عندما يستمع الناس إلى الأغاني السعيدة، تسجّل أسواق المال أداء إيجابياً

6 دقائق
الأغاني السعيدة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

جمع أليكس إدمانز (Alex Edmans) من كلية لندن للأعمال (London Business School) ومجموعة من المؤلفين المشاركين بيانات تتعلق بمتوسط درجة النبرة الإيجابية في الأغاني التي استمع إليها أشخاص في 40 بلداً على تطبيق “سبوتيفاي” (Spotify). ثم قارن الباحثون بين تلك البيانات وأداء البورصة الوطنية في كل بلد من تلك البلدان خلال الفترة ذاتها. كان هدف الباحثين هو تحديد ما إذا كان هناك أي ارتباط بين المزاج، الذي تعكسه الموسيقى أو الأغاني السعيدة التي يستمع إليها الناس، وبين العوائد المالية. وقد تبيّن أن هناك ارتباطاً.

أستاذ إدمانز، دافع عن بحثك العلمي

إدمانز: تستند هذه النتيجة القوية إلى 58 ألف أغنية بُثَّت 50 مليار مرة. وعندما راجعت أنا وأدريان فيرنانديز – بيريز (Adrian Fernandez-Perez) وإيفان إندرياوان (Ivan Indriawan) من جامعة أوكلاند للتكنولوجيا (Auckland University of Technology)، وألكسندر غاريل (Alexandre Garel) من كلية أودينسيا للأعمال (Audencia Business School) متوسط درجة السعادة في الأغاني التي استمع إليها الناس على مدار أسبوع في بلد معيّن، وقارّنا ذلك بما حصل في أسواق الأسهم في ذلك البلد خلال ذلك الأسبوع، وجدنا أن خيارات الاستماع الأكثر إيجابية ارتبطت ارتباطاً ذي دلالة إحصائية بالمكاسب التي حققتها أسعار الأسهم. راجعنا حالة الولايات المتحدة الأميركية أولاً، وقلنا إن النتائج ربما تعبّر عن مصادفة لا أكثر. ولكن عندما راجعنا حالة 39 دولة أخرى، كانت النتيجة هي ذاتها. درسنا بعدها التدفقات النقدية إلى الصناديق المشتركة ووجدنا أن هناك تأثيرات مشابهة، حيث كان هناك ارتباط بين الموسيقى الإيجابية والتدفقات الاستثمارية. أجرينا بعد ذلك أيضاً اختباراً للسندات الحكومية، التي يجب أن تسير في اتجاه معاكس. فالأشخاص المتفائلون يجب أن يشتروا كمية أقل من السندات لأن أخطارها أدنى من أخطار الأسهم ما يتسبب بهبوط أسعار السندات. وفي الأسواق التي استمعت إلى أغان سعيدة، هذا بالضبط ما حصل.

هارفارد بزنس ريفيو: لماذا أجريتم بحثاً عن هذا الموضوع أصلاً؟ هل تحاولون صياغة استراتيجية للتداول؟

دعني أعترف أن الدراسة تبدو غريبة نوعاً ما. لكننا نحاول الإجابة عن سؤال اقتصادي جاد ألا وهو: هل ما يحرك الأسواق هو الأساسيات الاقتصادية أم العواطف؟ ففرضية كفاءة الأسواق تقول إن عوائد الأسهم لا يجب أن تعكس إلا عوامل مهمة مثل معدلات الفائدة وأرقام البطالة. وبالتالي فإن عدم صلة الموسيقى بالأسواق هو ما يجعل الدراسة مثيرة للاهتمام. وفي نموذج منطقي، لا يجب أن يكون للعوامل التي لا تؤثر على الأساسيات الاقتصادية – مثل معنويات المستثمرين – أي أثر على عوائد الأسهم، لكننا نُظْهِر أن لها تأثيراً.

من الواضح بالنسبة لي أن المزاج يؤثر على القرارات، بما في ذلك القرارات الاستثمارية. فهل هناك حقاً أي اقتصاديين لا يعترفون بهذا التأثير؟

نعم، هناك من ينكر هذا الشيء. فالاقتصاديون يعترفون أن بعض المستثمرين غير عقلانيين، لكنهم يقولون إنه في مقابل كل مستثمر يتداول بتأثير من معنوياته توجد قوة معاكسة يفرضها المستثمرون المحترفون ذوو الأعصاب الهادئة الذين يتداولون بالاتجاه المعاكس ويوازنون الأمور. لذلك فإن الأسواق بالمجمل عقلانية ومنطقية. ولا تقتصر وجهة النظر هذه على الأكاديميين العقلانيين، وإنما تسود أيضاً في أوساط الممارسين العمليين. وهذا هو السبب الذي جعل الاستثمارات الخاملة في المؤشرات تحظى بشعبية كبيرة مؤخراً، لأن ذلك يعكس الاعتقاد القائل إن الأسواق تتمتع بالكفاءة في المتوسط، لذلك لا يمكن لأحد أن يتغلّب عليها.

كيف تعلمون أن المزاج – كما تعكسه الموسيقى – هو من يتحكم بالسوق وليس أن السوق هي من يتحكم بالمزاج؟ حاولنا الإجابة عن ذلك السؤال عبر إجراء اختبار يتمثل في مراجعة أنماط بث الأغاني في يوم من الأيام والعوائد المتحققة في السوق في اليوم التالي، وبذلك استبعدنا السببية المعاكسة. وقد توصّلنا فعلياً إلى أن الموسيقى السعيدة اليوم تعني سعراً وسطياً أعلى للأسهم غداً.

حسناً، وماذا عن ضوابط التجربة؟

لقد ضبطنا كل ما يمكنك تخيّله من متغيرات يمكن أن تؤثر على العوائد التي تحققها السوق الوطنية. وشملت قائمة المتغيرات تلك التقلبات في السوق، والسياسة الاقتصادية الكلية، وأداء السوق العالمية، وغيرها. كان جزء من بياناتنا قد جُمِعَ قبل الجائحة، وجزء آخر جُمِعَ خلالها، وقد استفدنا من ذلك كاختبار إضافي. في بعض الدول، حُظِرَ البيع على المكشوف (short-selling) – أي اقتراض سهم تعتقد أنه مقيّم بثمن يفوق قيمته الحقيقية، وبيعه، ومن ثم شراؤه من جديد بسعر أدنى قبل إعادته إلى صاحبه، وجني الأرباح من الفَرْق بين السعرين – لفترات معيّنة خلال الأزمة، لذلك فإن العقلانيين الذين لا تحرّكهم عواطفهم لم يكونوا قادرين على مواجهة تأثير المعنويات. في هذه الحالات، توقعنا أن نرى ارتباطاً أكبر بين الموسيقى والسوق، وقد تبيّن أن توقّعنا كان في مكانه.

ألا توجد أبحاث أخرى تُظهِرُ أن المعنويات تؤثر على الاستثمارات؟

بلى، هذه الأبحاث موجودة وأنا شخصياً ألّفت إحدى هذه الأوراق العلمية بنفسي وهي تُظْهِرُ أنه عند خروج منتخب كرة القدم التابع لدولة ما من بطولة كأس العالم، فإن عوائد بورصتها تتراجع. وثمة دراسات أخرى تُراجِعُ تأثير الطقس أو الاضطرابات الذهنية المرتبطة بتقلبات فصول السنة. هذه صدمات تصيب المزاج، لكن المزاج يعتمد على عوامل عديدة – فلربما يخرج بلدك من كأس العالم لكن ربما تكون ثقة المستهلك في تزايد ويكون هناك تخفيف للقيود المفروضة بسبب كوفيد. لذلك عوضاً عن دراسة عامل واحد يؤثر على المزاج، وجدنا مقياساً يعكس المزاج نفسه، وهو مقياس أوسع بكثير.

ولكن، ألا يحصل أن يستمع الأشخاص السعداء تماماً إلى أغان حزينة في بعض الأحيان؟

ألا يمكن أن يستمع شخص مزاجه سيء إلى أغنية مثل “وحياة قلبي وأفراحه” لعبد الحليم حافظ ليخرج من الحالة التي هو فيها؟ هناك الكثير من الأبحاث السابقة التي تُظهِرُ أننا نصغي إلى الموسيقى التي تتطابق مع شعورنا، وهذه الحالة تسمّى “التوافق العاطفي”. وقد تثبّتنا من صحة ذلك في بياناتنا. فعلى سبيل المثال، عكست الخيارات الموسيقية مزاجاً أكثر سلبية عندما كان بلد ما يطبّق قيوداً أكثر صرامة للتصدي للجائحة في أيام تتلبّد فيها السماء بكمية أكبر من الغيوم، وفي الأشهر الأبرد والأكثر ظلاماً التي تقترن عادة بمعنويات اجتماعية أكثر سوداوية.

من الذي يقرر مدى إيجابية أغنية معيّنة أو سلبيتها؟

هناك فريق متخصص في “سبوتيفاي” يُدعى “إيكو نيست” (Echo Nest) هو من يضع علامات لتحديد درجة إيجابية الأغاني.

لا بدّ أنك تمزح. هل هذا الكلام معقول؟

نعم. هذا الفريق حقيقي وموجود، وكان قد أنشئ في “المختبر الإعلامي” في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عندما كنت طالباً في برنامج الدكتوراه في كلية سلوان في المعهد، وهو الآن جزء من مجموعة علوم البيانات في “سبوتيفاي”. فكل أغنية تحصل على علامة تحدد درجة الإيجابية فيها وهي تتراوح بين 0 و10. وقد منح الخبراء البشريون علامات لما يقرب من 5 آلاف أغنية، بينما استُعْمِلت البيانات لإنشاء خوارزمية لتعلّم الآلة يمكن تطبيقها على كل أغنية. وهي لا تأخذ بحسبانها كلمات الأغنية، وإنما تعتمد على الصوت، والإيقاع، وهكذا دواليك. هناك الكثير من الأغاني مثل أغنية (Pumped Up Kicks) التي تتناول موضوع إطلاق النار الجماعي لكنها تبدو أغنية سعيدة. وفي المقابل، هناك أغنية مثل (Perfect) للمغني إد شيران كلماتها إيجابية لكنها أغنية حزينة. كما أن كلمات الأغاني تكون أحياناً غامضة، وهذا سبب آخر لعدم أخذها بالحسبان.

وأنتم أخذتم متوسط علامات جميع الأغاني التي استمع إليها الناس في بلد معيّن لقياس المزاج الوطني؟

هذا بالضبط ما فعلناه. فقد ضربنا علامة الأغنية الواحدة بعدد مرات الاستماع إليها، ثم قسّمنا الناتج لنحصل على المتوسط المرجح، وهذا بحد ذاته أمر مذهل. فعلى سبيل المثال، بحسب بياناتنا، بلغ المعدل الوسطي للولايات المتحدة الأميركية 0.46، وهذا الرقم ليس إيجابياً جداً، فيما حصلت المكسيك على 0.63. وبطبيعة الحال، تغيّرت هذه العلامات مع مرور الوقت.

ما هي أكثر أغنية سعيدة على “سبوتيفي”؟

على ما يبدو هذه الأغنية هي “سبتمبر” (September) لفرقة “إيرث، ويند & فاير” (Earth, Wind & Fire). وتتصدر القائمة أيضاً أغنية “هابي” (Happy) لفاريل ويليامز (Pharrell Williams). أما الأغنية الأكثر سلبية فهي “ليجون إنوكيولانت” (Legion Inoculant) لتول (Tool). وإلى جانبها جاءت أغنية “هلو” (Hello) لأديل (Adele).

ماذا كان رد فعل الاقتصاديين العقلانيين على هذا البحث؟

قالت قلّة قليلة منهم إنها لا تصدّق هذه النتائج. لكن السبب وراء ذلك لم يكن وجود أي ثغرات في التحليل برأيهم. بل قالوا إنهم لن يضيعوا وقتهم في قراءته لأنهم يؤمنون إيماناً شديداً بكفاءة الأسواق إلى حد أنهم غير مستعدّين لقبول إمكانية أن تكون نتائجنا صائبة. وكانت هناك فئة أخرى منفتحة على فكرة أن الأسواق غير عقلانية ربما، وقد تفاعلت بإيجابية مع المقياس الذي وضعناه للمعنويات ورأت فيه مقياساً ينم عن إبداع وأعجبت بصرامة تحليلنا. وكان هناك فريق ثالث تبنّى وجهة نظر شائعة مفادها: “هذه ورقة علمية لطيفة وفيها شيء من المرح يا أليكس، لكن لماذا تهدرون الوقت في دراسة هذه الأشياء؟”

هل السبب هو أنك تمضي وقتك مع فريق “إيكو نيست” في “سبوتيفاي”؟

دائماً ما أقول للناس: “نحن ندرس قضية مهمّة للغاية هنا. “ما الذي يحرّك السوق؟ هل هي العقلانية أم العواطف؟”. ريتشارد ثيلر وروبرت شيلر حازا على جائزتي نوبل لبحثهما في هذه المسائل. يتمحور معظم بحثي حول علم المال السلوكي، وتحديداً العوامل البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات والاستثمار المستدام، وثمة رابط هنا أيضاً. فالعقلانيون سيقولون إن الاستثمار بناء على العوامل البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات غير نافع، لأنه لو كانت هناك ثمار تُجنى لكانت السوق قد أخذتها بحسبانها في عمليات التسعير. ولكن ماذا لو كانت السوق غير عقلانية وتعتمد على معنوياتها؟ ساعتها فإننا سنعلم أن السوق لا تكتفي بأخذ أشياء غير مهمة بحسبانها، مثل المزاج الوطني، فحسب، وإنما تتجاهل أيضاً أشياء مهمة.

مثل ماذا؟

ألّفت في السابق ورقة علمية تشير إلى أن أفضل 100 شركة للعمل لديها في أميركا (100 Best Companies to Work For in America) – بحسب فورتشن – تفوّقت في الأداء على السوق من 1984 وحتى 2011. وقد تكررت الدراسة مؤخراً وظلت النتائج ثابتة حتى بعد مرور عقد على نشرها. يقول مؤيدو نظرية كفاءة الأسواق إن المستثمرين حالما يعرفون أن عافية الموظفين هي عنصر يساعد في التنبؤ بأداء سعر السهم، سيشترون أسهم أفضل 100 شركة فور الإعلان عن قائمة جديدة، ما يعني أن تلك الأسهم لن تتفوق في الأداء لاحقاً. لكن هذه الأسهم ظلت تتفوق في الأداء حتى بعد أن نُشِرت ورقتي العلمية. فإذا ما كانت الأسواق لا تقدّر عافية الموظفين بالكامل وإنما تعكس المزاج، فكيف لا يمكننا القول إنها عديمة الكفاءة على الإطلاق؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .