كيف تبث الحياة في استراتيجية فاشلة؟

7 دقيقة
الحرب التجارية
هنريك سورنسن/غيتي إميدجيز

لقد انهارت خططك المالية والاستراتيجية لعام 2025، فبسبب الحرب التجارية وتراجع ثقة المستهلك والتوقعات حول تفاقم التضخم والضغوط الاقتصادية التي تؤدي إلى انخفاض قيمة الدولار الأميركي، فضلاً عن حالة عدم اليقين المعتادة فيما يتعلق بالعملاء والتكنولوجيا والمنافسة، لم يعد بالإمكان تقديم توقعات مالية دقيقة ذات قيمة للمستثمرين في وول ستريت، وأصبح من الضروري تأجيل خطط الاستثمار والتوظيف وميزانيات التسويق واستراتيجيات التسعير.

لا يتعلق الأمر فقط بميزانيات السنة الحالية أو خططها، إذ تبدو أسس وضع الاستراتيجية بأكملها ركيكة فجأة بالنسبة لأغلبية الشركات؛ فقد أصبح من الصعب تحديد الأسواق التي يجب استهدافها والشركات المنافسة، وكذلك التوصل إلى طرق للتوفيق بين الموردين وقنوات البيع والتوزيع وتحديد حواجز الدخول إلى السوق وحمايتها وتأثير الذكاء الاصطناعي بما سبق.

يجب ألا تسمح لعدم اليقين الاستراتيجي بأن يؤدي إلى الفشل التشغيلي والتكتيكي. لا شك في ضرورة إعادة النظر في استراتيجية مؤسستك ومراجعتها والتحقق من صحتها أو تعديلها، لكن المؤسسات المنافسة لن تنتظر أن تنتهي مؤسستك من هذه المهمة. بالنظر إلى سرعة الزعزعة وطبيعتها التي تزيد صعوبة توقعها، بات التقدم السريع أهم من تحقيق الكمال؛ أي أن عليك إنجاز أكبر قدر من العمل بسرعة مع مستوى مقبول من الجودة والدقة (ربما 80%) ثم تلتفت إلى تحسين التفاصيل لاحقاً.

لاحظنا في أبحاثنا 4 طرق مضمونة النتائج يمكن أن يطبقها القادة عند مراجعة استراتيجيتهم. تعزز هذه الطرق قدرة مؤسستك على تحمل الصدمات الكبرى واغتنام الفرص غير المتوقعة وتحسين العمليات والحفاظ على الإيرادات أو زيادتها فوراً. يمكنك تطبيق هذه الطرق بسرعة، وهي لا تعتمد على الاستراتيجية، بل تساعدك على تحديد مصادر توليد القيمة وحمايتها وتعزيزها وتوسيع نطاقها، سواء كانت استراتيجيتك تعتمد على تقديم الخدمات أو المنتجات المنخفضة التكلفة أو على الريادة في مجال التكنولوجيا والابتكار، أو ينحصر تركيزها على العملاء.

1. حماية السيولة وزيادة المرونة المالية

السيولة النقدية ضرورية في فترات الاضطراب أو الضيق؛ إذ إنها تحمي من الشح النقدي وتساعد على اغتنام الفرص القيمة.

خطر المرور بأزمة سيولة حقيقي. قد تؤدي الانقطاعات في التبادل التجاري إلى نقص السيولة، في حين قد تؤدي تقلبات العملة إلى زيادة الذمم الدائنة وتراجع قيمة الذمم المدينة، كما أن الطلب قد ينخفض ومن المحتمل أن يتأخر العملاء في الدفع أو يمتنعوا عنه. بالعودة إلى الاضطراب الذي سببته جائحة كوفيد-19، بينت دراسة أجراها محللو منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن 38% من الشركات الأوروبية كانت ستواجه نقصاً في السيولة لو لم تحصل على الدعم الحكومي. خطر نقص السيولة كبير ولا سيما بالنسبة للشركات التي ترتفع لديها التزامات خدمة الدين (مثل العديد من الشركات المملوكة لجهات استثمارية خاصة).

