4 استراتيجيات لبلورة غاية صادقة للشركة

5 دقائق
رسالة الشركة
الرسم التوضيحي: بابلو كاراكول

ملخص: في مشهد الشركات اليوم، توجد فجوة متزايدة بين القيم المعلنة للشركة وإجراءاتها الفعلية، ما يثير الشكوك بين أصحاب المصلحة. يثير هذا التناقض نقاشات حول إمكانية تقديم الشركات لإسهامات مجتمعية حقيقية في إطار النظام الرأسمالي. يمكن للشركات أن تتبع أحد الأساليب الثلاثة: نهج المعاملات (الذي يركز على الأرباح)؛ النهج السام (الذي يتضمن إجراءات غير متوافقة مع قيم الشركة تحت ستار المنفعة المجتمعية)؛ النهج المتسامي (المواءمة الصادقة بين القيم المعلنة والعمليات). تقدم هذه المقالة 4 استراتيجيات رئيسية لمساعدة الشركات على تعزيز نهج الغاية المتسامية بطريقة تضمن التكامل بين الربحية والتأثير الاجتماعي الحقيقي.

في مشهد الشركات اليوم، يمكن للفجوة بين القيم المعلنة والإجراءات الفعلية أن تلقي بظلال من عدم الثقة، ما يدفع أصحاب المصلحة إلى التشكيك في النية الحقيقية وراء رسالة الشركة. أثارت التناقضات في سلوكيات القيادة، مثلما رأينا في الفضائح الأخيرة لشركتي ثيرانوس وإف تي إكس، جدلاً حول إذا ما كانت الأعمال التجارية قادرة حقاً على دمج الغاية الاجتماعية، أم أنها تتعارض مع الطبيعة المتوحشة للرأسمالية؟

يدور جوهر هذه المناقشة حول الأصالة. نعتقد أنه يمكن للشركات، بل يجب عليها، أن تسعى جاهدة لتحقيق تأثير مجتمعي أكبر، ولكن ذلك يتطلب التزاماً صادقاً لا يمكن تحقيقه بمجرد وضع واجهة استراتيجية سطحية.

هناك أساليب مختلفة لتحقيق الغاية في عالم الشركات اليوم: يركز نهج "المعاملات" في المقام الأول على الأرباح، ويقدم النهج "السام" صورة زائفة للمنفعة الاجتماعية تخفي وراءها تصرفات داخلية غير متسقة، في المقابل يتضمن النهج "المتسامي" المواءمة الصادقة بين الممارسات اليومية للمؤسسة ومثلها المعلنة التي تهدف إلى منفعة المجتمع.

في هذه المقالة، نقدم 4 استراتيجيات يمكن للشركات استخدامها لتعزيز نهج الغاية المتسامية هذا بصدق وتجنّب المزالق المحتملة المرتبطة بدوافع النهج السام السطحي ونهج المعاملات الضيق. يمكن أن يقود السعي لتحقيق هذه الغاية الشركات إلى التوافق مع قيمها الحقيقية، وبالتالي سد الفجوة بين تحقيق الأرباح والإسهام بصدق في المجتمع.

سنستكشف الإجراءات القابلة للتنفيذ التي يمكن للمؤسسات اتخاذها لدمج هذه المثل العليا في عملياتها الأساسية بسلاسة، وبالتالي ضمان توازن متناغم بين تحقيق الربحية والقيمة المجتمعية الحقيقية.

كن صادقاً في أدوارك ومسؤولياتك المتنوعة

لاحظ هرقليطس أن الكون يعمل من خلال توازن القوى المتعارضة، وينطبق ذلك على مؤسسات اليوم أيضاً. الشركات هي كيانات معقدة لها جوانب متعددة، تسعى لتحقيق التوازن بين أهداف مختلفة تتراوح بين زيادة ثروة المساهمين وتعزيز نمو الموظفين إلى تحمّل المسؤوليات البيئية والمشاركة الاجتماعية.  يساعد إدراك أهمية هذه الأهداف المتنوعة الموظفين على فهم كيف يمكن للشركة أن تزدهر وتسهم في الصالح الاجتماعي في الوقت نفسه. مع ذلك، يتطلب الحفاظ على الهويات المتعددة هذه أن يكون لدى الشركة غاية واحدة تمثل علامة إرشادية توجهها عندما تنشأ تضاربات بين الأهداف المختلفة.

لنأخذ على سبيل المثال شركة إم إكس (MX) الأميركية الرائدة في مجال التكنولوجيا المالية -حيث عمل أحد مؤلفي المقال (غاردنر)- أُسست الشركة على أساس الإيمان بأن البيانات العالية الجودة يمكن أن تساعد الأفراد الذين بالكاد يعيشون على الراتب على اتخاذ قرارات مالية أفضل. بعد فترة من النمو السريع، بدأت استراتيجية التوظيف في إم إكس عن غير قصد تعطي الأولوية للخبرة في القطاع على التوافق مع القيم الأساسية للشركة. أدى ذلك إلى تدفق قادة "خبراء" جدد غيّروا ثقافة الشركة من خلال إعطاء الأولوية للأرباح على الغاية، ما أدى بدوره إلى الانحراف عن الرؤية الأصلية للشركة.

مدركين هذا التحول، طور فريق صغير من المدراء غاية فريدة تمثلت في "تمكين العالم ليكون قوياً مالياً"، مع الاعتراف في مبادئهم التوجيهية بالأهداف المتعددة المتمثلة في تمكين الموظفين وتقديم منتجات عالية الجودة للعملاء وتحقيق الأرباح للمستثمرين. من خلال الوعي التام بغايتها الفريدة والتفكير ملياً بها، جنباً إلى جنب مع مراعاة الأهداف المختلفة، تمكّنت إم إكس من إعادة إحياء هدفها الطموح المتمثل في خلق تأثير اجتماعي هادف، دون إغفال التحديات المالية المرتبطة بالمنافسة في السوق.

حوّل مدراء الإدارة الوسطى إلى مناصرين لغاية الشركة بدلاً من أن يكونوا مجرد موظفين

أثبتت الأبحاث أن توافق مدراء الإدارة الوسطى مع غاية الشركة جانب حيوي لأداء المؤسسة، ويتجاوز حتى تأثير كبار المسؤولين التنفيذيين أو الموظفين في الخطوط الأمامية. مع ذلك، غالباً ما ينظر مدراء الإدارة الوسطى، في سعيهم لتحقيق النتائج، إلى أدوارهم على أنها إدارية في الغالب وليست تمكينية.

على الرغم من أن المهام الإدارية ستكون دائماً جزءاً من دور المدير، فمن الضروري تمكين مدراء الإدارة الوسطى من تحمل مسؤولية مساعدة فِرقهم على فهم المبادئ التوجيهية للشركة وتبنّيها. يتيح ذلك للموظفين تولي مسؤولية عملهم ومواءمة أهدافهم مع أهداف الشركة. على سبيل المثال، أظهر تعاوننا مع البنك الدولي أنه عندما يوضح مدراء المشاريع الغاية الأساسية أو السبب الكامن وراء ممارسة الأعمال، فإن ذلك يؤدي إلى نتائج للمشروع ذات تأثير أكبر على العملاء والمجتمعات.

بالعودة إلى مثالنا السابق، عندما قررت شركة إم إكس الالتزام الكامل بغايتها الرئيسية وأهدافها المختلفة، بدأت مبادرة الإصلاح بقيادة الإدارة الوسطى. بدلاً من بدء مبادرة الإصلاح مع كبار المسؤولين التنفيذيين، شكّل أحد كبار القادة مجموعة من مدراء الإدارة الوسطى، وكانت مهمتهم الأساسية تحديد التحديات الرئيسية التي كانت الشركة تواجهها في تحقيق أهدافها. لم يكن ذلك المسعى منعزلاً، فقد تضمنت العملية أيضاً مناقشات مستمرة بين مدراء الإدارة الوسطى وأعضاء الفريق والعملاء وأعضاء مجلس الإدارة. أسفر هذا الجهد التعاوني عن صياغة مسودة من 7 قيم أساسية عُرضت لاحقاً في اجتماع عام واسع النطاق على مستوى الشركة. يجب ألا يُستهان بالدور المحوري الذي يؤديه مدراء الإدارة الوسطى في هذه العملية.

تمكين أعضاء الفريق كلهم من تبنّي عقلية المؤسسين

لا يعني تمكين أعضاء الفريق منحهم سلطة اتخاذ القرار فحسب، بل منحهم منصة لمناقشة ثقافة الشركة وإجراء تغييرات فيها أيضاً. على سبيل المثال، شُجع الموظفون في شركة إم إكس على انتقاد مسودة بيان قيم الشركة وطرق تتبعها وتقييمها والعمل على تحسينها، وقد جرى ذلك في اجتماع عام مفتوح ومن خلال استقصاءات الرأي السرية، ثم جرى عرض تعليقات الموظفين ومناقشتها في اجتماع عام. مستنداً إلى التعليقات الجماعية للموظفين، وضع الفريق التنفيذي اللمسات الأخيرة على القيم الأساسية للشركة، التي كان من بينها تبني عقلية المؤسسين. نتيجة لذلك، استطاعت الشركة تمكين كل عضو في فريقها لتحمل مسؤولية النجاح التشغيلي للشركة والتوافق مع رسالتها.

تُطبق غِت لاب نهجاً مشابهاً مع دليلها الذي يتيح لأي موظف فيها تقديم "طلب دمج" أو اقتراحات لتعديل الدليل لصالح أعضاء الفريق جميعهم. تستخدم الشركة منتجها الخاص بصفته منصة لتخزين دليلها وإدارته، ما يتيح للموظفين جميعهم استخدام المنتج واختباره واقتراح التحسينات التي يمكن إجراؤها لتحسين عمليات الشركة.

استخدم نهج التصميم التكراري لتحسين توافق الموظفين

يمكن تطبيق التفكير التصميمي، الذي يُستخدم عادة في الهندسة وتطوير المنتجات، في مجال نمو الأعمال أيضاً. من خلال استخدام نهج يركز على احتياجات الأشخاص وخبراتهم، يمكن لأعضاء الفريق المُمكنين تطوير الشركة باستمرار مع الحفاظ على أولوية غايتها الرئيسية.

أدركت إم إكس الحاجة إلى توسيع مؤسستها وتطويرها، ولكنها أرادت فعل ذلك مع الحفاظ على غايتها المتسامية. لتحقيق ذلك، أنشأت خطة توجيهية لعمليات الأفراد لديها، حيث أدخلت الجوانب الرئيسية لإدارة الأفراد وتحسينها باعتبارها الحد الأدنى من العمليات القابلة للتطبيق ضمن مجموعة اختبار. أُخذت الملاحظات الواردة من أعضاء الفريق بعين الاعتبار ودُمجت بسرعة، ما أدى إلى تحسينات متكررة أثرت في جزء أكبر من الفريق. استمرت عملية التنفيذ والتحسين هذه حتى نُشرت نسخة قوية محسنة من عمليات إدارة الأفراد عبر الشركة بأكملها، ما ضمن زيادة الدعم المؤسساتي لها والتوافق مع قيم إم إكس، ما أعطى الشركة في النهاية زخماً في سعيها نحو تحقيق غايتها المتسامية.

من خلال دمج الغاية بفعالية في الممارسات اليومية للموظفين على جميع مستويات المؤسسة، تصبح الشركات، مثل إم إكس، في وضع أفضل لتحقيق التوازن بين حاجتها إلى الكفاءة التشغيلية والربحية مع سعيها لتحقيق غايتها المتسامية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي