ملخص: ثمة 3 عوامل تدفعنا نحو تحول كبير في أنماط الاستهلاك إذ سيعتبر المستهلكون الاستدامة شرطاً أساسياً للشراء: 1) تحفز الثقة السلوك وتؤثر في النهاية على نتائج الأعمال؛ 2) تعزز الاستدامة الثقة، خصوصاً بين الأجيال الشابة؛ 3) ستؤول غالبية القوة الشرائية في الولايات المتحدة إلى أيدي الأجيال الشابة قريباً. ستحقق الشركات التي تفهم هذه الاتجاهات، وتنشئ علامات تجارية مستدامة تفي بوعودها تجاه الناس والبيئة على حد سواء، ميزة تنافسية تتفوق بها على العلامات التجارية التي تقدم ادعاءات ضعيفة أو لم تستثمر بما فيه الكفاية في الاستدامة.
في الماضي، كانت الاستدامة بالنسبة لمعظم المستهلكين ميزة إضافية مرغوبة في العلامات التجارية التي يشترون منتجاتها، ولكنها نادراً ما كانت شرطاً أساسياً. لكن هذا المنظور على وشك أن يتغير. يشير بحثنا إلى أننا على أعتاب تحول كبير في أنماط الاستهلاك، إذ ستستحوذ العلامات التجارية المستدامة حقاً، التي تفي بوعودها تجاه الناس والبيئة، على الميزة التنافسية من العلامات التجارية التي تقدم ادعاءات واهية أو لم تستثمر بما فيه الكفاية في الاستدامة. نحن نقترب بسرعة من نقطة تحول حيث ستُعد الاستدامة الشرط الأساسي للشراء، ويجب على الشركات الاستعداد الآن.
لفهم سبب هذا التحول، من الضروري فهم 3 نقاط رئيسية:
-
الثقة هي محفز قوي للسلوك ولنتائج الأعمال في نهاية المطاف.
- تعزز الاستدامة الثقة، خاصة بين الأجيال الشابة.
- ستحظى الأجيال الشابة قريباً بمعظم القوة الشرائية في الولايات المتحدة.
1. الثقة هي محفز قوي للسلوك، وفي النهاية نتائج الأعمال
نحن ندرس موضوع الثقة، ومن خلال أبحاثنا التي شملت مئات الآلاف من المستهلكين والموظفين في أكثر من 500 علامة تجارية في 30 قطاعاً، قيّمنا قوة الثقة في تحفيز مجموعة من السلوكيات الإيجابية.
الموظفون الذين يثقون بشركاتهم أكثر تحفيزاً للعمل، ومعدلات تغيّبهم أقل، واحتمالية بحثهم عن وظيفة أخرى ضئيلة. ويميل العملاء الذين يثقون بالعلامات التجارية إلى تفضيلها على منافساتها وإعادة شراء منتجاتها والتوصية بها للآخرين.
علاوة على ذلك، تتفوق الشركات التي اكتسبت مستوى عالياً من الثقة على نظيراتها بنسبة تصل إلى 400% من حيث القيمة السوقية. تتحقق هذه العوائد المذهلة لأن التأثير الهامشي للثقة على أسهم الشركات يزداد مع اكتسابها المزيد من الثقة. توضح منصتنا، ترست آي دي (TrustID) التي تقيس درجة الثقة بالشركات، أن تحسّن نتيجة الشركة نقطة واحدة، من 30 إلى 31 نقطة، يؤدي إلى زيادة تقدر بنحو 3% في العائد المتوقع للأسهم. وعندما ترتفع النتيجة نقطة واحدة من 60 إلى 61، يقفز العائد المتوقع إلى 6%.
2. تعزز الاستدامة الثقة، خاصة بين الأجيال الشابة
بما أن للثقة مردوداً كبيراً، فإن السؤال البديهي المطروح للمؤسسات هو: ما الذي يخلق الثقة في العلامة التجارية؟ يشير بحثنا إلى أن الاستدامة هي محفز قوي للثقة. لفهم السبب، من الضروري أولاً معرفة من أين تنبع الثقة.
تنشأ الثقة في الأساس عندما تقدم العلامة التجارية أو المؤسسة وعوداً ذات مصداقية وتفي بها لاحقاً، ويتحقق ذلك من خلال التعبير عن نية إيجابية وإظهار الكفاءة.
أجرينا استقصاءً شمل أكثر من 350 ألف عميل أميركي تتراوح أعمارهم بين 18 و98 عاماً لقياس تصورهم لنوايا العلامات التجارية وكفاءتها. قيّمنا النية باستخدام مجموع درجات اثنين من العوامل الأربعة التي نستخدمها لقياس الثقة: الإنسانية المتصورة للعلامات التجارية (التعاطف واللطف والإنصاف) والشفافية (الانفتاح على مشاركة الحوافز والمعلومات ذات الصلة بلغة واضحة). وقيمنا تصورات العملاء لكفاءة العلامات التجارية باستخدام مزيج من عاملي الثقة المتبقيين: القدرة (جودة العروض) والموثوقية (جودة الخدمة المتسقة).
تكشف النتائج التي توصلنا إليها أن الاستدامة ليست فقط عاملاً محدداً حاسماً للنية، بل لها أيضاً تأثير كبير في الأجيال. ففي حين يقدّر المستهلكون الشباب والأكبر سناً كفاءة العلامة التجارية (جودة منتجاتها واتساقها)، تتأثر ثقة المستهلكين الشباب في العلامات التجارية، وسلوكياتهم الشرائية نتيجة لذلك، بصورة أكبر بكثير بنية العلامة التجارية الإيجابية.
لنتأمل هذه النتائج: عندما يثق العملاء من جيل زد وجيل الألفية بأن العلامة التجارية تهتم بتأثيرها في الناس والكوكب، يصبحون أكثر ميلاً من الأجيال الأكبر سناً بنسبة 27% لشراء منتجاتها، وهذا مؤشر واضح على فعالية الاستدامة في تحفيز قرارات الشراء لدى هذه الفئة.
ولإلقاء نظرة أعمق قليلاً، يمكننا أن نركز تحديداً على تأثير عاملي الإنسانية والشفافية، وهما عاملا الثقة اللذان يشكلان النوايا الإيجابية للعلامة التجارية.
- عندما يقيّم العملاء من جيل زد وجيل الألفية إنسانية العلامة التجارية بدرجة عالية، يزداد احتمال إنفاقهم المزيد من المال وتفضيل تلك العلامات على منافساتها بنسبة 15% مقارنة بالأجيال الأكبر سناً.
- عندما يقيّمون شفافية العلامة التجارية بدرجة عالية، يزداد احتمال إنفاقهم المزيد من المال لشراء منتجاتها بنسبة 30% وتفضيلها على منافساتها بنسبة 20% مقارنة بالأجيال الأكبر سناً.
3. ستؤول غالبية القدرة الشرائية في الولايات المتحدة قريباً إلى الأجيال الشابة
يتنبأ الخبراء في مجال التوقعات بأن القدرة الشرائية لجيل الألفية والجيل زد ستتفوق على القدرة الشرائية لجيل مواليد طفرة المواليد في عام 2030 تقريباً، مع توقع انتقال ثروة تُقدر بـ 68 تريليون دولار من جيل طفرة المواليد إلى هذه الأجيال الشابة بحلول نهاية هذا العقد.
إذاً، لكسب ثقة هؤلاء المستهلكين الشباب، من البديهي أن تركز جهود الاستدامة التي تبذلها علامتك التجارية على عاملي الإنسانية والشفافية:
- لإبراز الإنسانية، أظهر أن مؤسستك تقدّر الأفراد جميعهم وتحترمهم بغض النظر عن هويتهم أو خلفيتهم أو معتقداتهم؛ وتعامل موظفيها باحترام ورعاية؛ وتعطي الأولوية لمصلحة المجتمع والبيئة بدلاً من التركيز فقط على تحقيق الربح.
- لإبراز الشفافية، احرص على تمكين المستهلكين من الوصول إلى معلومات واضحة حول تأثير علامتك التجارية في المجتمعات والبيئة.
ستجني المؤسسات التي تطبّق الاستدامة وفقاً لهذه المبادئ العديد من الفوائد. لنأخذ على سبيل المثال نتائج دراستنا على متاجر البقالة. حققت شركة بابليكس (Publix)، وهي واحدة من أكبر سلاسل المتاجر الاستهلاكية في الولايات المتحدة، المرتبة الأولى في ثقة العملاء من بين 11 علامة تجارية منافسة وفقاً لبيانات منصة تراست آي دي، وذلك بفضل تفوقها في معايير الإنسانية والشفافية بدرجة أعلى بنسبة 75% و47% على التوالي مقارنة بالعلامة التجارية التي احتلت المرتبة الثانية. وتبدو هذه الفجوة أوضح بين عملاء جيل زد وجيل الألفية، الذين يصنفون بابليكس بدرجة أعلى بنسبة 83% و95% على التوالي من العلامة التجارية التي احتلت المرتبة الثانية. نتيجة لذلك، تزيد احتمالية شراء العملاء الذين يثقون ببابليكس للشراء منها بنسبة 54% مقارنة بمنافسيها. ويتضح هذا الاتجاه بصورة أكبر بين عملاء جيل زد وجيل الألفية، إذ تزيد احتمالية شرائهم من بابليكس بنسبة 162% مقارنة بمنافساتها.
تنبع ثقة المستهلكين هذه، والولاء الناتج عنها، من استثمارات بابليكس الواضحة في خدمة الناس وحماية البيئة. على سبيل المثال، يتلقى موظفو بابليكس مزايا الأسهم الفصلية تلقائياً، مع خيار شراء أسهم إضافية، وهذا ما يجعلها من أكبر الشركات المملوكة للموظفين في العالم، إذ يمتلك أكثر من 200 ألف موظف معاً نحو 80% من أسهم الشركة. كما توفر بابليكس مزايا طبية ورسوم دراسية، بالإضافة إلى خطط تقاعد تتوافق مع الشركة، حتى بالنسبة للموظفين بدوام جزئي. علاوة على ذلك، يخضع الموظفون لمراجعات أداء دورية ويحصلون على زيادات وفقاً لذلك. تفسر هذه المزايا سبب انخفاض معدل دوران الموظفين في الشركة إلى 5% فقط، مقارنة بالمعيار القياسي في هذا القطاع البالغ 65%. لا عجب إذاً أن تكون شركة بابليكس واحدة من 4 شركات فقط ظهرت باستمرار لـ 26 عاماً متتالية في قائمة فورتشن لأفضل 100 شركة للعمل بها.
فيما يتعلق بالمسؤولية البيئية، كانت بابليكس سبّاقة في تقليل مخلفات الطعام والدعوة إلى الحفاظ على البيئة. فعلى سبيل المثال، أرسلت الشركة في عام 2022 أكثر من 27 ألف طن من مخلفات الطعام، التي كانت منتجات ثانوية للتصنيع، إلى المزارعين لتقديمها علفاً للحيوانات. وفي العام نفسه، بدأت إدارة المأكولات البحرية الاستعاضة عن حاويات البوليسترين بصناديق بلاستيكية قابلة لإعادة الاستخدام، ما أدى إلى الاستغناء عن 190 ألف حاوية بوليسترين، في حين تحولت إدارة اللحوم والأجبان إلى استخدام أكياس بلاستيكية أخف وزناً واستعاضت عن مجموعات أدوات المائدة المغلفة بالبلاستيك بمنصات ثابتة لأدوات المائدة يمكن للعملاء أخذ ما يلزمهم منها. تسهم هذه الجهود معاً في التخلص من أكثر من 180 طن من النفايات البلاستيكية سنوياً. كما ابتكرت بابليكس خط إنتاجها الخاص للمنتجات الغذائية المستدامة تحت العلامة التجارية غرين وايز (GreenWise)، لتظهر بذلك التزامها بالمكونات العالية الجودة والمعايير الصارمة لرعاية الحيوانات.
فلتكن تجربة بابليكس درساً مفيداً: على الرغم من أننا قد لا نشهد نقطة تحول اهتمام المستهلكين بالاستدامة حتى عام 2030، فعلى الشركات بمختلف أنواعها توسيع نطاق جهود الاستدامة والتواصل من اليوم لكسب ثقة العملاء وولائهم في المستقبل.