ملخص: عادة ما ينظر الكثير من الموظفين إلى الترابط في مكان العمل من جانب واحد فقط يتمثل في التركيز على بناء العلاقات الشخصية مع زملاء العمل. لكن في تعاون بحثي حديث، اكتشف فريق البحث في معهد نيرو ليدرشيب بالتعاون مع شركة التكنولوجيا أكاماي أن الترابط في مكان العمل يتألف في الواقع من 4 عناصر مترابطة وأساسية، وهي روابط الموظف مع زملائه ورابطه مع قائده وروابطه مع أصحاب العمل ورابطه بدوره الوظيفي. يمكن أن تؤثر هذه النظرة التفصيلية والدقيقة للروابط في مكان العمل في كيفية تصميم المؤسسات لاستراتيجيات موجهة ومدروسة لجذب المواهب وتطويرها، وذلك بهدف إنشاء أماكن عمل تشجع الموظفين على الالتزام والمشاركة وتحقيق أداء فعال ومتميز.
في الوقت الحالي، يعاني العديد من الموظفين علاقات متوترة أو متصدعة مع المهام التي يؤدونها ومع زملائهم وقادتهم وأصحاب العمل. يتضح ذلك من خلال انتشار ظواهر مثل الاستقالة الصامتة والاستقالة الكبرى وانهيار العلاقة والثقة والالتزام بين الموظفين وأصحاب العمل.
يطالب العديد من القادة الموظفين بالعودة إلى العمل من المكتب في محاولة غير فعالة لوقف هذا التصدّع. سواء كانت هذه العودة من خلال العمل 3 أيام في الأسبوع أو 6 أيام في الشهر، فإن رسالتهم واضحة، وهي أنهم يريدون من الموظفين العودة لأنهم يعتقدون أن هذه هي الطريقة التي يمكنهم من خلالها الحفاظ على الترابط بين الموظفين.
التفسير المنطقي لرغبة القادة في إعادة الموظفين إلى المكتب هو اعتقادهم أن الترابط بين الموظفين يؤدي إلى تعزيز الابتكار والعمل التعاوني والمشاركة والالتزام. وعلى الرغم من أن الروابط الاجتماعية القوية تؤدي بالفعل إلى هذه النتائج، فإن سياسات العودة إلى العمل من المكتب لا تحقق دائماً النتائج المرجوة. في الواقع، نرى أن الإنتاجية يمكن أن تنخفض عند إجبار الموظفين على العودة إلى العمل من المكتب، وأن العديد من الموظفين يستمرون في رفضها ما يؤدي في بعض الأحيان إلى خسارة المؤسسات لموظفيها الأكثر خبرة.
تشير دراسة الأبحاث الحالية إلى أن المناقشات حول أهمية بناء الروابط بين الموظفين في بيئة العمل لا تستند إلى دلائل حاسمة، ما يؤدي إلى انحراف المؤسسات والقادة عن المسار الصحيح واتخاذهم قرارات غير فعالة.
4 أنواع من الروابط في مكان العمل
ينظر الكثير من الأشخاص إلى الروابط في مكان العمل عادةً من جانب واحد فقط يتمثل في التركيز على بناء العلاقات الشخصية مع زملاء العمل. في الواقع، تُظهر الأبحاث أن الروابط الاجتماعية مهمة جداً، لكن في تعاون بحثي حديث بين المؤسسات، اكتشف فريق البحث في معهد نيرو ليدرشيب (NLI) بالتعاون مع شركة التكنولوجيا أكاماي (Akamai) أن الروابط في مكان العمل تتألف في الواقع من 4 عناصر مترابطة وأساسية، وهي روابط الموظف مع زملائه ورابطه مع قائده وروابطه مع أصحاب العمل ورابطه مع دوره الوظيفي.
وبعيداً عن النقاش حول العودة إلى العمل من المكتب، فإن هذه النظرة التفصيلية والدقيقة للروابط في مكان العمل يمكن أن تؤثر في كيفية تصميم المؤسسات لاستراتيجيات موجهة ومدروسة لجذب المواهب وتطويرها، وذلك بهدف إنشاء أماكن عمل تشجع الموظفين على الالتزام والمشاركة وتحقيق أداء فعال ومتميز. إن التفكير في عناصر الترابط الأربعة في مكان العمل هو خطوة إيجابية وصحيحة لوقف التصدّع والبدء بإصلاح المشكلات في بعض المؤسسات، أو للحفاظ على الجوانب الإيجابية وتعزيزها في المؤسسات التي تسير فيها الأمور على نحو جيد.
