تتأثر الأسواق نتيجة لمعلومات لا علاقة لها البتة بالقيمة الفعلية للشركات ومنها الخرافات والمعنويات

4 دقيقة
الأسواق

رسم سافا شاناييف من جامعة نورثامبريا واثنان من زملائه خارطة تبيّن عوائد البورصة الأميركية على مدار قرن من الزمن، وقارنوها بتوقعات الأداء بعد مواسم ثقافية أو أعياد أو حتى خرافات معينة يؤمن بها بعض المستثمرين. فهناك على سبيل المثال "يوم فأر الأرض" الذي يُحتفل به في أميركا الشمالية. فوفقاً لهذا التقليد، إذا رأى فأر الأرض "فيل بانكستاوني" المنحدر من بنسلفانيا ظله يوم الثاني من فبراير/شباط، فإن الشتاء سيستمر لستة أسابيع إضافية. وإذا لم يتمكن من رؤية ظله، فإن ذلك يعني أن فصل الربيع على الأبواب. وتوصّل الباحثون إلى أن الأسواق تحصل على دفعة إيجابية في الحالة الثانية.

أستاذ شانايف، دافع عن بحثك العلمي

شانايف: بشكل عام، تتمتع السوق بدرجة عالية من العقلانية وبما يفوق التصورات حتى. كما أنها تتمتع بكفاءة عالية جداً عندما يتعلق الأمر بتكثيف المعلومات المتعلقة بالقيمة بدقة متناهية. لكنها في المقابل وفي بعض الأحيان يمكن أن تتمتع بدرجة صارخة من اللاعقلانية.

هارفارد بزنس ريفيو: إذن "يوم فأر الأرض" هو ليس الحالة غير الطبيعية الوحيدة أليس كذلك؟

كلا على الإطلاق. وثّق الباحثون أيضاً تأثير ظاهرة "بع أسهمك في مايو/ أيار وابتعد عن السوق" التي تعكس حقيقة أن السوق تميل إلى تقديم أسوأ أداء لها من مايو/ أيار وحتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول. وهناك ما يسمّى "تأثير شهر يناير/ كانون الثاني" لأن قيم الأسهم غالباً ما ترتفع في بداية العام، و"تأثير يوم الإثنين" الذي تقدّم السوق فيه عوائد أدنى من المتوسط في بداية الأسبوع. كما توصّلت بعض الدراسات أيضاً إلى أن الأسهم تؤدي أداء سيئاً عندما يصبح القمر بدراً تقريباً، وعندما يكون كوكب زحل في حالة تقهقر.

العديد من هذه التأثيرات متّسق وإلى حد كبير في جميع أنحاء العالم. أما الحالات غير الطبيعية الأخرى في السوق والتي تستند إلى التقويم الزمني أو الخرافات فهي ذات طابع محلّي أكبر. ففي الصين، على سبيل المثال، تزداد العوائد خلال فترة رأس السنة الصينية وتميل الأسهم التي يتضمن رمز تداولها في البورصة رقم الحظ 8 إلى تقديم أداء أفضل من المتوسط عموماً، في حين تقدّم الأسهم التي يتضمن رمز تداولها في البورصة الرقم المشؤوم 4 أداء أسوأ. . كما تشهد أسواق العديد من الدول الإسلامية تسجيل عوائد إيجابية غير معتادة خلال شهر رمضان المبارك.

ما مقدار تأثير فأر الأرض فيل على أداء السوق؟

بالمجمل، لم أجد تغييرات ذات دلالة إحصائية بعد التنبؤ بشتاء طويل، لكن السوق ترتفع بمقدار 2.78% بعد التنبؤ بقدوم الربيع باكراً. ويعود السبب وراء ذلك على الأرجح إلى أن التنبؤات بحلول الربيع باكراً أندر، فهي تحصل مرة واحدة فقط كل أربع سنوات، في المتوسط، لذلك فإن المستثمرين يتفاعلون معها بقوة أكبر.

لماذا تتأثر الأسواق نتيجة لمعلومات لا علاقة لها البتة بالقيمة الفعلية للشركات؟

بعض المستثمرين يؤمنون بالخرافات حقيقة، وإن كان ذلك في لا وعيهم فقط. وهناك مستثمرون آخرون قد لا يصدقون الخرافات لكنهم ينجرفون مع المعنويات العامة التي غالباً ما تصاحب المناسبات الثقافية التي من هذا النوع. وهناك فئة أخرى ربما تصيغ استراتيجياتها الاستثمارية وفقاً للطريقة التي تعتقد أن المستثمرين المؤمنين بالخرافة سيتصرفون وفقها. في الحقيقة، يبدأ تأثير "يوم فأر الأرض" بالتجلي قبل أسبوعين من تاريخ الثاني من فبراير/ شباط وهو اليوم الذي يضع فيه توقعاته، ما يدل على أن التفسير الثاني مقنع جزئياً على الأقل.

ما هي الآلية التي يسير الأمر وفقها؟

لا يستطيع فيل عادة رؤية ظله إذا كانت الغيوم متلبدة في سماء بانكستاوني في الثاني من فبراير/ شباط، وتوقعات الطقس الموثوقة المسبقة متوفرة لمدة أسبوعين عادة. وبالتالي إذا كان تأثير "يوم فأر الأرض" على البورصة مرتبط ارتباطاً بحتاً بالخرافة أو المعنويات، فإننا لا يجب أن نتوقع رؤيته إلا بعد وضع التوقع. وبما أننا نرى نشاطاً غير طبيعي في السوق قبل أسبوعين، فهذا يجعلني أشك بأن بعض المستثمرين يتابعون توقعات الطقس الخاصة ببنسلفانيا ويعدّلون مراكزهم الاستثمارية في السوق بناءً على ذلك.

وبالتحديد، إذا شاهدوا يوماً غائماً في التوقعات، فإنهم يعلمون أن البورصة ستسجل ارتفاعاً في "يوم فأر الأرض" على الأغلب، لذلك فإنهم يشترون الأسهم قبل ذلك التاريخ، ما يتسبب بحصول ارتفاع طفيف في السوق. ثم يلجؤون إلى بيع أسهمهم بعد وقت قصير من تاريخ الثاني من فبراير/ شباط، ما يؤدي إلى أن تكون الدفعة الإيجابية بعد "يوم فأر الأرض" أقل نوعاً ما مما لو كانت معتمدة على تداولات المستثمرين الذين يؤمنون بالخرافات في الثاني من فبراير/ شباط أو بعده مباشرة. بعبارة أخرى، يشير التأثير الطفيف الذي يظهر قبيل "يوم فأر الأرض" ويُعتبر ذا دلالة إحصائية إلى أن هناك مجموعة من المستثمرين على الأقل ممن لا يؤمنون بالخرافات ويعرفون هذه الحركة غير الطبيعية وينشطون في الاستثمار ضدها.

إذا كان ثمة ارتباط بين الربيع المبكر والسماء الغائمة، ألا يمكن القول إن عوائد السوق غير الطبيعية ببساطة ناجمة عن الطقس؟

وثّق الباحثون وبما لا يدع مجالاً للشك وجود ارتباطات بين الطقس وسلوكيات الاستثمار. لكن النتائج التي توصّلوا إليها تدعم خلاصاتي عملياً. فالطقس السيء يتوافق عموماً مع أداء أسوأ من المعتاد في السوق، ومع ذلك، وحتى لو كان الطقس سيئاً يوم الثاني من فبراير/ شباط، فإن السوق تتفوق في الأداء، ما يدل على أن ثمة عاملاً مؤثراً آخر يحرّكها. وفي جميع الأحوال، من غير المرجح أن يكون للطقس في بلدة صغيرة في بنسلفانيا هذا التأثير الكبير على نشاط التداولات على المستوى الوطني.

هل كان التأثير أقوى في بعض القطاعات أو الأسواق؟

استكشف بعض زملائي ما إذا كانت توقعات "فيل بانكستاوني" تترك أثراً كبيراً على أسعار أسهم الشركات ذات الروابط القوية مع بنسلفانيا، كالشركات العاملة في قطاع الفولاذ، لكن الخلاصات التي توصّلوا إليها لم تكن دامغة. وفي تحليلي للبيانات، فصّلت النتائج بحسب القطاع لكنني لم ألحظ فروقات كبيرة.

لم أتفاجأ أن هذا التأثير لم يكن ملحوظاً في أسواق أخرى، بما أن "يوم فأر الأرض" هو من تقاليد أميركا الشمالية. وقد حللت العوائد في كل من المملكة المتحدة، وأستراليا، وألمانيا، وفرنسا، واليابان وتوصّلت إلى عدم وجود أي حركة غير طبيعية يوم الثاني من فبراير/ شباط في هذه الدول.

هل تتوقع لظاهرة "يوم فأر الأرض" أن تستمر؟

في أبحاثي المتعلقة بالحالات غير الطبيعية الأخرى التي نراها في البورصة، وجدت أن التأثيرات تميل إلى التلاشي بعد أن يدرك المستثمرون وجودها. فعندما تنتبه السوق إلى حالة غير طبيعية معيّنة، تلجأ عادة إلى التصحيح الذاتي. لكن ذلك التحليل كان يركز على الحالات غير الطبيعية المدروسة على نطاق أوسع والمشهورة في الإعلام، مثل "تأثير يوم الإثنين"، الذي بات شهيراً في أوساط المستثمرين إلى حد أنه قد اختفى نوعاً ما. أما تأثير "يوم فأر الأرض" فإنه أقل شهرة، وبالتالي رغم أن بياناتنا تشير إلى أن بعض المستثمرين يعاكسونه أصلاً إلى حد ما، إلا أن السوق لن تشهد على الأغلب تصحيحاً ذاتياً كاملاً ضده.

أعتقد أن هذه المقالة قد تغيّر تلك الحالة!

إذا قرأها عدد كافٍ من الناس، ربما تتغير! ولكن يجب أن تتذكري أن تأثير "يوم فأر الأرض" ذو نطاق محدود نسبياً. فهو يقدّم عوائد محتملة غير طبيعية تقل عن 3% إلى المستثمرين مرة كل أربع سنوات، لذلك فإنه لن يتصدر قائمة أولويات أي شخص. وكانت الدراسات قد أظهرت أنك تستطيعين تحقيق ما يقارب ضعف هذه العوائد بمجرد بيع الأسهم في مايو/ أيار والشراء بعد عيد الهالوين، على افتراض أنك تتحلين بالصبر وتمتلكين الموارد الكافية لتحويل هذه الاستراتيجية الاستثمارية ذات العوائد المنخفضة إلى استراتيجية مُجدية.

إذن أنت لن تتقاعد بناءً على الأرباح التي تجنيها في "يوم فأر الأرض"؟

لا ليس في أي وقت قريب.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي