ما هو الذكاء الجماعي وكيف نستخدم الذكاء الاصطناعي لتوليده؟

9 دقيقة
الذكاء الجماعي
الرسم التوضيحي: فيتو أنسالدي

في عالم الإدارة اليوم، من الشائع التمييز بين الأتمتة والتعزيز (Augmentation) عند استخدام الذكاء الاصطناعي،ففي حين أن الأتمتة تعني تولي الآلات المهام التي كان يؤديها البشر في السابق، يشير التعزيز إلى تعاون البشر مع الآلات في تنفيذ المهام. ووفقاً للفكر السائد، يؤدي التعزيز إلى أداء أفضل من أداء الأتمتة، لأنه يخفف الجوانب السلبية مثل التفكير القصير المدى وفقدان المرونة بسبب الاعتماد على الآلة بالكامل، وفقدان الحدس والمهارة البشريين، وهي سلبيات تعرقل النجاح على المدى الطويل.

ولكن هذا الرأي يغفل نقطة رئيسية وهي أن التعزيز لا يعني زوال الأتمتة بل إخفاءها، إذ تقتصر على مهام جمع المعلومات أو اتخاذ القرار ذات المستوى الأدنى. على سبيل المثال، عندما تستخدم المؤسسات المساعد الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي التوليدي لتعزيز مهمة كتابة وصف المنتج لمتجر إلكتروني، فمن الممكن أن تؤتمت  مهمة كتابة المسودات الأولى، وبذلك تحل القرارات التي يرى نظام الذكاء الاصطناعي أنها مناسبة محل الحدس والخبرة والتجربة والمنطق البشري، ولكنها قد توقع أيضاً آثاراً سلبية مثل فقدان المهارات. لذلك نجد أن سلبيات الأتمتة -التي ساعدت استراتيجية التعزيز المدراء على تجنبها ظاهرياً- ما زالت موجودة لكن على مستوى أدنى من العمليات.

ومن ثم، يمكن للمدراء استخدام الذكاء الاصطناعي بعقلية مختلفة بحيث يعزز الأهداف الاستراتيجية ويدعم الأهداف الرئيسية، وذلك من خلال استخدامه لزيادة الذكاء الجماعي للمؤسسة بأكملها.

الذكاء الجماعي هو الذكاء المشترك الذي ينشأ من التعاون والجهود الجماعية والمنافسة، إنه يعكس قدرة الفريق على التوصل إلى إجماع وحل المشكلات المعقدة والتكيف مع البيئات المتغيرة. يشير بحث حديث إلى أن الذكاء الجماعي ينشأ من 3 عناصر مترابطة وهي: الذاكرة الجماعية والانتباه الجماعي، والمنطق الجماعي. بوسع المدراء تطبيق هذه الفكرة في مجالات محددة حيث يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي فيها إلى تطوير القدرات المعرفية الجماعية للمؤسسة وصنع قرارات أكثر استنارة بأساليب تركز على الإنسان وتبرز إبداعه.

يمكن للذكاء الاصطناعي دعم كل واحدة من هذه العمليات الثلاث كما يلي:

الذاكرة الجماعية: تعزيز قدرة الفرد على التعلم واغتنام الفرص.

يعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي بالفعل على تغيير وظائف موظفي المعرفة. على سبيل المثال، تنظر المؤسسات في وول ستريت في استخدام الذكاء الاصطناعي لأتمتة المهام التي يؤديها الموظفون المبتدئون، مثل المحللين الماليين. وعلى حد تعبير مسؤول تنفيذي في أحد البنوك الكبرى، فإن "الفكرة السهلة هي الاستعاضة عن المبتدئين بأداة ذكاء اصطناعي"؛ في حين أن هذه الاستراتيجية تبدو جذابة لأنها تعزز الإنتاجية على المدى القصير، فإنها تفرض صعوبات واضحة على تحقيق النتائج الطويلة المدى مثل تطوير المهارات والمعرفة في المؤسسة، لأنه إذا كانت وظائف بداية التعيين مؤتمتة بالكامل، فكيف سيتعلم الموظفون ويصبحون خبراء مدربين تدريباً عالياً؟ لا يهدد مثل هذا التحول بعرقلة تطوير المعرفة المؤسسية فحسب، بل يعرقل أيضاً الشبكات الاجتماعية وعمليات تبادل المعرفة الضرورية للوصول إلى المعرفة الجماعية والحفاظ عليها ضمن المؤسسة.