الروابط مع الزملاء
تذكّر فترة في حياتك المهنية عملت فيها مع أشخاص تثق بهم حقاً وتحبهم؛ إذ لم تقتصر علاقتكم على مجرد الاستمتاع بصحبة بعضكم لبعض، بل تعدت ذلك لتشمل التعاون وتبادل الدعم والمساعدة. ما تتذكره هو مثال قوي على الروابط مع الزملاء.
تتضمن الروابط مع الزملاء توفير فرص للعمل التعاوني والاعتماد المتبادل مع الموظفين الآخرين، وتقديم الدعم الاجتماعي وتلقيه، وأثر هذه العوامل في أداء الفريق. يمكن القول إن هذا النوع من الترابط هو الذي يتبادر إلى أذهاننا عندما نتصوّر فكرة الترابط بين الموظفين في مكان العمل. على الرغم من أهمية هذا الجانب؛ فللدعم الاجتماعي القوي في العمل العديد من النتائج الإيجابية، فإنه ليس العنصر الوحيد الذي يجب التركيز عليه عند الحديث عن الترابط في مكان العمل.
الرابط مع القائد
فكّر في القادة الذين عملت تحت إشرافهم خلال حياتك المهنية. نأمل أن تكون قد عملت على الأقل تحت إشراف قائد واحد وفّر لك فرصاً للتطور والنمو ودرجة معقولة من الاستقلالية في اتخاذ القرارات المتعلقة بكيفية إنجاز عملك. من المرجح أن هذا القائد يتمتع بمهارات تواصل قوية ويوضح توقعاته منك ويقدم ملاحظات مفيدة ومتوازنة حول أدائك وإمكاناتك. وجدت الأبحاث أن 70% من التباين في مدى مشاركة الفريق في بيئة العمل والتزامه يمكن أن يرجع إلى دور المدير، ما يوضح أن الرابط مع القائد هو عنصر أساسي في المناقشات التي تتناول الترابط في مكان العمل.
الروابط مع أصحاب العمل
ربما عملت في مكان شعرت فيه بأن قيمك تتوافق مع قيم أصحاب العمل، وأن عملك أسهم بدرجة كبيرة في تحقيق أهداف المؤسسة ووجدت أن جهودك لها قيمة وغاية ومعنى. إذا كنت قد حظيت بفرصة العمل في مؤسسة تلبي هذه الاحتياجات، فمن المحتمل أنك شعرت بزيادة ترابطك مع صاحب العمل.
عندما يكون الرابط مع صاحب العمل ضعيفاً، فإن الذهاب إلى العمل قد يتحول إلى مجرد واجب روتيني يشبه تسجيل الحضور فقط. يمكن أن يؤثر ضعف الرابط مع صاحب العمل في أداء الموظف في العمل، بالإضافة إلى أثره أيضاً في المواهب التي تجذبها المؤسسة.
الرابط مع الدور الوظيفي
درس عالم النفس ميهاي تشيكسنتميهاي فكرة "التدفق" (Flow) وكتب عنها؛ إذ تشير هذه الفكرة إلى تجربة التركيز والانغماس في نشاط ما بحيث ننشغل تماماً عما يدور حولنا ولا ننتبه له. وعلى الرغم من أن معظم الأشخاص لن يجدوا دوراً وظيفياً يتيح لهم تجربة حالة التدفق باستمرار، يمكنهم بالتأكيد جمع رؤى حول ما يحفزهم والعثور على أدوار مُرضية تلبي طموحاتهم.
عندما نرتبط بدورنا الوظيفي، فإننا نمتلك فهماً واضحاً لوظيفتنا ومتطلباتها، ونشارك بفعالية وحماس في مهامنا، وتكون لدينا رؤية واضحة حول كيفية تقدمنا في مسيرتنا المهنية. وعندما يكون ارتباطنا بدورنا الوظيفي قوي، فإننا نشعر بالتحفيز والرضا تجاه العمل الذي نؤديه.
طبيعة عناصر الترابط الأربعة في مكان العمل
عمل كل من معهد نيرو ليدرشيب وشركة أكاماي على جمع البيانات وتحليلها لاختبار نموذج عناصر الترابط الأربعة وتحسينه باستخدام مجموعة من الاستبيانات وبيانات الموظفين. تشير النتائج الأولية إلى اختلاف احتياجات الموظفين فيما يتعلق بكل نوع من أنواع الروابط. قد يقدّر أحد الموظفين بشدة الرابط مع القائد، فيقضي الكثير من الوقت في لقاءات ثنائية مع مديره ولا يتعاون كثيراً مع نظرائه ولا يفكر كثيراً في رسالة مؤسسته، وقد ينصب تركيزه على بناء شراكة قوية مع قائده والعمل معه لاستكشاف فرص التقدم في العمل. يتطلب تحفيز هذا الشخص مساراً مختلفاً عن الموظفين الآخرين الذين يقدّرون بشدة ترابطهم مع الزملاء.
يمكن أن تتغير تفضيلاتنا فيما يتعلق بالترابط فتتضاءل أو تزداد اعتماداً على ما يحدث في حياتنا. على سبيل المثال، قد يواجه الموظف، الذي كان في السابق يفضّل الترابط الوثيق مع الزملاء، بعض التغييرات في حياته، مثل الزواج أو ممارسة هواية تستحوذ على وقته، أو قد يمر بحدث آخر يغيّر بدرجة كبيرة رغبته في الشراكة في العمل. ثمة عناصر أساسية مشتركة يتوقعها معظم الموظفين في بيئة العمل، مثل وجود نظراء وقادة متعاونين وداعمين والشعور بالتقدير والاحترام في وظائفهم والعمل في شركة ذات سمعة طيبة، وعلى الرغم من ذلك، فإن توقعات الموظفين ورغبتهم في الحصول على مزيد من الدعم أو الترابط تختلف من شخص لآخر.
العناصر الأربعة للترابط في مكان العمل
دعونا نحلل ما قد يحدث عندما يصدر أصحاب العمل أوامر بالعودة إلى العمل من المكتب، وذلك من خلال منظور العناصر الأربعة للترابط. قد يزداد الترابط بين الزملاء، لأن الموظفين يجتمعون في المكتب نفسه ويستفيدون من التفاعلات العشوائية والعفوية، لكن في الوقت نفسه، قد يقل مستوى الترابط مع القادة، لأن الموظفين يشعرون بأن مشرفيهم لا يفهمون دوافعهم أو لا يهتمون بآثار أوامر العودة إلى العمل من المكتب في استقلاليتهم وحياتهم. يمكن أن ينخفض أيضاً مستوى الترابط وتتدهور العلاقة مع أصحاب العمل؛ إذ تتأثر رغبة الموظفين في العمل بجد في سبيل نجاح الشركة عند شعورهم بعدم التقدير والخذلان بسبب قرار العودة إلى العمل من المكتب. يمكن أن يتأثر الارتباط بالدور الوظيفي سلباً في حال عدم توضيح سبب عودة الموظفين إلى العمل من المكتب بصراحة؛ إذ يعتقد الموظفون أن تقييمهم يعتمد على حضورهم لا على أدائهم.
وبالتالي، فإن التركيز على عنصر واحد فقط من نموذج عناصر الترابط الأربعة في مكان العمل ضار بالتأكيد. عندما يتخذ القادة قرار العودة إلى العمل من المكتب، يجب عليهم أن يتذكروا أنه لن تكون هناك سياسة واحدة عادلة للجميع. بدلاً من ذلك، قد يعتمد القادة على فكرة مبدأ التنويع ويسعون جاهدين إلى إنشاء مجموعة من السياسات التي تتضمن عناصر الترابط الأربعة جميعها.
في بيئة العمل الحالية، عندما يواجه أصحاب العمل والموظفون تحديات مثل انخفاض مستوى المشاركة والتغير السريع والمستمر وضعف الثقة عموماً، يصبح تعزيز الترابط في مكان العمل ضرورياً للشركات. بناءً على ذلك، من المهم أن يتخلى قادة الأعمال عن وجهة النظر التي تركز على جانب واحد فقط وأن يفهموا بوضوح طبيعة الترابط في مكان العمل وكيفية الاستفادة منه لتحقيق أفضل النتائج للموظفين والشركة. إن وجود إطار مفاهيمي لنوع الترابط الذي يقدّره الموظفون هو خطوة في الاتجاه الصحيح نحو إنشاء استراتيجيات تحفيز أفضل، بالإضافة إلى تحسين عملية صناعة القرار بشأن ممارسات العمل عموماً.