إليك هذه القصة التي تتحدث عن الرئيس التنفيذي لشركة بيت.كوم تحديداً. في عام 2018، خلال إحدى زياراتي المتكررة إلى المملكة العربية السعودية، قابلت مدير إحدى شركات النقل والتوزيع الكبيرة، ووصفتُ له الخدمات التي يمكن أن تقدمها شركتي الخاصة بالتوظيف عبر الإنترنت، بيت.كوم (bayt.com)، لكنه لم يقتنع بالأمر. قال ذلك المدير إنّ بوسعه أن يتفهم فائدة بيت.كوم في جذب العمال الإداريين وتوظيفهم، ولكنه لا يعتقد أنّ بالإمكان تطبيق هذا على إيجاد عمال في مهن بسيطة مثل السائقين الذين تعتمد عليهم شركته. لكنني غيّرت رأي ذلك المدير بمثال بسيط: سجلت دخولي إلى موقع بيت.كوم، وكتبت كلمة "سائق" في خانة البحث. ظهرت العديد من الاقتراحات لكلمات مفتاحية ذات علاقة، من بينها مصطلحات عامية وترجمة الكلمة بالإنجليزية. وبيّنت النتائج أننا نمتلك 95,000 سائق سعودي مسجل في موقعنا.
كان التغلب على تشكيك ذلك المدير بمثابة آخر التحديات الكثيرة التي واجهتها منذ تأسيس بيت.كوم عام 2000. فعلى الرغم من أنّ الإنترنت كانت منتشرة إلى حد كبير في الولايات المتحدة والكثير من الدول الغربية الأخرى آنذاك، إلا أنّ أقل من 1% من الناس في العالم العربي كانوا يستطيعون الوصول إليها. في تلك الفترة كان أصحاب العمل والباحثون عن الوظائف يجدون بعضهم البعض من خلال سؤال المعارف والتعاقد مع شركات توظيف، وهي طرق افتقرت إلى الكفاءة وعملت على الحد من الخيارات وزيادة التكاليف، ولم تحقق في النهاية أهداف أصحاب الشركات الذين عانوا في العثور على المواهب حتى في ظل الارتفاع الهائل في معدلات البطالة.
رحلة للعلم وعودة للعمل
أنتمي إلى أسرة لبنانية من جذور فلسطينية، وقد أقامت أسرتي في الكويت في الستينيات. عشت هناك حتى السابعة عشرة من عمري، ثم درست تخصص الهندسة الكهربائية في جامعة ستانفورد. كانت فترة وجودي في بالو ألتو، إحدى مدن مقاطعة سانتا كلارا في ولاية كاليفورنيا الأميركية، مفعمة بالحماس، حيث كان لاري بيج وسيرجي برين، مؤسِّسا جوجل يدرسان في الجامعة نفسها، إضافة إلى معاصرتي لزميليّ دراسة آخرين في ستانفورد وهما جيري يانغ وديفيد فيلو، اللذين أسسا شركة ياهو في وقت لاحق. أتذكر الإثارة التي واكبت استخدام النسخ الأولى من الإنترنت، وكان هذا قبل ظهور متصفحات الويب. أمضيت ساعات طويلة في التساؤل حول إمكانيات التكنولوجيا الجديدة وتصور كيف بوسعها أن تغيِّر شكل العالم.
وبعد حصولي على شهادة الماجستير في نظم الاقتصاد الهندسي، وهو مؤهل يجمع بين الأعمال والرياضيات المتقدمة، انتقلت إلى العمل في مقر بنك ألكس براون آند سنز (Alex. Brown & Sons) في مدينة سان فرانسيسكو، وهو أقدم بنك استثماري في أميركا، وقد ركّز على قطاعات محدودة فحسب، وكان أحدها قطاع التكنولوجيا، فمثلاً قام البنك بقيادة الطرح العام الأولي لشركة مايكروسوفت في البورصة. ولقد كنت حينها ضمن فريق تكنولوجي عمل على الكثير من معاملات عمليات الاندماج والاستحواذ والطرح العام الأولي الشهيرة لشركات كبرى أخرى غير مايكروسوفت. واكتسبت من خلال تلك التجربة فهماً عميقاً لكيفية تحويل مجرد فكرة إلى شركة. وأصبحت بعد فترة قصيرة مهووساً بفكرة بدء مشروع في الشرق الأوسط.
قررت العودة إلى المنطقة لتحقيق ذلك الحلم. انتقلت إلى دبي بعمر 23 عاماً. "وكانت أسرتي قد انتقلت إلى هناك" قبل ذلك بعدة سنوات، حيث رأوا أنها ستكون أرضاً خصبة لعمل والدي في مجال الإنشاءات. عملت في شركته لمدة عام تقريباً. وفي عام 1995، دخلت دبي في فترة نمو متسارع، وكانت المشاريع والشركات تتدفق من جميع أنحاء العالم، حاملة معها وثائق ومستندات مهمة. وهذا ما شكّل حافزاً لأقوم بإنشاء شركتي الأولى، إنفوفورت (InfoFort)، التي قدمت خدمات تخزين الوثائق وإدارتها واسترجاعها. وكانت هذه الفكرة قد تشكلت لدي خلال الوقت الذي أمضيته في البنك الاستثماري الأميركي، حيث كنا نقوم عند نهاية كل مشروع بوضع ملفاتنا في صناديق وإرسالها إلى شركة تخزين سجلات. وإذا احتجنا إلى الرجوع إلى وثيقة ما، نعطي الشركة تاريخ الملف الذي نريده، وبعد يوم أو اثنين يصل هذا الملف إلى مستودعنا. كانت عملية الاسترجاع تلك أسرع وأسهل مما إذا كانت الملفات مخزنة في مقرنا، حيث يمكن أن نواجه صعوبة كبيرة في إيجاد حتى ولو وثيقة واحدة استعملناها مؤخراً.
استقطبت إنفوفورت عملاء على وجه السرعة من المصارف والشركات الأخرى، وبدأت تجني الأرباح في غضون سنة. وافتتحنا في خلال ثلاث سنوات مكاتب لنا في أبوظبي والرياض والخُبَر وجدة والقاهرة. وبفضل الحماس الذي رافقني مع أول مشاريعي الريادية، تأملت في الاحتياجات الأخرى للمنطقة وكيف يمكنني تلبيتها.
صعوبة وفرصة
إحدى أبرز الحاجات التي تعلمتها من تجربتي في إنفوفورت، كانت أهمية إيجاد ابتكار يساعد في حل مشكلة التوظيف، لقد عانينا في إيجاد المواهب المتميزة. لقد كانت مشاكلنا التي عانيناها في التوظيف تكشف عن معضلة كبيرة وفرصة كبيرة أيضاً. كان الشباب والشابات العرب يواجهون صعوبة في إيجاد عمل، وكان أصحاب الشركات يواجهون صعوبة في إيجاد العمال. وكان السؤال هو كيف يمكننا تحقيق التواصل بينهم؟
رأيت أنّ الإجابة تكمن في توفير سوق للوظائف على الإنترنت، ولم تكن هذه الفكرة تهدف لحل مشكلة البطالة فحسب، بل لدعم استخدام الإنترنت في العالم العربي. ورأيت أنه إذا كان الناس في المنطقة سيدخلون إلى الإنترنت، فسيكون ذلك سعياً لكسب الرزق. ووضعت تصوراً لـ "بيت.كوم" كمنصة مركزية يستطيع ملايين الأشخاص من خلالها إيجاد عمل مفيد، وبالتالي يتمكنون من عيش حياة أفضل.
كان الشباب والشابات العرب يواجهون صعوبة في إيجاد عمل، وكان أصحاب الشركات يواجهون صعوبة في إيجاد العمال. كيف يمكننا تحقيق التواصل بينهم؟
واجهت على الفور عقبة هائلة: قلة الأشخاص المؤهلين لإنشاء موقع إلكتروني. في ذلك الوقت، كانت المنطقة تحتوي على عدد قليل جداً من المختصين في المجال. كما احتجت إلى خبير في التسويق، شخص يمكنه الوصول إلى جمهور يفتقر إلى الخبرة بالإنترنت، وأن يشجع الناس على التوجه إلى الإنترنت بشكل عام، وأن يوجههم إلى زيارة موقعنا الإلكتروني بشكل خاص. واحتجت أيضاً إلى قائد مبيعات لتكوين فريق يمكنه الوصول إلى أصحاب الشركات وإقناعهم أنّ موقعنا الإلكتروني سيقدم لهم مجموعة من الموظفين الجدد أكبر وأفضل مما تجلبه أي طريقة أخرى، ما سيوفر عليهم الوقت والمال. ولجأت إلى شبكة علاقاتي الشخصية بحثاً عن أعضاء الفريق الأولي. لقد عمل رئيس القسم التكنولوجي لدينا في شركتي أكسنتشر (Accenture) وأوراكل (Oracle) في المنطقة، واكتسب شهرة لعبقريته التكنولوجية. أما بالنسبة لمنصب مدير التسويق، فقد توجهت إلى أختي، منى، التي امتلكت خبرة عالمية في التسويق، شملت العمل في شركتي بروكتر آند غامبل (P&G) وجونسون آند جونسون (Johnson & Johnson). وقاد رئيس العمليات، وهو رائد أعمال لسلسلة من المشاريع وصديق مقرّب، فريق المبيعات في شركتنا. وبحلول يونيو/حزيران 2000، بدأت شركة بيت.كوم أعمالها التجارية بصفة رسمية، بأربعة موظفين، بمن فيهم أنا.
من ناحية، كان توقيتنا في إطلاق الشركة من أسوأ ما يكون. فقد بدأ انهيار شركات الإنترنت في مارس/آذار من ذلك العام، وكانت أسهم شركات الإنترنت تهوي بسرعة عبر ماعُرف بفقاعة الدوت كوم. ومن ناحية كان التوقيت مواتياً، ففي الخريف السابق لإطلاق المنصة، أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن مبادرة جديدة وطموحة، وهي تأسيس مدينة دبي للإنترنت كمقر لشركات تكنولوجيا المعلومات، بحيث تكون هذه المدينة بمثابة منطقة اقتصادية حرة وقاعدة استراتيجية للشركات التي تستهدف الأسواق الناشئة في المنطقة. وكنا من بين الأوائل الذين قدموا طلباً للحصول على رخصة للعمل فيها، وتمت الموافقة على الطلب خلال يومين فقط.
لم يكن ثمة حيّز مكتبي متوفراً في ذلك الوقت، لذا بدأنا أعمالنا في أحد مستودعات إنفوفورت وبدأنا برسم مسارنا.
الطريق إلى الربحية
جاءت انطلاقة بيت.كوم بعد عدد قليل من المنصات باللغة العربية، ومن بينها "بلانيت أرابيا" Planetarabia.com (بوابة ويب) وموقع "عجيب" Ajeeb.com (موقع قام بترجمة مواقع أخرى إلى العربية) و"مكتوب" Maktoob.com (مزود خدمة بريد إلكتروني وبوابة محتوى). وقد حصلت كل واحدة من هذه المنصات على تمويل كبير من رأس المال المغامر (أو ما يسمى برأس المال الجريء) قبل أن تتوقف. وكانت هناك شركات أخرى أقل حظاً في جذب المستثمرين، وقد كنا من بينها لكننا تمكننا من جمع 400,000 دولار في التمويل الأولي من أصدقائنا وعائلاتنا، ثم سافرنا إلى نيويورك ولندن وجميع أنحاء الشرق الأوسط في محاولة لجمع التمويل في جولة مؤسسية. وبعد الحديث مع مئات المستثمرين المحتملين، حصلنا على تمويل مشروط من مستثمر واحد بقيمة 1.5 مليون دولار. ودون خيار للاستعانة بالمزيد من رأس المال المغامر، علمنا أنّ علينا أن نكون قادرين على تحقيق الاكتفاء الذاتي في وقت قريب. كانت التدفقات النقدية لدينا إيجابية في غضون 18 شهراً. وفي نهاية المطاف، مع بدء صعود نجم بيت.كوم، جذبنا اهتمام مستثمرين عالميين، واشترت إحدى الشركات الاستثمارية الكبيرة بعض أسهم الزبائن في الشركة. ولكننا استرجعنا تلك الأسهم بعد فترة، ويحتفظ مؤسسو بيت.كوم بالملكية الكاملة للشركة، باستثناء جولة استثمارية واحدة فقط في تاريخنا الممتد على مدار 19 عاماً.
لم يكن من السهل تأسيس عملنا التجاري. ولم تكن معاناتنا تكمن فقط في حاجتنا إلى بيع خدماتنا إلى شركات لا تمتلك أدنى خبرة في الإنترنت، بل وجدنا أنفسنا في أحوال كثيرة نتواصل مع مدراء الموارد البشرية الذين لم يسبق لهم أن استخدموا الكمبيوتر وكانوا يؤمنون بطرق التوظيف التقليدية، على الرغم من تكلفتها الهائلة. لذا أخذنا على عاتقنا تعليم العملاء أدق تفاصيل العالم الرقمي. قمنا بتنصيب أول متصفح ويب على الكثير من أجهزة الكمبيوتر لديهم، ودرّبنا مدراء الموارد البشرية على الاتصال بالإنترنت، وطبعنا السير الذاتية وسلمناها بأيدينا، كل ذلك من أجل تيسير المشاركة في خدماتنا.
شكّل الوصول إلى الباحثين عن الوظائف المحتملين تحدياً آخر، وليس فقط لأنهم احتاجوا إلى مواكبة التطور مع عالم الإنترنت أيضاً، لكن لأن الباحثين عن عمل كانوا يشعرون بالقلق إزاء جعل طلبات الوظائف التي يقدمونها متاحة على الإنترنت، خشية أن تعرف مؤسساتهم التي يعملون بها أنهم يبحثون عن وظيفة أخرى. لذا وضعنا ميزات سمحت للأشخاص بالتحكم بخصوصيتهم إلى أبعد الحدود، ما سمح لهم بنشر سيرهم الذاتية دون تحديد تفاصيل مثل الاسم والشركة الحالية. وكان بوسعهم إخفاء سيرهم الذاتية من العرض أثناء البحث عن مناصب شاغرة. فإذا وجدوا شيئاً يثير اهتمامهم، يمكنهم التقديم مباشرة من خلال موقعنا الإلكتروني مع بقائهم متخفين عن أعين الشركات التي يعملون بها ولا يمكن البحث عنهم أو اكتشاف تسجيلهم في منصتنا. وقد وفّر ذلك للباحثين عن العمل القدرة على البحث عن جهات التوظيف المحتملة والتواصل معها مباشرة بأنفسهم.
علاوة على ذلك، فقد واجهنا عقبات إضافية من أصحاب الشركات والباحثين عن العمل نظراً لعدم انتشار مفهوم اقتصاد الإنترنت في المنطقة، ولأنّ الكثير من الدول التي نعمل فيها لم تشرّع حتى تلك اللحظة قوانين تحكم شركات الإنترنت. ولذا فقد عانينا من مشكلات مثل محاولة البعض سرقة بياناتنا، وبدأ بعض طالبي التوظيف على منصتنا نشر محتوى عن مسائل لا تتعلق بالتوظيف، وتواصلوا على نحو غير ملائم مع مشتركينا. وقام آخرون بتزييف بيانات في سيرهم الذاتية. وللتعامل مع هذه الأمور وضعنا ضوابط محددة: طلبنا من عموم الباحثين عن عمل على منصتنا إبلاغنا بأي انتهاكات أو أعمال غير ملائمة واجهوها، وطلبنا من الشركات إبلاغنا بأي سير ذاتية احتيالية تلقوها عبر بيت.كوم أو أية مراسلات ضايقتهم من بعض المرشحين.
واليوم، مع عشرات الآلاف من الشركات المسجلة وأكثر من 36 مليون باحث عن عمل، فنحن نمتلك قاعدة بيانات أكبر من أي قاعدة تمتلكها الكثير من الحكومات في المنطقة. حيث يأتمننا الذين ينشرون على صفحات موقعنا على بياناتهم الشخصية والمهنية، ونحن ملتزمون بالحفاظ على خصوصيتهم.
لقد كانت هذه هي قصة انتقالي من تأمين مستندات مادية في إنفوفورت إلى تأمين بيانات رقمية في بيت.كوم.
ما بعد دبي
لطالما كانت خطتنا هي التوسع إلى خارج دبي، وقد فتحنا 12 مكتباً آخر في غضون ثلاث سنوات، بما فيها مكتب أبوظبي والرياض ومدينة الكويت وعمّان والقاهرة ولاهور. وهذا يعني أنني كنت دائماً على الطريق إلى السفر لأحد مكاتبنا، وهذا ما لاحظه والدي الذي كان يتساءل عن السبب الذي يجعل شركة رقمية تحتاج الكثير من المكاتب التقليدية والسفر. وكما أوضحت له، فإنّ هدفنا كان يتمثل في خلق نوع جديد من ثقافة العمل وأن علينا أن نضع الناس في قلب عملياتنا واهتمامنا، وهذا يتطلب مستوى جديداً من خدمة الزبائن. ولإقناع الشركات بقيمة ما يمكننا تقديمه إليهم، فقد احتجنا إلى أن نكون حاضرين لتوجيه المدراء وتدريبهم لزيادة عائداتهم على الاستثمار. كنا ملتزمين بتقديم الخدمة بشكل يومي. ولم يكن نموذجنا يتمحور حول حلِّ مشاكل محددة ثم الانصراف. أردنا إقامة علاقات حقيقية من شأنها أن تدعم التوظيف بشكل عام. كما وفر لنا تطوير عمليات ميدانية ميزة استراتيجية بالغة الأهمية، حيث لاحظت الشركات العالمية نجاحنا وحاولت الدخول في منافسة معنا ضمن منطقتنا، وقد باءت محاولاتها جميعاً بالفشل.
أتاح لنا تمتعنا بحضور قوي في أرجاء الشرق الأوسط مكانة قوية، حيث أتاح لنا التعرف على الفروق الأساسية بين الأسواق والاستفادة منها، على لسان الرئيس التنفيذي لشركة بيت.كوم بالفعل، على سبيل المثال، في عام 2011 عندما أعلنت الحكومة السعودية عن برنامج "نطاقات"، وهي مبادرة "سعودة" تطلبت من الشركات في المملكة رفد قوتها العاملة بنسبة معينة من المواطنين السعوديين بدلاً من العمالة الأجنبية. فلو لم نفهم ذلك المتطلب، الذي ينطبق على أعلى مستويات الإدارة التنفيذية إضافة إلى المهن التي تتطلب عمالة يدوية، لعجزنا عن مساعدة عملائنا بسرعة في التوظيف في تلك الدولة.
عدد المستخدمين المسجلين في موقعنا يفوق عدد سكان كل دولة من دول الخليج العربي تقريباً.
تضمنت الخطوة التالية من توسعنا تحويل أنفسنا من أداة توظيف إقليمية إلى منصة تكنولوجية عالمية. وإحدى الخدمات التي أضفناها تحقيقاً لهذه الغاية تمثلت في نظام تتبع المتقدمين للوظائف، ويرمز له اختصاراً بـ (ATS). إذ تعلن معظم الشركات الآن عن الوظائف الشاغرة وتجمع الطلبات على مواقعها الإلكترونية الخاصة، ويسمح لها نظام تتبع المتقدمين للوظائف بأن تقوم بأتمتة جميع المهمات ذات الصلة وأن تديرها بشكل أفضل، من وضع متطلبات الوظيفة والتعرف على المرشحين الواعدين إلى تحديد مواعيد المقابلات ونشر ملاحظات حولها. نحن نقوم اليوم بتشغيل أنظمة تتبع المتقدمين لمئات الشركات والمكاتب الحكومية في مختلف أرجاء الشرق الأوسط.
كما أضفنا إلى خدماتنا إيفاليوفاي (Evalufy)، وهي منصة تقييم عبر الفيديو صُمِّمت لتناسب جهات التوظيف التي تجد نفسها غارقة في مئات الطلبات على وظيفة واحدة. وقد قال لنا الكثير من المدراء إنهم غالباً ما يستثنون مرشحاً غير ملائم خلال محادثة هاتفية تستمر لدقيقتين، وقد كانت المقابلات البسيطة التي تكتشف الشركات من خلالها أن المرشح غير صالح تمثل هدراً كبيراً للوقت، خاصة إذا تكررت. وقد كانت منصة إيفاليوفاي تتيح للباحثين عن عمل تقديم فيديو قصير لأنفسهم يجيبون فيه عن عدة أسئلة تضعها جهة التوظيف. ويمكن للمدراء الحكم بسرعة على ملاءمة المرشح من خلال الفيديو، ما يسمح لهم بتقليص عدد مكالمات فرز المتقدمين التي يجرونها وعدد المقابلات الشخصية التي يعقدونها.
وبعد ذلك، قمنا بتوسعة نطاقنا الجغرافي من خلال تدشين منصة فيفيرز (vFairs) وتطويرها، وهي بديل لمعارض الوظائف ومعارض المنتجات التقليدية. إذ يمكن أن يكون الذهاب إلى قاعة معارض ما صعباً من الناحية اللوجستية ومهدراً للوقت بالنسبة للزوار، كما أن الحشود الكبيرة في المعارض تجعل التواصل غير مُجدٍ مع الشركات هناك. ومن جهتها، تجد الجهات العارضة أن المشاركة في المعارض مكلفة وتستلزم جهداً كبيراً، وغالباً ما تكون المشاركة في المعرض غير فعالة. بينما كانت فكرتنا هي أن الجهات العارضة تستطيع بدلاً من ذلك القيام بتحضير منصات رقمية من خلال الاستعانة بمنصة فيفيرز. حيث يمكن للجميع زيارة هذه المعارض الافتراضية من أي مكان في العالم لمشاهدة الفيديوهات وأشكال المحتوى الأخرى وتحميل المواد (كما يأخذ زوار المعارض العادية المنشورات وغيرها من المواد الترويجية بينما يتنقلون من محطة إلى أخرى). وكذلك، يستطيع الحضور مشاركة سيرهم الذاتية مع الشركات على المنصات، وتبادل بطاقات العمل، واستخدام نوافذ الدردشة للتواصل فيما بينهم. لقد فاقت فيفيرز توقعاتنا، وقمنا بتكييف تلك المنصات لأنواع مختلفة من العملاء: على سبيل المثال، يمكن للجامعات الآن المشاركة في معارض افتراضية تسمح لها بتقديم برامجها إلى الطلبة المحتملين وجمع طلبات الالتحاق. والآن يحقق عملنا عبر هذه المنصة الافتراضية أكثر من 90% من إيراداته من أميركا الشمالية وله مئات الزبائن، بمن فيهم شركات "فورتشن 500" وجامعات رابطة اللبلاب (Ivy League).
ما زالت الروح الريادية تسري بقوة في أوساط فريق بيت.كوم، ولأننا أنشأنا بيئة عمل قائمة على الإبداع والتمكين، فقد أصبحنا بمثابة حاضنة لجميع أنواع رواد الأعمال في المنطقة. في عام 2010، قمنا بتدشين غونابت (GoNabit)، أول موقع للصفقات اليومية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي استحوذت عليه شركة ليفينغ سوشال (Living-Social) في العام التالي. وفي عام 2012، طوّر أعضاء فريقنا يلا موتور (Yalla-Motor)، وهي منصة لشراء السيارات وبيعها. وفي عام 2011، تركت مديرة التسويق، أختي، عملها لدينا لتؤسس موقع "ممزورلد" (Mumzworld)، وهو متجر تجزئة على الإنترنت يوفر منتجات خاصة للأمهات والأطفال الرضّع. وفي نفس العام، ترك مدير المبيعات، داني فرحه، عمله لدينا لتأسيس شركة "بيكو كابيتال" (BECO Capital)، والتي قامت بتمويل عدد من الشركات الناشئة الناجحة في المنطقة، بما فيها شركة "كريم" (Careem) المتخصصة بتقديم خدمات التوصيل من خلال موقعها الإلكتروني والتطبيق المتاح للهواتف الذكية، واستثمر كذلك في بوابة العقارات "بروبرتي فايندر" (Property Finder).
وفي هذه الأثناء، اتسع نطاق طريقنا في شركة بيت.كوم مع تطبيق تكنولوجيا البيانات والذكاء الاصطناعي على عملية التوظيف عبر الإنترنت. فإذا كنت ستبحث عن طالبي العمل بحسب المدينة في جميع القطاعات التي نغطيها، فستجد أنّ ثلثي العمال في أي بلد من البلدان نشروا سيرتهم الذاتية على موقعنا. وفي الواقع، كما يقول الرئيس التنفيذي لشركة بيت.كوم بالفعل، فإنّ عدد المستخدمين المسجلين في موقعنا يفوق عدد سكان كل دولة من دول الخليج العربي تقريباً. واليوم نعتز أن ثقافة الإنترنت تزدهر في معظم دول الشرق الأوسط، وهي ثقافة ساعدنا في بنائها حجراً حجراً.