في دول مثل الهند وجنوب أفريقيا وإيطاليا والولايات المتحدة، تنخفض ثقة الأشخاص في الشركات والحكومات ووسائل الإعلام والمؤسسات بشكل عام، ولكن هذا ليس اتجاهاً عالمياً. فمؤشر إيدلمان للثقة للعام 2018 يكشف أنّ الصين ودولة الإمارات العربية المتحدة والسويد تشهد نمواً هائلاً في الثقة بالمؤسسات في حين تشهد الولايات المتحدة انخفاضاً قدره 37 نقطة.
إذاً كيف يمكن للشركات أن تتحرك بنجاح في هذا الوضع المعقد؟ تؤكد البحوث التي أجرتها جامعة مينيسوتا أنّ فهم الأساس الذي تقوم عليه ثقة الأشخاص يكتسب أهمية متزايدة في إقامة علاقات الأعمال دولياً. وكما أخبرني ستيفن كيهو، الرئيس العالمي للسمعة في شركة إيدلمان، خلال إحدى المقابلات أنه "إذا كنت تجهل، ولو قليلاً، كيف تنظر مجموعة معينة من أصحاب المصالح إلى شركتك أو قطاعك الصناعي أو بلدك، فأنت في وضع سيئ. وقد لا تدرك أنك تتصرف بطرق تقضي على ثقة الآخرين في مؤسستك". فيما يلي ثلاثة أمور يمكن أن يقوم بها القادة في هذا الموقف لتعزيز الثقة وتجنب المخاطر الوخيمة.
مصداقيتك الشخصية هي أعظم رصيد لديك
إنّ كونك من قطاع أو صناعة أو شركة أو بلد غير موثوق به على نطاق واسع لن يمنعك من القيام بأعمالك دون قيود. إلا أنّ ذلك سيضعك تحت رقابة شديدة. لكن غالباً ما يكون الناس على استعداد لمنح الثقة إذا اعتقدوا بوجود مزايا في القيام بذلك. والثقة هي اقتصاد متعدد العملات، فالبعض يمنحها أو يحجبها بناء على أنواع الشخصيات التي يتعامل معها. ويبحث آخرون عن عمق الكفاءة أو الصفات الشخصية مثل الصدق أو الرحمة. بل إنّ كثراً يجدون الراحة في إدارة الأعمال مع الأشخاص الذين يذكرونهم بأنفسهم. أما فك شفرة الطرق التي يستخدمها أصحاب المصالح لتحديد من هو جدير بثقتها ومن لا يستحق تلك الثقة فسوف يساعدك في إيجاد طرق لكسب تلك الثقة.
وغالباً ما تبني العلاقات الفردية التي تنشأ من خلال الاحترام المتبادل الثقة أسرع من أي استراتيجية. يقول كيهو: "تحتاج إلى معرفة كيفية التواصل مع الآخرين باعتبارك الإنسان الأكثر مصداقية وأمانة والأكثر قدرة على إقامة الحوار معهم حول قيمة وجودك. ستحتاج للتحلي بالتواضع والانفتاح والصبر". وتؤكد البحوث أنك عندما تقدم نفسك كشخص يتمتع بخصائص جديرة بالثقة المعرفية (الموثوقية والكفاءة) والثقة العاطفية (التعاطف والتقارب)، يمكنك بناء علاقات قوية مع الغير بشكل أسرع.
اعرف ما يهم أصحاب المصالح
يحتفظ أصحاب المصالح المحليين عادة بآرائهم حولك وحول نوع العمل الذي تديره، وتحدد هذه الآراء درجة الثقة التي تمنحها تلك الأطراف لك أو تحجبها عنك. ويسمح لك فهم وجهات نظر أصحاب المصالح واهتماماتهم بالاستعداد بشكل أفضل لممارسة الأعمال معهم. وفي الدول الأكثر تطوراً، حيث تكون الثقة قوية في كثير من الأحيان، قد يشكل الحفاظ على سلامة المستهلك وبناء سوق عمل تنافسية شواغل مهمة للغاية. وفي المناطق النامية التي قد تكون الثقة ضعيفة فيها، قد يكون خلق الوظائف، وتحسين نوعية الحياة، والازدهار الاقتصادي للأجيال المقبلة أموراً أكثر رواجاً من غيرها. وتحتاج إلى معرفة ما يريده أصحاب المصالح وتكييف جداول أعمالك وفقاً لذلك. يقول كيهو: "يجب تنقية الخيارات التي نتخذها فيما يخص كيفية إدارة أعمالنا وفق منظور محلي. وإذا قمت بخلاف ذلك، فإنك تخاطر بإضاعة فرص لتعزيز ثقة الآخرين بك والأسوأ من ذلك أنك قد تفقد فرصاً لبناء ثقة لم تكن موجودة قط. مثلاً، افتتح عميل لي مؤخراً منشأة تصنيع في الصين بعد سنوات من الاستعدادات، وتمثلت إحدى العقبات التي أبطأت في البداية تقدمه في عدم الاعتراف بالاحتياجات التدريبية للمجتمع المهني الأوسع في المنطقة التي كان يبني فيها مصنعه. ولحل هذه المشكلة، قام ببناء مركز تدريب لتعليم الأشخاص المهارات اللازمة للعمل في المصنع - ما أدى إلى وظائف ذات أجور أعلى للسكان المحليين. ومن خلال الاستماع إلى احتياجات المجتمع، تمكن عميلي من إكمال مشروعه بشكل أسرع مع بناء أساس من الثقة مع أصحاب المصالح.
داوم على إرسال رسائل متسقة واتسم بالشفافية عند تكييف الرسائل
في عالمنا اليوم المفرط في التواصل، يمكن أن تكون أوجه عدم الاتساق ضارة بك. فالرسائل الموجودة على موقعك الإلكتروني، وفي منشوراتك التسويقية، وفي المعلومات العامة التي تشاركها مع الجمهور، يجب أن تكون جميعها متسقة. لقد خلص بحث شركة إيدلمان إلى أنّ 59% من عامة الناس يواجهون مشكلة في تحديد ما إذا كانت أخبارهم تأتي من مصدر موثوق به. وبصفتك قيادياً يدير أعمالاً دولية، يجب أن تدرك أنّ كل ما تقوله وتفعله سيجري فحصه للتأكد من دقته واتساقه. وعلاوة على ذلك، إذا غيرت رسالتك لاجتذاب عملاء مختلفين، يجب أن تكون شفافاً في هذا الشأن وتوضح سبب قيامك بذلك. مثلاً، قد تشارك قيادة مؤسسية تعمل مع عملاء محتملين في كوريا الجنوبية معلومات حول أعمال مؤسسته استناداً إلى ما يريد عملاؤه الكوريين سماعه بحسب اعتقاده. وقد ينتقل هذا القائد بنفسه إلى ماليزيا ويشارك معلومات مختلفة بناء على ما يرغب عملاؤه الماليزيون في سماعه وفقاً لتقديره. وفي حين أنّ القائد سيؤكد الجوانب المختلفة لاستراتيجيته لعملائه المحتملين في الجانبين، فمن الأهمية بمكان أن يكون واضحاً بحيث لا يتم النظر إلى أعماله على أنها تلاعب أو تناقض.
يقول كيهو: "إنّ كل شخص تتعامل معه يعلم أنّ لديك جدول أعمال. وكلما كنت أكثر صراحة وشفافية، قل احتمال اضطرارك للدفاع عنها لاحقاً عندما يبدأ أصحاب المصالح بالارتياب فيما قد يكون عليه الأمر".
وتكتسب الشفافية أهمية أكبر عندما يستخدم القادة أصواتهم لمعالجة المشاكل المحلية، كما يتضح من زيادة نشاط الرئيس التنفيذي. وفي الواقع، أظهر بحث شركة إيدلمان أنّ 64% من الجمهور العالمي يعتقد أنّ الرؤساء التنفيذيين يجب أن يتحدثوا عن السياسة العامة والمشاكل التنظيمية والاجتماعية، ويرون أنّ قادة الأعمال أكثر موثوقية من قادة الحكومات وخبراء الإعلام. حين تزور سوقاً أجنبياً، فكر في تخصيص الوقت لمقابلة المسؤولين الحكوميين المحليين والتحدث علناً عن الشواغل المهمة في هذه المنطقة. ولا يؤدي القيام بذلك إلى تعزيز الثقة في شركتك فحسب، بل قد يؤثر أيضاً على رفاهية تلك المنطقة. مثلاً، إذا كنت تمثل شركة منتجات استهلاكية وتريد أن يكون حضورك في منطقة منطقة تشكل فيها سلامة المستهلك أحد الشواغل المهمة، فإنّ الإعلان عن نيتك في تحسين سلامة الأغذية ضمن سلسلة التوريدات قد يعزز الثقة المحلية وثقة المستهلك في شركتك بشكل كبير.
إنّ الثقة هي واحدة من السمات الأكثر تقلباً على الساحة العالمية. فإذا كنت قائداً مسؤولاً عن إدارة الأعمال في مناطق أخرى من العالم، فقد حان الوقت لقبول تغيير القواعد بشكل كبير. إذ لم يعد بإمكاننا افتراض أنّ الناس يريدون ما لدينا، ويثقون تلقائياً بأننا سنقدمه. فكسب الثقة والحفاظ عليها عبر الحدود يتطلب التفكير المدروس والتجهيز المسبق. وفي اقتصاد تتزايد صفته العالمية، أصبح هذا الأمر أكثر أهمية من أي وقت مضى.