تشير الذاكرة الجماعية إلى عمل الفرق على توزيع المعرفة الجماعية واسترجاعها وتحديثها، ما يسمح للأفراد بالتخصص وتذكر التفاصيل المختلفة التي يكمل بعضها بعضاً، بحيث يمكنهم استرجاع قدر أكبر من المعرفة المتاحة واستخدامها جماعياً أكثر ما يمكنهم فعله فردياً. لكي تكون هذه العملية فعالة، يتعين على أفراد الفرق أيضاً الاطلاع باستمرار على خبرات كل عضو ومهاراته من خلال تبادل المعلومات حول الكفاءات التي يتمتعون بها.

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد الشركات على تطوير المعرفة الجماعية واسترجاعها وتحديثها.

على سبيل المثال، طورت شركة إنفيديا (NVIDIA) بوت دردشة يعتمد على الذكاء الاصطناعي للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالمهام الهندسية المعقدة مثل تصميم الرقائق الإلكترونية الصناعية، ويعتمد بوت الدردشة على النماذج اللغوية الكبيرة القائمة -التي تسمى النماذج الأساسية- ولكنها عُدِّلت باستخدام مستندات الشركة الداخلية ورموزها البرمجية واتصالاتها الداخلية، مثل رسائل البريد الإلكتروني والرسائل الفورية. يمكن لهذا النظام أن يشرح موضوعات التصميم المعقدة، ويساعد المهندسين في العثور بسرعة على المستندات الفنية، ويجيب عن الأسئلة المتعلقة بالتصميمات والأدوات والبنى التحتية الداخلية، ومن ثم فهو يساعد على توسيع نطاق توزيع المعرفة في جميع أنحاء المؤسسة. وتبرز أهمية ذلك على وجه الخصوص في شركة متعددة الجنسيات مثل إنفيديا، حيث غالباً ما يتوزع خبراؤها حول العالم ما قد يصعّب الحصول على مساعدة فورية بسرعة.

عند استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة، فإنها تدعم عملية استرجاع المعرفة الجماعية الموجودة في جميع أنحاء المؤسسة، وقد يكون هذا مفيداً على وجه الخصوص للأفراد الذين قد لا يعرفون مصادر المعلومات الملائمة في المؤسسة. ومن خلال تجميع المعارف في مكان واحد، يمكن إنشاء روابط واستدلالات باستخدام الذكاء الاصطناعي قد يصعب على الإنسان إنشاءها بمفرده نظراً لعدم قدرته على معالجة كميات كبيرة من البيانات، إضافة إلى تحسين عملية استرجاع الخبرات من خلال المساعدة في تحديد الخبراء الملائمين في المؤسسة.

يمكن لهذا النهج أن يوجه عملية تخصيص المعلومات والمهام الجديدة للأفراد بناء على تعميق فهم خبرة كل منهم وتخصصه، فبدلاً من أتمتة مهام الموظفين المبتدئين، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعدهم على تطوير المهارات والخبرات المتخصصة من خلال تكليف فرد معين بالمهام التي تتطلب خبرة محددة بصورة متكررة، ومنحه القدرة على استرجاع المعارف المطلوبة لإكمال هذه المهام. ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً توضيح التطورات في خبرات كل فرد ومهارته من خلال الاعتماد على التواصل بين الأفراد، ما يساعد الأفراد على استرجاع المعارف بكفاءة أعلى وتوجيه المعلومات الواردة إلى الشخص المناسب ومواصلة الاطلاع على خبرات كل فرد.

من شأن تطبيقات الذكاء الاصطناعي هذه أن تدعم الذاكرة الجماعية للمؤسسة، ومن ثم توسيع قدراتها المعرفية الجماعية بصورة كبيرة.

الانتباه الجماعي: تشكيل أسلوب الأفراد والفرق في معالجة المعلومات.

تبسيط التواصل هو أحد المجالات الرئيسية التي يُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي بصورة مكثفة.

في حين أن استخدام الذكاء الاصطناعي في التواصل يعزز الإنتاجية بصورة مثيرة للاهتمام، فلمثل هذه الاستخدامات دور أيضاً في إدارة أفراد الفريق لانتباههم المشترك.

يشير الانتباه الجماعي إلى الأسلوب الذي يتبعه الفريق في توزيع تركيز أفراده على مهامهم وأولوياتهم وضمان التوافق بينهم، يعني هذا في بعض الأحيان أن العديد من الأفراد سيحضرون الفعالية نفسها (على سبيل المثال، عندما يستمع عدة أفراد إلى حديث أحدهم)، وفي أحيان أخرى أن يحضر كل منهم فعالية مختلفة للوصول إلى أعلى درجة من الانتباه الجماعي في الفريق، وعلى كل فريق أن يحدد باستمرار المجالات التي يركز عليها أفراده ومتطلباتهم الحالية.

يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في توجيه عملية توزيع الانتباه من خلال تبسيط التواصل وتحسين جداول المواعيد وسير العمل وقوائم المهام، وهذا يمكن أن يعزز الانتباه الجماعي عن طريق الحد من تكاليف تبديل المهام وتقليل تكاليف التنسيق بين المهام المترابطة، ما يمنح أفراد الفريق الوقت والطاقة للتركيز على المسائل الإبداعية. يساعد الذكاء الاصطناعي أفراد الفريق على استعادة الانتباه الجماعي من خلال دعم الإجراءات الروتينية التي تعزز التنسيق المتزامن ضمن الفريق، على سبيل المثال، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في توجيه تركيز الأفراد إلى هدف واحد أو توزيع انتباههم على أهداف مختلفة اعتماداً على متطلبات الموقف. كما يساعد الذكاء الاصطناعي أيضاً على تعزيز الانتباه الجماعي من خلال مساعدة الأفراد على تطوير وعي مشترك بعبء العمل الذي يتحمله كل فرد والأوقات التي يكون فيها متاحاً للتعاون، واستخدام الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة سيساعد المؤسسات على تحقيق أقصى استفادة من مواردها الجماعية.

المنطق الجماعي: يساعد الفرق على مواءمة أهدافها وأولوياتها.

يشير المنطق الجماعي إلى قدرة أفراد الفريق على فهم أهدافهم الشخصية والجماعية والتوافق على الأهداف والأولويات الجماعية وتحقيق أقصى قدر من المكاسب المشتركة. يجب على الفرق ترتيب أهدافها حسب الأولوية وتعزيز التزام أفرادها وفهمهم لهدف كل فرد ودوافعه وأولوياته.

يحسّن الذكاء الاصطناعي توافق الأهداف من خلال دمج المعلومات من مصادر مختلفة (على سبيل المثال، استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لدمج البيانات)، كما يعزز الثقافة التنظيمية من خلال تحسين عمليات الفريق الذي يتعاون أفراده لترتيب أولوياتهم المشتركة وتعزيز التزامهم الجماعي.

حتى تتعاون أفراد الفرق بفعالية على كل منهم فهم خلفيات الآخرين وسد فجوات التواصل معهم، ويساعد الذكاء الاصطناعي على تحسين قدرتهم على التوافق حول الأهداف والأولويات المشتركة من خلال تلخيص وجهات النظر الفردية وتحليلها، كما أثبتت أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي الحالية أيضاً فائدتها في تعزيز التوافق بين الأهداف من خلال مساعدة الأفراد ذوي الخلفيات المتنوعة على فهم الأساس المنطقي للأهداف والأوليات بسهولة. ويوفر الذكاء الاصطناعي التوليدي، في مجالات مثل تطوير البرمجيات، إمكانية زيادة المعرفة الجماعية من خلال إشراك الأفراد الذين لا يمكنهم المشاركة في العملية عادة بسبب افتقارهم إلى المعرفة التقنية. على سبيل المثال، تستكشف شركة هبسبوت (HubSpot) كيف يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في أتمتة اختبارات أ/ب (A/B tests) التجريبية من خلال تبسيط عملية إنشاء متغيرات موقع الويب التي يقارن الاختبار بينها، وتزيد استخدامات الذكاء الاصطناعي هذه قدرات الأفراد على الاستدلال وتعزز فائدة أنماط التفكير والخلفيات المتنوعة.

يتيح الذكاء الاصطناعي للأفراد أيضاً الاطلاع باستمرار على أولويات كل منهم ومعرفة معلومات عنها، وينفذ الموظفون هذه الأفكار بالفعل باستخدام بوتات الدردشة العامة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي بوصفها أدوات تساعد على التفكير الجماعي. هناك أمثلة شائعة عن استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل للتفكير في أسلوب التواصل مع الزملاء في المواقف الاجتماعية الصعبة، فمن خلال استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل الإشارات الاجتماعية وتقمص الأدوار في المواقف الاجتماعية الصعبة بهذه الطريقة، قد يتمكن الأفراد في الفريق من اكتساب مهارات التفكير المنطقي العليا، وعند استخدام الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة فإنه سيعزز أسلوب الفرق في إنشاء قيمها المشتركة وأولوياتها وتنظيم مواردها وأولوياتها لتنفيذ المهام بكفاءة. ويمكن لتطبيقات أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه أن تساعد الأفراد على معرفة ما يهم أعضاء الفريق، وفهم أهدافهم من خلال شرح  الاختلافات التي تكون غامضة عادة، وترتيب أهداف الفريق تبعاً لأولويتها. يسمح ذلك لأعضاء الفريق بتحديد أهمية أولوياتهم المشتركة بدقة أكبر من خلال التفاوض على أهدافهم الجماعية والتأكد من أن الفريق يسعى لتحقيق الهدف الأكثر جدوى.

كيفية تطبيق استراتيجية ذكاء اصطناعي ناجحة

عند استخدام الذكاء الاصطناعي على أنه أداة إنتاج من أجل أتمتة العمليات، غالباً ما تؤدي طريقة عمله إلى إضعاف المهارات ونشوء هياكل جامدة وحلول نمطية، ما يقلل قدرة الشركات على التكيف مع البيئات المتغيرة. ونتيجة لذلك، فإن أنظمة الذكاء الاصطناعي تقلل تنوع الأفكار والفرضيات والعمليات التي تنظر المؤسسات فيها.

يمكن للمدراء التصدي لهذا الاتجاه من خلال بعض الاستراتيجيات:

استخدم الذكاء الاصطناعي أداةً للتدريب والتنسيق.

يمكن لبوت الدردشة الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي التوليدي أن يؤتمت مهمة كتابية، ولكن يمكن استخدامه أيضاً مدرباً يقدم الملاحظات والانتقادات.

في نظام إدارة المعرفة الذي طورته شركة إنفيديا، يؤدي الذكاء الاصطناعي دور نظام دعم الهدف منه تعزيز المعرفة الجماعية للمؤسسة، إذ يتيح للموظفين الوصول إلى المعارف القيمة ويتيح لهم الفرص لاكتساب مهارات جديدة والاطلاع باستمرار على خبرات زملائهم. للتحقق من فعالية أنظمة الذكاء الاصطناعي يمكن للمدراء تقييمها من خلال إحصائيات الاستخدام أو استبيانات الرضا أو تقييمات أداء الموظفين.

استخدم الذكاء الاصطناعي أداة إنتاج لتعزيز التجارب وتوسيع نطاق التفكير.

يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي على تصميم التجارب، أو تحديد الأدوية الجديدة الواعدة أو تسهيل تحليل الاحتمالات الممكنة، أو إنشاء مسودات أولية متعددة واختيار أفضلها للعمل على تطويرها.

في هذه الأمثلة كلها، يوسع الذكاء الاصطناعي نطاق التفكير من خلال اقتراح أفكار جديدة ومختلفة ربما لن تُكتَشف لولاه. ولكن على المدراء أن ينتبهوا إلى مزلق محتمل، فعند استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي أداة إنتاج لتوسيع الفرص، مثل النظر في العديد من المسودات الأولية، يجب ألا يعتبر المدراء هذه النتائج الكثيرة زائدة عن الحاجة ويمكن تبسيطها لتعزيز الإنتاجية على المدى القصير.

يعتمد أثر الذكاء الاصطناعي في توسيع الخيارات أو تقليلها على أسلوب دمجه في عمليات المؤسسة؛ فعندما تستخدم المؤسسات الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإنتاجية تقل الأعباء على الموظفين، وتزيد استقلاليتهم ويتاح لهم الوقت للتفكير في المسائل الإبداعية، وبهذه الطريقة يعزز الذكاء الاصطناعي الذكاء الجماعي. لقد أثبتت الأبحاث التي تناولت الإبداع منذ فترة طويلة أهمية الوصول إلى الموارد الضرورية، مثل الوقت والمال والتجهيزات، التي يمكن أن تسهل العملية الإبداعية. وتمكين الموظفين من التكيف مع أدوارهم هو طريقة فعالة لتوسيع نطاق التفكير، ويمكن للمدراء تحقيق ذلك من خلال التماس الآراء من الأفراد المتأثرين مباشرة ووضع نظام منهجي للقياس والرصد لمواءمة الإجراءات القصيرة المدى مع الأهداف الاستراتيجية الطويلة المدى.

مخاطر الذكاء الاصطناعي التي تقلل التنوع المعرفي وتفاقم أوجه عدم المساواة.

ثمة مخاطر لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المؤسسات، على سبيل المثال، يظهر بحث أجريناه في مختبرنا أن للذكاء الاصطناعي أثراً كبيراً في توجيه انتباه الفرق، بصرف النظر عن جودة مساهمته. عندما يستعين أفراد الفريق بمساعد صوتي يعمل بالذكاء الاصطناعي، فإنهم يركزون على النواحي التي يركز عليها ويتبنون المصطلحات المحددة التي يستخدمها والتي حددت الجانب الذي يوجهون إليه انتباههم. أكثر ما أدهشنا هو أن الفرق اعتمدت أيضاً اللغة التي  يستخدمها الذكاء الاصطناعي في مجالات لا علاقة لها بالمهمة المطروحة، حدث هذا حتى عندما قدم الذكاء الاصطناعي آراء غير مفيدة وعلى الرغم من إدراك الفرق هذه الحقيقة، حتى أنها أفادت أنها لا تثق بالذكاء الاصطناعي.

أظهرت دراسة أخرى أجريناها مؤخراً أنه على الرغم من أن الملاحظات التي ولدها الذكاء الاصطناعي ساعدت الأفراد على التعلم وتحسين مهاراتهم، فإنها تسببت أيضاً في انخفاض التنوع الفكري عموماً، ولأن نظام الذكاء الاصطناعي مركزي بطبيعته يكون تركيز المستخدمين موجهاً إلى ثقافته الأحادية وملاحظاته، ولذا يميلون إلى التخصص بطرق مماثلة، ما يؤدي إلى تقليل التنوع الفكري بينهم عموماً. تشير الدراسة نفسها أيضاً إلى خطر آخر، فعلى الرغم من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تعزز الذاكرة الجماعية من خلال دعم التعلم وتقديم الملاحظات، فإنها قد تؤدي أيضا إلى تفاقم عدم المساواة من خلال تقديم المزيد من فرص التعلم لمن يتمتعون بالفعل بالمهارات العالية والحماس.

هذان مجرد مثالين للتطبيقات الحسنة النية للذكاء الاصطناعي التي يمكن أن يكون لها عواقب غير مقصودة تحد من الذاكرة الجماعية والانتباه والقدرة على التفكير لدى الفرق. عند تصميم الأنظمة بطريقة سليمة تؤكد أن الأولوية هي لدور الإنسان وتستفيد في الوقت نفسه من قدرة الذكاء الاصطناعي على التعامل مع مدخلات كبيرة، فإنها ستعزز التفكير الجماعي من خلال تعزيز أساليب التفكير والخلفيات المتنوعة.

يتطلب تحقيق المزايا التحويلية للذكاء الاصطناعي التفكير فيما يتجاوز الفوائد المباشرة لأتمتة المهام على الأداء والكفاءة. وعند النظر في الأمر من وجهة نظر أوسع تأخذ في الاعتبار إمكانية تعزيز الذكاء الاصطناعي للذكاء الجماعي من خلال دعم الذاكرة الجماعية والانتباه والتفكير، فإن ذلك يتيح فرصاً للوصول إلى الإمكانات الحقيقية للتعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي. ويمكن الاستفادة من تطبيق مفهوم الذكاء الجماعي في تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي واستخدامها بطرق قائمة على المبادئ، لزيادة قدرة الفرق على حل المشكلات المعقدة والتكيف مع البيئات المتغيرة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي