على الرغم من النوايا الحسنة والقبول واسع النطاق لأهمية الابتكار وضرورة تأسيس وحدة ابتكار في الشركات، إلا أنّ المجهودات المبذولة في الشركات الكبرى غالباً ما تفتقر إلى همة وإطار عمل واضحين، ما يؤدي إلى خروج هذه الشركات عن المسار الصحيح.
في إحدى شركات الطاقة الأوروبية الكبرى التي قمنا باستشارتها، كان هناك ما لا يقل عن أربعة اختصاصات منفصلة بالشركة – من المفترض أنها كانت تعمل على الابتكارات – إلا أنّ أياً منها لم يقم بدعم الاحتياجات الهامة على مستوى وحدات الأعمال. بل الأسوأ من ذلك، أنّ هذه الاختصاصات المتنوعة كانت تتنافس داخلياً فيما بينها على اقتناص المساحات والموارد، بينما تكرر أعمال بعضها البعض.
هكذا نجد أنه حتى الشركات التي تدار بشكل جيد والتي أصبحت على دراية جيدة بممارسات الإدارة الحديثة يمكن ومن دون إدراك أن تخلق بيئة معادية للابتكار. ولهذه الأسباب مجتمعة تحتاج الشركات الكبرى إلى أن تفرض تأسيس وحدة ابتكار مستقلة يترأسها أحد كبار التنفيذيين ممن يعملون تحت إشراف الرئيس التنفيذي.
المركز الأوروبي للابتكار الاستراتيجي (آي إس سي آي) (ECSI). في أثناء عملنا بالمركز قمنا بالبحث على نطاق واسع فيما يخص دور وحدات الابتكار الناجحة. وبناء على نتائج البحث طورنا إطار عمل يقوم بتقسيم دور وحدة الابتكار بالشركة إلى سبع مهام مستقلة. والأدوار السبعة هي: تصميم مظلة للابتكار، ودعم أفضل الممارسات والأساليب، وتطوير المهارات، ودعم مبادرات وحدة الأعمال، وتحديد أماكن السوق الجديدة، وتسهيل عملية توليد الأفكار، وتوجيه التمويل الأولي.
يقدم إطار العمل الإرشاد المنهجي للمساعدة في اتخاذ القرار بشأن ما يجب فعله وما يجب تجنبه للارتقاء بمستوى الأداء الابتكار ي للشركة بشكل شامل.
على سبيل المثال، عندما تفحصنا مركز كبار الشخصيات بشركة سامسونج، رأينا أنّ الشركة تركز بشكل بارز على التعريف بأفضل الممارسات وتطوير المهارات ودعم مبادرات وحدة الأعمال بحيث لا تضيع الأفكار الجوهرية هباء. كما تدار أوجه عملية الابتكار الأخرى في شركة سامسونج بصورة جيدة نسبياً على مستوى التشغيل. وما أرادته الشركة هو إنشاء مركز هام يستطيع تدريب أعضاء فريق العمل على مستوى وحدات الأعمال ودعم أكثر المبادرات الخلاقة والهامة في الشركة.
منذ ذلك الحين استخدمنا إطار عمل الأدوار السبعة مع العملاء لإزالة الضبابية والغموض اللذين يحيطان عمل الشركة، وكذلك التطلعات غير الواقعية التي تحيط بمهمة وحدات الابتكار ونطاق عملها في كثير من الأحيان. كما اكتشفنا أيضاً أنّ تحويل نظام السبعة أدوار إلى هيكل تنظيمي متماسك من أجل وحدة الابتكار الخاصة بهم يعد من التحديات الكبيرة التي تواجه مسؤولي الابتكار. ولمساعدتهم على مواجهة ذلك التحدي بنجاح، قمنا باستكمال إطار العمل الخاص بنا وذلك بتصميم مصفوفة بسيطة. ومن خلال الإجابة عن سؤالين بسيطين تستطيع الشركات تصور أنسب قالب تنظيمي يتسق مع مركزها الذي اختارته على مخطط الشبكة العنكبوتية للأدوار السبعة.
هل تلعب وحدة الابتكار بالشركة دور "المنسق" داخل الشركة أم أنها "المالك" لمبادرات الابتكار؟ يستطلع هذا السؤال نموذج الدعم الخاص بوحدة الابتكار. في الحالة الأولى، تقوم وحدة الابتكار بمراجعة المبادرات أو تيسيرها أو التعجيل بها، في حين تحتفظ وحدات الأعمال بالملكية. وفي الحالة الثانية، تقوم وحدة الابتكار مباشرة بطرح الأفكار الجديدة وتمويلها وتطويرها وتجربتها (بالتركيز عادة على الابتكار المتقطع) بميزانية وطاقم عمل مخصصين وبأهدافها الخاصة.
ما مدى مركزية وحدة الابتكار؟ في الحالات القصوى عند تأسيس وحدة ابتكار ، يمكن ببساطة أن تكون وحدة الابتكار في مبنى مركزي (يقع عادة بالقرب من المقر الرئيسي للشركة). وبدلاً من ذلك، يمكن تنظيمها باستخدام نموذج شبكي مع الأشخاص والأنشطة المتناثرة جغرافياً.
يؤدي دمج هذين البعدين – نوع الدعم ومستوى المركزية – إلى مصفوفة 2×2 ذات أربعة أجزاء، كل جزء يمثل نموذجاً أصلياً مختلفاً (على الرغم من أنّ النماذج المختلطة ممكنة).
دعونا نفحص كل نموذج أصلي على حدة.
وحدة الدعم المركزية عادة تحظى بميزانية منخفضة وعمالة قليلة من موظفي الشركة، وهي مسؤولة عن تطوير الإرشادات والإجراءات لإدارة قُمع (مخروط) الابتكار (أي اتباع عملية البوابات المرحلية التقليدية). وأحياناً تكون أيضاً مسؤولة عن تدريب الآخرين على طرق الابتكار وتقديم دعم مقارب للاستشارات إلى مبادرات الابتكار الخاصة بوحدات الأعمال. وفي ذلك النموذج الأصلي، تظل مسؤولية مشروعات الابتكار على مستوى وحدة الأعمال. وغالباً ما يوجد هذا النموذج في الشركات الكبيرة ذات وحدات الأعمال المتعددة والتي تتمتع باستقلالية شديدة وثقافة متوارثة/محافظة.
يوجد نموذج أكثر حداثة وهو مجتمع الممارسين، حيث يلعب فريق عمل أساسي على مستوى الشركة دور مركز التميز الذي يقوم بتنسيق العمل بين مجموعة قابلة للتطور من خبراء الابتكار في وحدات الأعمال. ويكون للخبراء وظائفهم في وحدة العمل ولكنهم تلقوا تدريباً على أساليب الابتكار وأدواته وتم اعتمادهم رسمياً، ويمكنهم تدريب الموظفين الآخرين أو إدارة مشروعات الابتكار في المؤسسة. وشركة إنتويت (Intuit) مثال على ذلك؛ فمن أجل المساعدة على نشر برنامجها "التصميم للمتعة"، قامت الشركة بتدريب 200 موظف محفز للابتكار على منهجية التفكير التصميمي بغرض دعم الموظفين وفرق العمل في تطبيق الأساليب والتجارب والتعلم بشكل أسرع. وقد لعب الموظفون محفزو الابتكار – بوصفهم مجتمع ذاتي الإدارة – دوراً أساسياً في تطبيق أساليب جديدة للابتكار بشكل مستمر في كافة أقسام المؤسسة، وقاموا برفع مستوى الأداء الابتكاري في المؤسسة بأكملها.
وقد اكتسب نموذج مركز الابتكار الموحد بعض الزخم مؤخراً؛ حيث بدأت بعض الشركات بالاستثمار في تشييد المباني ذات الطراز المعماري الفريد في مقراتها الرئيسية. وتوفر الشركات في هذه المباني مساحات مخصصة لتوليد الأفكار الإبداعية، والتعجيل بافتتاح مشاريع الابتكارات واحتضانها وإنشاء مراكز للبحوث وأكاديميات للابتكار. وفي عام 2018 افتتحت شركة ميرك (Merck) مركز ابتكار جديد بمقرها الرئيسي في مدينة دارمشتات الألمانية؛ حيث يجتمع الأشخاص والتقنيات والمهارات من داخل وخارج الشركة تحت سقف واحد، وأصبح مركز ميرك للابتكار مبنى يثير الإلهام. وتشرح ميرك السؤال الذي أدى إلى إنشاء مركز الابتكار بهذه الطريقة: "ماذا لو تضافرت العقول الوثابة من جميع قطاعات الأعمال مع المبتكرين الخارجيين لتطوير ابتكارات تتجاوز الحدود الحالية؟ ألن يكون مثالياً أن نمتلك مكاناً لاستكمال أعمال البحث والتطوير الحالية، حيث يمكننا المساعدة في تطوير الأفكار كي تصبح فرصاً جديدة للأعمال التجارية التي تتوفر لها مقومات النجاح خارج نطاق عملنا الحالي؟".
ويعد نموذج شبكة محاور التجميع ومسارات التوزيع نموذجاً لا مركزياً يقوم فيه المركز بالتنسيق بين شبكة من مراكز الابتكار والمواقع البعيدة في العديد من المواقع الفعالة حول العالم. أحد هذه الأمثلة البارزة هي وحدة ابتكار جونسون آند جونسون (Johnson & Johnson)، حيث تنسق الوحدة بين العديد من العناصر التابعة – وهي أربعة مراكز إقليمية للابتكار (مقرها في محاور تجميع عالمية مثل وادي السيليكون) لتزويد العلماء ورواد الأعمال والشركات الناشئة بإمكانية التوصل إلى الموارد الواسعة لمنظومة الابتكار البيئية لشركة جونسون آند جونسون، علاوة على أحد عشر معملاً تؤدي دور مسرعات وحاضنات للأعمال. وكذلك توجد حالة أخرى وهي شركة أيه تي آند تي (AT&T) التي أنشأت العديد من "بوتقات صهر الأفكار" لاستكشاف المواضيع المستجدة المثيرة (مثل أمن الإنترنت والرعاية الصحية المتصلة) في الأماكن الجغرافية الساخنة ذات الصلة.
يعتمد الاختيار الصحيح للنموذج الأصلي لأية مؤسسة على مهمتها المحددة ووضعها بالنسبة لإطار عمل الأدوار السبعة. إذا كانت مهمة أحد وحدات العمل تركز بوضوح على بناء القدرات والتدريب وتيسير الأعمال، فحينئذ سيناسبها نموذج مجتمع الممارسين؛ حيث أنه أيضاً قابل للتطوير بسهولة فيما يتعلق بالاستثمارات. وعلى النقيض، إذا كان تركيز وحدة العمل بشكل أكبر على استكشاف النظم البيئية الخارجية والاقتراب من المناطق المثيرة والبدء في احتضان الأعمال، فسوف يناسبها حينها نموذج شبكة محاور التجميع ومسارات التوزيع للمواقع البعيدة بشكل أكبر من نموذج المبنى المركزي الواحد. وعلى الرغم من عدم وجود نموذج مفضل، إذ أنّ النماذج الأصلية المختلفة يمكن أن تنطبق على مختلف الأهداف والحالات، فإننا ننصح دائماً بالبدء بتطبيق إطار عمل الأدوار السبعة أولاً. بعد ذلك، يمكنك أن تطبق مخطط شبكتك العنكبوتية المستقبلية على الأدوار السبعة وتسأل: "ما هو النموذج المؤسسي الأصلي الذي يناسب المهمة المستهدفة والأدوار الخاصة بوحدة الابتكار؟".
إنّ استخدام هاتين الأداتين البسيطتين معاً يساعد على توضيح الرؤية الخاصة بوحدة الابتكار التي تم تأسيسها حديثاً بالشركة، فكونها كياناً تنظيمياً وُضع في بنية تقليدية يجعل هناك حاجة ملحة للعثور على سبب لوجودها وخلق قيمة لها.