يلعب قطاع النفط دوراً محورياً في الاقتصاد السعودي، حيث تعتمد المملكة على أكثر من 90% في دخلها على الموارد البترولية وتشكل الصادرات النفطية معظم صادرات المملكة. وتصنف المملكة باعتبارها أكبر دولة مصدرة للنفط وتلعب دوراً قيادياً في منظمة أوبك.كما أن التغيرات في أسعار النفط سواء بالارتفاع أو الانخفاض له تأثير قوي وملموس على المتغيرات الاقتصادية في المملكة لاسيما على سياستها المالية المتمثلة بالإنفاق الحكومي، هذا ما يجعل الدول ذات الهيكل الاقتصادي غير المتنوع والتي تعتمد على العائدات النفطية بشكل رئيسي تتعرض بسبب تقلبات أسعار النفط لحالة من عدم الاستقرار في سياستها المالية.
تأثير تقلبات أسعار النفط على الاقتصاد السعودي
ولمعرفة طبيعة العلاقة بين التغير في أسعار النفط والسياسة المالية في المملكة، أجريت دراسة لقياس أثر تلك التقلبات على الإنفاق الحكومي في الفترة مابين (1980-2014)، في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
اقرأ أيضاً: كيف يطلب تجار التجزئة أسعاراً تختلف باختلاف الأشخاص؟
وكانت أهم فرضيات الدراسة هي تأثر الإنفاق الحكومي بأسعار النفط، حيث يتوقع أن تكون العلاقة طردية بين أسعار النفط والإنفاق الحكومي.
كما اعتمدت هذه الدراسة على المنهج التحليلي والقياسي معاً، الأول بهدف تحليل العوامل المسببة للتغيرات في أسعار النفط في تلك الفترة، بالإضافة إلى علاقة هذه التغيرات بالإنفاق الحكومي. أما المنهج الثاني كان لقياس العلاقة الإحصائية بين التقلبات النفطية والإنفاق الحكومي.
تطور أسعار البترول
تعرضت أسعار النفط من فترة السبعينات وحتى الوقت الحالي، إلى صدمات نفطية كان لها أكبر الأثر على الإنفاق الحكومي والنمو الاقتصادي. فما تأثير أسعار النفط على السعودية؟
الصدمة النفطية الأولى (1973-1974):
كانت أسعار النفط خلال الفترة (1960-1970) مستقرة تقريباً بحدود 52,5 ريال (11,67 دولار)، وفي عام 1974 وصلت أسعار النفط إلى 160,67 ريال (45,26 دولار).
وتسبب بهذا الارتفاع، كل من الحرب بين مصر وإسرائيل ومن ثم إعلان الدول العربية مقاطعتها للدول التي تدعم إسرائيل، إضافةً إلى إعلان أوبك قراراً لرفع الأسعار دون الرجوع إلى الشركات العالمية المنتجة للبترول.
وحققت الدول المصدرة للنفط إثر هذا الارتفاع عديدا من المكاسب الاقتصادية، على العكس من الدول النامية والصناعية التي تضررت من ارتفاع أسعار النفط.
وكباقي الدول المصدرة استفادت المملكة العربية السعودية من ارتفاع أسعار النفط، إذ أدى هذا الارتفاع إلى زيادة الإيرادات النفطية من 13,480 مليون ريال في عام 1972 إلى 94,190 مليون ريال في عام 1974، وبلغت مساهمة القطاع النفطي بمعدل 94% من اجمالي إيرادات الدولة.
الصدمة النفطية الثانية (1979-1981):
نتجت هذه الصدمة عن الاضطرابات والثورة السياسية في إيران عام 1979، والتي أدت إلى تحطيم قطاع النفط الإيراني ومن ثم توقف صادرات إيران النفطية، إضافةً إلى انخفاض إنتاج العراق للنفط ما تسبب في زيادة أسعار النفط.
إذ وصلت أسعار النفط في العام 1981 إلى 249,967 ريال (73,9 دولار)؛ ووصلت إيرادات المملكة من النفط نتيجة لذلك إلى 333,968 مليون ريال وذلك من اجمالي الإيرادات والبالغة 340,000 مليون ريال. كما حقق الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 11.5%.
ومن الملاحظ أنه في العام 1986 هبطت أسعار النفط بشكل كبير، كان ذلك سببه عدم اتفاق الدول الأعضاء في الأوبك، إذ أعلنت المملكة العربية السعودية أنها ستدافع عن حصتها في السوق أمام باقي المنتجين في الأوبك، وقدمت تخفيضات كبيرة على نفطها ورفعت الإنتاج بصورة كبيرة لإغراق السوق واستعادة حصتها. وعندها بدأت الدول الأعضاء بتطبيق نفس العملية التي قامت بها المملكة وإعطاء تخفيضات كبيرة؛ هبطت الأسعار بشكل كبير.
الصدمة النفطية الثالثة (1990-1991):
نتجت هذه الصدمة عن الغزو العراقي للكويت، حيث ارتفعت أسعار النفط من 100,912 ريال (26.91 دولار) في العام 1989 إلى 113,85 ريال (30,36 دولار) عام 1990، ماأدى إلى عودة الإيرادات النفطية للارتفاع من جديد وذلك بعد الانخفاضات المتتالية لهذه الإيرادات نتيجةً لانخفاض أسعار النفط منذ بداية الثمانينات، كما حقق الناتج المحلي نمواً بنسبة 9.1% و12.3% للعامين 1990 و1991 على التوالي.
وشهدت فترة التسعينات الميلادية إجمالاً تذبذبات في أسعار النفط، بين ارتفاع وانخفاض؛ نتيجةً للتقلبات التي عرفتها اقتصاديات دول جنوب شرق آسيا.
الصدمة النفطية الرابعة (1999-2000):
وكنتيجة لانهيار اقتصاديات دول جنوب شرق آسيا عام 1998، انخفضت أسعار النفط إلى أن وصلت 56,925 ريال (15,18 دولار)، إلا أن الأسعار بدأت بالارتفاع بشكل حاد في نهاية العام 1999 نتيجة خفض دول الأوبك إنتاجها إلى جانب زيادة الطلب على النفط في ضوء استمرار النمو الاقتصادي العالمي، لتصل أسعار النفط عام 2000م إلى 137,5875 ريال (36,69 دولار). وترتب على هذا الارتفاع زيادة الإيرادات النفطية عام 1999 بمقدار 168.03% عن نظيرتها في العام 1998.
الصدمة النفطية الخامسة 2002م:
انهارت أسعار النفط في عام 2000 واستمرت بالانخفاض حتى عام 2001 حتى وصلت إلى 116,8018 ريال(31,147 دولار) بعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أدت إلى انخفاض الطلب العالمي على النفط الخام، بالإضافة إلى زيادة العرض من النفط من خارج منظمة أوبك. وعاودت الأسعار الارتفاع في العام 2002 لأسباب سياسية كالغزو الأمريكي للعراق، حيث وصلت الأسعار إلى 117,45ريال (31,32 دولار) وبلغت النسبة التي ساهمت بها الإيرادات النفطية حوالي 87% من إجمالي المداخيل.
اقرأ أيضاً: كيف يستخدم بائعو التجزئة شخصنة الأسعار لاختبار مدى استعدادك للدفع؟
ومن عام 2002 حتى عام 2008 شهدت أسعار النفط ارتفاعات وتطورات ملحوظة ففي عام 2002 وصل سعر البرميل 117,45 ريال(31,32دولار) واستمرت الأسعار بالارتفاع إلى أن وصلت في عام 2008 إلى 299,175ريال (79,78دولا)، كما وصلت الإيرادات النفطية في العام 2008 إلى 370,000 مليون ريال.
وعاودت الأسعار في العام 2009 إلى الانخفاض حيث بلغ متوسط سعر البرميل 201,0375 ريال (53,61دولار)، وذلك بسبب الركود العالمي للاقتصاد التي تسببت به الأزمة المالية العالمية 2007. في عام 2010،2011 و2012 عاودت الأسعار إلى الارتفاع حيث وصلت 256,0125ريال(68,27 دولار) و331,875ريال(88,5 دولار) و364,5ريال (92,4 دولار) على التوالي، متأثرة بالانتعاش الاقتصادي العالمي.
ووصل متوسط سعر برميل النفط في العام 2013 إلى 331,5 ريال (88,4 دولار)، وفي العام 2014 انخفض سعره ووصل إلى 298,5 ريال(79,6 دولار).
وفي عام 2015 انهارت أسعار النفط إلى أن وصل متوسط سعر البرميل إلى 180 ريال (48 دولار)، وكانت هناك عدة أسباب وراء هذا الانهيار أهمها؛ ازدهار صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية ورفض منظمة أوبك خفض الإنتاج أو التدخل لإعادة التوازن للسوق، بالإضافة إلى ارتفاع سعر صرف الدولار الذي تسبب بدوره في ضعف الطلب على النفط.
أثر ارتفاع أسعار النفط على اقتصاد المملكة:
استفادت المملكة العربية السعودية من ارتفاع الأسعار في ضخ المزيد من الاستثمارات في قطاع النفط والغاز، وفي التحسين الجذري للبيئة الاقتصادية الداعمة للقدرات الكامنة للقطاع الخاص وزيادة مساهمته في الناتج المحلي، وزيادة الانفاق الحكومي وتوجيه الجزء الأكبر منه نحو بناء البنية التحتية.
أثر انخفاض سعر النفط على اقتصاد المملكة:
يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى انعكاسات كبيرة مثل تراجع في العوائد البترولية وانخفاض الإنفاق الحكومي وبالتالي تباطؤ النمو الاقتصادي ككل، بالإضافة إلى تراجع الدخل المتحقق من الاستثمارات الأجنبية بسبب انخفاض أسعار الفائدة العالمية وزيادة معدلات التضخم المحلية نتيجة ارتفاع أسعار الواردات المقومة بغير الدولار. كما يؤثر انخفاض الأسعار سلبا على معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، ونمو الصادرات أيضا، ونمو فوائض الميزان التجاري والموازنات العامة.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر شخصية الرئيس التنفيذي على سعر أسهم شركته؟
وحاولت المملكة أن تتفادى الانخفاض الحاد في أسعار النفط من خلال الاستفادة من حجم الاحتياطات من سنوات سابقة، كما اتخذت سياسة ترشيد لتخفيض الانفاق العام.
وتحاول المملكة في الوقت الحالي خفض اعتمادها على الإيرادات النفطية، إذ كانت من أهم بنود رؤية عام 2030 خلق مصادر جديدة للدخل كفرض الضرائب على الأراضي وعلى الاستهلاك، وتشجيع الاستثمارات وجعله هو الدخل الأساسي للمملكة التي تضم الدخل النفطي وغير النفطي، بالإضافة إلى خصخصة أصول المملكة. (منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، أوابك).
تطور الإنفاق الحكومي في المملكة العربية السعودية:
توسع الانفاق الحكومي في العام 1979 نتيجة زيادة نمو الإيرادات البترولية، حيث ارتفع من 185,724 مليار ريال عام 1979 إلى 285,150 مليار ريال عام 1981، ثم عاود الانخفاض تدريجيا مع تراجع أسعار البترول حيث بلغ أدنى مستوى له بمقدار 140,856 بليون ريال عام 1988.
بعد ذلك بدأ الانفاق الحكومي بالتذبذب بين عام 1990-1999، إلى أن عاود الارتفاع عام 2000 حيث بلغ 235,322 مليار ريال، وواصل الإنفاق العام منحناه التصاعدي إلى أن وصل في العام 2010 إلى 653,885 بليون ريال، وفي العام 2014 وصل إلى 1,109,903 مليار ريال.
إذا من الممكن القول أن التقلبات الحادة في أسعار النفط من أهم أسباب عدم الاستقرار الاقتصادي في المملكة، إذ نجد أن الدورات الاقتصادية في المملكة تابعة للإنفاق الحكومي، الذي يقود بدوره كلا من مرحلة الانتعاش والطفرة، ومرحلة الانكماش، إذ عندما ترتفع أسعار النفط يكون هناك ارتفاع حاد في الانفاق الحكومي، وعندما تتراجع الأسعار يحدث العكس، ما يؤدي إلى تأثر معدلات النمو بشكل سلبي.
كما شهد الإنفاق الحكومي المكون من (النفقات الرأسمالية والجارية) تغيرات خلال سنوات الدراسة، إذ تزايد حجم الإنفاق الاستثماري بشكل أكبر من زيادة الإنفاق الجاري خلال مرحلة ارتفاع أسعار البترول، أما في مرحلة الانخفاض تم تخفيض الإنفاق الاستثماري بشكل أكبر من الإنفاق الجاري، وذلك يرجع إلى طبيعة الإنفاق الجاري المتعلق بالأجور والرواتب والنفقات الاجتماعية التي يصعب تخفيضها.
التحليل القياسي عن تقلبات أسعار النفط
اعتمدت في دراستي المعنية بتقلبات أسعار النفط على التحليل المتبع على طريقة اختبار سكون للسلاسل الزمنية واختبار التكامل المشترك (أنجل-جرانجر) من خلال برنامج Eviews. كما اعتمدت على بيانات سلاسل زمنية سنوية تغطي الفترة (1980-2014).
وتوصلنا إلى أن اعتماد حكومة المملكة العربية السعودية على الإيرادات النفطية لتمويل الانفاق الحكومي، يجعل ميزانيتها العامة عرضة لعدم الاستقرار. ويعود ذلك لكون أسعار النفط غير مستقرة عالمياً، لذلك لابد من البحث عن مصادر بديلة للإيرادات النفطية مثل الضرائب العامة والتي تشكل مصدر رئيسي للإيرادات في بعض الدول، وكذلك تفعيل السياحة والاهتمام بالمناطق السياحية وتطويرها وتهيئتها بشكل ملائم لاستقبال السياح.
كما تبين من خلال الدراسة أنه يجب رفع كفاءة وفاعلية الانفاق العام في المملكة، وأن يكون هناك إجراءات رقابية على الإنفاق العام.
أما بالنسبة لتبنى المشاريع الحكومية، وجدت الدراسة أنه لابد من اتباع الطرق والأساليب التي تقلل من مصاريف الصيانة لها مستقبلاً، والتي تكون في الغالب باهظة الثمن وتشكل عبئاً مالياً على الميزانية العامة للدولة.
وفي مايخص تقلبات سعر النفط، وحالة ارتفاع أسعار النفط عموماً التي تؤدي إلى زيادة في الانفاق الحكومي بشكل كبير، وبالتالي إلى حدوث آثار تضخمية على الاقتصاد السعودي، وجدت الدراسة أنه من اللازم اتباع سياسة نقدية متوازنة لتخفيف هذه الآثار.
وأخيرا، توصلت الدراسة إلى أهمية إنشاء وتفعيل الصناديق السيادية لتجميع الفوائض المالية الناتجة من ارتفاع أسعار النفط، والاستفادة منها في حالات انخفاض الأسعار، و ذلك لضبط تأثير تقلبات أسعار النفط على الاقتصاد السعودي.
اقرأ أيضاً: عندما يرضى ويعترض العملاء على شخصنة الأسعار