إليك هذا المقال عن بناء سلسلة إمداد مستدامة تحديداً. منهج شركة تيفاني كمبادر في قطاع المجوهرات الذي يسعى لمعالجة قضايا البيئة وحقوق الناس.
عندما أفكر في المزايا التنافسية لشركتنا "تيفاني"، فإن أول ما يخطر في بالي هو ميزة التكامل العمودي، وذلك لسببين اثنين: الأول اعتقادنا المهني المتأصّل بأن شركات السلع الكمالية الكبرى يجب أن تصنّع تصاميمها الخاصة بنفسها، والثاني اعتقادنا الراسخ أيضاً بأن إمكانية التعقّب هي أفضل الوسائل المتاحة لضمان الوفاء بالمسؤولية الاجتماعية والبيئية. وبإلقاء نظرة إلى الأمور التي أسهمت في إثراء رؤيتي في مسيرة بناء مستقبلي المهني، أُدرك أنني كنت ولا أزال شغوفاً بثلاثة أمور: الأول هو العلامات التجارية الفارقة؛ فلطالما ذُهلت بمدى المساهمة الرائعة للعلامة التجارية الفارقة في نشر ثقافة الشركة وقيمها. والثاني هو السفر إلى جميع أنحاء العالم؛ فمنذ طفولتي التي قضيتها في فرنسا، وأنا يتملّكني الفضول لاكتشاف ثقافات وأماكن جديدة وطرائق مختلفة في التفكير من كل بقاع العالم. أما الثالث فيكمن في عالم الفن والتعبير، أي كل ما يُعنى بابتكار وخلق واقتناء الأشياء التي لا تقتصر قيمتها على وظيفتها فحسب، وإنما تنبع من جمالها الحقيقي. ولقد كنت محظوظاً جداً لأنني عملت مع شركات أتاحت لي فرصة السعي وراء شغفي.
لقد بدأتُ مساري المهني بالعمل لدى شركة "بروكتر آند غامبل"، وهي شركة عالمية كبرى، كانت عملياً أول من ابتكر إدارة العلامات التجارية الفارقة، فكان عملها يصبّ في اثنين من اهتماماتي. فقد أتاح لي عملي في هذه الشركة فرصة المساعدة في تسويق منتجات قطّاعات متنوعة في بلدان مختلفة. أما عملي التالي - بعدما تخرجت من كلية "هارفارد للأعمال" - فكان مع مجموعة "فيروتزي" (Ferruzzi)، وهي شركة في إيطاليا تعمل في مجالي الزراعة والصناعة. ومن ثمّ انتقلت للعمل في "مارس"، وهي شركة شوكولاته مقرّها الولايات المتحدة.
قبل الانضمام للعمل مع شركة تيفاني، قضيت 15 عاماً في العمل لدى "إل في إم ايتش" Moët)(Hennessy Louis Vuitton، وهو تكتّل شركات لبيع السلع الكمالية الفاخرة، مقرّه في باريس. كانت تلك المرة الأولى التي تجتمع فيها اهتماماتي الثلاثة في شركة واحدة. لقد كانت "إل في إم ايتش" شركة عالمية تُعنى ببيع المنتجات الكمالية الفاخرة ذات العلامات التجارية الفارقة، وتُصنّع حقّاً منتجات فنية رائعة الجمال. وفي السنوات الأولى من الألفية الثانية، عُيّنتُ مديراً تنفيذياً لشركة "مويت آند شاندون"، التابعة للمجموعة والتي تبلغ قيمتها 1,2 مليار يورو.
وبينما كنت أعمل في ذلك المجال، بدأت أُركّز اهتمامي على عامل الاستدامة، وكيف ينبغي على قادة الأعمال النظر إلى أنفسهم كوكلاء مدافعين عن الموارد الطبيعية.
في سنة 2010، تلقيت اتصالاً للعمل في شركة تيفاني. وكنت وقتها متحمّساً جداً. صحيح أن أمريكا وفّرت بيئة صالحة لنشوء شركات كبرى، لكنني أرى أن معظم المنتجات الفاخرة التي تمتاز بعلامة تجارية فارقة حقاّ لا تزال تتّخذ من أوروبا مقرّاً لها. غير أن "تيفاني" تُعدّ استثناءً رئيساً. ولما كانت هذه الشركة قد أقلعت في هذا السوق الأمريكي الكبير، فإنها لم تنمُ وتتوسّع عالمياً كما لو كانت قد انطلقت في بلد أصغر. وكلما بحثتُ أكثر في هذا الأمر، أدركت حجم الطاقة الكامنة لهذه الشركة على النمو والتوسّع عالمياً. فلدى "تيفاني" تاريخ مشرّف حافل بالمفاخر، غير أنها كانت دائماً متواضعة وخجولة في تعبيرها عن طابعها أمام المستهلكين.
تمّ توظيفي في شركة تيفاني مع توجّه واضح نحو خلافة "مايك كوالسكي" في الإدارة، الذي كان يومها رئيس "تيفاني" التنفيذي، ويتولّى الآن منصب رئيس مجلس إدارة غير تنفيذي. لقد انضممت فريدريك كيومينال إلى الشركة كنائب تنفيذي للرئيس، وفي غضون ثلاثة أعوام أصبحت رئيساً للشركة. ولقد عملت عن كثب مع "مايك" بغية الإحاطة بجوانب العمل كافة، إذ إنني كنت أتحضّر لأن أتسلّم دفة القيادة مكانه، وفكّرت حينئذ في سلم أولوياتي عندما أتولى زمام الإدارة، وكان ذلك في أبريل/ نيسان 2015. وعندما شرعت بالعمل على تنفيذ تلك الأولويات، كان هدف بناء سلسلة إمداد مستدامة ومسؤولة اجتماعياً يكاد أن يتصدّر القائمة.
تجنّب التعامل مع "الماس المُموِّل للصراعات"
لم يكن أحد يستخدم مفردة "الاستدامة" عندما شارك "تشارلز لويس تيفاني" في تأسيس هذه الشركة عام 1837، في نيويورك. بيد أن السيد تيفاني قد كان سابقاً لعصره من خلال أسلوب عمله الخاص. فبعد افتتاح متجره في مانهاتن، راح يتّبع أساليب عمل فريدة لا تزال مؤثرة حتى اليوم في تميّز الشركة عن سواها من الشركات المنافسة.
كان أغلب الصّاغة في القرن التاسع عشر مجرد تجّار، ولا يزال ذلك صحيحاً حتى الآن. إذ إن عملهم كان يقتصر على شراء المنتجات من الوسطاء وبيعها مجدداً. أما بحلول عام 1848، فقد وظّف السيد تيفاني العشرات من الحرفيين للعمل في ورشة فوق المتجر، وبدأت الشركة تُصنّع مجوهراتها في ورشتها الخاصة. لقد أراد تيفاني تصميم وتصنيع المنتجات التي يبيعها والتعبير عن رؤيته الفنية الخاصة وموهبته الفريدة. ولم يكن ذلك سوى الخطوة الأولى نحو استراتيجية التكامل العمودي. ومع أفول القرن التاسع عشر، كان تيفاني قد بنى مشغلاً داخلياً لقصّ وصقل حبّات الماس وفق أعلى معايير الجودة والإتقان. لم يؤدّ ذلك بالضرورة إلى جعل شركة تيفاني صديقة للبيئة أكثر من منافسيها، وإنما أسهم في مساعدتها على التحكم أكثر في بناء سلسلة إمداد مستدامة بالفعل، الأمر الذي أصبح لاحقاً ذا أهمية كبيرة.
بناء سلسلة إمداد مستدامة
بدأ اهتمام "تيفاني" بموضوع الاستدامة منذ حوالي 25 عاماً. إذ بعد عرض أسهمها للبيع في عام 1987 ركّزت الشركة خلال العقد التالي على النمو والتوسع خارج البلاد. ولذلك كانت بحاجة إلى المزيد من المعادن النفيسة والكثير من الألماس الخام. وفي الوقت ذاته، كان وعي الناس لتكاليف التنقيب البيئية والبشرية في تزايد مستمر، وبخاصة لأن التنقيب غالباً ما يتطلّب استخدام مادة "السيانيد" وغيرها من المواد الكيميائية السامة بغية استخلاص المعادن النفيسة (وخاصة الذهب) من الفلذّات الخام، إضافة إلى حقيقة أن منشأ بعض حبّات الماس بلدان تعاني من صراعات سياسية أو انتهاكات لحقوق الإنسان، لذلك قد تُسهم تجارة الألماس هناك في تمويل الصراع وإذكاء العنف. لقد تزايد الوعي لما يسمى "بالماس المُموِّل للصراعات" وخاصة بعد عرض فيلم "ألماس الدم" من بطولة "ليوناردو دي كابريو" في سنة 2006.
في العقد الذي سبق قدومي إلى شركة "تيفاتي"، كانت هذه الشركة رائدة في معالجة القضايا البيئية وتلك المتعلقة بحقوق الإنسان، فعارض قادتها بشدة مقترحات لإنشاء مناجم ذهب ونحاس في خليج بريستول البكر الموجود في"آلاسكا" وفي محمية "يلوستون" الطبيعية الوطنية. وفي عام 2003، كان لشركة تيفاني دور قيادي في الجهود الرامية إلى التحاق أميركا بنظام عملية "كيمبرلي" لإصدار شهادات المنشأ، والهادف إلى وقف تدفّق الماس المُموِّل للصراعات (لقد قرّرت "تيفاني" المضي أبعد من ذلك، فامتنعت عن شراء الأحجار من أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزيمبابوي، بالرغم من أن هذه البلدان مشاركة بنظام عملية كيمبرلي، وذلك بسبب مخاوف الشركة من انتهاكات حقوق الإنسان في تلك الدول). وفي سنة 2006 أسهمت "تيفاني" في تأسيس مبادرة ضمان التنقيب المسؤول، التي تهدف لأن تكون أول نظام منح شهادات مستقل في العالم للعمل المسؤول ضمن مواقع التنقيب الكبرى.
ولا تقتصر مساعينا وجهودنا المتعلقة بالتزّود المسؤول بالمواد الأولية على الذهب والماس. فعلى سبيل المثال، منذ أكثر من عشر سنوات كنّا من بين أولى الشركات الداعية إلى إيقاف استعمال المرجان في المجوهرات، كما عملنا على تثقيف الشركات في قطاعنا بأن المرجان ليس حجراً ولا نباتاً، وإنما حيوان حيّ وجزء لا يتجزأ من سلامة النظُم البيئية البحرية.
بناء سلسلة إمداد مستدامة والاهتمام بالناس وتحسين ظروف عيشهم
كنت أعرف القليل عن هذه القضايا عندما انضممت لفريق العمل في شركة تيفاني، لكنني سرعان ما تعلمت المزيد. بدأت بجولات على مشاغلنا الموّزعة في كل أنحاء العالم، فلدينا خمس ورشات يجري فيها قص وصقل حبات الماس، إضافة إلى أربع منشآت لتصنيع المجوهرات وتلميعها. إن أول ما يخطر في بالنا عندما نطرح مفهوم الاستدامة هو عامل البيئة، لأن عملية التنقيب بطبيعتها تخرّب التربة وبالتالي سيكون لها أثر بيئي سلبي. لكن كيفية التعامل مع موظفينا وكذلك مع موظفي مناجم التنقيب هو أمر مهم وحاسم بالنسبة لنا أيضاً. فعندما زرت ورشاتنا التي تعالج حبات الماس والمناجم التي تورّدها لنا، أوليت اهتماماً خاصاً للبيئة الاجتماعية المحيطة بها ولمدى تطورها. وأذكر بشكل خاص زيارتي الأولى لورشتنا في بوتسفانا، وهي بلد ديموقراطي غير ساحلي مؤلف في معظمه من مناطق صحراوية. وعلى مدار الأربعين سنة الماضية، عملت حكومة ذلك البلد على ضمان أن يصبّ استخلاص موردها الطبيعي الرئيس، ألا وهو الألماس، في مصلحة جميع مواطنيها. إننا نفخر بأن نُسهم في تعزيز هذه الجهود، وذلك من خلال تدريب عمال محلّيّين على قص وصقل الماس وفق معايير الجودة العالية لشركتنا، وبالتالي مساعدتهم في تنمية مهاراتهم وتطوير معرفتهم التي يمكن توظيفها في ميادين أخرى غير معالجة الماس. ومنذ دخولنا إلى بوتسفانا، أسهمنا بأكثر من 51 مليون دولار لدعم اقتصاد ذلك البلد، حيث وصلت نسبة العمالة المحلية بين العمال المتخصّصين بصقل الألماس إلى 98% في سنة 2016.
لقد مكّننا عملنا القائم على استراتيجية التكامل العمودي من تعقّب مصادر حبات الماس الخام التي نستخدمها ومعرفة مناجمها ومورّديها. وخلافاً لمعظم تجّار المجوهرات، فإننا نقوم بشراء الماس من مصادره مباشرة، ولذلك فإننا نعلم بدقة مصدر كل حجر كريم. (كما إن حجم شركتنا يسمح لنا بأن نكون انتقائيين: فلا نقبل إلا بأحجار تُطابق معايير الجودة الصارمة لشركتنا، لا تتجاوز كمّيتها نسبة 0,04% من مجموع الأحجار المصنّفة "كريمة" في العالم). إننا نقوم في ورشاتنا بنقش كود مجهري خاص بوساطة الليزر على كل حجر كريم أكبر من 0,18 قيراط، يدلّ على مصدره الأصلي. وبالتالي يكون بمقدورنا ضمان تتبّع عهدة حبات الألماس لدينا. هناك العديد من تجّار المجوهرات الذين يشترون الماس من وسطاء يخلطون بشكل عشوائي حبات الماس التي حصلوا عليها من مورّدين متعدّدين. بإمكان شركة تيفاني وعملائها أن يفخروا بأن ألماسنا مصدر للتنمية الإيجابية في المجالَين الاقتصادي والاجتماعي.
في سنة 2014، قبل أن أتولى منصب الرئيس التنفيذي للشركة بأشهر قليلة، قرّرنا أن نضاعف الجهود لتحقيق درجة أعلى من السيطرة على بناء سلسلة إمداد مستدامة الخاصة بنا. تسمى أحجار الألماس الأصغر من 0.18 قيرط "حبات الماس العشوائية" وهي غالباً ما تُستخدم مع أحجار أخرى ضمن تركيبة واحدة، كالإحاطة بحجر ألماس كبير في الخاتم على سبيل المثال. وجرت العادة أن تُعامَل حبات الماس العشوائية بطريقة تختلف عن أحجار الألماس الأكبر حجماً؛ إن هذا النوع من حبات الماس أميل لأن يكون سلعة أساسية لا تمتلك خصائص فردية فارقة، ولم نكن نقصها أو نصقلها بأنفسنا إلا منذ سنوات قليلة فقط. ففي عام 2014، كان لدينا ورشات عمل لصقل أحجار الماس الكبيرة في بلجيكا وبوتسفانا وماوريتيوس، إضافة إلى ورشة واحدة لصقل حبات الماس العشوائية في فيتنام. وبغية تنويع قدراتنا الاستيعابية على تلميع الألماس وصقله تماشياً مع تزايد الطلب على حبات الماس العشوائية، فقد قررنا أن ننشئ مشغلاً جديداً في كامبوديا.
في ذلك الوقت كان قطّاع صناعة الألبسة قد بدأ بمغادرة كامبوديا إلى بلدان ذات أجور منخفضة. وعندما زرتُ تلك المنطقة ذُهلتُ بمهارة عمّال قطّاع الألبسة، الذين كانوا يخسرون وظائفهم، وبالتزامهم بأخلاق ومعايير العمل. فقمنا بتدريبهم على التعامل مع حبات الماس العشوائية في ورشة صُمّمت خصّيصاً لذلك وحصلت على شهادة "القيادة في مجال الطاقة والتصميم البيئي" في العاصمة "بنوم بنه". كما قمنا بالتعاقد مع خبير اقتصادي بهدف الوصول إلى طريقة جديدة لحساب أجور عادلة للعمّال تناسب تكاليف عيشهم الواقعية وفقاً لعوامل متعددة، مثل حجم الأسرة وتكاليف السكن والمواصلات وغيرها. كما أقرّينا وجبات طعام مجانية للعمّال، وإجازة أمومة، كما ألغينا الورديات الليلية المتأخرة وورديات عطلة الأسبوع، وهو أمر مهم بالنسبة للأهل لكي لا يبقى أولادهم في البيت لوحدهم بعد انتهاء دوام المدرسة. وقد بلغ عدد الموظفين في منشأة كامبوديا اليوم ما يقارب 800 عاملاً. لا يزال العدد الأكبر من شركات قطّاعنا يلجأ في تنفيذ هذا النوع من الأعمال إلى آلية التعاقد الخارجي، غير أننا نجد أن ميزات ورشاتنا الداخلية لا تقتصر على كونها ذات كفاءة عالية، بل توفّر أيضاً للعمال سوية عيش كريم.
تثقيف الزبائن عن بناء سلسلة إمداد مستدامة
بعد وقت قصير من تولّي منصب الرئيس التنفيذي للشركة، أنشأت منصباً جديداً كلياً باسم "رئيس شؤون الاستدامة" يتبع لي مباشرة. لا يمتلك سوى عدد قليل من شركات السلع الكمالية الفاخرة مثل هذا المنصب؛ أما الشركات التي تفعل، فعادة ما يكون فيها صاحب ذلك المنصب تابعاً لمدير آخر في طابق المدراء غير الرئيس التنفيذي ذاته. غير أنني وجدت أنه من المهم بث رسائل إلى داخل الشركة وإلى قطّاع السلع الفاخرة بكامله بأن مسألة الاستدامة تحتل مكانة بالغة الأهمية في شركتنا. وقد اخترتُ لشغل هذا المنصب إحدى موظفاتنا المخضرمات، السيدة "أنيسا كامادولي كوستا"، التي تتمتع بشخصية جذابة وموجَّهة نحو تنفيذ المهمات. وقد حدّدنا بقيادتها هدفاً طموحاً، ألا وهو تخفيض معدل انبعاثات غازات الدفيئة في مواقعنا وورشاتنا إلى الصفر بحلول عام 2050، ووضعنا خطّة تنفيذية مُحكمة من شأنها أن توصلنا إلى ذلك الهدف. لقد شكّلت تلك الخطوة حدثاً مهماً بالنسبة لشركة تيفاني: فلطالما تركّز جلُّ اهتمامنا على قضايا الاستدامة المرتبطة بقطّاع عملنا، وهكذا باتت مشكلة التحوّل المناخي جزءاً من جدول أعمالنا اليومي في مجال الاستدامة.
كما نخطّط في العام 2017 لاتّخاذ خطوة مهمّة لتحقيق درجة أعلى من التحكّم بسلسلة إمداداتنا. صحيح أن تيفاني هي شركة أمريكية، غير أنها في واقع الأمر شركة "نيويوركية"، أي شركة من نتاج رأس المال العالمي الخلاق. فمدينة نيويورك هي مكان تأسيس شركتنا ومقرها الرئيس ومقر متاجرنا الأساسية. ولذلك فإننا نخطّط لإنشاء مركز للابتكار في نيويورك يجمع العناصر الفاعلة الرئيسة في مجالات البحث والتطوير، وتصميم المنتجات، وتصنيعها، وسلسلة الإمداد، تحت سقف واحد. إننا نعتقد بأن تجميع الخبراء والمبدعين وتشجيعهم على التعاون فيما بينهم سيمكّننا من التقدّم أسرع وتحقيق الابتكارات والإبداعات والتصاميم العظيمة، وكذلك من لحظ موضوع الاستدامة في جميع مراحل العملية الإنتاجية. وذلك مثال آخر على ميزات كوننا أكثر تكاملاً من منافسينا في السوق.
من المنجم إلى الخاتم
1. منجم ديافيك في شمالي غرب كندا، حيث مصدر العديد من حبّات ألماس شركة تيفاني. 2. وضع خطة لمعالجة ماسة خام باستخدام برنامج تصميم ثلاثي الأبعاد في ورشة تابعة لشركة تيفاني في مدينة أنتويرب البلجيكية. 3. ماسة يجري صقلها بوساطة مجلخ مغطى ببلورات ماسية. 4. عمال الصقل في ورشة تابعة لشركة تيفاني في مدينة أنتويرب البلجيكية. 5. ماسة يجري تفحّصها تحت المجهر الضوئي للتأكد من جودتها. 6. حرفيّ في نيويورك يجهّز إطاراً لتركيب الماسة.
على الرغم من أننا نولي اهتماماً خاصاً لتصنيع منتجاتنا بالتزام ومسؤولية، إلا أننا لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه من حيث تثقيف زبائننا حول فوائد هذا الالتزام. إننا نلمس اهتماماً متزايداً بموضوع الاستدامة لدى زبائننا وبخاصة لدى شرائهم خواتم الخطوبة، غير أنه لا يزال من الصعب تحديد مدى تأثّر السلوك الشرائي في الواقع بالممارسات المسؤولة اجتماعياً.
إننا نبيع الكثير من خواتم الخطوبة لشبّانٍ في مقتبل العمر، عادة ما تكون خبرتهم في مجال المجوهرات محدودة نسبياً، وهذه هي المرة الأولى التي يشترون فيها مجوهرة كبيرة. وهكذا يجد أولئك الشبّان أنفسهم أمام كمٍّ كبير من المعلومات الجديدة التي عليهم تعلّمها واستيعابها عن قَطْع ووزن ونقاء ولون المجوهرة، وعن بُعدِها الخامس الخاص بشركة تيفاني، ألا وهو بعد "الحضور" (دقة القَطْع والتّناظر والصّقل التي لها أثر بالغ في تألّق الماسة ووميضها وتشتيتها للضوء ومظهرها العام). ولا شك أن تثقيف أولئك الشبان حول ممارسات الاستدامة إلى جانب هذا الكمّ الكبير من المعلومات، يشكّل تحدّياً كبيراً بالنسبة لنا؛ غير أننا ندرّب كوادرنا المتخصصين في التعامل مع الزبائن على إخبارهم كيف أن طرائقنا في التزوّد بالمواد الأولية تختلف عن طرائق منافسينا، وعلى تشجيعهم على أخذ تلك الممارسات بالحسبان عندما يختارون المتجر الذي سيشترون منه مجوهراتهم. يولي الشباب اهتماماً متزايداً بمصادر غذائهم، وهكذا
فإننا نتوقع منهم أن يهتمّوا أيضاً بمصادر الماسات التي يشترونها. ومن جهتنا، سنمضي قدماً في الاستثمار في تثقيف زبائننا بغية تنفيذ مسؤوليتنا الاجتماعية.
التأقلم مع التغيّرات الديموغرافية
لقد واجهتنا في الأعوام القليلة الماضية، مثلنا في ذلك مثل باقي شركات السلع الكمالية، تحديات كبيرة في السوق. ولعلّ تحسّن الدولار الأمريكي يضغط على بعض تكاليفنا ويؤثّر على أنماط إنفاق الزبائن. يميل الكثيرون إلى شراء السلع الكمالية أثناء السفر. غير أن الأحداث الأخيرة قد أثّرت (ومن المتوقّع أن تستمرّ في التأثير) في أنماط تنقّل الناس حول العالم. فعلى سبيل المثال كان المستهلكون الصينيون على مدى الخمسة عشر عاماً الماضية يشكّلون محرّكاً أساسياً لنمو شركات السلع الكمالية داخل الصين، وكذلك في أماكن سفرهم. غير أن هذه الحال قد تتغيّر خلال السنة القادمة، وذلك بسبب القرارات المتّخذة في بكين لزيادة الضريبة على السلع المستوردة. وعلاوة على ذلك فإننا نعيش اليوم في عالم يفتقد للأمان بشكل مضطّرد، الأمر الذي يدفع الناس إلى إعادة النظر في علاقتهم مع السلع الكمالية.
وهكذا تُجبرنا التغيرات الديموغرافية على أن نكون أكثر إبداعاً وابتكاراً. فعلى سبيل المثال تتناقص معدلات الزواج في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية بشكل طفيف، ولمّا كانت مشتريات مجوهرات الزواج قد شكّلت نسبة 29% من أرباحنا العالمية في العام 2015، فإننا نراقب عن كثب تطوّر معدلات الزواج عموماً، ولكننا نشهد أيضاً أن طقوس الخطوبة تتطور في أماكن أخرى من العالم، وبخاصة في الصين. ولهذا نعتقد أن سوق خواتم الخطوبة والزواج عموماً ينمو بالمحصّلة. علاوة على ذلك، أمامنا طرق أخرى لتوسيع مبيعاتنا: كما أن الأزواج أصبحوا اليوم يتهادون الخواتم والمجوهرات الأخرى للتعبير عن التزامهم ببعضهم خارج المؤسسة الزوجية، وأيضاً يُنظر إلى المجوهرات بشكل متزايد بوصفها تعبيراً عن الحب بشكل عام - حب الشريك أو القريب أو الصديق (وفي مركزنا الإبداعي الجديد يعمل الخبراء على تصميم منتجات مناسبة لجميع هذه العلاقات). فالحب سيبقى موجوداً طالما الحياة قائمة، بغض النظر عن التغيّرات الديموغرافية. ذلك هو اعتقادنا الراسخ.
إننا على ثقة أيضاً أن استراتيجيتنا في التكامل العمودي لا تزال صالحة. وبالنسبة لي، فإن حقيقة أننا نصمّم ونصنّع الغالبية العظمى من منتجاتنا ليست فقط مسألة سمعة أو جودة أو إتقان، بل هي ممارسة تكتسب أهمية خاصة في سوق السلع الكمالية على وجه الخصوص. وأعتقد أن أكثر متاجر السلع الكمالية نجاحاً في المستقبل ستكون تلك التي تتمتع بأكبر قدر من التكامل.
عندما تواجه الشركة مرحلة صعبة، من الطبيعي أن تُعيد النظر بهياكل تكاليفها. وقد تُسارع بعض الشركات إلى إلغاء مبادراتها المتّصلة بمسؤولياتها الاجتماعية أولاً إذا ما عانت من صعوبات مالية. لكننا في شركة تيفاني لا ننظر إلى الاستدامة بوصفها من التكاليف، بل بوصفها طريقة عمل وميزة تنافسية لا نرغب أبداً بالتخلي عنها أو تغييرها.