على الرغم من أهمية السيولة النقدية، فإن أقل من شركة واحدة من كل 4 شركات (24%) تصرح بأن إدارة النقد هي من أهم ثلاث أولويات بالنسبة لها في فترات الاضطراب، وذلك وفقاً للبيانات التي جمعناها في دراسة مؤشر أليكس بارتنرز للزعزعة الاستقصائية التي أجرتها شركة أليكس بارتنرز. لم يكن لدى شركات كثيرة سوى بيانات تقريبية حول احتياجاتها النقدية ووضعها المالي، نظراً لأن البيانات معزولة ويستغرق جمعها وقتاً طويلاً.

ثمة إجراءان سريعان يحسنان الوضع النقدي للشركات بدرجة كبيرة، وهما وضع توقعات أدق وإجراء تحسينات كبيرة في إدارة رأس المال العامل.

تؤدي التوقعات غير الدقيقة إلى إنتاج الشركة كمية من المنتجات أكبر مما تستطيع بيعه أو تجميد السيولة بدلاً من استثمارها. كما أن كثيراً من الشركات لا تملك توقعات تفصيلية تتيح لها تتبع أثر التعرفات الجمركية في منتجاتها ومكوناتها وموادها الخام بأكملها.

لكن من الممكن تحسين التوقعات بمقدار كبير خلال أسابيع فقط. على سبيل المثال، ساعدنا إحدى شركات الرعاية الصحية على زيادة دقة توقعاتها من 80% إلى نحو 90% في غضون 30 يوماً باستخدام أدوات بسيطة مدعومة بالذكاء الاصطناعي لإدارة سلسلة التوريد وإدارة المخزون، واكتشفنا في هذه العملية مبالغ نقدية كبيرة مجمدة.

يعد تحسين إدارة رأس المال العامل الخطوة الثانية نحو تحقيق المرونة المالية. تولي الشركات اهتماماً للأموال المجمدة في الذمم المدينة والذمم الدائنة والمخزون، لكن فترات الاضطراب تتطلب اتباع النهج الصارم الذي لاحظنا أن الشركات تتبعه في فترات التحول. الذمم الدائنة هي الأسرع؛ إذ يفاجأ الرؤساء التنفيذيون للشؤون المالية وأمناء الخزنة غالباً عندما يكتشفون أن شركاتهم تدفع الفواتير قبل استحقاقها على نحو متكرر، غالباً لأن البشر طوروا عملية سداد المدفوعات منذ سنوات عندما كانوا يستخدمون الشيكات أو لأن عمليات الدفع تختلف باختلاف وحدات العمل أو لأن بعض المدراء ليس لديهم طريقة أفضل. تدير الشركات الذمم المدينة أيضاً بطريقة متهورة؛ إذ إنها تتأخر أياماً أو أسابيع في إرسال الفواتير وتطبق عمليات غير فعالة للإبلاغ عن العملاء الذين يتأخرون على نحو متكرر ومتابعة الفواتير غير المسددة. يستغرق خفض سعة المخزون على نحو دائم وقتاً أطول، ولكن أغلبية الشركات تستطيع تحقيق مكاسب سريعة من خلال تطبيق الأساسيات؛ أي إجراء تحليل مدته 13 أسبوعاً للتدفق النقدي ومراجعات استباقية منتظمة لرأس المال العامل.

تسرع أدوات الذكاء الاصطناعي الخطوات في كل حالة من الحالات السابقة. على سبيل المثال، يمكن بسهولة نسبية أن تطلب من إحدى الأدوات تقييم أوقات السداد الفعلية تبعاً لشروط السداد التعاقدية، ومن خلال تطبيق طرق أكثر تعقيداً قليلاً، تستطيع أدوات الذكاء الاصطناعي إنشاء قوائم مراقبة للموردين أو العملاء الذين يعانون ضائقة مالية أو الأكثر عرضة لها في المستقبل.

2. زيادة كفاءة العمليات التجارية وفعاليتها ومرونتها

تمتنع الشركات غالباً عن المخاطرة خلال فترات الركود، ولكن في الواقع عليها أن تخاطر في هذه الفترات، لكن بحذر،  وذلك من خلال إجراء برامج سريعة عالية الأثر لزيادة قدرتها على اكتساب العملاء واستبقائهم. كما كتبنا سابقاً، يمكن أن تؤدي الإجراءات التكتيكية السريعة إلى زيادة الإيرادات حتى عند تراجع السوق، ولا بد من التداخلات والثغرات في تغطية فرق المبيعات للعملاء، وثمة طرق مهملة للارتقاء بالمبيعات والبيع المتقاطع وفرص متاحة لتعزيز إنتاجية مندوبي المبيعات. على الرغم من أن المستهلكين مرهقون، بالإمكان رفع الأسعار لتغطية التكاليف المتزايدة، خاصة أسعار المنتجات الأعلى جودة، ويجب ألا تخفض الشركات ميزانية أقسام التسويق، بل عليها إجراء تحليل سريع ومفصل لفعالية التسويق حتى تتمكن من الاستفادة مما تنفقه في هذه الأقسام بكفاءة أكبر.

يجب أن يكون كل من الحد من خسارة العملاء والتركيز على صافي إيرادات استبقائهم أولوية أيضاً، خاصة عندما يكون اكتساب العملاء الجدد صعباً. على سبيل المثال، شهدت شركة تقدم الخدمات التكنولوجية وتبلغ قيمتها ملياري دولار ومقرها وادي السيليكون، تحسناً بنسبة 10% في معدلات التجديد (أي تحسناً بلغ 100 مليون دولار في صافي إيرادات استبقاء العملاء) خلال سنة واحدة من خلال تحليل القيمة الدائمة لشرائح العملاء وتطوير حزم منتجات مصممة خصوصاً لجذب كل شريحة وإعادة تصميم الحوافز في مؤسسات المبيعات والخدمات التابعة لها. تستطيع الشركات استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء نماذج تكشف العملاء الأكثر عرضة للاستنزاف وتأسيس فريق مخصص لمعالجة هذا الخطر.

يمكن أن تكون فوائد استبقاء العملاء كبيرة، كما أنها تتراكم. إذا اتبعت طريقة العمل هذه، فمن المرجح أن تتفوق مؤسستك على المؤسسات المنافسة؛ إذ يبين بحثنا أن 15% فقط من الشركات تقدم خدمات عالية الجودة والتخصيص لدعم نجاح العملاء بتكلفة منخفضة.

3. التركيز على العملاء الذين يحققون الأرباح الأعلى

حدد العملاء وشرائح السوق الأعلى ربحية ولا تتخل عنهم. تتركز الأرباح وإمكانات النمو المربحة في أسواق وشركات وقطاعات معينة غالباً (أي التركيز على المنتجات المناسبة والعملاء المناسبين والقنوات المناسبة وغيرها من عناصر الأعمال الأساسية التي تضمن تحقيق الشركة أعلى قدر من الربحية والنمو). لا تكون عملية إعداد التقارير والتحليلات المالية مفصلة بما يكفي لتحديد العملاء الأكثر ربحية إلا نادراً، لكن هؤلاء هم العملاء الذين يجب أن تعمل بجد لاكتسابهم واستبقائهم وزيادتهم، خاصة في فترات الأزمات. أفضل طريقة لوضع استراتيجية ذكية وطويلة الأجل هي تحديد القنوات والعملاء وشرائح السوق الأكثر ربحية بالنسبة لمؤسستك.

قد يستغرق إجراء تحليل مفصل للربحية (يشمل حساب تكلفة رأس المال المستهلك في كل منتج أو شريحة) عدة أشهر، لكن الحسابات السريعة والتقريبية يمكن أن تمنحك الزخم الضروري حتى إذا اضطررت إلى تحسين النهج الذي اتبعته عدة مرات في المستقبل.

4. تعزيز الأمن السيبراني والقدرة على إدارة المخاطر

أنت بغنى عن تعريض مؤسستك لمخاطر جسيمة فجائية. مع ذلك، زادت التغييرات التي طرأت في مجالي التبادل التجاري والتكنولوجيا من التهديدات المحتملة المختلفة، مثل انتهاكات الأمن السيبراني أو المخاطر المالية الناجمة عن تعثر مورد أو موزع رئيسي.

تستغل الجهات الخبيثة فترات الأزمات؛ ويعد 46% من المدراء التنفيذيين في مختلف أنحاء العالم الأمن السيبراني تهديداً كبيراً، في زيادة بمقدار 20 نقطة عن العام الماضي. هؤلاء المدراء على حق؛ إذ إن أي تغييرات كبيرة تطرأ على الأنظمة المالية أو المنصات التكنولوجية أو الشركاء أو الموردين قد تعرض المؤسسات لمخاطر جديدة. يجب تدقيق الموردين الجدد، كما أن المخاطر المحتملة تزداد مع تعامل الأطراف المختلفة مع الاضطرابات التي تواجهها، وذلك يشمل حتى الشركاء الموثوقين. وفي ظل الحروب التجارية، قد تهاجم الجهات الحكومية المؤسسات المحلية التي لا علاقة لها بالتجارة الخارجية، مثل المستشفيات وشركات الطاقة، وقد سرع الذكاء الاصطناعي سباق التسلح في مجال الأمن السيبراني لدرجة أن المهاجمين والمدافعين باتوا يستخدمون أدوات الأمن السيبراني على حد سواء.

لذلك أصبح تدقيق فعالية الدفاعات السيبرانية في مؤسستك حاجة ملحة، وبحسب خبرتنا، يجب أن تفعله المؤسسات داخلياً من خلال اختبار خطط الأمن الحالية وتحديثها بنفسها، وخارجياً من خلال الاستعانة بالخبراء الموضوعيين لتدقيق الخطط واختبارها تحت الضغط. يجب أن يشمل ذلك مبادرة لبدء إدارة المخاطر عبر طرف ثالث أو استئنافها أو تحديث الطرق المتبعة فيها. تظهر البيانات الصادرة عن شركة فيرايزون أن نسبة الاختراقات الإلكترونية التي تجريها الأطراف الثالثة تضاعفت عام 2024. يعني ذلك أن على الشركات أن تراقب الموردين وتنوعهم بكفاءة أكبر وتعزز قدرتها على التخطيط للسيناريوهات ومحاكاة الحروب التجارية وتحسين تحليلها للعقود وما إلى ذلك حتى تتمكن من تصنيف الموردين تبعاً للمخاطر المرتبطة بهم. يستطيع العديد من مقدمي الخدمات الاستشارية الخارجيين (بما فيهم شركتنا، أليكس بارتنرز) إنجاز هذه المهام بسرعة باستخدام الذكاء الاصطناعي الذي يسرع تحديد المخاطر المرتبطة بالموردين من المستوى الأول والثاني وحتى الثالث. كما أن البرامج المتقدمة قادرة على توقع المشكلات المحتملة.

هذه المبادرات ليست بدائل عن الاستراتيجية. إذا تعطلت الاستراتيجية التي تطبقها مؤسستك أو فشلت كلياً، يجب عليك تعديلها أو تغييرها. توفر لك هذه الإجراءات الأربعة الوقت وتخلق لك خيارات جديدة وتحميك من أسوأ الاحتمالات.

يطمح الكثير من الشركات إلى تنسيق استجابة مستدامة عبر الأقسام المختلفة لظروف السوق السريعة التطور، والكثير منها يفشل. تشترك الشركات الناجحة في مجالها بسمتين، الأولى هي استعدادها لإحداث التغييرات والمضي قدماً وقدرتها على ذلك حتى إذا لم تتوافر لديها المعلومات الكافية أو إذا اضطرت إلى تغيير مسارها بعد انطلاقها فيه، والثانية هي تصميمها على أن تسترشد بالنقاط الأربع الأساسية التالية، حتى عندما لا تكون قادرة على ضمان النجاح: حماية السيولة والحفاظ على الفعالية التجارية والتركيز على العملاء وإدارة المخاطر. تتميز الشركات التي تلتزم بهذه النقاط لأنها تحول التحديات الصعبة إلى وسيلة لتحقيق الميزة التنافسية والتعلم. في نهاية المطاف، لن تصمد أي استراتيجية مدروسة ومحفوظة في مجلدات مليئة بشرائح العرض المصممة بعناية أمام اختبار الزمن في هذه الظروف. السر هو وضع استراتيجية طارئة تعتمد على الحقائق والاستجابة للتغيرات غير المتوقعة في المستقبل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي