أعلن المرشح الرئاسي الأميركي بيرني ساندرز مؤخراً عن خطة تهدف إلى إصلاح قانون العمل الأميركي الذي تضمن إنهاء ممارسات "التوظيف حسب الرغبة"، حيث كان هذا المبدأ القانوني يتيح لأصحاب العمل إنهاء عمل أي موظف دون سابق إنذار ولأي سبب كان، دون التعرض لخطر المسؤولية القانونية. ولطالما كانت ممارسات "التوظيف حسب الرغبة" محور نقاش حول كيفية معاملة الموظفين، ومقدار الحرية التي ينبغي أن تتمتع بها الشركات في تسريح الموظفين، ومقدار الحماية التي يجب أن يتمتع بها الأشخاص في مكان العمل. وعلى الرغم من أن القوانين تحمي الأفراد من التعرض للضرر في أغلب الأحيان، تُشير الأدلة إلى أنها قد تنطوي على عواقب سلبية غير مقصودة. لكن السؤال هو، ما هي عواقب الحماية المفرطة؟ حاولنا في بحثنا فهم عواقب الحماية وفوائدها من خلال دراسة آثار القوانين المتعلقة بالتوظيف حسب الرغبة. وتسلّط نتائجنا الضوء على مقايضة واحدة تستدعي النظر فيها.
يُعتبر مبدأ التوظيف حسب الرغبة مبدأً فريداً إلى حد كبير في الولايات المتحدة، كما أنه كان القاعدة الأساسية في البلاد لأكثر من قرن. وعلى الرغم من ذلك، أقرّ صانعو السياسة بمخاطره المحتملة منذ فترة طويلة، كما أقرت الحكومة الفيدرالية قوانين تهدف إلى منع التسريح القائم على التمييز، مثل قانون الحقوق المدنية لعام 1964، وقانون التمييز على أساس الحمل لعام 1978، وقانون الأميركيين ذوي الإعاقة لعام 1990. كما بدأت العديد من الولايات أيضاً في الخمسينيات من القرن العشرين إصدار تشريعات تهدف إلى الحد من ممارسات التوظيف حسب الرغبة وحماية الموظفين الذين لا تشملهم القوانين الفيدرالية من ممارسات الفصل التعسفي. وقد أظهرت العديد من الدراسات فائدة هذه القوانين بالنسبة إلى العمال بالفعل، إلا أننا أردنا أن نفهم تأثير هذه القوانين على الشركات، وخاصة فيما يتعلق بالاستثمار التجاري والنمو.
قد ينطوي تقييد قدرة أصحاب العمل على تسريح العمال على أثرين متعارضين على الاستثمار. فمن ناحية، قد يُسفر تجنيب العمال من الفصل التعسفي وحمايتهم من مشاعر الخوف من التسريح عن زيادة تركيز على مسؤولياتهم، وتحمّل مخاطر مبتكرة، وبناء مهارات من شأنها تحسين أداء أصحاب العمل. وقد تقود هذه الآثار إلى زيادة الإنتاجية وخلق فرص جديدة أو أكثر جاذبية، وهو ما يؤدي إلى الزيادة في الاستثمار.
من ناحية أخرى، تُسفر القوانين التي تمنع الشركات من إقالة العمال عن خفض المرونة التشغيلية، وتجعل إجراءات تصفية المشروعات ذات الأداء الضعيف أو تخفيض عددها أكثر تكلفة. أما فيما يتعلق بتحليل صافي القيمة الحالية التقليدي الذي يُدرّس في كليات إدارة الأعمال، فقد تُسفر عدم القدرة على خفض الاستثمارات عن خفض التدفقات النقدية النهائية المتوقعة للمشروعات، وهو ما يقود إلى عدد أقل من المشروعات ذات صافي القيمة الحالية الإيجابية، وبالتالي تقليل استثمارات الشركات بشكل عام. وقد يُسفر تخفيض المرونة التشغيلية عن تقييد الاستثمار عبر جعل زيادة رأس المال الخارجي أكثر صعوبة بالنسبة إلى الشركات، مثل الديون.
ولتحديد أهم هذه التأثيرات، تقصّينا كيفية تغيّر قرارات استثمار الشركات بعد اعتماد الولايات شكلاً معيناً من أشكال حماية العمالة، ألا وهو استثناء "حسن نية" للتوظيف حسب الرغبة. يمكننا القول أن استثناء حسن النية التابع إلى القانون العام هو الاستثناء الأكثر شمولاً على مستوى الدولة لقانون التوظيف حسب الرغبة. بشكل عام، يحظر الاستثناء على أصحاب العمل إقالة العامل بدافع من سوء النية أو الحقد أو الانتقام، كما أنه يعمل على حماية الحقوق التعاقدية للموظف. على سبيل المثال، يمكن لموظفة ما بموجب هذا القانون مقاضاة صاحب العمل لإقالتها بشكل تعسفي في حال طردها قبل موعد استحقاق العمولة أو معاش التقاعد. ويمكن للموظفين أيضاً رفع دعوى لاسترداد الأرباح المفقودة والحصول على تعويضات عن أي ألم ومعاناة. ويجوز للقضاة فرض تعويضات جزائية. ووفقاً لبياناتنا، تبنت 14 ولاية استثناء حسن النية بين عامي 1974 و1998، مع قيام ولايتين بالتراجع عن قرارهما لاحقاً خلال هذه الفترة.
استغللنا اعتماد الولايات هذا القانون بهدف إثبات وجود علاقة سببية بين قانون التوظيف حسب الرغبة والاستثمار التجاري، وقارنا التغييرات في الاستثمار في الولايات التي تبنّت الاستثناء مع التغييرات في الاستثمار في الولايات التي لم تعتمده. وساعدتنا هذه الطريقة في التحكم في عوامل أخرى، مثل المؤسسات القانونية المختلفة، أو ظروف العمل، أو البنى التحتية التي قد تكون مرتبطة بالاستثمار. وحصلنا على بيانات حول 11,254 شركة أميركية عامة فريدة بين عامي 1969 و2003، وقيّمنا استثمارات هذه الشركات من خلال النظر في نفقاتها الرأسمالية المتمثّلة في الأموال التي تُنفق على الأصول الثابتة مثل الأراضي والمباني والمعدات. وركزنا على النفقات الرأسمالية لأن تراكم رأس المال هو محرك مهم لنمو الشركة والنمو الاقتصادي.
ووجدنا أن اعتماد قانون حسن النية انطوى على تأثير سلبي على الاستثمار. وبالمقارنة بمعدلات استثمارات الشركات في الولايات التي لم تتبنى قانون الاستثناء، خفضت الشركات الموجودة في الولايات التي تبنّت الاستثناء من استثماراتها كنسبة مئوية من الأصول من 8.3% في المتوسط قبل اعتماد القانون إلى 7.8% بعد عام من اعتماده تقريباً، وهو ما يتوافق مع انخفاض بمقدار 6 ملايين دولار في الاستثمارات لدى الشركات المتوسطة، حسب قيمة الدولار عام في 2009. ويظهر هذا الانخفاض في الاستثمار بعد حوالي عام من اعتماد القانون ويستمر طوال فترة دراستنا. وقد ترافق ذلك مع انخفاض بنسبة 3.1% في متوسط معدل نمو المبيعات السنوية. وقد توصلنا إلى هذه النتائج بعد النظر في مجموعة واسعة من الضوابط المتعلقة بالشركات والدولة وخصائص الصناعة.
ولكن ماذا عن الحماية المتزايدة التي أسفرت عن خفض استثمارات الشركات؟ تتنبأ الأبحاث الأكاديمية السابقة أن زيادة حماية العمالة تثبط الاستثمار عبر إعاقة الشركات عن تأمين رأسمال خارجي أو جعل استثماراتها أقل ربحية أو كليهما، لأنه سيكون من الصعب تقليص حجم مشاريعها. ووضعنا كلا هذين التفسيرين موضع الاختبار.
إذا أسفرت حماية العمالة عن صعوبة الحصول على تمويل خارجي، سنجد أن استثمار الشركة انخفض أكثر بين الشركات التي تحتاج إلى رأسمال خارجي لتمويل الاستثمار والشركات التي واجهت بالفعل تكلفة عالية للحصول على رأسمال خارجي. واستخدمنا عدة تدابير كبديل عن هذه الأنواع من الشركات وحصلنا على نتائج مختلطة. لذلك، لا يمكننا أن نستنتج أن انخفاض الاستثمار ناتج عن حماية العمالة التي تعيق الوصول إلى رأس المال.
على النقيض من ذلك، وجدنا أدلة داعمة قوية تُفيد أن توفير قدر أكبر من الحماية للعمالة يعيق الشركات عن تقليص حجم المشروعات، وهو ما يسفر عن تخفيض المرونة التشغيلية ويقلل الاستثمار. على سبيل المثال، وجدنا أن الشركات كانت أقل عرضة لتصفية الأصول وتسريح الموظفين بعد انخفاض الأرباح عقب اعتماد القانون. وحصلنا أيضاً على المزيد من البيانات التفصيلية حول مكان وجود هذه الشركات ومؤسساتها، ووجدنا أن الشركات كانت أكثر احتمالاً لتسريح الموظفين أو إغلاق المصانع استجابة لانخفاض الأرباح في الولايات التي لم تعتمد هذه القوانين.
بشكل عام، تسلّط دراستنا الضوء على جانب سلبي من أسواق العمل الأقل مرونة الناتجة عن زيادة حماية العمالة. وتظهر نتائجنا أنه عندما قيّدت الولايات قانون التوظيف حسب الرغبة، انخفضت استثمارات الشركات في الأصول الثابتة، وهو ما أسفر عن تباطؤ نمو أعمال الشركة خلال فترة دراستنا. وبالنسبة إلى ما حدث للاستثمار بعد هذه الفترة، وجدنا أنه من الصعب تحديد العلاقة بين الانخفاض الذي نشهده والاستثمار الإجمالي على مدار السنوات الخمسة عشر الماضية. وبالنظر إلى أننا ركزنا على بيئة بحثية ضيقة النطاق لإثبات العلاقة السببية، فمن الصعب التعميم إلى المستوى الكلي أو استنتاج ما إذا كانت السياسات المماثلة التي سُنّت اليوم ستسفر عن تأثيرات مشابهة للقوانين التي سُنّت خلال فترة دراستنا.
ولا ينطوي الهدف من دراستنا على التوصل إلى استنتاج مفاده إلغاء قوانين حماية العمالة. إذ يوجد أدبيات أكاديمية كثيرة توضح أهمية حماية الموظفين من التسريح غير المتوقع أو غير العادل في زيادة شعورهم بالأمن الوظيفي والاستقرار الاقتصادي، وهو ما يُسفر عن آثار إيجابية على الأفراد والأسر والمجتمعات.
واكتشفنا أيضاً تأثيراً إيجابياً لهذه الحماية في تحليلاتنا التكميلية، حيث وجدنا أن الشركات زادت من نفقاتها على البحوث والتطوير بحوالي 2.6 مليون دولار في المتوسط بعد اعتماد قانون الاستثناء حسن النية، على عكس النفقات الرأسمالية. ويدعم هذا الاستنتاج البحوث الأخرى التي توثق زيادة الابتكار بعد اعتماد هذه القوانين. ونستخلص أنه في حين أن قانون حماية العمالة يثبط الاستثمار في الأصول الثابتة عبر إعاقة تصفية المشروعات في المستقبل، إلا أنه يشجع على زيادة الاستثمار في الأصول غير الملموسة، وذلك من خلال تشجيع الموظفين على المشاركة في المخاطر المبتكرة التي يمكن أن تخلق قيمة.
عندما يحدد صانعو السياسات مقدار حماية العمالة التي يجب فرضها، يتعين عليهم مراعاة كيفية استجابة الشركات والموظفين لهذه القرارات، وذلك بهدف تقييم إجمالي تكاليف المعونات الاجتماعية وتحديد ماهية المقايضات المرغوبة اجتماعياً أو المقبولة اجتماعياً.