في عام 2017 تم تطویر سیاسة واستراتیجیة للمساعدات الخارجیة لدولة الإمارات، ومن أجل زیادة فعالیة وتأثیر المساعدات الخارجیة المقدمة من دولة الإمارات، عملت الإمارات على صیاغة سیاسة للمساعدات الخارجیة ضمت خطط عمل على مدى السنوات الخمس التالیة، وحددت الدول الشریكة ذات الأولویة، والقضایا والمواضیع العالمیة، ومشاركة القطاع الخاص، وطریقة اختیار الشركاء متعددي الأطراف بناء على قدراتھم وتأثیر إنجازاتھم. وتسترشد سیاسة المساعدات الخارجیة لدولة الإمارات إلى مبادئ تشمل تقدیم المساعدات للدول الشریكة وذلك بناء على أولویاتھا التنمویة بما یتماشى مع أھداف التنمیة المستدامة، والتعاون مع المانحین الآخرین بناء على المیزات النسبیة التي یتمتع بھا كل منھم، والالتزام بمعالجة القضایا المھملة والمجتمعات التي تعاني نقص الدعم والتمویل، والتنفیذ بأسالیب تتسم بالاستدامة، إلى جانب الحرص على تقدیم مساعدات تتسم بالشفافیة والقابلیة للمساءلة والتركیز على النتائج. ویشیر ماضي وحاضر وكذلك مستقبل المساعدات المقدمة من دولة الإمارات إلى مدى حرص الدولة على تعزیز السلام والازدھار العالمي.
وقد أرسى المغفور له الشیخ زايد بن سلطان مؤسس دولة الإمارات دعائم المساعدات الخارجیة، حیث قال: "إننا نؤمن أن خیر الثروة التي حبانا الله بھا یجب أن یعم أصدقائنا وأشقائنا"، وأن الخبرات الوطنیة ھي الأقدر على تقییم الأثر الإنساني لھذا القطاع، بسبب وجود المتابعة والخبرة المتراكمة، وقدرتھا المتمیزة على فھم المتغیرات الدولیة وربطھا بالأھداف الوطنیة لدولة الإمارات، حیث تعود بدایة تقدیم المساعدات الخارجیة الإماراتیة إلى نشأة الدولة ذاتھا، وتجسد ذلك بإنشاء صندوق أبوظبي للتنمیة في نفس العام الذي أعلن فیه عن اتحاد دولة الإمارات وھو العام 1971، وتبلورت عملية تقديم المساعدات بوجود أكثر من 45 مؤسسة إنسانیة وجھة مانحة إماراتیة تعمل على تقدیم المساعدات، وتكمن أھمیة الخبرات الوطنیة في نمو قطاع المساعدات الخارجیة في عدة جوانب أبرزھا، إدراك الخبرات الوطنیة للفلسفة والمعاییر الوطنیة التي قام علیھا القطاع.
والجدیر بالذكر أن تأثیر القطاع (قطاع المساعدات الخارجیة) على النمو الاقتصادي الوطني، ھو تأثیر غیر مباشر في أغلب الأحیان، والذي یكمن في التعریف بدولة الإمارات وسماحتھا وإنسانیتھا وانفتاحھا على العالم، خصوصاً تقدیمھا الدعم لمختلف الشعوب دون تمییز أو تفرقة، وھو ما یرسم صورة إیجابیة عن دولة الإمارات تساعد على جذب الاستثمارات الأجنبیة، وبالتالي دعم الاقتصاد الوطني، ومن الأھداف المستقبلیة لقطاع المساعدات ھو تعزیز دور القطاع الخاص في مجال المساعدات الخارجیة وإیجاد تكامل بین المساعدات والاستثمار والتجارة الخارجیة، سواء كان ذلك من خلال الإسھام في تمویل المشاریع الإنسانیة أو التنمویة أو إتاحة الفرصة للشركات الإماراتیة للاستفادة من التمویل المخصص للعمل الإنساني (الشراء من السوق الإماراتیة).
وتلعب الخبرات الوطنیة دوراً في تحقیق الأھداف المستقبلیة للقطاع من خلال تقییمھا لمسار واتجاھات العمل الحالي للقطاع ومدى تطابقھا أو تحقیقھا لخطة الأھداف، على أساس أنّ الخبیر یمتلك أدوات وأفق أرحب للتقییم (امتلاكه للصورة العامة)، إضافة إلى قدرته على التواصل مع مختلف اللاعبین في ھذا القطاع، وعلى تقدیم أفكار جدیدة وحلول مبتكرة وغیر تقلیدیة والتفكیر خارج الصندوق، وخاصة بالتوسع الحالي في طرق التواصل الاجتماعي واستخدام التكنولوجیا.
ویطلق مفھوم الخبیر على من یمتلك أو یرغب في امتلاك خبرات في مجال محدد أو خبرات في مجالات متنوعة، قد تسھم في تقدیم قیمة مضافة لأي عمل، وغالباً ما یمتلك الخبیر مھارات مثل: استشراف المستقبل والتحلیل المنطقي والتفكیر الإبداعي والنظرة الشمولیة والاستراتیجیة للأمور، كما يكون متحرراً نوعاً ما من تأثیرات العمل الروتیني والفني المقید للإبداع والتطویر.
ویتیح قطاع المساعدات الخارجیة المجال لأي باحث أو خبیر وطني لتطویر مھاراته ومعارفه وكذلك الاستفادة من مرئیاته ودراساته لتطویر القطاع. ومن المبادرات التي نعمل علیھا ھي إشراك ھذه الخبرات الوطنیة في العدید من الفعالیات المحلیة والدولیة، لضمان تشرّب واطلاع الخبیر على أفضل الممارسات الدولیة وكیفیة ربطھا بالأھداف والممارسات الوطنیة، إضافة إلى عملیة التدویر الوظیفي، إضافة إلى عقد جلسات العصف الذھني الدوریة لتولید الأفكار.
كما یحرص قطاع المساعدات الخارجیة على الاستفادة من الخبرات المتاحة عبر المنظمات الدولیة لتوفیر فرص التدریب والتأھیل للكوادر الوطنیة، حیث تم القیام بتوفیر تدریب المدربین في الاستجابة للكوارث الإنسانیة والعمل على تطویر دلیل للاستجابة الإنسانیة وتدریب العاملین في المجال الإنساني في دولة الإمارات علیه، وأیضاً التدریب في قضایا متنوعة من القانون الدولي الإنساني، وأیضاً مشاركة الخبرات الوطنیة مع الخبرات الدولیة في جلسات عمل وعصف ذھني وزیارات میدانیة والدخول في عضویة الفرق التنفیذیة مثل الرقابة والتقییم
وللتوجیه أھمیة كبیرة، حیث أنه یضمن سیر الباحث (الخبیر) في المسار الصحیح خلال عمله، إضافة إلى أنه یتیح التعرف على الخطوط والأبعاد الاستراتیجیة العامة، والتي یمكن من خلالھا التعمق في المواضیع، ومن الدروس المستفادة من تجربة التوجیه، أن ھنالك أبعاداً ذات طبیعة حساسة لا یمكن فھمھا أو إدراكھا إلا من خلال التواصل المباشر، والتعرف على آلیات العمل والتعرف على طبیعة التحدیات التي تواجه الدول من حیث القضایا الدولیة (على سبیل المثال الھجرة أو زیادة العدد السكاني، والتغییر المناخي أو النزاعات والكوارث الطبیعیة). ومن أبرز المشاریع التي من شأنھا رفع مستوى مساھمة قطاع المساعدات الخارجیة في نمو الاقتصاد الوطني:
1- مبادرة "سلسلة الإمدادات" (Supply Chain) والتي تتیح التعریف بالشركات الإماراتیة التي یمكنھا أن توفر المواد والبضائع المراد توفیرھا في حالات الإغاثة والدعم الإنساني وكذلك المشاریع التنمویة.
2- مبادرة إنشاء مكاتب للتنسیق والدعم الإنساني خارج الدولة، والتي ستعمل على تفعیل دور السفارات الإماراتیة في الخارج في مجال العمل الإنساني والتنموي وبالتالي الإسھام في نمو الاقتصاد الوطني.
3- إنشاء صندوق إماراتي مركزي للاستجابة للحالات الطارئة.
ومن أھم التحدیات والعوامل الرئیسة لتنفیذ سیاسة واستراتیجیة للمساعدات ھي توفیر التمویل اللازم والتنبؤ به، حیث یساعد ذلك على وضع برامج وخطط بشكل سنوي وعلى المدى المتوسط والطویل بما یتماشى مع أھداف سیاسة المساعدات او تحقیق أولویات الدول وتعزیز الترابط مع القطاع الخاص الإماراتي والشراكة مع المانحین الآخرین.
أیضاً یتطلب التركیز على التخصص في تقدیم المساعدات بحیث یوجد مؤسسات معنیة بقطاعات وبرامج محددة، مثل برامج الصحة، أو النساء والفتیات، وغیره، مع العلم أن الدولة قد خطت خطوات مناسبة في ھذا المجال مثل إنشاء مؤسسة "دبي العطاء" وهي مؤسسة معنیة في التعلیم ومؤسسة "سقیا الإمارات" والتي تركز على برامج المیاه.
كما أن معظم دول العالم ستستمر في طلب المساعدات ما لم یتم إیجاد ترابط قوي بین "المساعدات والاستثمار الخارجي"، فالقطاع الخاص ھو المحرك الرئیس لتنمیة الدول والعمل على تحقیق الأھداف الإنمائیة المستدامة، فھو قادر على خلق فرص العمل، لأن ھناك زیادة كبیرة في عدد السكان، فعلى سبیل المثال: تحتاج أفريقيا 10 ملايين فرصة عمل سنویاً. لذلك وجود حلول مبتكرة تقدم القطاع الخاص للدخول في الأسواق الناشئة والعمل على بناء قدرات الدول من حیث تعزیز سھولة تأسیس الأعمال وإدارتھا وتعزیز الأنظمة القانونیة والضریبیة لھا.
وستتفاقم الحاجة لتوفیر الغذاء والمیاه، ما یتطلب العمل على استخدام التكنولوجیا والحلول المبتكرة لمساعدة على رفع الإنتاج والإنتاجیة في مجال الأمن الغذائي والاستخدام المسؤول لموارد المیاه، وخلال الأعوام العشرين القادمة فإن الأمر یتطلب العمل على توفیر التعلیم والتعلیم المھني القائم على الاستفادة من تطور الاتصالات والتكنولوجیا والعلوم والتركیز على تعلیم النساء والفتیات، والتركیز على الحلول الإقلیمیة للقضایا الإقلیمیة أكثر من التركيز على القضایا الوطنیة داخل حدود دولة محددة، فالتأثیر أصبح إقلیمي ودولي حتى في قضایا التنمیة والمساعدات الإنسانیة وحل النزاعات. وسوف یكون ھناك مساحات أكبر في استخدامات الذكاء الاصطناعي وخاصة فيما یتعلق باستخدام الحلول او البیانات الكبیرة (big data) وتقنية البلوك تشين (Blockchain).
وعلیه فإننا نرى ضرورة إحداث إصلاح مؤسسي في النظام الدولي المعني بأمور المساعدات الخارجیة والنظام الإنساني، فبعد 2030 سوف یتم الوصول إلى نھایة أھداف التنمیة المستدامة وهناك سيكون من الضروري خلق رؤیة وأھداف جدیدة للتنمیة الدولیة تأخذ بالاعتبار الجانب المعني بتحقیق السلم ومكافحة الإرھاب والتطرف، فكثیر من الدول قامت بصرف میزانیاتھا على ھذه القضایا بدلاً من التركیز على أولویات التنمیة.