كيف تحفز موظفاً يؤدي مهمات مملة؟

5 دقائق
المهام المضجرة

ملخص: لا مفرّ من المهام المضجرة، في حين نبذل جهدنا لملء حياتنا الشخصية والمهنية بمهام غامرة نندمج فيها، لدينا مهام كثيرة جداً لا تحتاج إلى مهارات ولكنها ضرورية لاستمرار العمل في مؤسساتنا، وسيكون من المفيد التوصل إلى طرق لأدائها على نحو أفضل. في هذا المقال، تصف المؤلفة مفهوماً يسمى "الانهماك العارض" يساعد أياً منا على المثابرة في أداء المهام المضجرة، إذ توصلت مع زملائها في سلسلة دراسات أجروها على ما يزيد على 2,000 مشارك إلى أن الإنسان يتوقف عن أداء المهام المضجرة في وقت مبكر لأنها لا تشغل القدر الكافي من انتباههم للحفاظ على اندماجهم فيها. وبالنتيجة يشكل إرفاق العمل المضجر بمهمة ثانوية تتطلب قدراً أكبر من الانتباه استراتيجية فعالة لتعزيز الاندماج، وبالتالي تعزيز القدرة على المثابرة. إلى جانب الفائدة التي تحققها هذه الاستراتيجية للأفراد، فهي مفيدة للمدراء الذين يسعون إلى مساعدة فرقهم على البقاء ضمن مسار العمل المحدد، والمؤسسات التي تسعى إلى تشجيع موظفيها على تبني سلوكيات صحية، ومصممي المنتجات الذين يسعون لتحسين معدلات استبقاء الزبائن.

 

نحاول جميعنا قضاء أيامنا في أداء مهام تزيد شعورنا بالاندماج في العمل، لكن في الواقع لدينا كثير من المهام المملة التي يجب إنجازها أيضاً. يتعين على كل منا أداء مهام مملة سواء كانت غسيل الصحون أو ترتيب المعاملات الورقية في ملفات أو إدخال البيانات، أو أي نوع من المهام الكثيرة التي لا تحتاج إلى المهارات ولكنها أساسية لاستمرار الحياة في منازلنا وشركاتنا ومجتمعاتنا. بالطبع، ليس من السهل المثابرة في أداء هذه المهام دائماً على الرغم من إدراكنا لضرورتها، ما الذي نحتاج إليه لنتمكن من المثابرة في الأعمال المملة؟

استكشف الباحثون هذه المسألة من عدة زوايا سعياً لفهم الطرق التي تعيننا على تعزيز القدرة على المثابرة لدينا ولدى من نهتم بأمرهم، وبيّنت الأبحاث أن الإنسان يتمكن من المثابرة مدة أطول عندما يراقب تقدمه أو يحصل على المكافآت أو عندما تصبح المهمة ممتعة أكثر. تعود هذه النتائج بآثار مباشرة على تصميم المنتجات والسياسات؛ مثلاً، يضيف مطورو فُرَش الأسنان الكهربائية أجهزة توقيت إليها، وتزيد الشركات الحوافز التي تهدف إلى تشجيع الموظفين على ممارسة مزيد من التمارين الرياضية، ويطبق المدراء عدداً من استراتيجيات تلعيب العمل لجعل مهام الموظفين ممتعة أكثر.

إلا أن بحثي الأخير خلص إلى أنه ثمة طريقة أفضل بالنسبة للمهام التي لا تتطلب الكثير من الانتباه، إذ أجريت مع شركائي في تأليفه سلسلة من الدراسات على ما يزيد على 2,000 مشارك ولاحظنا أنه في كثير من الحالات، يتوقف الموظفون عن أداء المهام في وقت مبكر ليس بسبب فقدان الحماس بل لأن المهام نفسها لا تتطلب انتباهاً كافياً بطبيعتها. في كثير من الأحيان تتضمن الاستراتيجيات التي تهدف إلى تعزيز القدرة على المثابرة تغيير أحد أوجه العمل نفسه، ولكن لن تتمكن من جعل مهمة غسيل الصحون مثيرة للحماس أو محفزة فكرياً بدرجة كبيرة؛ بدلاً من الاستمرار في محاولة تخفيف الشعور بالملل، تتمثل الطريقة الأكثر فعالية في إرفاق هذه المهمة بمهمة أخرى تتطلب درجة أكبر من الانتباه، نسمي هذا المفهوم الانهماك العارض.

ما الذي يجعل هذه الاستراتيجية مجدية؟ يسعى العقل بصورة أساسية للانغماس، ونشعر بالضجر عند القيام بمهام لا تحتاج إلى طاقة الانتباه الكبيرة المتاحة في أدمغتنا، ويؤدي ذلك إلى انسحابنا من هذه المهام قبل الأوان. ولكن إن قمنا بنشاط ثانٍ يمكننا الانغماس فيه بالتزامن مع المهمة التي لا تتطلب انتباهاً فسيستحوذ على الانتباه الفائض ويقلل الملل وبالتالي يزيد القدرة على المثابرة.

الانهماك العارض يقلل الشعور بالضجر ويزيد القدرة على المثابرة

عملنا بادئ الأمر على توثيق هذا الأثر عن طريق تجربة بسيطة صممت لقياس أثر الانهماك العارض في المدة التي يقضيها المشاركون في تنظيف أسنانهم. أخبرنا المشاركين أن الأسنان تصبح أنظف كلما طالت مدة تنظيفها، ثم طلبنا منهم تنظيف أسنانهم من دون تحديد المدة، وفي أثناء أدائهم هذه المهمة شاهد البعض مقطع فيديو يعرض مناظر طبيعية جميلة مترافقة مع الموسيقى وأصوات الطبيعة، في حين شاهد البعض الآخر مقطع فيديو وثائقياً مشوقاً أكثر عن الدببة والذئاب. كان لهذا التدخل البسيط أثر كبير: وسطياً، استمر المشاركون الذين شاهدوا المقطع المشوق بتنظيف أسنانهم وقتاً أطول بنسبة 30% مقارنة بمن شاهدوا مقطع الفيديو غير المشوق.

ثم اهتممنا بمقارنة الانهماك العارض مع الأساليب الشائعة الأخرى في زيادة القدرة على المثابرة التي وصفناها آنفاً. في إحدى الدراسات طلبنا من 3 مجموعات من المشاركين الاستمرار بتمرين بدني بسيط لأطول مدة ممكنة في أثناء القيام بنشاط ثانٍ، شاهد مشاركو مجموعة التحكم نقطة تتحرك على شاشة، ونظر مشاركو المجموعة الثانية إلى صورة جميلة ملتقطة تحت الماء واستمعوا إلى موسيقى البيانو المرافقة، أما مشاركو المجموعة الثالثة فقرؤوا قصة مشوقة. تمكن المشاركون الذين قرؤوا قصة مشوقة من الاستمرار مدة أطول بنسبة 10% مقارنة بمجموعة التحكم، في حين أن المشاركين الذين نظروا إلى الصورة الجميلة مع الاستماع إلى الموسيقى الجميلة ولكن غير الغامرة لم ترتفع قدرتهم على المثابرة (على الرغم من تقييمهم للتجربة على أنها ممتعة أكثر). في دراسة مكملة، قارنا نهج الانهماك العارض بنهج مراقبة التقدم عن طريق الطلب من المشاركين كتابة نص على جهاز الكمبيوتر لأطول مدة ممكنة. أدى تزويد المشاركين بجهاز مؤقت لمتابعة تقدمهم إلى زيادة المثابرة في أداء مهمة الكتابة، ما يشير إلى أن مراقبة تقدمك تساعد بالفعل، ولكن لاحظنا أن الاستماع لكتاب مسموع مشوق أدى إلى زيادة القدرة على المثابرة بدرجة أكبر.

وأخيراً، استكشفنا في دراستين إضافيتين قيداً أساسياً يعيق هذا النهج، لا يمكن للإنسان الانتباه إلى كثير من الأمور في نفس الوقت، وبالتالي لن يؤدي الانهماك العارض إلى زيادة المثابرة إلا إذا شغلت المهمتان الجزء الأكبر من قدرة الإنسان الكلية على الانتباه فقط، وليس أكثر منها. أدى الاستماع لكتاب مسموع مشوق إلى تعزيز القدرة على المثابرة في مهمة كتابة النص البسيطة التي استعنا بها في التجربة السابقة، ولكن عندما طلبنا من المشاركين أداء مهمة كتابة مشابهة ولكنها أكثر تعقيداً بدرجة طفيفة لم يكن للانهماك العارض أي تأثير. وبالمثل، تمكن المشاركون الذين يؤدون تمريناً بدنياً بسيطاً من المثابرة مدة أطول عند قراءة قصة مشوقة، ولكن ليس عند أداء مهمة حسابية تتطلب انتباهاً أكبر.

تطبيق نهج الانهماك العارض

كيف يمكن للأفراد والمدراء والمؤسسات الاستفادة من قوة الانهماك العارض؟ يبدي الكثيرون بالفعل فهماً حدسياً لهذا الأثر في حياتهم الشخصية، والاستماع إلى الموسيقى الغامرة أو المدونات الصوتية المشوقة في أثناء ممارسة التمارين الرياضية هو خير مثال واقعي على الانهماك العارض، ويمكن للموظفين ومدرائهم على حد سواء أيضاً الاستفادة من هذا النهج في كثير من الحالات ضمن مكان العمل.

فيما يتعلق بالمهام المكتبية التي لا تحتاج إلى المهارات، يستعين كثير من الموظفين بأدوات مراقبة مثل مؤقت العمل من أجل زيادة إنتاجيتهم، وقد يعتمد المدراء في حالات أخرى على حوافز مثل إتاحة وقت استراحة إضافي أو منح العلاوات لتحفيز موظفيهم. لهذا النوع من الاستراتيجيات حالات معينة تناسبه بالتأكيد، ولكن بحثنا يشير بأن الانهماك العارض قد يكون أكثر فاعلية في المهام التي لا تستدعي قدراً كبيراً من الانتباه، وقد يعني ذلك تشجيع الموظفين على الاستماع لكتاب مسموع في أثناء العمل على ترتيب المعاملات الورقية في الملفات، أو مشاهدة مقطع فيديو في أثناء تنظيف مكاتبهم أو قراءة مقال إخباري في أثناء تعبئة المغلفات.

كما يمكن أن يكون الانهماك العارض من الأدوات التي يستعين بها القادة الذين يركزون على تعزيز الصحة والسلامة في مؤسساتهم، مثلاً يمكن للشركة عرض قصص إخبارية يومية على مرايا الحمامات من أجل تشجيع الموظفين على غسل أيديهم مدة أطول. وبالمثل، يمكن للمدراء تعزيز قدرة الموظفين على المثابرة في مبادرات الصحة الجسدية مثل تحدي عدد الخطوات عن طريق تقديم كتب مسموعة مجانية يستمع لها الموظفون في أثناء المشي.

وأخيراً، يمكن لفِرق المنتجات الاستفادة من هذه النتائج في تصميم منتجاتهم. إن كنت تعمل على صناعة تطبيق ذكي لفُرَش الأسنان بهدف زيادة وقت تنظيف الأسنان، لاحظنا في بحثنا أنه بدلاً من تقديم مؤقت ببساطة يمكن للمطورين دمج مقاطع صوتية غامرة مدتها دقيقتين يستمع المستخدم لها في أثناء تنظيف أسنانه. وبالمثل يمكن أن تعمل منصات التطبيقات الذكية الخاصة بالتمارين الرياضية على دمج كتب مسموعة أو مدونات صوتية في هذه التطبيقات، وأن تشجع المستخدمين على الاستماع لهذا المحتوى المشوق في أثناء ممارسة الرياضة. سيعود هذا النهج بالفائدة على كل من الشركات والمستهلكين، إذ تساعد المستهلكين على زيادة مستويات لياقتهم واستخدام هذه التطبيقات مدة أطول. وأخيراً، بالنسبة للشركات التي تشغلها مسألة زيادة تفاعل العملاء واستبقائهم، تسلط دراستنا الضوء على أهمية بناء الأنشطة المترافقة كي يستحوذ المنتج على القدر الكافي من انتباه المستخدم (وليس أكثر مما ينبغي)، وسيعود ذلك بتبعات على الفِرق في مختلف مراحل دورة التطوير بدءاً من ابتكار الأفكار وصولاً إلى المبيعات والتسويق.

لا مفرّ من المهام المملة، وبالتأكيد يجب علينا جميعنا فعل ما يمكننا لملء عملنا وحياتنا بأنشطة تحث على الاندماج، ولكن نظراً لانتشار العمل الذي لا يتطلب الكثير من الانتباه وأهميته في حياتنا الشخصية والمهنية على حد سواء (وحياة موظفينا وعملائنا كذلك)، فسنستفيد جميعنا من التوصل إلى طرق تعيننا على المثابرة في هذه الأنشطة. يمثل الانهماك العارض استراتيجية بسيطة ولكنها فعالة لتمكين أي شخص من المثابرة بالعمل الذي يعلم أن أداءه واجب، ما يؤدي إلى تعزيز الإنتاجية الشخصية والنجاح المؤسسي والرفاهة على مستوى المجتمع بأكمله.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي