تقرير خاص

الشباب والرؤية وريادة الأعمال: كيف يبني الشرق الأوسط منظومة للابتكار

3 دقيقة
shutterstock.com/SkillUp

في الوقت الذي يواصل فيه الابتكار العالمي الارتقاء إلى مستويات جديدة يوماً بعد يوم من خلال جولات التمويل الضخمة، ومراكز التقنية النشطة، والتقييمات القياسية للشركات الناشئة الصاعدة، يشقّ الشرق الأوسط طريقه الخاص مدفوعاً بطموح متجدد.

هنا، يتحوّل السرد من مجرد منافسة على الساحة العالمية إلى التفوق على المنافسين عبر الاستفادة الذكية من الرأسمال الثقافي، والثقة المجتمعية، والسياسات الحكومية الطموحة. فالمنطقة تعيد كتابة القواعد حول كيفية بناء منظومات ابتكار أفضل وأكثر استدامة.

في قلب هذه الرحلة التحويلية تبرز مرئيات بودكاست "نكهات الطموح" من شركة بوسطن كونسلتينغ جروب، حيث يناقش فادي غندور والدكتور أكرم عوض في هذه الحلقة جوهر تنمية قوة عاملة محلية من المبتكرين. ومع التركيبة السكانية الفتية للشرق الأوسط، تعاد صياغة التعليم، وتنمو منظومة الشركات الناشئة، وتنفتح الأبواب أمام الخبرات العالمية، لا سيما في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات والذكاء الاصطناعي.

حل معادلة المواهب: إستراتيجية متعددة الأبعاد

تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى تمكين منظومة ابتكار تضاهي الأفضل عالمياً. وترتكز هذه الإستراتيجية على ثلاثة أعمدة: المواهب، والخبرة العالمية، والتمويل. المورد الحاسم هو أن أكثر من 70% من سكان المنطقة دون سن الثلاثين، ما يشكل قاعدة بشرية شابة ومرنة.

ولمواجهة تحديات المواهب، وضعت الحكومات استراتيجيات لإعادة هيكلة التعليم، وتوسيع معسكرات التدريب المكثف، وإطلاق مبادرات حاضنات الشركات، بما يجذب الخبرات والاستثمارات العالمية ويُنشئ دورات نمو متواصلة. وقد تُرجمت هذه السياسات إلى مبادرات عملية مثل نظام "التأشيرة الذهبية" في الإمارات، وتأشيرة المواهب العالمية الاستثنائية في السعودية، ما ساهم في تعزيز القطاعات التقنية وجذب خبرات دولية نوعية في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات والذكاء الاصطناعي.

لا يقتصر الأمر على استقطاب الكفاءات، بل تركز المنطقة أيضاً على الاحتفاظ بعقولها المتميزة. ففي ظل توجّه أكثر من 41% من الكفاءات العالية المهارة إلى وجهات تقليدية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا، رسخت السعودية والإمارات موقعهما على خريطة المواهب. ويؤكد "متعقب المواهب" الخاص بشركة بوسطن كونسلتينغ جروب أن المنطقة تستحوذ بشكل متزايد على نسبة أعلى من الكفاءات العالمية بفضل النمو الاقتصادي القوي واستراتيجيات تنافسية للاحتفاظ بالمهارات.

أما التمويل، فيظل عامل تمكين رئيسياً، وتستجيب المنطقة بحلول متنوعة. فقد ارتفع تمويل الشركات الناشئة في السعودية إلى 1.38 مليار دولار عام 2023، بزيادة قدرها 33% عن عام 2022. وأثمرت هذه الجهود عن نتائج ملموسة، حيث وصلت شركتا تابي وتمارا السعوديتان في مجال التقنية المالية إلى مستوى "الشركات الناشئة الصاعدة" في العام ذاته. كما أن الاستثمار المبكر للكويت في شركة طلبات، التي أصبحت لاعبًا إقليمياً رائداً، يجسد قيمة رأس المال طويل الأجل.

في المقابل، حدّثت الإمارات والسعودية قوانين الملكية الفكرية، ووفرتا معدلات ضريبية منخفضة أو معدومة على الشركات، مع إعفاءات ضريبية للشركات الناشئة، ما يعكس استثماراً مباشراً في الابتكار وإعادة تشكيل مستقبل الاقتصاد عبر استراتيجيات جريئة تستند إلى البيانات.

مقاربة طموحة للابتكار

تتسم مقاربة الشرق الأوسط للابتكار اليوم بالطموح الاستثنائي، فهي تعطي الأولوية للتغير الجذري بدلاً من التحسين التدريجي. إذ تراهن دول مجلس التعاون على سياسات جريئة، ومشروعات ضخمة مثل المدن الذكية، والتحولات القطاعية الاستراتيجية.

ويظهر هذا النهج في إنشاء مختبرات تنظيمية (Regulatory Sandboxes)، والاستثمارات الكبيرة في القطاعات الناشئة، والتحول الثقافي نحو قبول المخاطرة وإمكانية الفشل. تدرك القيادات أن قصص نجاح الغد ستولد من رهانات اليوم الجريئة.

تنمية المنظومات: التكامل بين الطموحات الوطنية والابتكارات الشعبية

لا يمكن لأي منظومة من الشركات الناشئة أن تزدهر بمعزل عن غيرها. وقد أدركت حكومات مجلس التعاون ذلك، فتبنّت أدواراً تقليدية ما كانت حكراً على المسرعات والمستثمرين الجريئين والمبتكرين في السياسات، لتصنع بيئة أكثر دعماً للابتكار.

ومن خلال زيادة تمويل رأس المال الجريء، وتبسيط سياسات الشركات الناشئة، وتعزيز التعاون بين القطاعات، ظهر جهد جماعي يدمج بين طموحات الصناديق السيادية والابتكار القاعدي.

كما أن تبني الصناديق السيادية لنهج أكثر استراتيجية وصبراً غذّى نمواً متسارعاً للشركات الناشئة، انعكس في صفقات خروج بارزة ودورات إعادة استثمار مستمرة.

تتجاوز هذه المبادرات الأبعاد الاقتصادية لتجسد عقداً اجتماعياً متجدداً بين الحكومات والمواطنين قائماً على الثقة المتبادلة، والإحساس بالإلحاح، والطموح. إنها ليست مجرد توظيف أو تنويع اقتصادي، بل إعادة تموضع للمنطقة كقوة ابتكار عالمية تصوغ مستقبلها بيدها.

الخاتمة

إن التزام الشرق الأوسط بالابتكار يبرهن على ما يمكن إنجازه حين يلتقي الطموح بالفعل الحاسم. فمن خلال الاستثمار الاستراتيجي في المواهب، وتبني السياسات الجريئة، ورعاية منظومات الشركات الناشئة الديناميكية، تقدم المنطقة نموذجاً عالمياً للنجاح الريادي؛ نموذجاً مرناً، شاملاً، ومستعداً للمستقبل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي