بحث: من المفيد أن تكون على طبيعتك

3 دقائق

سواء كنا نحاول الحصول على وظيفة جديدة، أو عقد صفقة أو الاتفاق مع زبون، غالباً ما نصب تركيزنا على إثارة انطباع أولي جيد لدى الآخرين، وخصوصاً عندما لا يعرفوننا جيداً أو عندما تكون المكاسب كبيرة. وإحدى الاستراتيجيات المتبعة كثيراً في هذا المجال هي تلبية اهتمامات هؤلاء الأشخاص وتفضيلاتهم وتوقعاتهم. ويبدو أن كثيراً من الناس يؤمنون أن هذه الاستراتيجية أفضل من بقائهم على سجيتهم، ويستخدمونها في اللقاءات الشخصية الأولى ذات الأهمية الكبيرة. ولكن من خلال البحث الذي أجريته مع أوفول سيزر من "جامعة كارولاينا" في تشابيل هيل، ولورا هوانغ من "كلية هارفارد للأعمال"، تبين لنا أن هذه المعتقدات خاطئة.

يؤكد بحثنا أن تلبية اهتمامات الآخرين وتوقعاتهم هو أمر شائع جداً، وعندما طلبنا مما يزيد على 450 موظفاً بالغاً تصور أنهم على وشك الانخراط في تفاعل مهني مهم، كإجراء مقابلة لوظيفة أحلامهم أو إجراء مفاوضات قيّمة لشركاتهم أو إلقاء كلمة ترويجية لفكرة مشروع أمام مستثمرين محتملين، أو إلقاء عرض تقديمي لأحد العملاء، أشار 66% منهم إلى أنهم سيستخدمون أساليب تلبية اهتمامات الآخرين بدلاً من البقاء على سجيتهم، وقال 71% منهم إنهم يعتقدون أن هذه الأساليب ستكون أفضل طريقة في هذه الحالات.

ولكن وجدنا في دراسة أخرى أجريناها، أن تلبية اهتمامات الآخرين أقل فعالية من البقاء على سجيتك. إذ طلبنا من 166 رائد أعمال المشاركة في مسابقة "الكلمة الترويجية السريعة" التي أجريت في جامعة خاصة في شمال شرق الولايات المتحدة، حيث عرض المشاركون أفكاراً لمشاريع أمام لجنة من 3 حكام، وهم أعضاء ذوي خبرة يعملون ضمن مجموعات للاستثمار الملائكي، وكانت الأفكار التي تم الترويج لها جميعها في مراحلها الأولى، ولم يكن أي منها قد تلقت تمويلاً خارجياً. وفي نهاية المسابقة، تشاور الحكام فيما بينهم من أجل اختيار 10 مشاركين من أجل دعوتهم للمشاركة في الجولة النهائية. بعد أن ألقى المشاركون كلماتهم، طلبنا منهم الإجابة عن بعض الأسئلة بشأن عروضهم التي قدموها. ووجدنا أن المشاركين الذين كانوا على سجيتهم في إلقاء كلماتهم الترويجية كانت احتمالات اختيارهم للمرحلة النهائية أكبر بـ 3 مرات منها للذين حاولوا تلبية اهتمامات الحكام.

ما السبب؟ أولاً، عندما تسعى إلى تلبية اهتمامات الآخرين، فأنت تتعمد التقليل من شأن اهتماماتك وتفضيلاتك الشخصية لصالح اهتمامات الآخرين وتفضيلاتهم. وبذل جهد لإخفاء ما تفعله حقاً وحقيقة شخصيتك عن الشخص الذي تحاول إثارة إعجابه هو أمر مرهق ذهنياً وعاطفياً، وبالتالي فهو يقوض أداءك. ثانياً، لا يمكنك معرفة اهتمامات الشخص الآخر وتفضيلاته على نحو مؤكد حتى وإن أجريت كثيراً من البحث بشأنه، وذلك يزيد من توترك ويجعلك تشعر بأنك مزيف، وأن تكون كذلك أيضاً. وكل ذلك يضر بأدائك في الاجتماع.

يؤيد بحثنا ذلك. ففي إحدى الدراسات التي أجريناها، قمنا بمقابلة 379 موظفاً بالغاً، وأخبرناهم أنهم سيقرؤون إعلاناً عن وظيفة شاغرة، وعلى كل منهم تحضير مقطع فيديو مسجل لمدة لا تتجاوز 3 دقائق يتحدث فيه عن نفسه وعن الوظيفة التي طلبنا منه التصرف على أنه يود التقدم إليها. ثم طلبنا منهم الإجابة عن بضعة أسئلة. أخبرنا المشاركين أن هناك مساعدة لنا في البحث تتمتع بخبرة في التوظيف، وهي التي ستقيّم التسجيلات وتمنحها درجات، ثم تقرر بناء على النتائج احتمالات توظيف المشاركين. وأخبرناهم أيضاً أن أصحاب الدرجات الأعلى سينالون مكافأة مالية.

ووزعنا المشاركين على نحو عشوائي بين 3 مجموعات، مجموعة الأصالة، ومجموعة تلبية اهتمامات الآخرين، ومجموعة التحكم. في مجموعة تلبية اهتمامات الآخرين، وجهنا التعليمات التالية: "الرجاء توجيه ما ستقوله في تسجيل الفيديو نحو ما تعتقد أنه من توقعات من سيشاهد التسجيل ويقيّم المتقدمين وتفضيلاته واهتماماته". وفي مجموعة الأصالة، وجهنا إلى المشاركين التعليمات التالية: "نرجو منك أن تبقى على طبيعتك في تسجيل الفيديو، بعبارة أخرى، حاول أن تكون صادقاً وأصيلاً مع من سيشاهد التسجيل ويقيّم المتقدمين". وفي مجموعة التحكم، لم نطلب من المشاركين اتباع أسلوب الأصالة ولا تلبية اهتمامات الآخرين، وإنما كانت التعليمات التي وجهت إليهم كما يلي: "نرجو أن تتذكر أن هناك من سيشاهد التسجيل بهدف تقييم المتقدمين". وبعد أن رفع المشاركون مقاطع الفيديو التي سجلوها، أجابوا جميعهم عن أسئلة تتعلق بمستويات التوتر والمقاصد الاستراتيجية التي اختبروها أثناء تسجيل مقطع الفيديو.

وبينت النتائج أن المشاركين الذين حاولوا تلبية اهتمامات الآخرين اختبروا توتراً ومقصداً استراتيجياً أكبر مقارنة بالمشاركين الذين تصرفوا على سجيتهم ببساطة أو الذين كانوا في مجموعة التحكم. وبدورها، أدت هذه الحالة النفسية للمشاركين الذين سعوا لتلبية اهتمامات الآخرين إلى إعاقة أدائهم في مقابلة العمل. فبناء على الدرجات التي منحتها مساعدة البحث للمتقدمين، كان احتمال توظيف من تصرفوا على سجيتهم أكبر بنسبة 26% منها لمن حاولوا تلبية اهتمامات الآخرين، وكانت احتمالات توظيف المشاركين في مجموعة التحكم أكبر بنسبة 15% منها للذين سعوا لتلبية اهتمامات الآخرين، (وأقل بنسبة 9% منها لدى الذين تصرفوا على سجيتهم).

قد تكون إثارة انطباع جيد حداً فاصلاً بين "التوظيف" و"البطالة"، أو الاتفاق وعدم الاتفاق على صفقة جيدة أو مع عميل جيد، ولكن على عكس ما يمليه عليك حدسك، فإن بقاءك على سجيتك يثير انطباعاً أفضل من تلبية اهتمامات شخص آخر وتوقعاته. ولن يمنحك شعوراً أفضل فحسب، وإنما سيزيد احتمالات تحقيق هدفك أيضاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي