هل تطمح لأن تصبح قائداً عظيماً؟ ركز على هذه الممارسات البسيطة

ملخص: لطالما اعتبرت المناهج الدراسية أن القدرات القيادية هي مجموعة من الإجراءات الضخمة، مثل إجراء محادثة صعبة أو الاضطلاع بتدريب أحدهم، لكن القيادة الرشيدة في واقع الأمر هي نشاط متكامل، حيث يؤدي المرء الكثير من الممارسات في وقت واحد. وتتمثل إحدى طرق تعلم كيفية فعل ذلك بشكل أفضل في التفكير في القيادة كسلسلة من الإجراءات البسيطة التي تتم ممارستها، ثم يتم ترتيبها ونسجها معاً بعناية فائقة في أثناء التفاعلات اليومية. على سبيل المثال، بدلاً من التفكير في شيء ما على أنه "محادثة صعبة"، قد يعمد القائد المتمرس إلى تجريد الطرف الآخر من سلاحه، ثم إظهار تقديره لشخصه، ثم مخاطبة قيمه النبيلة. وقد حدّدت الأبحاث 25 إجراءً من هذا القبيل، ويسهم تعلُّم تنفيذها في الظروف المناسبة في مساعدة المرء على أن يصبح قائداً أفضل.

كانت جوليا عالمة كيمياء عضوية تُجري أبحاثاً عن المخدرات في أحد المختبرات. وكان مديرها، رمزي، عالِماً ذائع الصيت، لكنه كان أيضاً رجلاً متقلب المزاج للغاية. وفي أحد الأيام دخلت جوليا مكتب رمزي لتطلب رأيه في مسودة ورقة بحثية اشتركا في إعدادها. استغرق إعداد الورقة البحثية شهوراً من العمل الشاق. لكن رمزي أخبرها بأنها "أسوأ قطعة قمامة" رآها على الإطلاق.

ردت جوليا بهدوء: "رمزي، لست متفاجئة من رأيك في الورقة ووصفك إياها بأنها قمامة. ولا أخفيك سراً أنه قد راودني الشعور ذاته عندما كنتُ أعكف على كتابتها. شعرتُ بأنني ألف وأدور حول النقطة نفسها. وأشعر دائماً بالدهشة عندما أقرأ أوراقك البحثية لأنها تتصف دائماً بالوضوح الشديد وسهولة الفهم. وهذا في الواقع أحد الأسباب التي دفعتني للعمل معك وشعوري بالحماس الشديد عندما عرضتَ عليّ منصباً في الخريف الماضي. قد تكون نتائج بحثنا في غاية الأهمية، وأعلم يقيناً أنه قد يكون لهذه الورقة البحثية تأثير هائل إذا تمت كتابتها جيداً. قد تكون الورقة غير قابلة للإصلاح، لكنني أتساءل عما إذا كانت لديك أي اقتراحات حول كيفية تحسينها. أريد أن أتعلم منك قدر الاستطاعة".

بدا أن مزاج رمزي قد تحسّن على الفور. ونظر من فوره إلى الورقة البحثية، وأشار إلى المشكلات التي يجب معالجتها وطريقة عرض الأفكار. واصلت جوليا نشر الورقة في مجلة مرموقة وحصلت على جائزة كبرى عنها. (كانت هذه إعادة سرد لقصة حقيقية من كتابات الطبيب النفسي البارز الدكتور ديفيد بيرنز).

مَن كان القائد ومَن كان التابع في هذا التفاعل بين جوليا ومديرها؟

نشهد أحياناً سلوكيات تنمُّ عن قدرات قيادية رائعة من أشخاص مثل جوليا لم يتلقوا تدريبات رسمية على المهارات القيادية. ويبدو من الواضح أن الكثير من القادة البارزين تلقوا تدريباً أقل مما حصلت عليه جوليا في واقع الأمر؛ فقد تلقى أبراهام لينكولن التعليم المدرسي لمدة عام واحد فقط، ولم تلتحق الأم تريزا أو إليانور روزفلت بالجامعة، وكان نيلسون مانديلا ومهاتما غاندي طالبين غير نجيبين باعترافهما. فكيف يرتقي الأشخاص العاديون بأنفسهم إذاً ليصلوا إلى مراتب القيادة الاستثنائية؟

ليس هناك ما هو أهم من هذا السؤال لكافة المؤسسات في الوقت الحالي. فقد تسببت الاضطرابات الواسعة النطاق في قلب روتين العمل رأساً على عقب، وجعلت من المستحيل أن يضطلع بضعة نفر من القادة في أعلى هرم السلطة بتحمل عبء رسم صورة واضحة للمستقبل ودفع عجلة التغيير وحدهم دون مساندة من العاملين. وقد توصل استقصاء أجرته مؤسسة غارتنر (Gartner) بمشاركة أكثر من 6,500 موظف وأكثر من 100 رئيس تنفيذي لشؤون الموارد البشرية في جميع أنحاء العالم إلى أن "أفضل المؤسسات تعتمد على قوة العمل لديها، وليس المسؤولين التنفيذيين، لقيادة التغيير".

السلوكيات والكفاءات

اعتاد الخبراء تقسيم القدرات القيادية إلى سلوكيات مثل إجراء محادثات صعبة وبناء الثقة وتقديم الملاحظات والتدريب والإلهام والتأثير وتغيير سلوك الآخرين. والقادة الطموحون مطالبون بإتقان كل سلوك على حدة. قد يكون هذا أمراً صعباً، حيث يأتي كل سلوك ضمن إطار العمل الخاص به وقائمة المراجعة الخاصة به، ما يجعل من الصعب على المتعلمين إتقان كل ما تم نصحهم بفعله وتنفيذه. ولكن في ورش القدرات القيادية التي قدمناها للعملاء في معهد مينتورا (Mentora Institute) ظهرت مشكلة أكثر جوهرية مع هذا النموذج السلوكي.

لنعد إلى الطريقة التي تفاعلت بها جوليا مع رمزي. هل كانت جوليا تجري محادثة صعبة معه رداً على ملاحظاته؟ أم كانت تبني الثقة معه؟ أم كانت تعطيه آراء وتقييمات؟ أم كانت تدربه؟ أم كانت تلهمه؟ أم كانت تحاول التأثير عليه؟ أم كانت تعمل على تغيير سلوكه؟

ألم تكن تفعل كل ما سبق، وذلك أيضاً في غضون 35 ثانية فقط؟

يبدو أن هذه السلوكيات لا ينفصل بعضها عن بعض. وبوضع هذه النقطة في الاعتبار، هل يمكننا تحسين بنية القدرات القيادية بطريقة تجعل تعلمها أسهل أيضاً؟

عكف الفريق البحثي لدينا على مدى السنوات العشر الماضية في معهد مينتورا على تجميع وتحليل أكثر من 1,000 موقف قيادي نموذجي، كالمحادثات والاجتماعات والصراعات والمفاوضات والخطب التي أجراها الأفراد مع زملائهم وشركائهم وخصومهم وجماهيرهم وحتى أصدقائهم وأفراد أسرهم، حيث حققوا تأثيراً استثنائياً. عندما ألقينا على الأمر نظرة سطحية، لاحظنا وجود اختلافات عديدة في المواقف التي تعرّض لها هؤلاء الأفراد وكيفية استجابتهم لها. لكن عندما تعمّقنا في الأمر، اكتشفنا وجود 3 قواسم مشتركة.

أولاً: أنهم كانوا يتعاملون مع هذه المواقف وفي نيتهم تحقيق غاية واحدة: كيف يمكنني إبراز أفضل ما لديّ وأفضل ما لدى الآخرين سعياً وراء تحقيق هدفنا الإيجابي المشترك؟

ثانياً: أن تحقيق هذه الغاية كان يستلزم منهم السعي إلى تنشيط واحدة أو أكثر من 5 طاقات لديهم ولدى الآخرين:

• الغرض: الالتزام بالسعي وراء قضية نبيلة وغاية سامية.
• الحكمة: التقبل الهادئ للحقيقة بكل جوانبها في كل المواقف.
• النمو: السعي المستمر لتحقيق المرء لكل ما تؤهله له إمكاناته.
• الحب: تعزيز مشاعر الدفء والقدرة على التفاهم والتواصل.
• الإدراك الذاتي: إثارة الروح البشرية التي تكمن في جوهر المرء.

ثالثاً: يستخدمون إجراءات بسيطة لتنشيط هذه الطاقات لديهم ولدى الآخرين. على سبيل المثال، استخدمت جوليا 5 إجراءات لتنشيط الحكمة والحب والغرض والنمو:

1. تجريد الطرف الآخر من سلاحه: بدأت جوليا بتأكيد بعض الحقيقة فيما قاله رمزي، وهي أن أسلوب صياغة الورقة البحثية لم يكن في مستوى أسلوبه.
2. إظهار التقدير: أضفت جوليا مشاعر الدفء على التفاعل من خلال إظهار تقديرها لأسلوب رمزي الراقي في الصياغة وجودة كتاباته.
3. الجمع بين الأضداد: على الرغم من قبول جوليا لفكرة أن أسلوب صياغة الورقة البحثية كان دون المستوى، فقد نوّهت إلى أن الجهود البحثية التي بُذلت في سبيل إعدادها كانت ممتازة.
4. مخاطبة القيم: خاطبت جوليا قيم رمزي من خلال تسليط الضوء على الأثر الكبير للورقة في منظومة المجتمع العلمي عند نشرها.
5. تطوير شراكة النمو: دعت جوليا رمزي لمساعدتها على تنمية مهاراتها في الكتابة.

يبدأ كل إجراء بصورة إجراء داخلي يوجّه نواياك ومشاعرك وأفكارك لتنشيط الطاقة الصحيحة في الداخل. يمكنك بعد ذلك الانخراط في الإجراء الخارجي باستخدام تعبيرات الوجه ونبرة الصوت والكلمات الصحيحة في تعاملاتك مع الآخرين.

ولو أن جوليا كانت قد اختارت تقدير كتابات رمزي من الخارج بينما كانت تشعر بالغضب من الداخل، فلربما لاحظ رمزي خداعها وأيقن أنها تزيّف مشاعرها أو على الأقل كان سيشعر بأنها غير صادقة. لذا يجب أن تسبق النوايا الداخلية كافة أشكال العمل الخارجي. ونستطيع أن نقول بحكم خبرتنا في معهد مينتورا إن التدريب على القدرات القيادية الذي يركز فقط على تدريب الأشخاص على قول الشيء الصحيح أو فعله غالباً ما يجعل المتعلمين يشعرون بالخداع وعدم المصداقية.

وتعتبر الإجراءات في النهاية هي اللبنات الأساسية للسلوكيات. ويمكن بناء سلوكيات قيادية لا حصر لها من مجموعة صغيرة من الإجراءات. هذه هي الطريقة التي تعمل بها الطبيعة: تنوع مبهر من الخارج، وبعض اللبنات الأساسية في الداخل. ويتشكّل عدد لا يحصى من السوائل والمواد الصلبة والغازات من 118 عنصراً فقط أو عدد مقارب، وتمت كتابة عدد لا يُحصى من الكتب والكلمات باستخدام 26 حرفاً فقط من الأبجدية الإنجليزية، ويتألّف عدد لا يحصى من الألحان من 12 نوتة موسيقية فقط في السلم الموسيقي الغربي.

يفرض علينا هذا النهج مطلباً واحداً: الحاجة إلى التحلي بالتواضع وإدراك أنه بغض النظر عن الإنجازات الكبيرة التي حققتَها في مجال القدرات القيادية، فإن الخطوة التالية في تقدمك قد تكمن في ممارسة بعض الإجراءات البسيطة التي لا تستخدمها حالياً.

3 فوائد للتدريب على الطاقة والإجراءات

انتقلنا في عملنا مع العملاء إلى استخدام نهج الطاقة والإجراءات لأنه يحقق 3 فوائد:

سهل المنال

أثبت علم التعلم أن الوصول إلى مستوى الإتقان في أي مجال لا يتحقق إلا من خلال تقسيمه إلى عناصر بسيطة ثم تعلمها وممارستها، أولاً بشكل فردي ثم في مجموعات لاحقاً. يستغرق تنفيذ معظم الإجراءات من 5 إلى 10 ثوانٍ، لذا فهي أكثر قابلية للتعلم من السلوك المكتمل البنية. وبعد أسابيع قليلة من خوض التدريب على الطاقة والإجراءات، قال مدير الموارد البشرية في شركة لولوليمون (Lululemon): "تتصف الإجراءات ببساطتها الشديدة، لذا أجد أنني قد دمجتُ بالفعل الكثير منها في عملي وحياتي اليومية".

صادق

يختار المرء في هذا النهج اتخاذ الإجراء الصحيح من لحظة إلى أخرى، ثم ينفّذ كل فعل بشكل صادق عن طريق المواءمة أولاً بين ما ستقوله وتفعله مع ما تفكر فيه وتشعر به. ويشير مدير هندسي في شركة إس أيه بي (SAP) قائلاً: "لستُ مضطراً للبحث عن أدوات أو أطر عمل مختلفة من الآخرين. ولكنني أركز بدلاً من ذلك على تنشيط الطاقات الخمس في صميم نفسي والتعبير عنها من خلال الإجراءات الصحيحة".

مرن

يمكنك اختيار إجراء جديد كل بضع ثوانٍ، لذا قد يتواصل تغيُّر مسار الإجراءات مع تطور الظروف، مثلما يحدث عندما تواجه مقاومة أو تلاحظ أن الطرف الآخر يتراجع قليلاً. وقد أشار مسؤول تنفيذي في شركة يونايتد هيلث غروب (United Health Group) إلى هذه النقطة، قائلاً: "من خلال تطبيق نهج الطاقات والإجراءات، يمكنني تكييف أسلوبي السلوكي بناءً على الموقف الفريد الذي أواجهه في لحظة معينة".

يتيح لك نهج الطاقة والإجراءات متابعة إتقان القدرات القيادية بخطوات صغيرة، حيث تحقّق كل خطوة قفزة كبيرة في توسيع مخزوننا السلوكي. قد يكون هذا النهج القائم على "تحقيق قفزات كبيرة من خلال اتخاذ خطوات صغيرة" هو ذاته الطريقة التي اتبعها غاندي ولينكولن والأم تريزا ومانديلا وغيرهم ليتحولوا من أشخاص عاديين إلى قادة استثنائيين.