أيّ نوع من القادة تريد أن تكون؟ يسلّط هذا السؤال الضوء على مسألة مفقودة في مجال تطوير القدرات القيادية.

فنحن نساعد القادة المبتدئين والصاعدين على التحلّي بالوعي الذاتي ونشجعهم عليه (معرفة نوع القائد الذي تمثّله)، ونحثهم على تشخيص مسارهم القيادي الذي قطعوه إلى حدّ الآن (معرفة العوامل التي جعلت منك نموذج القائد الذي تمثله) وتبادل المعرفة والأفكار (معرفة نوع القائد الذي يجب أن تكون)، كما نُعينهم على اكتساب مهارات جديدة واعتماد سلوكيات حديثة (الطريقة التي تجعلك قائداً من هذا النوع).

لكننا لا نركّز بما يكفي على المكوّنين الأهم للقيادة الناجحة: غاية القيادة (نوع القائد الذي تريد أن تكون) وتأثير القيادة (الإرث القيادي الذي تريد تركه). أشير اختصاراً إلى هذين المكونين مُجتمعين بمصطلح: “بصمة القيادة”.

فكَّر العديد من القادة وفقاً لخبرتي في مسألة بصمتهم القيادية في مرحلة ما من مسارهم الوظيفي، لكن القليل منهم تمكَّن من تحديدها بوضوح يكفي لتوجيه سلوكه وتقييم “نجاحه”. وقليل من هؤلاء القادة يفكرون في هذه البصمة دائماً لتوجِّه قراراتهم اليومية، أو يتحدثون عنها إلى الآخرين التماساً للتقييم وحرصاً على تحمّل المسؤولية.

إليك مثالاً على البصمة القيادية: غيل كيلي هي الرئيسة التنفيذية في واحد من أكبر البنوك الأسترالية، وستباك غروب (Westpac Group)، الحائز جائزة الشركة الأكثر استدامة في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، وقد تحدثتْ بصدق وصراحة عن أهداف إرثها القيادي، ووصفتها بمصطلح “سلامة الصدر” القائم في نظرها على عنصرين أساسيين: الأول هو الإيمان بقدرة الموظفين على تحقيق أمر ذي قيمة (غاية القيادة)، والثاني هو خلق بيئة تمكّنهم من التطور حتى يصلوا إلى أفضل مستويات الأداء، وبالتالي تحقيق ذلك التميز (تأثير القيادة).

وتفكر كيلي أيضاً في موضوع أساليب القيادة، لكن لجعلها في خدمة مفهوم البصمة القيادية الأوسع الذي حددته. وتُعرّف القادة الذين يتميزون بسلامة الصدر بأنهم من يتمتعون بصفات التواضع والإصغاء للآخرين والتعبير عن التعاطف أو المشاركة الوجدانية. إنهم ليسوا قادة أنانيين أو غير متسامحين أو متسرعين في إصدار الأحكام. وليسوا من الذين يعاقبون من يكشفون لهم مكامن الخلل أو يبحثون عن كبش فداء للتضحية به، كما أنهم يميلون إلى المبادرة بدلاً من انتظار نجاح أسلوب عمل معين من أجل دعمه. ويقدمون ملاحظاتهم بصدق في الوقت المناسب، ولا يُضطر الموظفون الذين يعملون تحت إمرتهم إلى انتظار مرور 6 أو 11 شهراً ليحظوا بالتقييم بمناسبة مراجعة الأداء السنوية، ويعالجون ضعف أداء الموظف بسرعة. والأهم من هذا كله ربما هو أن المدراء يستطيعون اختيار افتراضاتهم، تقول كيلي: “أختار أن أفترض أن زميلي يريد الأفضل لي وللآخرين. أنا سخية في افتراض الأفضل فيما يتعلق بدوافعك ونيتك تجاهي، وسأفترض حسن النية مهما كان ذلك صعباً أحياناً”.

يبدو أن هذا النهج نجح في بنك وستباك، إذ أفاد 97% من موظفيه في استقصاء داخلي حول الاندماج في العمل أنهم يلمسون ارتباط عملهم بأهداف الشركة.

لا أقصد بالتأكيد أن المدخل الوحيد لنجاح أيّ تجربة قيادية هو فكرة سلامة الصدر، فقد نجحت مع غيل كيلي لأنها تمثل البصمة التي اختارتها لنفسها وحددت أبعادها، وبلورتها بناء على طبيعة فريقها وربطت بينها وبين النتائج التي كانت ترغب في تحقيقها للشركة.

لا يتعيّن بالضرورة أن نتبع المعايير نفسها لإنجاح تجربة القيادة، بل يجب أن نحدد معاييرنا الخاصة بأنفسنا. ينبغي للقادة أن يتيحوا لأنفسهم المجال والوقت والفرصة ويطلبوا المساعدة عند الحاجة من أجل تحديد ثقافة القيادة التي يريدون بلورتها في تجاربهم الخاصة بوضوح، وعليهم أن يقيّموا التزامهم بذلك سواء بالاعتماد على ملاحظاتهم الخاصة أو على ملاحظات الآخرين، وإجراء التغييرات الضرورية لمواصلة بناء هذه الثقافة يومياً.

تتمثل العناصر الأساسية في بلورة بصمتك القيادية فيما يلي:

  • تحديد نوع القائد الذي تريد أن تكون.
  • المعرفة الواضحة لمدى توافق هذا النموذج من القيادة مع رؤيتك المؤسسية وأهدافها، وإسهامه في تحقيقها.
  • تعزيز الوعي الذاتي والتفكير في سلوكك الشخصي وتشجيع الآخرين على تقييم أدائك.
  • معرفة الفوارق التي يمكن أن تظهر بين نيتك وتأثيرك الفعلي.
  • ضبط الذات. تقول عنه الأستاذة في كلية لندن للاقتصاد، إيما سوان: “تكمن صعوبة ضبط الذات وقوته في ضمان الاتساق بين شخصيتك وسلوكك وأهدافك القيادية”.
  • اختيار الافتراضات المناسبة عنك وعن الآخرين التي تحتاج إلى الاعتماد عليها من أجل بلورة بصمتك القيادية حتى تكون واقعية ومستدامة.

التحدي الذي أضعه اليوم أمام أيّ من العملاء، سواء الذين رسّخوا مسارهم القيادي أو الذين بدؤوه حديثاً، هو نفسه السؤال الذي أطرحه على نفسي بانتظام: هل تعرف وتدرك كل يوم طبيعة البصمة القيادية التي تريد وضعها؟