عندما أسمع عبارة “الإدارة نحو الأعلى”، يتبادر إلى ذهني تلقائياً شخصية بييربونت فينش، الذي كان متخاذلاً وترقّى من وظيفة عامل تنظيف النوافذ إلى رئيس مجلس إدارة شركة وورلد وايد ويكيت (Worldwide Wicket) في مسرحية “كيف تنجح في العمل دون محاولة حقيقية؟” (How to Succeed In Business Without Really Trying)؛ من خلال الكذب: يخبر مدير قسم الموارد البشرية أن الرئيس التنفيذي أمر بمنحه وظيفة على الرغم من عدم صدور أي تعليمات بهذا الشأن. من خلال المكيدة: يدعم بييربونت فينش أحد المنافسين للحصول على ترقية، ليس بسبب نكرانه لذاته أو تفانيه وإخلاصه، بل لأنها وظيفة لا يمكن أن تحقق له النجاح والتطور مستقبلاً. من خلال استخدام الحيلة والتلاعب بالعواطف: عندما كان بييربونت فينش على وشك أن يُطرد من عمله بسبب خطأ ما، أشار إلى زملائه الموظفين بأنهم عائلة، لكي يحظى بتعاطفهم ودعمهم لينقذ نفسه ويتجنب العقاب أو الفصل.

إذا كانت عبارة “الإدارة نحو الأعلى” توحي لك بالتملق، فإليك هذه الخطوات البسيطة لمساعدة من يشعرون بالحرج في بناء علاقة ناجحة مع رؤسائهم، دون اللجوء إلى أساليب التملق والخداع.

يجب أن تكون واضحاً ومتفهماً لوظيفتك الأساسية، كما يجب تنفيذ المهام المطلوبة بكفاءة

يبدو الأمر بديهياً، لكن كما تبيّن الكاتبة بام فوكس رولين في كتابها “42 قاعدة لدورك القيادي الجديد” (Forty-two Rules for Your New Leadership Role)، فمن الممكن إرجاع الكثير من حالات الفشل الكبيرة في القيادة إلى الأخطاء التي تحدث خلال الفترة الأولى من تولي المنصب القيادي، وفي حين تبلغ نسبة القادة الذين ينجحون في البقاء في مناصبهم خلال السنة الثانية نحو 60 إلى 75%، يفشل نحو ثلثهم في السنة الأولى، وتتأثر فعالية هؤلاء القادة ومساراتهم المهنية بدرجة كبيرة بالقرارات التي يتخذونها خلال العام الأول من توليهم المنصب القيادي. عندما يُوظف أي شخص لشغل منصب معين، يُطلب منه تنفيذ مهام محددة على الرغم من عدم تيقن المدير من طبيعة الوظيفة والمسؤوليات تماماً في البداية. عندما تبدأ وظيفتك الجديدة، قد تلاحظ وجود عدة جوانب أو مجالات يمكن تحسينها خارج نطاق تخصصك ومسؤولياتك المباشرة، دوّن هذه الملاحظات لكن لا تدعها تشتت تركيزك على مهامك الأساسية. بالتأكيد، ارتكبتُ هذا الخطأ عندما اقترحت على مديري أن أحل المشكلات المزعجة والمعقدة التي تتعلق بأقسام أخرى وتتجاوز نطاق مسؤولياتي، بدلاً من التركيز على المشكلات التي تتعلق بمسؤولياتي المباشرة. الخطوة الأولى في الإدارة نحو الأعلى هي تحديد نطاق الوظيفة والمهام الموكلة إليك، ثم تنفيذها.

افهم الوظيفة التي عيّنك المدير لأدائها

في الشركات الفعالة والمحترمة، التي تختلف تماماً عما يظهر في المسلسل الكوميدي ذي أوفيس (The Office)، يجب على المدراء فهم طبيعة وظائفهم على نحو صحيح وأداء واجباتهم بدقة كي يرتقوا على السلم الوظيفي ويحظوا بفرصة لأداء وظيفة أهم. من السهل أن نفترض أن المدير مجرد وسيلة لتلبية احتياجاتنا الشخصية، مثل توفير فرص التعلم والترقية وكسب العيش، لأن الناس غالباً يركزون على مصالحهم الشخصية واحتياجاتهم الخاصة.

دعونا نستعرض تجربة كتبتُ عنها منذ بضع سنوات. عندما شرحت تطلعاتي المهنية مع مدير أعلى من مديري المباشر في العمل، لم يبدِ أي اهتمام بما قلته. أتساءل الآن ماذا كان سيحدث لو أنني أخذت بنصيحتي، وبدلاً من الاقتراب منه والتوسل إليه، بحثت في المشكلة التي كان يحاول حلها وقدمت له حلاً موثوقاً ومقنعاً، وتصرفت كما لو كنت مديراً أولاً كما كنت أتمنى أن أكون. ربما كان الحديث سيأخذ اتجاهاً مختلفاً. عندما يقدم لي زملائي المبتدئين حلاً، ربما لا أوافق عليه، لكن عندما ينجزون أعمالهم ويظهرون جهوداً جيدة في إعداد الحلول، فقد يكون ذلك فرصة لمعرفة طرق تفكيرهم والتفاعل معهم أكثر. الغرض من الشركات هو إجراء المعاملات من أجل إنشاء قيمة اقتصادية أو مالية، لذلك، فالخطوة الثانية في الإدارة نحو الأعلى هي معرفة المشكلة التي يحاول مديرك حلها من أجل إنشاء قيمة اقتصادية، لتصبح حلاً لا غنى عنه.

تذكّر أن الأشخاص الذين تعمل معهم ليسوا أفراد عائلتك

من المهم جداً التركيز على هذه النقطة. تميل الثقافة الشعبية إلى تصوير زملاء العمل على أنهم عائلة، كما فعل بييربونت فينش عندما أدى أغنية ذا براذرهود أوف مان (The Brotherhood of Man) بصوت عالٍ بهدف إنقاذ وظيفته وإقناع أصحاب العمل بأهمية التعاون. في معظم الأعمال الفنية الخيالية التي تتناول موضوع بيئة العمل، مثل مسلسلات بونز (Bones) وسوتس (Suits) وذا بلاك ليست (The Black List) وذا غود وايف (The Good Wife)، ثمة نوع من العلاقات العائلية بين الشخصيات. خلال فترة العطلات، سوف تلاحظ أن وسائل الإعلام تستخدم عبارة “من عائلتنا إلى عائلتك، نتمنى لكم عطلة سعيدة”. من السهل فهم سبب تطور هذا الشعور بالألفة، لأننا غالباً نقضي وقتاً أطول مع زملائنا في العمل مقارنة بالوقت الذي نقضيه مع عائلاتنا. تعززت هذه الفكرة تاريخياً من خلال النظرة السلطوية والتقليدية لمكان العمل، إذ يتفرغ الشخص للعمل مقابل الحصول على الأجر والمزايا الأخرى. عندما تضع مديرك في العمل (لا شعورياً بالتأكيد) في موقع الأب أو الشريك، يصبح من الصعب إدارة هذه العلاقة بطريقة صحية والتصرف بوعي ومسؤولية. إذا كنت تريد أن تؤخذ على محمل الجد، يجب أن تكون قادراً على حل المشكلات وإثبات خبرتك وجدارتك، ويجب ألا تنخرط في علاقة ودية مفرطة مع مديرك وأن تحافظ على الحدود المهنية، لأنه ليس صديقك المقرب.

عندما يتعلق الأمر بالإدارة نحو الأعلى، ثمة اعتقاد أساسي يشير إلى التفاوت في السلطة بين الأطراف، لذلك، يجب عليك إما استغلال هذه الظروف لصالحك وإما الاستسلام لحقيقة أن السلطة محصورة في يد المدير أو أصحاب الشأن المعنيين. حاول تغيير نظرتك لهذا الصراع على السلطة وتعامل مع مديرك بالطريقة نفسها التي تعامل بها العملاء، كما لو كنت تعمل لحسابك الخاص. إذا كنت تقدّم قيمة للشركة وتسهم في النجاح والتطور، فسوف تحتفظ بوظيفتك، شريطة عدم اللجوء إلى استخدام الأساليب غير الأخلاقية التي اعتمدت عليها شخصية بييربونت فينش. إذا لم تقدم قيمة، فلن تحتفظ بوظيفتك. تكمن القوة والسلطة في القدرة على إنجاز الأعمال، وتساعدك الإدارة نحو الأعلى في الحصول على الموارد التي تحتاج إليها لإنجاز هذه الأمور. يتمحور التعريف التقليدي للإدارة نحو الأعلى حول تطوير علاقة عمل جيدة مع مديرك. ببساطة، تتضمن الإدارة نحو الأعلى التركيز على فهم احتياجات أصحاب المصالح وحل المشكلات التي يواجهونها.