ما هي السمات التي تتميز بها بيئات العمل التي تجذب الموظفين؟

5 دقيقة
البيئة القاسية
shutterstock.com/BritCats Studio

تتبع شركات كثيرة ثقافات تعتمد على القسوة والضغط الكبير وعدم اللين في سعيها لتحقيق النجاح المالي.

لكن مجموعة كبيرة ومتزايدة من الأبحاث التي تتناول علم النفس التنظيمي الإيجابي تشير إلى أن بيئة العمل القاسية تضر بالإنتاجية، ومن ناحية أخرى فإن البيئة الإيجابية تعود بفوائد كبيرة على الشركات والموظفين وتؤدي إلى تعزيز الأرباح.

ثمة افتراض مفاده أن التوتر والضغط يدفعان الموظفين إلى تحقيق نتائج أكثر وأداء أفضل وأسرع، لكن المؤسسات ذات البيئة القاسية لا تدرك التكاليف الخفية لهذه الثقافة.

أولاً، تزيد نفقات الرعاية الصحية في الشركات التي يعاني موظفوها ضغطاً كبيراً 50%  على نفقات الرعاية الصحية في المؤسسات الأخرى. تُقدر جمعية علم النفس الأميركية أن التوتر في مكان العمل يكلف الاقتصاد الأميركي أكثر من 500 مليار دولار، كما يؤدي إلى ضياع 550 مليون يوم عمل كل عام. تُعزى 60% إلى 80% من حوادث مكان العمل إلى التوتر، ويُقدر أنه السبب في أكثر من 80% من زيارات الأطباء، كما ارتبط التوتر في مكان العمل بمشكلات صحية تتراوح من متلازمة التمثيل الغذائي إلى أمراض الجهاز القلبي الوعائي والوفيات.

يرتبط التوتر الناتج عن الانتماء إلى التسلسلات الهرمية في حد ذاته بالمرض والموت، إذ أظهرت إحدى الدراسات أنه كلما انخفضت رتبة فرد ما في التسلسل الهرمي، زادت فرص إصابته بأمراض الجهاز القلبي الوعائي ووفاته بسبب النوبات القلبية. في دراسة واسعة النطاق شملت أكثر من 3,000 موظف أجرتها آنا نيبرغ في معهد كارولينسكا، أظهرت النتائج وجود صلة قوية بين السلوك القيادي وأمراض القلب لدى الموظفين، فرئيس العمل المثير للتوتر له تأثير سلبي حرفياً في صحة القلب لدى موظفيه.

ثانياً: انفصال الموظفين عن العمل. تضمن بيئة العمل القاسية وثقافة الخوف مشاركة الموظفين وحتى إثارة حماستهم في بعض الأحيان مؤقتاً، ومع ذلك، تشير الأبحاث إلى أن التوتر الحتمي الذي تخلقه هذه البيئة سيؤدي غالباً إلى انفصالهم عن الشركة على المدى الطويل. تربط الشركات عموماً مشاركة الموظفين في العمل بالضغط الكبير وثقافة القسوة، في حين أنها ترتبط بشعورهم بالقيمة والأمان والدعم والاحترام.

انفصال الموظفين عن العمل مكلف، إذ أوضحت الدراسات التي أجرتها كلية كوينز للأعمال ومؤسسة غالوب، أن العاملين المنفصلين عن العمل يزيد معدل تغيبهم بنسبة 37% ويتعرضون لحوادث أكثر بنسبة 49% ويتضمن عملهم أخطاءً وعيوباً أكثر بنسبة 60%. بمرور الوقت، سجلت المؤسسات التي شهدت تدنياً في مستوى مشاركة الموظفين انخفاضاً في الإنتاجية بنسبة 18% وانخفاضاً في الربحية بنسبة 16% وانخفاضاً في نمو الوظائف بنسبة 37%، وانخفاضاً في أسعار الأسهم بنسبة 65%، والأهم من ذلك، أن الشركات التي شهدت مستوى مرتفعاً من مشاركة الموظفين، حققت زيادة في طلبات العمل بلغت 100%.

ثالثاً: غياب الولاء. تُظهر الأبحاث أن التوتر في مكان العمل يؤدي إلى زيادة بنسبة 50% تقريباً في معدل دوران الموظفين الطوعي، إذ يبحثون عن فرص عمل جديدة أو يرفضون الترقيات أو يستقيلون، ويؤدي دوران الموظفين إلى تكاليف كبيرة ترتبط بالتوظيف والتدريب وانخفاض الإنتاجية، وفقدان الخبرات وما إلى ذلك، إذ تشير تقديرات المركز الأميركي للتدريب والتطوير إلى أن استبدال موظف واحد يكلف نحو 20% من راتبه.

لهذه الأسباب، وفرت شركات عديدة لموظفيها مجموعة واسعة من الامتيازات بدءاً من العمل من المنزل إلى صالات الألعاب الرياضية في أمكنة العمل، ومع ذلك فإن هذه الشركات لا تأخذ الأبحاث في عين الاعتبار. أظهر استطلاع أجرته مؤسسة غالوب أنه حتى عندما توفر الشركات مزايا مثل أوقات العمل المرنة وفرص العمل من المنزل، فإن مشاركة الموظفين أبرز دلالة على رفاهتهم، إذ يفضلون الرفاهة في مكان العمل على المزايا المادية.

الثقافة الإيجابية المصدر الوحيد لرفاهة الموظفين.

يعتمد إنشاء ثقافة إيجابية وصحية لفريقك على بعض المبادئ الرئيسية، وتتلخص أبحاثنا (راجع هنا وهنا) حول سمات الثقافة الإيجابية في مكان العمل في 6 خصائص أساسية:

  • العناية والاهتمام بالزملاء والتعامل معهم على أنهم أصدقاء.
  • تبادل الدعم، ومن ذلك التعامل بلطف مع الآخرين وإظهار التعاطف عندما يواجهون صعوبات.
  • تجنب اللوم والتسامح مع الأخطاء.
  • تبادل التحفيز في العمل.
  • تأكيد المغزى من العمل.
  • التعامل القائم على الاحترام والامتنان والثقة والنزاهة.

كيف يمكنك تعزيز هذه المبادئ بوصفك رئيس العمل؟ يقدم لك البحث 4 خطوات لتجربتها:

1. عزز التواصل الاجتماعي

يؤكد عدد كبير من الدراسات التجريبية أن الروابط الاجتماعية الإيجابية في العمل تؤدي إلى نتائج مستحبة للغاية. على سبيل المثال، يصاب الموظفون بالمرض بنسبة أقل ويتعافون من العمليات الجراحية أسرع بضعفين، وتقل نسبة إصابتهم بالاكتئاب ويتعلمون أسرع ويتذكرون لفترة أطول، ويتحملون الألم والانزعاج تحملاً أفضل، ويظهرون حدة ذهنية أعلى، ويقدمون أداء أفضل في العمل. وفي المقابل، أجرت سارة بريسمان في جامعة كاليفورنيا بمدينة إرفاين بحثاً خلصت فيه إلى أن احتمال الوفاة المبكرة يزداد بنسبة 20% لدى الأشخاص الذين يعانون السمنة المفرطة، و50% لدى المدخنين، ولكنه يرتفع إلى 70% لدى الأشخاص الذين يعانون علاقات اجتماعية سيئة، ولمّا كانت أماكن العمل السامة المليئة بالتوتر تؤثر في العلاقات الاجتماعية، فإنها تؤثر في متوسط ​​العمر المتوقع.

2. أظهِر التعاطف

يؤثر رئيس العمل جداً في مشاعر موظفيه، إذ خلصت دراسة تصوير دماغي مهمة إلى أنه عندما تذكّر الموظفون رئيسهم الذي كان قاسياً أو غير متعاطف، ازداد لديهم نشاط مناطق الدماغ المرتبطة بالتجنب والمشاعر السلبية، في حين حدث العكس عندما تذكروا رئيساً متعاطفاً. علاوة على ذلك، تشير جين داتون وزملاؤها في مختبر كومباشين لاب (CompassionLab) في جامعة ميشيغان إلى أن القادة الذين يظهرون التعاطف تجاه الموظفين يعززون المرونتين الفردية والجماعية في الأوقات الصعبة.

3. ابذل قصارى جهدك لمساعدة الموظفين

هل عرفت مديراً أو مرشداً بذل الكثير من الجهد لمساعدتك على الرغم من أنه لم يكن مضطراً إلى ذلك؟ من المحتمل أنك ما زالت مخلصاً لهذا الشخص حتى اليوم.  يظهر البحث الذي أجراه جوناثان هايدت في كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك أنه عندما لا يكتفي القائد بإنصاف موظفيه بل يضحي من أجلهم أيضاً، فإنهم يتأثرون بسلوكه ويصبحون أكثر ولاءً والتزاماً، ونتيجة لذلك، من المرجح أن يبذلوا قصارى جهدهم لمساعدة الموظفين الآخرين والتعامل معهم بود، ما يؤدي إلى نشر ثقافة الدعم وتعزيزها تلقائياً. يوضح الأستاذ في كلية روتردام للإدارة، دان فان كنيبنبرغ أن الموظفين الذين يعملون تحت قيادة قادة مضحين هم أكثر تعاوناً لأنهم أكثر ثقة في قادتهم، كما أنهم أكثر إنتاجية ويرون أن قادتهم أكثر فعالية وجاذبية.

4. شجع الموظفين على التحدث إليك، ولا سيما عن مشكلاتهم

لا شك في أن أداء الموظفين يتحسن عندما يثقون بأن القائد يهتم بمصالحهم الفضلى،إذ يشعرون بالأمان بدلاً من الخوف، وكما توضح إيمي إدموندسن من جامعة هارفارد في البحث الذي أجرته خلال عملها على موضوع الأمان النفسي، فإن ثقافة الأمان تؤدي إلى نتائج أفضل في التعلم والأداء، وتتضمن هذه الثقافة أن يراعي القائد الشمول ويتحلى بالتواضع ويشجع موظفيه على التحدث وطلب المساعدة. بدلاً من خلق ثقافة الخوف من العواقب السلبية ، يساعد الشعور بالأمان في مكان العمل على تشجيع روح التجريب المهمة جداً للابتكار، وقد أظهر كمال بيردي من جامعة شيفيلد أن التمكين المقترن بالتدريب الملائم والعمل الجماعي يؤدي إلى نتائج أداء ممتازة، في حين أن الاكتفاء بتطبيق مجموعة من الممارسات الإنتاجية والتشغيلية الفعالة لا يحقق ذلك.

عندما يلتزم القائد بالعمل انطلاقاً من مجموعة من القيم القائمة على اللطف بين الأشخاص، فإنه يحدد أسلوب عمل المؤسسة كلها. يوضح الأستاذ بجامعة وارتن آدم غرانت في كتابه "العطاء والأخذ" (Give and Take) أن لطف القائد وكرمه يعدان من المؤشرات القوية على فعالية الفريق والفعالية التنظيمية. في حين أن مناخ العمل القاسي يرتبط بتدهور صحة الموظفين فإن العكس يحدث في مناخ العمل الإيجابي، حيث تنخفض معدلات ضغط الدم وضربات القلب لدى الموظفين ويتمتعون بأجهزة مناعية أقوى. يؤدي مناخ العمل الإيجابي أيضاً إلى ثقافة إيجابية في مكان العمل تعزز الالتزام والمشاركة والأداء، فالموظفون السعداء لا يجعلون مكان العمل أكثر تجانساً فحسب، بل يقدمون خدمة عملاء أفضل أيضاً ونتيجة لذلك، فإن ثقافة السعادة والاهتمام في العمل تحسّن رفاهة الموظفين وإنتاجيتهم وتعمل أيضاً على تحسين نتائج تجربة العملاء ورضاهم.

باختصار، سيكون مكان العمل الإيجابي أكثر نجاحاً بمرور الوقت لأنه يزيد الرفاهة والمشاعر الإيجابية، وهذا بدوره يؤدي إلى تحسين العلاقات بين الأفراد ويعزز قدراتهم وإبداعهم، بالإضافة إلى أنه يحميهم من التجارب السلبية مثل التوتر ومن ثم يحسّن قدرتهم على التعافي من التحديات والصعوبات ويعزز صحتهم النفسية، كما أنه يجذب الموظفين، ما يجعلهم أكثر ولاءً للقائد وللمؤسسة، فضلاً عن إبراز أفضل نقاط القوة لديهم. عندما تطور المؤسسات ثقافات إيجابية فاضلة فإنها تحقق مستويات أعلى بكثير من الفعالية التنظيمية التي تشمل الأداء المالي ورضا العملاء والإنتاجية، ومشاركة الموظفين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .