يفترض الناس عادة أنهم حينما يعتبرون شخصاً آخر بمثابة "صديق"، فإن هذا الشخص بدوره يعتبرهم أصدقاء أيضاً. أي بعبارة أخرى، الصداقة علاقة متبادلة. لكن عندما أجرينا تحليلاً لاستطلاعات مُجاب عنها ذاتياً بخصوص العلاقات، مستنبطة من تجارب عديدة حول العالم، خلصنا إلى أنه في حين يفترض معظم الناس أن الصداقة علاقة متبادلة، فإن نصف علاقات الصداقة فقط - تقريباً - هي التي تكون متبادلة بالفعل. تلمح هذه النتائج إلى أن الناس يعانون عجزاً متأصلاً في قدرتهم على تمييز أصدقائهم الحقيقيين، ربما لأن فكرة كون الصداقة شيئاً غير متبادل تتحدى صورة المرء عن ذاته. فنحن نحبهم، وبالتأكيد هم يبادلوننا الشعور نفسه!
علاقات الصداقة
قد تبدو النتيجة التالية في حد ذاتها ثانوية لكنها مثيرة للاهتمام، فهذه النسبة الكبيرة من علاقات الصداقة غير المتبادلة (من طرف واحد) تتبلور في صورة تأثير كبير يثبط قدرة الفرد على حث الآخرين على التعاون، أو إقناعهم بتغير سلوكهم.
هذا لأن النجاح يعتمد على قدرتك على حشد الأصدقاء ليشدوا من أزرك في الأوقات العصيبة. فقد أثبتت الدراسات أن النفوذ الاجتماعي يعد عاملاً محورياً في التغيير المؤسسي، وتحديداً في الترويج لانتهاج سلوكيات أو أفكار جديدة، أو تجربة طرق جديدة، وذلك داخل جدران المؤسسات وفي المجتمع في العموم على حد سواء.
أضف إلى ذلك أن برامج دعم الأقران في السنوات الأخيرة قد برزت باعتبارها وسائل بالغة الفاعلية وسبلاً تمكينية للاستفادة من تأثير الأقران، وتسخيره لدعم تغيير سلوكيات الموظفين. أحد الأنواع الخاصة من برامج دعم الأقران هو "نظام الرفيق" (buddy system)، الذي يجري فيه تكوين أزواج من كل فرد وشخص آخر (أي رفيق له)، مع تكليف الرفقاء بمسؤولية دعم محاولاتهم للتغيير السلوكي، في أمور مثل السلامة في العمل، والإقلاع عن التدخين، والتمتع بلياقة بدنية.
لكن تشير نتائجنا إلى أن التصور الخطأ هذا لعلاقات الصداقة يقوض وبشدة الجهود الرامية إلى تعزيز التغير السلوكي؛ مثل "نظام الرفيق". والأكثر من ذلك، وجدنا أن اتجاه الصداقة - وهو الطريقة التي تُصور بها الصداقة بين الشخصين - يعد عاملاً مهماً.
فمثلاً، عندما نظرنا في فاعلية "نظام الرفيق" المخصص لتحسين مستوى اللياقة البدنية، وجدنا أن البرامج كانت أكثر فاعلية بكثير عندما كانت هناك علاقة صداقة من طرف واحد، من الرفيق (الشخص الذي يحفز قرينه) إلى الشخص محل الاهتمام (الشخص الذي يلقى التحفيز)، مقارنة بفاعليتها عندما وجدت علاقة من طرف واحد من الشخص محل الاهتمام إلى الرفيق. فبينما تعتبر الصداقات المتبادلة هي أفضل علاقة صداقة، يُعتبر امتلاك قرين يتعامل مع الشخص محل الاهتمام باعتباره صديقاً هو ثاني أفضل علاقة.
لا يستطيع مصممو التدخلات، سواء أكانت في برامج اللياقة البدنية أو نظيرتها للإقلاع عن التدخين أو غيرها من البرامج، الاعتماد على كيفية تصور الشخص محل الاهتمام لعلاقته مع قرينه في سعيهم لتحقيق الكفاءة في البرنامج. وللتغلب على هذا القصور، اكتشفنا أنه يوجد نتيجتان بسيطتان يمكن تطبيقهما لتحقيق تغيير سلوكي بكفاءة أعلى.
تحقيق تغيير سلوكي بكفاءة أعلى
الأولى هي أنه لا يجدر بنا أن نعتبر الناس ذوي العدد المرتفع من الروابط الاجتماعية "مؤثرين". فمثل هؤلاء الناس ليسوا أفضل من عامة الجمهور في ممارسة تأثير أو نفوذ اجتماعي، بل وفي حقيقة الأمر يكونون أقل منهم عادة من حيث التأثير. تعلل نتائجنا حدوث ذلك بأن الكثير من هذه الروابط تكون غير متبادلة، أو تسلك مساراً خطأً، ولهذا السبب لا تُثمر عن إقناع فاعل. فبدلاً من البحث عن مؤثرين يمتلكون أصدقاء كُثر، فتش عن رفاق وأقران يتمتعون بالعدد نفسه من الأصدقاء مع وجود صداقات مشتركة كثيرة.
ثانياً، إذا كنت تعتزم أن تكون قائد التغيير في شركتك، فعليك ألا تركز على الناس الذين "يعرفون جميع" من هم في المؤسسة. فقد يكون من الخطأ أن تعتمد عليهم في تأسيس التغيير الذي تريد تكوينه. فببساطة هم يعملون كركيزة للعديد من الأشياء الأخرى في الشركة. وبدلاً من ذلك، ابدأ ببناء توافق في الآراء مع الأقران الموجودين داخل شبكة تفاعلاتك الاجتماعية. وبعد أن تظفر بذلك، سيبدأ "المؤثرون" يتخذون التغييرات المطروحة على محمل الجد.
علينا أن نعي أن التأثير الاجتماعي يعتمد على تبادلية الصداقة واتجاهها، وبفهم ذلك نستطيع أن نكون أكثر كفاءة في الدعوة لإحداث تغييرات سلوكية، ونشر أفكار جديدة، بل وحتى الترويج لمنتجات جديدة.