداً أن هذه الممارسات لا تطبق بحزم. وهناك أيضاً انتقادات حول أن البرنامج يتيح العديد من الثغرات التي يمكن للشركات استغلالها. فعلى سبيل المثال، يوضح لنا ملخص بحث أجرته مجلة "كيلوغ إنسايت" ما يلي:
إن المعايير الحالية المتبعة لتحديد الأجور ضعيفة جداً، حيث يمكن للشركات استغلال العديد من الثغرات لصالحها، مثل توظيف أشخاص عبر مزودي خدمات طرف ثالث. وبالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي الزيادة في المعروض من اليد العاملة إلى خفض أجور جميع العمال بمرور الوقت، لأن أرباب العمل لديهم فائض من الموظفين المحتملين، ما يتيح لهم المزيد من خيارات التوظيف، وبالتالي لا يتوجب عليهم تقديم رواتب أعلى لاستقطاب الموظفين وأصحاب الخبرات والحفاظ عليهم.
وغالباً ما يكون قطاع التكنولوجيا من أكبر المستفيدين من البرنامج، حيث يشير تقرير "غولدمان ساكس" إلى أن العمالة الوافدة عبر "H-1B" تشغل حوالي 12 – 13% من وظائف القطاع (أي يشغلون حوالي 0,6 – 0,7 % من إجمالي الوظائف في الولايات المتحدة). كما أن القدرة على استقدام أصحاب الخبرات من أنحاء العالم من شأنه أن يساعد كبرى الشركات التكنولوجية مثل فيسبوك وأمازون على إيجاد المواهب والخبرات التي يحتاجون إليها.
ومع ذلك، فإن الشركات التي تستقدم معظم عمالة برنامج "H-1B" ليست تكنولوجية في وادي السيليكون، ولكنها شركات خدمات تكنولوجيا المعلومات، حيث يكون مقرها الرئيس في الهند، وتتخصص في تقديم الاستشارات أو توريد اليد العاملة، والتي تشمل شركات مثل تاتا للخدمات الاستشارية، وكوغنيزنت، وإنفوسيس، وويبرو، وأكسنتشر، وآي بي إم الهند، وديلويت، حيث يتم التعاقد معها من قبل شركات أخرى لتقديم خدمات تكنولوجيا المعلومات. ووفقاً لدراسة تحليلية أجراها رونيل هيرا، أستاذ في السياسة العامة بجامعة هوارد، في عام 2014، استفادت 13 شركة توريد خارجية من حوالي ثلث التأشيرات الجديدة لبرنامج "H-1B" (حصلت شركة "تاتا للخدمات الاستشارية" على معظم التأشيرات 5,650 تأشيرة، بينما حصلت "أمازون" على 877 تأشيرة).
وعند المقارنة مع شركات وادي السيليكون، تميل شركات خدمات تكنولوجيا المعلومات لتوظيف اليد العاملة المستقدمة عبر برنامج "H-1B" لشغل الوظائف ذات الأجور المنخفضة. فعلى سبيل المثال، أشار موقع "أكسيوس" إلى أن 72,4% من طلبات تأشيرة "H-1B" لشركة تاتا كانت لشغل وظائف تترواح أجورها بين 60 ألف إلى 70 ألف دولار سنوياً. بينما كانت طلبات شركات مثل أمازون وفيسبوك وآبل وجوجل ومايكروسوفت لشغل وظائف تزيد أجورها السنوية عن 100 ألف دولار.
وتسبب هذا التباين في الأجور في إثارة موجة من الانتقادات الكبيرة لبرنامج "H-1B"، حيث أنه بدلاً من استقدام أفضل الخبرات العالمية إلى الولايات المتحدة لرفد القوى العاملة الأميركية، يبدو أن البرنامج يسهم في استقدام يد عاملة أجنبية ذات أجور منخفضة، الذي من شأنه أن يؤثر سلباً على العمالة الأميركية ومستوى الأجور. وتبدو هذه الانتقادات صحيحة ومقنعة، حيث يسرح العديد من موظفي تكنولوجيا المعلومات الأميركيين (ويستبدلون بموظفين آخرين يتم استقدامهم عبر برنامج H-1B) بعد أن يفضل أرباب العمل الاستعانة بمصادر خارجية لتشغيل أقسام تكنولوجيا المعلومات بدلاً من الحفاظ على تشغيل هذه الأقسام ضمن الشركة. وكانت لهذه القرارات التي اتخذتها الشركات بحق العمالة المحلية أن تسببت في رفع عدد من الدعاوى القضائية البارزة، مثل تلك التي تقدم بها العمال ضد شركتي ديزني وجنوب كاليفورنيا أديسون (إس سي إي). كما أظهرت عدة دراسات أن العمالة المستقدمة عبر برنامج "H-1B" يمكن أن تؤثر سلباً على اليد العاملة الأميركية من حيث فقدان الوظائف وخفض الأجور.
ومن ناحية أخرى، يقول مؤيدو "H-1B" أن البرنامج يستقدم المهارات والخبرات التي يحتاجها سوق العمل، ما يساعد الشركات في الحفاظ على ذات السوية من الابتكار والإنتاجية والتنافسية. كما وثقت مجموعة كبيرة من الأدبيات الأكاديمية كيف أن المهاجرين ذوي المهارات والكفاءات العالية، ولاسيما في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بمن فيهم أولئك الذي يأتون إلى الولايات المتحدة عبر برنامج "H-1B"، يساهمون في تعزيز الزخم الاقتصادي من خلال تحفيز الابتكار والإنتاجية وتحفيز توافر فرص العمل في بعض الأحيان.
ولا يعد الحصول على تأشيرات "H-1B" بذاك الأمر الهين بالنسبة للعديد من الشركات، حيث إنّ هناك العديد من شركات قطاع التكنولوجيا تطالب الكونغرس برفع الحد الأقصى لتأشيرات "H-1B" للمساعدة في تلبية الطلب على اليد العاملة. وفي عام 2008، وقف بيل غيتس أمام أعضاء الكونغرس مطالباً برفع عدد تأشيرات "H-B1" للمساعدة في تعويض النقص في اليد العاملة بسبب قلة عدد المواطنين الأميركيين الحاصلين على شهادات جامعية في علوم الكمبيوتر. (تم التقدم بمشروع قانون في عام 2015 لرفع الحد الأقصى وتخفيف القيود على تأشيرات "H-1B"، لكن رُفض من قبل الكونغرس). كما عارضت شركات مثل تاتا وإنفوسيس وويبرو القيود المفروضة على البرنامج، متذرعين أن خدماتهم تساعد الشركات الأخرى على تعزيز قدراتها التنافسية في السوق. وبصورة أعم، أكدت العديد من الشركات التكنولوجية الرائدة على المساهمات الإيجابية للمهاجرين أصحاب المهارات والكفاءات العالية في الاقتصاد، وانتقدوا بشدة السياسات المناهضة للهجرة مثل حظر السفر الذي فرضه الرئيس ترامب.
هل هناك نقص في المهارات الفنية في الولايات المتحدة؟
هناك العديد من الدلائل المتداخلة حول وجود نقص في المهارات والخبرات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وتقول الشركات أنها تعاني جداً لإيجاد الأشخاص المؤهلين لشغل الوظائف التخصصية، مشيرة إلى وجود نقص حاد في المهارات التي يحتاجها سوق العمل. بينما يقول بعض الخبراء أن هناك فائض في العمالة الأميركية القادرة على شغل هذه الوظائف، وإذا كان أرباب العمل حقاً بأمس الحاجة لهذه المهارات، فمن المؤكد أن أجور أصحاب الخبرات سترتفع (لكن ذلك لم يحصل).
وتشير دراسة تحليلية أجراها هال سالزمان، أستاذ في جامعة راتغرز، أن الولايات المتحدة تُخرج سنوياً عدد كبير من المختصين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وبشكل يفوق احتياجات قطاع التكنولوجيا، في حين بقيت الأجور في هذه المجالات ثابتة. ونصت الدراسة على أنه:
يتم توظيف طالب واحد في مجال تخصصه من أصل كل اثنين تخرجا من جامعات أميركية بشهادات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وفي تخصصات علوم الكمبيوتر والمعلومات والهندسة، تُخرج الجامعات الأميركية أكثر بنسبة 50% من الطلبة الذين يُوظفون في هذه التخصصات سنوياً. ويقول 32% من خريجي علوم الكمبيوتر الذين لا يعملون في مجال تكنولوجيا المعلومات، أن سبب عدم عملهم في هذا المجال هو عدم توفر الوظائف، بينما يقول 53% إنهم وجدوا فرص عمل أفضل خارج مجال تكنولوجيا المعلومات.
وتشير إحدى الدراسات التي أجراها يي شيويه وريتشارد لارسون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) إلى أن هناك نقص في المهارات والخبرات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وليس هناك نقص فيها في ذات الوقت! وهذا يعتمد على المنظور الذي نرى من خلاله هذا الجانب. ففي سوق العمل الأكاديمي على سبيل المثال، تشير الدراسة إلى أنه ليس هناك نقص ملحوظ؛ بل في الواقع هناك فائض في حاملين شهادات الدكتوراه الذين يتنافسون على شغل مناصب ضمن الهيئة التدريسية في العديد من التخصصات (على سبيل المثال، العلوم الطبية الحيوية، العلوم الفيزيائية). بينما يعاني القطاعان الحكومي والخاص من نقص في مجالات محددة، ففي القطاع الخاص نجد هناك ارتفاع في الطلب على المبرمجين، ومهندسي البترول، وعلماء البيانات.
كما أن هناك دليل آخر على وجود طلب قوي على الأشخاص ذوي المهارات التقنية، حيث أشارت مجلة "ذي إيكونومست" أن عدد الوظائف التي لم تُشغل في الولايات المتحدة في مجال الحوسبة وتكنولوجيا المعلومات قد تصل إلى مليون وظيفة بحلول عام 2020: "إن عدد الشباب الأميركيين الخريجين من ذوي المؤهلات في مجال تكنولوجيا المعلومات آخذ في الازدياد، ولكن لا يوجد مكان قريب يتسم بالسرعة الكافية لتلبية الطلب المتزايد على مهاراتهم. ففي العام الماضي، تخرج من الجامعات الأميركية أقل من 56 ألف طالب يتمتعون بالمؤهلات المطلوبة من قبل شركات تكنولوجيا المعلومات".
وعندما يتعلق الأمر بمدى ما يكسبه العاملون في مجال التكنولوجيا من المهاجرين والمواطنين الأصليين، توصلت إحدى الدراسات التي أجراها غوردون هانسون من جامعة كاليفورنيا سان دييغو، وماثيو سلاوتر من كلية تك للأعمال في جامعة دارتموث، إلى أنه بينما يكسب المهاجرون عادة أقل من الموظفين الأميركيين في معظم المجالات (نظراً إلى عوامل مثل العمر والتعليم والجنس)، يميل هذا الاختلاف إلى أن يكون أقل في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. كما أشارت الدراسة إلى أن أجور المهاجرين في هذه المجالات قد زادت بالفعل: في عام 1990، كان ما يكسبه الموظفون الأميركيون الذين يعملون في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أعلى من المهاجرين، بينما في عام 2012 أصبح ما يكسبه المهاجرون أعلى.
وفي هذا الخصوص، قال هانسون: "إن الخبرات التي تم استقدامها عبر برنامج H-1B هي خبرات متنوعة في العديد من المجالات، فهناك علماء كمبيوتر متميزون يعملون في ’فيسبوك‘ و’أمازون‘، وهناك أشخاص آخرون يعملون في مجال تكنولوجيا المعلومات في المكاتب الخلفية. ولكن بمعدل وسطي، تجاوزت أرباح العمالة الأجنبية بعد مكوثهم لفترة قصيرة في الولايات المتحدة أرباح العمالة الأميركية في وظائف مماثلة".
ومع ذلك، يحذر هانسون من أن النتائج المترتبة على هذا النوع من الهجرة لا تستبعد احتمال أن يساهم وصول المهندسين الأجانب في خفض أجور المهندسين الأميركيين. وقال مستطرداً: "إن النماذج الاقتصادية القياسية تؤكد لنا حدوث مثل ذلك. ولكن من ناحية أخرى، يعد تنامي أعداد المهندسين أمراً جيداً، وعلى الرغم من أن ذلك قد يؤدي إلى خفض أجور المهندسين الأميركيين، إلا أنه سيعزز من الابتكار والإبداع في البلاد ككل".
وعلى نحو مشابه، أشارت دراسة تحليلية - أجراها جوناثان روثويل ونيل رويز اللذان عملا سابقاً في "معهد بروكينغز" – حول طلبات الحصول على تأشيرة "H-1B" في عام 2010 إلى أن الموظفين القادمين عبر برنامج "H-1B" يجنون بمعدل وسطي (76,356 دولاراً) أكثر من الموظفين الأميركيين الحاصلين على شهادة بكالوريوس (67,301 دولار)، الذين ينتمون لذات الفئة العمرية والتخصص. (من الجدير بالذكر أن عملية التقدم بطلب الحصول على تأشيرة "H-1B" تكلف الشركات آلاف الدولارات، ما يشير إلى أنها تدفع مبالغ كبيرة لقاء الحصول على الخبرات الأجنبية).
كما أشارت الدراسة التي أجراها هانسون وسلاوتر إلى أنه على الرغم من أن تأشيرات "H-1B" يتم تخصيصها بشكل غير مناسب للعاملين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، إلا أن هذا لا يندرج ضمن الهدف الرئيس المنشود من البرنامج. ووفقاً للدراسة: "إن السبب وراء تخصيص معظم تأشيرات H-1B للعاملين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، هو الطلب القوي على اليد العاملة في هذه المجالات من قبل الشركات الأميركية".
وعلى النقيض من ذلك، فإن هيرا، الذي كان صريحاً بشأن الانتهاكات التي تحدث في برنامج التأشيرة "H-1B"، يرفض نظرية أن هناك نقص في المهارات. وقال: "إذا كان هناك ذاك النقص الحاد في المهارات، فأعتقد أننا كنا سنرى سلوكيات وممارسات مختلفة". وتابع قائلاً: "لو كان هناك بالفعل نقص في المهارات، كنا سنرى تنوعاً أكبر في قطاع التكنولوجيا، وكانت الشركات ستوظف الأقليات والنساء الذين لا يتمتعون بالتمثيل الكافي، وتعمل على تدريب وتأهيل الكوادر والاستثمار في الطاقات البشرية، كما كانت الشركات ستعمل أكثر للحفاظ على الكوادر الحالية لديها، وليس تسريح الآلاف منهم، ولن يكون هناك تمييزاً بشأن العمر".
ووفقاً لهيرا، فإن التذرع بأن هناك نقص في المهارات ليس إلا حجة واهية لتتمكن الشركات من خلالها الالتفاف على كيفية استخدام برنامج "H-1B" بما يحقق الفائدة لهم. واستطرد هيرا: "تعد مهنة محلل أنظمة الكمبيوتر من أكثر المهن المطلوبة عبر برنامج H-1B، وهؤلاء هم من يعملون على تكنولوجيا المعلومات في المكاتب الخلفية، وأنا متفاجئ حين يقول أحدهم إن هناك نقصاً في هذه الخبرات ضمن القوى العاملة من المواطنين الأميركيين. ويجب على الشركات التي تستقدم العمالة عبر برنامج H-1B أن تثبت حجتها في أن هناك نقصاً في أي خبرات ومهارات يطلبونها، ولكن ذلك لا يحدث. وبالتالي فإن حجة وجود نقص هي موضع نقاش وجدل. وإذا كان هناك بالفعل نقص حاد في المهارات، فسيكون من السهل على الشركات وأرباب العمل أثبات ذلك، ولكنهم رفضوا أي شيء من هذا القبيل".
ما هو مدى الجدل المثار حول الاستعانة بالعمالة الخارجية؟
يتمثل واحد من أكثر الانتقادات المثارة حول برنامج "H-1B" في الاستخدام المكثف للبرنامج من قبل شركات الخدمات الخارجية في مجال تكنولوجيا المعلومات مثل شركات إنفوسيس، وتاتا للخدمات الاستشارية، وويبرو. وكانت الاستعانة بالمصادر الخارجية توجهاً سائداً لسنوات في مجال إدارة المعلومات، حيث قامت الشركات بالتعاقد مع رواد الأعمال بشكل كبير (نظراً للتكاليف الأقل) لإنجاز العديد من المهام مثل البرمجة وإدخال البيانات ومعالجتها وتخزينها.
ولنشرح كيف يتم الأمر بطريقة مبسطة أكثر: لنعتبر أن لديك شركة كبيرة ويوجد فيها قسم خاص لتكنولوجيا المعلومات. ولتقليل النفقات العامة، أو لخفض التكاليف، أو لزيادة الكفاءة، قررت التعاقد (أو الاستعانة بمصادر خارجية) لإنجاز بعض أو كل أعمال تكنولوجيا المعلومات الخاصة بالشركة. لذا يمكنك التعاقد مع شركة تقدم خدمات تكنولوجيا المعلومات لإنجاز ذلك العمل على أساس مؤقت حسب الحاجة. وتُرسل هذه الشركة بدورها موظفيها الذين يكون معظمهم أجانب دخلوا الولايات المتحدة بتأشيرات "H-1B"، لإنجاز هذه المهام. وبينما ينجز موظفو الشركة المتعاقد معها أعمال تكنولوجيا المعلومات التي يقوم بها عادة الموظفون المختصون في شركتك، فأنت تسرّح موظفيك المختصين ليحل مكانهم موظفي شركة تكنولوجيا المعلومات المتعاقد معها.
ونظراً لكون شركات تكنولوجيا المعلومات هذه تحصل على أعداد كبيرة من تأشيرات "H-1B"، لا يبقى سوى القليل للشركات الأخرى. وفي هذا الشأن، قال وليام كير، الخبير الاقتصادي في كلية هارفارد للأعمال الذي درس آثار هجرة أصحاب الخبرات والكفاءات العالية إلى الولايات المتحدة: "بغض النظر عن رأيكم حول الاستعانة بمصادر خارجية، ولكن لم يكن ذلك هو الهدف الرئيس للبرنامج. وإن الاستخدام المكثف للبرنامج بهذا الشكل سيقلل من عدد التأشيرات المتاحة للأهداف الرئيسة المرجوة من البرنامج".
وأضاف كير: "تستقدم شركات الخدمات الخارجية العمالة ذات الأجور المنخفضة مقارنة بالشركات التكنولوجية الأميركية، حيث يصل دخلهم السنوي إلى 60 ألف دولار، وهذا ليس بالحد الأدنى للأجور بأي شكل، ولكنه مبلغ أقل مما يحققه عالم كومبيوتر نموذجي في إحدى الشركات التكنولوجية الأميركية الكبرى".
ولقد عارضت شركات تكنولوجيا المعلومات في الهند والولايات المتحدة فرض المزيد من القيود على برنامج "H-1B"، بحجة أنها تساعد الشركات الأميركية على تعزيز قدراتها لتصبح أكثر تنافسية من خلال إدارة عمليات تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها. وقال القائمين على الشركات إن برامج التأشيرات تسمح لهم بالحفاظ على الوظائف في الولايات المتحدة، لذا فإن خفض عدد التأشيرات المسموح بها قد يدفعهم لإعادة العمل إلى الهند. (وبالإضافة إلى ذلك، أفادت بلومبيرغ مؤخراً أن شركة "إنفوسيس" تخطط لتوفير آلاف فرص العمل الجديدة للمواطنين الأمريكيين على مدار العامين المقبلين).
ماذا يمكن أن يتغير؟
إن إحداث أي تغييرات كبيرة في برنامج "H-1B" يجب أن يقرها الكونغرس أولاً. وتم في الآونة الأخيرة التقدم بأربعة اقتراحات إصلاحية للبرنامج على الأقل، وقامت دائرة خدمات الجنسية والهجرة الأميركية بتعليق أي عمليات عاجلة للنظر في طلبات البرنامج المقدمة حالياً.
ومن شأن هذه الإصلاحات الواسعة أن تغير الطريقة التي تتبعها العديد من الشركات، وخاصة شركات التكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات، لتعيين وتوظيف الخبرات والكفاءات العالية. كما إن تقييد عدد التأشيرات قد يكلف الولايات المتحدة فقدان مكانتها التنافسية في هذا السباق العالمي على استقطاب المواهب التقنية.
وقال هانسون: "قد يبدو ذلك بمثابة خدمة ذاتية من شخص يعمل في الأوساط الأكاديمية، ولكن يبقى الشيء الوحيد الذي ساعدنا في الحفاظ على ريادتنا في مجال التكنولوجيا هو متابعة الابتكار والأبحاث التكنولوجية، وكان للهجرة دوراً بارزاً في ذلك، حيث تعد من الأسباب الرئيسة التي تجعل الولايات المتحدة قادرة على الحفاظ على مكانتها المتميزة والمرموقة".
يهدف قرار ترامب "المنتج الأميركي والمواطن الأميركي أولاً" إلى معالجة بعض المخاوف المحيطة ببرنامج تأشيرة المهن المتخصصة "H-1B". إلا أنه يتوجب علينا أيضاً النظر في الآثار الكبيرة على هجرة أصحاب الخبرات والكفاءات العالية، وكذلك الاقتصاد.