برامج الرفاهة في بيئة العمل: لماذا تفشل وكيف نحسّنها؟

10 دقيقة
برامج الرفاهة
مصدر الصورة: ويست إند61/غيتي إميدجيز

يقدم نحو 85% من كبرى الشركات الأميركية برامج الاهتمام بالصحة والعافية في مكان العمل، ومع ذلك تَواصَلت وتيرة تصاعد الإصابة بالاحتراق الوظيفي والاحتياجات المتعلقة بالصحة النفسية التي من المفترض أن تعالجها هذه البرامج. ومن المرتقَب أن يتجاوز الإنفاق العالمي للشركات على برامج الاهتمام بالصحة والعافية 94.6 مليار دولار بحلول عام 2026.

وعلى الرغم من هذه الاستثمارات الضخمة، لم تتحقق التحسينات المتوقعة في الرفاهة. يثير هذا التفاوت بين زيادة الأموال المنفقة على تعزيز الصحة النفسية وتراجع نتائجها سؤالاً محورياً: لماذا لا تحقق برامج الرفاهة في مكان العمل نتائج أفضل؟

استناداً إلى مراجعة منهجية للأبحاث الحديثة في هذا المجال، نرى أن انعدام أثر برامج الرفاهة يرجع لعدة أسباب، منها التركيز على الموظف الفرد بدلاً من الأنظمة التي تؤثر فيه. ولمعالجة التحديات التي يواجهها الموظفون، نرى ضرورة التحول من الإجراءات التدخلية على مستوى الفرد، أو ما نطلق عليه "الإطار الفردي"، مثل تطبيقات الرفاهة الإلكترونية وبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي وتدريب الموظفين على إدارة الضغوط، والانتقال إلى الإجراءات التدخلية المنهجية الأوسع، أو ما نطلق عليه "الإطار المنهجي"، مثل تدريب القادة على إدارة أعباء العمل والعناية بالصحة النفسية.

واتساقاً مع توصيات منظمة الصحة العالمية والمعيار الذي أقرّته المنظمة الدولية للمعايير أيزو 45003 (ISO 45003)، وهو أول معيار عالمي لإدارة الصحة النفسية والسلامة في العمل، نسلط الضوء على التحديات التي تواجه الإجراءات التدخلية المعنية بالإطار الفردي فقط ونقدم للشركات حلولاً مدعومة بالأبحاث ومصممة لتحسين الصحة النفسية للموظفين مع زيادة العائد على استثمار الشركات في برامج الرفاهة.

لماذا تفشل الأساليب التي تركز على الأفراد؟

تفضِّل الشركات الحلول الرقمية في أغلب الأحيان، مثل تطبيقات التأمل الإلكترونية أو بوتات الدردشة أو تلقي العلاج عبر الإنترنت؛ لأن التوسُّع في تنفيذها وإقرار معاييرها أسهل بكثير مقارنة بالحلول الميدانية، إلى جانب إمكانية توفيرها دون الحاجة إلى إجراء تغييرات مؤسسية ضخمة.

وبمراجعة عدد كبير من الأبحاث، لاحظنا 5 أسباب رئيسية قد تجعل هذه الحلول غير كافية وحدها لمعالجة تدهور رفاهة الموظفين.

1. تجاهل الأسباب الجذرية

أحد أبرز عيوب النهج الذي يركز على الفرد هو أنه يفشل غالباً في معالجة القضايا المنهجية.

قد يؤدي هذا إلى الوقوع في الظاهرة المعروفة باسم "الرعاية الزائفة" (Carewashing)، أي مبادرات الرعاية السطحية التي قد يدرك العاملون فشلها في معالجة الأسباب الجذرية. تؤدي الرعاية الزائفة إلى شعور الموظفين بالانفصال النفسي عن العمل وتدهور الصحة النفسية أكثر مما لو لم تطرح مؤسساتهم مبادرة في المقام الأول.

على سبيل المثال، تخيل موظفاً يحتاج بشدة إلى المساعدة في التعامل مع التوتر المفرط بسبب عبء العمل المرهق. إذا استخدم هذا الموظف تطبيقاً إلكترونياً لليقظة الذهنية برعاية الشركة وتحدّث إلى معالج عبر الإنترنت، لكن لم يتحسن شعوره بالتوتر (لأن عبء العمل لم يتغير ببساطة)، فقد يتولد لديه شعور باليأس ولن يشعر أنه حصل على الدعم.

بعد مراجعة وكالة الصحة العامة في إنجلترا (Public Health England) للأدلة المرتبطة بالإجراءات التدخلية في مكان العمل لعلاج الاحتراق الوظيفي، توصّلت إلى أن التدابير الفردية، ومنها الإجراءات التدخلية القائمة على الأدلة مثل العلاج السلوكي المعرفي، غير كافية دون تغيير ممارسات العمل التي تسهم في تفاقم خطر الإصابة بالاحتراق الوظيفي، ومنها إدارة عبء العمل وتصميم الوظائف. تشير هذه الأدلة إلى أن حصول الموظفين على العلاج أو تطوير مهارات اليقظة الذهنية لديهم قد لا يؤدي إلى تحسين مستوى الرفاهة في المؤسسات ما لم تعالج العوامل الواقعة خارج سيطرة الموظفين أيضاً.

2. اعتبارها نوعاً من الخداع

بالمثل، يمكن اعتبار توجيه الموظفين للتركيز على العنايو بالنفس نوعاً من الخداع إذا كانوا يرون أن متطلبات وظائفهم أو بنيتها الهيكلية، لا المشكلات الشخصية، هي المصدر الأساسي لتدهور صحتهم النفسية. في إحدى الدراسات، طلب الباحثون من طلاب الدكتوراة الذين يعانون أعباء عمل ضخمة الإبلاغ عما إذا كان مركز التدريب الذي يتبعونه يشجعهم على ممارسة أساليب العناية بالنفس أكثر. عندما تلقى طلاب الدكتوراة هذا الطلب، أفادوا بأنهم يشعرون "بالإحباط" (66.7%) و"الانزعاج" (65.4%) و"القلق" أو "الذنب" (42%) و"الضغط" (38.3%)، وتولّدت لديهم قناعة بأن أعضاء هيئة التدريس لا يُبدون اهتماماً حقيقياً برفاهتهم.

في الواقع، شعر طلاب كثيرون بأن "أعضاء هيئة التدريس لم يقدموا لهم سوى ’نصائح جوفاء‘ حول العناية بالنفس" وأن إخبار الطلاب بضرورة العناية بأنفسهم كان مجرد "خداع" نظراً لأعباء العمل المفرطة الواقعة عليهم.

3. عدم استخدامها على نطاق واسع

معظم حلول الصحة النفسية المقدمة في مكان العمل هي عبارة عن برامج مساعدة الموظفين التي تقدم استشارات قصيرة الأجل أو تتيح الوصول إلى خط المساعدة الهاتفي، أو حلول تكنولوجية وقائية مثل تطبيقات اليقظة الذهنية الإلكترونية. تتصف هذه الحلول بانخفاض مستوى التفاعل وضَعف المشاركة، وفي حالة برامج مساعدة الموظفين، ظلت معدلات المشاركة تتراوح بين 5% و10% منذ تطويرها في ثمانينيات القرن الماضي متأثرة بعدد من العوامل، منها وصمة العار المرتبطة بالصحة النفسية وسوء الخدمات المقدَّمة.

وفي استقصاء أجرته شركة ديلويت (Deloitte) شمل 1,274 عاملاً أميركياً، قال 68% منهم إنهم لم يستخدموا برامج الرفاهة الكاملة التي تقدمها لهم مؤسساتهم لأن الوصول إليها كان يستغرق وقتاً طويلاً أو يسبب لهم الإرباك أو الإرهاق.

4. عدم الفعالية

أجرت جامعة أوكسفورد دراسة شملت 46,336 عاملاً في 233 مؤسسة، قارنت من خلالها بين الموظفين الذين شاركوا في مجموعة من الإجراءات التدخلية الشائعة لتحسين الرفاهة على المستوى الفردي، مثل التدريب على القدرة على التحمل واليقظة الذهنية وتطبيقات الرفاهة الإلكترونية، والموظفين الذين لم يشاركوا فيها.

لم يكن المشاركون في الإجراءات التدخلية في حال أفضل بعد المشاركة بها قياساً إلى عدد من مؤشرات الرفاهة الذاتية، وتوصلت تجربة عشوائية منضبطة لبرامج الرفاهة في مكان العمل بالولايات المتحدة شملت أكثر من 30,000 عامل إلى ضآلة آثارها أيضاً على صحة الموظفين، وتوصلت دراسة أخرى شملت نحو 5,000 موظف أميركي إلى عدم وجود أدلة تدعم التأثير السببي لبرامج الاهتمام بالصحة والعافية على رفاهة الموظفين.

وتشير الأبحاث إلى أن هذا قد يكون ناجماً جزئياً عن اقتصار التفاعل مع هذه المنصات على الموظفين الذين يتمتعون بصحة نفسية أفضل في المقام الأول.

5. الافتقار إلى دعم الشركات

علاوة على ذلك، لا تشارك القيادة بقوة في ترويج هذه الحلول أو تتبّع نتائجها بمرور الوقت. ووفقاً لتقرير صادر عن شركة ويلابل (Wellable)، الذي يتتبّع اتجاهات برامج الرفاهة في قطاع العمل، فإن أقل من ربع وسطاء التأمين الصحي الذين يمثلون الآلاف من الشركات يقولون إن غالبية الشركات التي يتعاملون معها تنفذ أفضل الممارسات لدمج الحلول، مثل جمع ملاحظات الموظفين وقياس النجاح وضمان مشاركة القيادة. ومن دون مقاييس النتائج أو الملاحظات، لا يمكن للشركات إجراء تغييرات لتحسين الخدمات المقدمة للموظفين أو إثبات قيمة الاستثمار فيها لأصحاب المصلحة.

الانتقال إلى نهج شمولي

لتقليل مخاطر الرعاية الزائفة من خلال الحلول الفردية وتحسين فعالية البرامج الحالية، ثمة تدابير تستطيع المؤسسات اتخاذها، منها تسليح القيادة بالأدوات اللازمة للنجاح وتنفيذ سياسات تدعم رفاهة الموظفين. وعلى النقيض من الحلول التي تركز على الفرد، قد يكون تنفيذ هذه الإجراءات التدخلية الأوسع نطاقاً في غاية الصعوبة أو يتطلب تغييرات تنظيمية أكبر، مثل إعادة النظر في أنظمة سير العمل أو العمليات التشغيلية، وهو ما قد يصعّب إقناع قسم الموارد البشرية والإدارة العليا بها في الأساس.

لكننا نعتقد أن التغيير المنهجي ضرورة لا بد منها للتصدي للاحتياجات المتزايدة وتخفيف كلفة تدهور الرفاهة. ونقدم استراتيجيات قائمة على الأبحاث ينبغي للقادة أخذها في الاعتبار من أجل تعزيز العائد على الاستثمار في برامج الرفاهة التي ينفذونها.

1. الاستجابة لاحتياجات الموظفين من خلال التغيير المؤسسي

تتمثل أهم أولويات الموظفين في تحقيق التوازن بين العمل والحياة من جانب والمرونة من جانب آخر، حيث أبدى 1 من كل 4 عاملين (25%) استعداده للتضحية بنسبة 15% من راتبه السنوي مقابل منحه مرونة تحديد ساعات العمل. من الممكن تلبية هذه الأولويات وقد ثبت أنها تقلل كلفة الرعاية الصحية الناجمة عن ارتفاع متطلبات العمل وطول ساعات العمل، إضافة إلى تعزيز الصحة النفسية إيجابياً.

يجسّد ازدياد الإقبال على تنفيذ فكرة أسبوع العمل المكون من 4 أيام والبحوث المتعلقة به أحد أبرز الأمثلة على إحداث تغيير في المؤسسة من أجل تلبية احتياجات الموظفين بصورة أفضل؛ فأسبوع العمل المكوَّن من 4 أيام يوفر قدراً لا بأس به من وقت الفراغ للموظفين، ما يساعدهم على معالجة التوتر ورفع مستوى الإنتاجية خلال الساعات التي يقضونها في العمل.

في حين أن الأبحاث حول أثر أسابيع العمل المكونة من 4 أيام لا تزال قيد الدراسة، فقد أفاد المنتدى الاقتصادي العالمي بأنها حققت نتائج إيجابية لكلٍّ من المؤسسات والموظفين على مستوى العالم. ومن أبرز التجارب في هذا السياق تجربة شركة مايكروسوفت اليابان (Microsoft Japan) التي استطاعت رفع الإنتاجية الموضوعية القابلة للقياس بنسبة 40%، كما أثبتت دراسة في المملكة المتحدة ازدياد الوقت الذي يمضيه العاملون الذكور في رعاية أطفالهم بنسبة 27%.

وتشمل الأمثلة الأخرى لتغيير الهياكل التنظيمية سياسات مثل "بيئة العمل القائمة على النتائج فقط" (ROWE) التي طورتها شركة بيست باي (Best Buy) و"الوقت المخصَّص للعمل بتركيز عالٍ" (Maker Time) و"تخصيص أيام الجمعة للعمل المركّز والمنتج" (Focus Fridays) التي تروج لها شركة سلاك (Slack).

سياسة "بيئة العمل القائمة على النتائج فقط" هي مبادرة مرنة تمنح الموظف السيطرة على زمان العمل ومكانه وأسلوبه، ما دام يحقق أهداف وظيفته. وقد توصلت دراسة حول سياسة "بيئة العمل القائمة على النتائج فقط" إلى فوائدها الكبيرة، مثل تقليل الآثار السلبية للعمل على الحياة المنزلية وزيادة السلوكيات الصحية الإيجابية،

كما أفاد 84% من العاملين في شركة سلاك بأن مبادرة "تخصيص أيام الجمعة للعمل المركّز والمنتج" التي تخصص وقتاً محدداً للعمل دون مقاطعة كانت مفيدة.

2. دعم التغييرات الهيكلية بأهداف ومعايير واضحة

يستلزم تنفيذ التغيير على مستوى النظام توافر هياكل تنظيمية فعالة لأهميتها البالغة في نجاحه؛ إذ يتعين على الشركات أن تفكر في وضع أهداف ومقاييس محددة جيداً وأن توضح التغيير الذي تود إحداثه وتبحث عن فرص لتبسيط آليات العمل الحالية لتحقيق هذه النتائج. ويتعين على القادة أيضاً أن يفكروا في كيفية تحفيز أصحاب المصلحة المعنيين من خلال جعل المشاركة في العمل جزءاً أساسياً من تقييم أدائهم.

تستطيع المؤسسات أيضاً تتبّع نتائج الصحة النفسية بمرور الوقت ومراقبة أثر حلول الرفاهة؛ فوفقاً لاستقصاء شمل عدداً من قادة أقسام الموارد البشرية، فإن 39% فقط من المؤسسات تقيس أثر تدهور الرفاهة على أدائها المالي من منظور شامل.

يسهم استخدام المقاييس الخاضعة للمراقبة بمرور الوقت والإبلاغ عنها بشفافية في تعزيز ثقافة تدرك أثر الصحة النفسية على الأداء وتعطيها الأولوية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من العمليات المؤسسية. أجرت شركة ديلويت استقصاءً شمل 3,150 قائداً توصلت من خلاله إلى أن أغلبهم (83%) يشعرون بأن الإعلان عن المقاييس يسهم في تعزيز الثقة بين الموظفين، ويعتقد ما يقرب من ثلاثة أرباعهم (72%) أن مكافآت المسؤولين التنفيذيين يجب أن ترتبط بمقاييس رفاهة القوى العاملة.

ولكي يتسنى للمؤسسات تتبّع الرفاهة بفعالية، فلا بد من اقتناعها بضرورة دمج بيانات الصحة النفسية في استقصاءات تفاعل الموظفين، والعمل على طرح الأسئلة الصحيحة في هذه الاستقصاءات من أجل رصد الصحة النفسية للموظفين بدقة. وبعد جمع البيانات، يجب تحليل التغيير وتنفيذه على أساس هذه الأفكار ومراقبة العائد على الاستثمار.

على سبيل المثال، تستطيع الشركات تبني نموذج بسيط من 4 أسئلة لتحديد مستوى الرفاهة في مكان العمل تقيس الرضا الوظيفي والشعور بامتلاك الغاية والسعادة ومستويات التوتر بانتظام، وهو ما نصحت به الأبحاث الحديثة باعتباره "المعيار الذهبي" للنهج السليم.

يتيح هذا النهج الموجز والشامل قياس رفاهة الموظفين على نحو متكرر من خلال الدراسة الاستقصائية عبر الرسائل الإلكترونية الأسبوعية أو حتى من خلال الشاشات التي يتفاعل معها الموظفون في أثناء ساعات العمل. وبتتبع هذه المقاييس باستمرار تستطيع المؤسسة تحديد الاتجاهات ومعالجة المشكلات على الفور وقياس أثر مبادرات الرفاهة على مؤشرات الأداء الرئيسية، مثل الإنتاجية واستبقاء الموظفين وتعيينهم.

3. تطوير شبكات دعم رفاهة الموظفين على مستوى الأفراد والفرق

تمثل شبكات دعم الرفاهة أحد المجالات الناشئة في تنفيذ مبادرات الرفاهة بمشاركة الموظفين، وتتكون هذه الشبكات من موظفين متطوعين يدعمون زملاءهم على مستوى الأفراد والفرق. إذ يدافع أعضاء شبكات دعم الرفاهة عن الصحة النفسية من خلال تقديم ملاحظات لصناع القرار وتحديد مجالات التحسين في المؤسسة. وباعتبار أن أقراد شبكات الدعم يتعاملون مع الموظفين مباشرة ويتواصلون معهم، فهم أيضاً يمثلون مصدراً لدعم الأقران الذي أثبتت الأبحاث دوره الإيجابي في تعزيز القدرة على التحمل والوقاية من الإصابة بالاحتراق الوظيفي وعلاج الشعور بالعزلة الذي يتفاقم يوماً بعد آخر في العمل.

قد يستلزم تنفيذ نموذج شبكات دعم الرفاهة بفعالية إحداث تغييرات على مستوى النظام، مثل السياسات والموارد اللازمة لتسليح أعضاء هذه الشبكات بالأدوات التي تتيح لهم أداء أدوارهم بفعالية، مع تكييف هذه الأدوار مع أعبائهم الوظيفية الحالية بدلاً من اعتبارها مهاماً إضافية على أعباء العمل الملقاة على كواهلهم فعلياً. في دراسة حول أعضاء شبكات دعم الرفاهة والمساندة المقدَّمة من المدراء المباشرين، أفاد أعضاء الشبكات الذين يعملون مع مدير داعم أن مشاركتهم في تحفيز زملائهم والتخطيط للأنشطة كانت أقوى مقارنة بمَن رأوا أن دعم المدراء كان أقل.

4. تسليح القادة بالأدوات اللازمة لدعم التغيير المؤسسي

يؤثر المدراء بقوة على مستوى رفاهة الموظفين، وبالتالي فرفع مستوى المدير في مهارة إدارة الموظفين من 10% إلى 90% يقلل معدل دوران الموظفين بنسبة 60%.

ومع ذلك يجد الكثير من القادة صعوبة في صقل هذه المهارات بسبب القواعد الثقافية وكثرة المشاغل اليومية والافتقار إلى المعرفة بالصحة النفسية؛ إذ كشف استقصاء أجرته منصة أنمايند (Unmind) شمل 3,000 مدير في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن 40% منهم أبدوا قلقهم بشأن ذكر معلومات خاطئة فيما يتعلق بالصحة العقلية، وأعرب 10% عن شعورهم بأن هذه المناقشات تتعارض مع ثقافة شركاتهم.

ولدمج مهارات قيادة الأشخاص والصحة النفسية في عملية التطوير المهني بفعالية، على المؤسسات دراسة أمثلة على شاكلة شركة إنتين (Entain) العالمية للترفيه، فقد شهدت ارتفاع معدلات مشاركة الموظفين في مبادرات الصحة النفسية واتخذ 73% من مدرائها بعد تدريبهم إجراءات إيجابية لدعم موظفيهم، وحققت ذلك من خلال دمج التدريب على الصحة النفسية في مناهجها الإدارية وتصميم أساليب التواصل بما يلائم كل منطقة.

وتدعم الأبحاث فوائد هذه المبادرات؛ فقد وجد تحليل شمل أكثر من 7,000 شركة في المملكة المتحدة أن الشركات التي تقدم تدريبات الصحة النفسية لمدراء الخط الأول حققت نتائج تجارية أفضل، منها ارتفاع رضا العملاء ومعدلات استبقاء الموظفين والعائدات المالية.

بالإضافة إلى ذلك، ثبت أن البرامج التدريبية للمدراء تعمل على زيادة التفاعل مع برامج الرفاهة وتحسين ثقة القيادة في معالجة مشكلات الصحة النفسية.

يؤدي المدراء دوراً محورياً في تعزيز الرفاهة بمكان العمل، لكن الاستراتيجيات والاستثمارات المؤسسية بمفهومها الأوسع ضرورية لدمج مهارات دعم الصحة النفسية في برامج تطوير القدرات القيادية وضمان اتساقها مع استراتيجية الأعمال الشاملة.

5. تعزيز تحمّل المسؤولية وفقاً للمعايير العالمية ومبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG)

أصبحت رفاهة الموظفين الآن جانباً بالغ الأهمية لإدارة مخاطر رأس المال البشري، وهي جزء أساسي من المحور الاجتماعي في أطر عمل الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. ونظراً لمساوئ تدهور الرفاهة باعتباره خطراً يهدد نجاح العمل المؤسسي، أصبحت الشركات مطالبة أكثر من ذي قبل بقياس هذه المشكلات والإبلاغ عنها ومعالجتها. وقد أدى تفشي جائحة كوفيد-19 إلى تسريع هذا التحول، حيث قطع قادة الشركات على أنفسهم التزامات طويلة الأجل بتنفيذ استراتيجيات الرفاهة.

والآن يؤدي قادة الشركات من أصحاب المناصب التنفيذية العليا دوراً رئيسياً في اتخاذ تدابير استباقية على مستوى المؤسسة بدلاً من الإجراءات التدخلية على مستوى الأفراد والقائمة على ردود الفعل. ومن الملاحظ أن بعض الشركات استثمرت في تعيين مسؤولين تنفيذيين، مثل الرؤساء التنفيذيين للصحة والعافية والرؤساء التنفيذيين للسعادة، بمؤسسات كبرى في عالم الأعمال، مثل ديلويت وجوجل وراكوتن (Rakuten) وسيلز فورس (Salesforce) وتيك توك وسيمنز.

تلزم اللوائح القانونية، مثل قانون الإفصاح عن الاستثمار في القوى العاملة (Workforce Investment Disclosure Act) لعام 2021 في الولايات المتحدة الشركات العامة بالإفصاح عن مقاييس رأس المال البشري التي يعكس العديد منها مستوى رفاهة الموظفين.

ومن المتوقع أن يتوسع هذا الموقف القانوني، ما يوجب على المؤسسات اتخاذ إجراءات قابلة للقياس لدعم الموظفين. تشير دراسة عالمية إلى أن هذا النوع من التشريعات أثبت فعاليته في تحسين الموارد الوظيفية وخفض مستويات التوتر، ما يؤكد أهمية أطر العمل القانونية في تعزيز مبادرات الرفاهة الشاملة.

تستطيع المؤسسات تلبية هذه التوقعات واجتذاب اهتمام المستثمرين من خلال الالتزام بمعايير مثل أيزو 45003، التي تساعد الشركات على تقييم التدابير وتنفيذها على نحو منهجي عبر السياسات المؤسسية وبيئات العمل وأنظمة الدعم للقضاء على المخاطر النفسية الاجتماعية أو إدارتها. يسهم تبني مثل هذه الأطر في إعداد المؤسسات للتغييرات التشريعية المحتملة، فضلاً عن ضمان قدرتها على توفير الدعم الفعال للتغييرات الفردية والمنهجية.

أصبح تحمّل المسؤولية والشفافية من الأولويات الحاسمة للمؤسسات بفضل التركيز المتزايد على الصحة النفسية للموظفين في مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات والتشريعات الجديدة. ويتطلب هذا التحول إعادة تقييم الحلول الفردية وتبني استراتيجيات شاملة طويلة الأجل تدمج التغييرات الفردية والمنهجية لتحسين رفاهة الموظفين.

قد يبدو تنفيذ التغيير الشامل أمراً شاقاً، لكن من الممكن إنجازه بدمج استراتيجيات الرفاهة على مختلف مستويات المؤسسة؛ فبالاستفادة من تأثير القادة على اندماج الموظفين وصحتهم النفسية ودمج التدابير المؤسسية في مبادرات الرفاهة ستتمكن المؤسسات من معالجة مشكلات مثل انخفاض مستويات التفاعل وضعف العائد على الاستثمار والرعاية الزائفة في برامج الرفاهة.

ويؤدي القادة دوراً محورياً في الدفاع عن هذه التغييرات ومواءمة الالتزامات الفردية والمؤسسية تجاه الصحة النفسية. وبالعمل على إعادة هندسة السلوك، يمكنهم تعزيز ثقافة تعطي الأولوية للصحة النفسية والرفاهة على كل المستويات وضمان دمج الدعم في المؤسسة.

يعزز هذا النهج أيضاً رضا الموظفين وتفاعلهم، فضلاً عن تحقيق عائد قوي على الاستثمار في مبادرات الرفاهة المؤسسية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي