هل يتخبط الابتكار في أميركا؟ وماذا عن تباطؤ الابتكار في الولايات المتحدة الأميركية؟ هذا ما تشير إليه البيانات، حيث إن نمو الإنتاجية، التي يعززها الابتكار، في الولايات المتحدة، قد تباطأت وتيرته. كما أن الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج قد ازدادت بدرجة كبيرة في منتصف القرن العشرين، لكنها بدأت في التباطؤ في السبعينيات منه. ويستمر هذا التباطؤ في النمو حتى الوقت الحالي، مع انخفاض الإنتاجية عما كانت عليه قبل أكثر من مائة عام.
وقد حدث هذا التباطؤ على الرغم من زيادة الاستثمار في البحث العلمي. وتشير البيانات الصادرة من المؤسسة الوطنية للعلوم (NSF) إلى أن استثمار الولايات المتحدة في العلوم قد زاد بشكل مطرد بين عامَي 1970 و2010، مقاساً بالمبالغ التي تُنفق (والتي ارتفعت بأكثر من خمسة أضعاف)، وبعدد حمَلة درجة الدكتوراه الذين جرى تدريبهم (الذي ازداد بضعفين)، وبالمقالات العلمية المنشورة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يعتبر نمو الإنتاجية طفيفاً في مجال العلوم بالولايات المتحدة؟
يتمثل أحد التفسيرات لذلك في أن العلوم في الوقت الحالي، ببساطة، ليست رائدة مثلما كانت في السابق. لكن البعض يعارض هذا التعليل ويشير إلى أوجه التطور في الفيزياء الكمومية (الحوسبة الكمومية) وفيزياء البلازما (التحويل الكهروحراري) والبيولوجيا الجزيئية (تكنولوجيا "كريسبر كاس9" ’CRISPR Cas-9‘ للتكرارات العنقودية المتناظرة القصيرة منتظمة التباعد). ومن التفسيرات الأخرى، التي نبحث فيها في هذا المقال، أن العلوم في الوقت والعصر الحالي لا تُترجم إلى تطبيقات. وبعبارات أخرى، فثمة ما يمنع الاكتشافات العلمية من تأجيج الابتكار المثمر.
أسباب تباطؤ الابتكار في الولايات المتحدة
توصل البحث الذي أجريناه إلى أن بيئة الابتكار المتكاملة في الولايات المتحدة قد انقسمت منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث تفرّق شمل العلوم المؤسسية والأكاديمية، وهو ما جعل تطبيق الاكتشافات العلمية الأساسية أكثر صعوبة. ويبيّن تحليلنا أيضاً أن ريادة الأعمال العلمية التي يدعمها رأس المال المغامر (أو ما يسمى رأس المال الجريء) قد ساعدت في سد هذه الفجوة بين العلوم المؤسسية والأوساط الأكاديمية، لكن في عدد محدد فحسب من القطاعات. وتشير هذه النتائج إلى أننا إذا أردنا أن نشهد زيادة في نمو الإنتاجية، يتعين علينا استكشاف سبل بديلة لترجمة العلوم إلى اختراعات.
انسحاب الشركات الكبرى من مجال العلوم
استثمرت بعض الشركات الأميركية الكبرى، حتى سبعينيات القرن الماضي، في البحث العلمي إلى درجة أن العلوم المؤسسية كانت شبيهة بالأبحاث الجامعية، وفي بعض الأحيان كانت تتجاوزها في المكانة، حيث نشر القسم المركزي للبحث والتطوير في شركة "دوبونت" (DuPont) الأميركية، وهي شركة رائدة في مجال كيمياء البوليمرات "الجزيئات الكبيرة"، مقالات في مجلة الجمعية الكيميائية الأميركية أكثر مما نشر كل من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتيك) مجتمعَين في الستينيات من القرن الماضي. وتتفاخر مختبرات "بِل" (Bell) التابعة لشركة "أيه تي آند تي" (AT&T)، وهي موطن الترانزستور ونظرية المعلومات، بأن 14 فائزاً من الحاصلين على جائزة نوبل وخمسة من الحاصلين على جائزة تورنغ (التي تمنح لأشخاص قدموا مساهمات ذات أهمية تقنية مستديمة وهائلة في مجال الحاسوب) هُم من خريجيها.
وبحلول الثمانينيات من القرن الماضي، فقد أدت توليفة من ضغوط المساهمين والمنافسة المحتدمة والإخفاقات العلنية إلى قيام الشركات بتقليص استثماراتها في العلوم. وبدأت الشركات الكبرى، بدلاً عن ذلك، بالتطلع إلى الجامعات والشركات الناشئة الصغيرة بغية الحصول على أفكار جديدة، حيث انفصلت مختبرات "بل" من شركتها الأم، "أيه تي آند تي"، ووُضعت تحت مظلة شركة "لوسنت" (Lucent) في عام 1996. كما أدمِجت شركة "زيروكس بارك" (Xerox PARC) في شركة منفصلة في عام 2002. وأعادت شركة "آي بي إم"، تحت إدارة لويس غريستنر، توجيه الأبحاث صوب تطبيقات تجارية بدرجة أكبر في منتصف التسعينيات من القرن الماضي. وأغلقت شركة "دوبونت" مختبرها الرئيس للبحث والتطوير في عام 2016.
ويمكن استنباط انسحاب الشركات الكبرى من مجال العلوم من الرسم البياني أعلاه، الذي يوضح أن حصة الأبحاث (الأساسية والتطبيقية على حد سواء) في مجمل البحث والتطوير في الولايات المتحدة تراجع من حوالي 30% في عام 1985 إلى أقل من 20% في عام 2015. وفي حين أن مقدار الأبحاث الأساسية (التي تمثل كلمة "البحث" في عبارة "البحث والتطوير") اعتراه الركود على مدار فترة العشرين عاماً الممتدة بين عام 1990 إلى عام 2010، إلا أن إنفاق هذا القطاع وتسجيل براءات الاختراع فيه على أنشطة التطوير (التي تمثل كلمة "التطوير" في عبارة "البحث والتطوير") قد تزايد بشكل مطرد.
ويظهر الانخفاض في الأبحاث في البيانات المتعلقة بالمنشورات العلمية كذلك، حيث توصلت إحدى الدراسات، التي شملت 4,608 شركة أميركية مسجلة كانت تقوم بأنشطة البحث والتطوير، إلى أن عدد المنشورات العلمية لكل شركة تراجع بمعدل 20% في كل عقد في الفترة من عام 1980 إلى عام 2006. كما يظهر هذا الاتجاه في البيانات المتعلقة بالجوائز العلمية، حيث بيّنت إحدى الدراسات أن شركات قائمة فورتشن 500 تحصلت على 41% من جوائز الابتكار في عام 1971، لكنها لم تحصل سوى على 6% من هذه الجوائز في عام 2006.
ويمثل هذا الأمر تحولاً كبيراً في بيئة الابتكار المتكاملة في الولايات المتحدة. إذ إننا انتقلنا من اقتصاد تقوم فيه الشركات الكبرى بالبحث والتطوير العلمي على حد سواء إلى اقتصاد يتسم بالتقسيم الأكثر وضوحاً للعمل، وتتخصص فيه الشركات الكبرى في التطوير وتتخصص الجامعات في البحث.
وعلى النقيض من قطاع المؤسسات، فقد استمرت الجامعات في توسيع نطاق البحث، وهو اتجاه بدأ بصورة جدية بعد الحرب العالمية الثانية. وتشير البيانات الصادرة من المؤسسة الوطنية للعلوم إلى أن إنفاق الجامعات على البحث قد ازداد بأكثر من أربعة أضعاف، من 15 مليار دولار إلى 62 مليار دولار، خلال الفترة بين عام 1980 وعام 2015. بل إن المنشورات العلمية المحكّمة، ازدادت في السنوات الأخيرة بنسبة 37% خلال الفترة بين عامَي 2003 و2016 بالنسبة إلى الجامعات، في حين أن المنشورات العلمية المحكّمة الصادرة عن الشركات تراجعت بنسبة 12%.
وعلى الرغم من أن التخصص يعني أن الجامعات يمكن أن تتحسن في إنتاج الأبحاث وأن الشركات يمكن أن تتحسن في تطوير المنتجات، إلا أن تقسيم العمل الابتكاري هذا يضع المزيد من الصعوبات في طريق الأبحاث الابتكارية نحو التحول إلى منتجات مفيدة، حيث إن العلوم الجامعية تختلف من الناحية النوعية عن العلوم المؤسسية. وتتوفر للشركات سبل الحصول على الموارد المتخصصة التي لا يمكن للجامعات، في الغالب، مضاهاتها، بسهولة. على سبيل المثال، العمليات مثل: اختراع مختبر "بل" لهوائي القرن "هولمدل" (Holmdel)، واختراع شركة "جوجل" لوحدة معالجة المُوتّر (Tensor Processing Unit)، واستخدام شركة "فايزر" (Pfizer) لتقنية الفرز الفائق للإنتاجية (High Throughput Screening)، تعتبر إنجازات عظيمة كانت الجامعات والشركات الصغيرة ستجد أن من الصعوبة بمكان تحقيقها. حيث تطلبت هذه الاختراعات الحجم والنطاق اللذين كان من الصعوبة بمكان على نموذج الباحث الفرد في الجامعات استنساخها.
وعلاوة على ذلك، فالدوافع تختلف بين الباحثين في المؤسسات والجامعات، وهو ما يمكن أن يؤثر على مدى اليُسر الذي يمكن به ترجمة أبحاثهم إلى منتجات، حيث يكافأ الباحثون في الجامعات وفق معيار الأسبقية (في النشر)، في حين يكافأ الباحثون في المؤسسات وفق معيار جدوى الاختراع (نجاعته). ولذلك، يزداد احتمال أن تكون الأبحاث الجامعية جديدة، لكن من المستبعد أن تؤدي الغرض منها على النحو الذي تتوخاه الشركات. ويبدو أن المخترعين على دراية بهذه المشكلة، حيث توصلت دراسة حديثة إلى أن احتمال الاستشهاد في براءات الاختراع باكتشاف نشره أحد فرق البحث الجامعي، يقل بنسبة 23% عما إذا كان الاكتشاف نفسه قد نشره فريق بحثي مؤسسي.
وحتى عندما تنتج الجامعات معارف ذات جدوى وقابلة للتطبيق، يمكن ألا يكون بوسع الشركات العثور عليها. ومع خفض الشركات للإنفاق على الأبحاث الأساسية، فقد قل عدد الباحثين فيها الذين يتابعون الأوساط الأكاديمية الواسعة ويشاركون فيها. ويعني هذا أن الشركات ستفقد، بشكل متزايد، المعرفة بشأن المجالات التي يمكن لها أن تبحث فيها عن الأبحاث ذات الجدوى وتطبقها.
تعتبر شركات رأس المال المغامر جسوراً تربط بين المجالات التي أضحت منقسمة، بشكل متزايد، في بيئة العمل المتكاملة
شكلت شركات رأس المال المغامر والشركات الناشئة حلولاً لمشكلة ربط الأبحاث الجامعية التمهيدية بالتطبيقات التجارية النهائية، حيث إن التقنيات حديثة العهد في مجال الأحياء الجزيئية والكيمياء الحيوية والدوائر المدمجة والحوسبة الشخصية قد جوبهت بالرفض في البداية من قِبل الشركات الكبرى إلى أن طورت الشركات الناشئة التي يدعمها رأس المال المغامر منتجات عملية، مثل المعالجات الدقيقة (شركة "إنتل") والأنسولين الصناعي (شركة "جينينتك" ’Genentech‘) وعائلة الحواسيب الشخصية "ماكنتوش" (شركة "آبل").
وتردم الشركات الناشئة، التي يدعمها رأس المال المغامر، الهوة بين العلوم الجامعية والاختراعات المؤسسية. إذ غالباً ما يحمل مدراء شركات رأس المال المغامر درجات علمية متقدمة في التخصص الذي يستثمرون فيه، وتتراكم لديهم خبرة التسويق التجاري على امتداد حياتهم المهنية. كما أن الشركات الناشئة أيضاً لا تستخدم نماذج أعمال عتيقة تحجّرت بمرور الوقت، من شأنها أن تدفع الشركات الراسخة إلى مقاومة الأفكار التي تنطوي على تغيير مزعزع. على سبيل المثال، نجحت شركة "زيروكس بارك" في إضفاء الطابع التجاري أحد الأبحاث التي أجرتها فقط عندما ربطته بالنشاط الرئيس للشركة (مثل طابعات الليزر)، ولكن ليس عندما حادت عن نشاطها الرئيس (مثل واجهة المستخدم الرسومية وتقنيات شبكات الحاسوب "إيثرنت").
بيد أن رأس المال المغامر شكل حلاً مثالياً، في ضوء أن الاستثمارات كانت تركز، في الغالب، على العلوم الحياتية والابتكار الرقمي. ووفق البيانات المستمدة من شركة "بي دبليو سي موني تري" (PwC Moneytree)، فإن تقنيات المعلومات والاتصالات والشركات الناشئة العاملة في مجال العلوم الحياتية حظيت بحوالي 83% من جميع استثمارات رأس المال المغامر في الفترة بين عامَي 1995 و2019. وهذا يعني أن مقداراً قليلاً جداً فحسب من التمويل يذهب إلى الابتكار في القطاعات الأخرى الحيوية للاقتصادات المتقدمة، مثل الطاقة، التي تعتمد على أوجه التطور الأساسية في العلوم المادية وتكنولوجيا النانو لتوفير شبكات أكثر كفاءة وخدمات توليد طاقة أكثر أماناً.
تحديات ترجمة العلوم إلى منتجات خارج قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والعلوم الحياتية
لماذا يعتبر من الصعب للغاية، بالنسبة إلى رواد الأعمال الذين يرتكزون على العلوم، الحصول على التمويل خارج هذين المجالين؟ نتكهن بأن السبب في ذلك يعود إلى عدم التيقن التكنولوجي والتجاري على حد سواء.
ويتمثل عدم التيقن التكنولوجي، بعبارة بسيطة، في ما إذا كان يمكن حل مشكلة تقنية محددة باستخدام نهج مقترح. وتشير المخاطر التجارية إلى التحديات المرتبطة بتقييم الطلب، بدقة، بالنسبة إلى منتج مقترح والتكاليف المحتملة الناجمة عن التوسع وتوفير الاحتياجات السوقية. وقد حدّت معظم مشاريع البرمجيات من المخاطر التقنية، ويبقى السؤال الرئيس المطروح فيما يتعلق بها هو: ما الذي ينبغي عمله؟ بدلاً من السؤال عن كيفية تحقيقه. ويمكن إدارة المخاطر التجارية عن طريق تحديد مراحل إنجاز تجارية (مثل عدد المستخدمين أو تكلفة كسب الزبائن). ومع اجتياز الشركة الناشئة لمرحلة من مراحل الإنجاز، فإنها تحصل على استثمار إضافي للمضي قدماً صوب مرحلة الإنجاز التالية. وتواجه العلوم الحياتية حالة عدم تيقّن كبيرة، لكن عدم التيقّن السوقي منخفض للغاية، بالنظر إلى أن الحاجة إلى علاجات وأجهزة طبية جديدة مستقرة نسبياً. ويمكن أيضاً تخطيط المشاريع في العلوم الحياتية إلى مراحل إنجاز محددة وإدارتها وفق ذلك. وبعد اكتمال إحدى مراحل الإنجاز في المشروع، يمكن للمستثمرين تقدير الربح في القيمة استناداً إلى الحجم المحتمل للسوق.
ويمكن أن يثبت أن البراعة في التعامل مع نوعَي المخاطر التجارية والتقنية تعتبر باهظة التكلفة، وهو ما يفسر سبب حصول الشركات الناشئة في العلوم الطبيعية على تمويل محدود من القطاع الخاص. ويطرح قطاع الطاقة مثالاً على ذلك: إذ يعتبر توليد الطاقة الكهروحرارية وسيلة تحوّل الحرارة مباشرة إلى كهرباء وتبشّر بأوجه تحسّن هائلة في محركات الحرارة الميكانيكية. ولم تُحظَ هذه التكنولوجيا، التي أستكشِفت أولاً في عام 1960 لتوفير الطاقة للأقمار الصناعية، باهتمام المستثمرين سوى مؤخراً بسبب التحديات التقنية المتمثلة في أن أدوات التصنيع الدقيق التي كانت تتطلب وضع نماذج أولية لم يكن من السهل الحصول عليها.
كما تواجه الاختراعات في قطاع الطاقة أيضاً مخاطر سوقية كبيرة تتمثل في أن استخدامها يتطلب، عموماً، تغيير البنية التحتية التقنية وسلوك المستهلكين واللوائح الحكومية الحالية. إذ تعتمد ابتكارات الطاقة النظيفة في الرياح والطاقة الشمسية، على سبيل المثال، على تطوير تقنيات لتخزين طاقة الشبكات. لكن أوجه التطور في هذه التقنيات، مثل البطاريات، يعتمد على الطلب المتوفر في السوق النهائية. وبسبب هذه المخاطر، فإن تمويل رأس المال المغامر للشركات الناشئة التي تنتج تكنولوجيا البطاريات هذه لم يبدأ بصورة جدية سوى بحلول الألفية الجديدة، بعد أن بدأ قطاع السيارات في إنتاج السيارات المهجنة والسيارات الكهربائية بالكامل.
ويمكن للشركات الكبرى، في الغالب، التعامل مع هذه المخاطر التجارية والتقنية بشكل أفضل من الشركات الناشئة، نظراً لأنها تتحلى بالخبرة في نقل المنتجات من المختبرات إلى الأسواق، ونظراً لأنها، أو لأن شركاءها، يمكن أن يكونوا مصدراً للطلب. ويمكن للشركات الكبرى أيضاً تحسين عملية تنسيق التغييرات المطلوبة في الأجزاء الأخرى من سلسلة القيمة، كما أنها أيضاً تعتبر أكثر خبرة في التعامل مع التحديات المتعلقة بالتشريعات التنظيمية.
الآفاق التي يمكن ارتيادها
ما الذي يمكن القيام به لردم الهوة بين العلوم وتطبيقها في القطاعات التي لم تحظ بالاهتمام؟ يتمثل أحد الحلول للقطاع العام في التدخل وتمويل الشركات الناشئة الواعدة في العلوم الطبيعية أثناء تركيزها على حل المشكلات التقنية، على أمل أن يتدخل، من ثم، رأس المال من القطاع الخاص للمساعدة في التغلب على التحديات التجارية. فعلى سبيل المثال، يموّل برنامج المِنح التابع لوزارة الطاقة الأميركية، "الأبحاث الابتكارية للشركات الصغيرة" (SBIR)، الشركات الناشئة التي تعمل في مجال مصادر الطاقة المتجددة، وقد أسّس البرنامج لزيادة تسجيل براءات الاختراع والإيرادات ومعدلات الانسحاب الناجحة من السوق، عن طريق تقليل القيود المالية. وسيساعد ضخ المزيد من رأس المال في حل حالة عدم التيقن التقني بإتاحة إرساء نماذج أولية تتسم بكثافة رأس المال عبر دورات تطويرية طويلة والتحقق من الأداء بالنسبة إلى المستثمرين المحتملين. وتستمر المؤسسات، التي تركز على مهمة محددة، مثل وكالة مشاريع أبحاث الطاقة المتقدمة (DARPA) ووكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة (ARPA-E) في تمويل الابتكارات الأساسية مثل تلك التي قادت إلى اختراع شبكة الإنترنت والتعرف الآلي على الصوت والترجمة اللغوية وأجهزة استقبال النظام العالمي لتحديد المواقع (GPS).
ويتمثل أحد الحلول الموازية في النهوض بكفاءات ريادة الأعمال العلمية. حيث إن كلاً من برنامج "سايكلوترون رود" (Cyclotron Road) في مختبر لورانس بيركلي الوطني وبرنامج "رانواي" (Runway) التابع لجامعة كورنيل تيك الخاصة في نيويورك يوفران زمالات بحثية للعلماء والمهندسين لدراسات ما بعد مرحلة الدكتوراه بغرض التركيز على الانتقال من الاكتشافات إلى التطبيق. ويستفيد زملاء الأبحاث من المختبرات الوطنية والبنية التحتية البحثية الأكاديمية للنهوض بالتقنيات استناداً إلى الأبحاث التي يجرونها ولبحث الجدوى التجارية لهذه الأبحاث. وتحذو مؤسسات بحثية أخرى في الولايات المتحدة وكندا وألمانيا هذا الحذو. ودورات التوجيه وإعداد القدرات التي يتلقاها العلماء في هذه البرامج تتيح لهم إدارة حالة عدم التيقن التجاري بشكل أكثر فعالية بأن يصبحوا أكثر دراية باحتياجات الزبائن وبناء نماذج أعمال ناجعة.
على الرغم من أن الحنين إلى الماضي مُغرٍ، فما من جدوى في الأمر، سواء كان هذا الماضي عصراً ذهبياً أو غير ذلك. إذ إن بيئة الابتكار المتكاملة تذخر بالكثير من الوعود المبشرة. وكل ما نحتاج إليه وسيلة أفضل لتسخير أوجه التطور العلمية والمنجزات التقنية في العصر الحالي لتسريع وتيرة نمو الإنتاجية وحل مشكلة تباطؤ الابتكار في الولايات المتحدة الأميركية.
اقرأ أيضاً: