"عندما تشتد التنافسية في السوق وتسعى الشركات إلى خفض التكاليف، يغادر كبار الموظفين أولاً". يجب أن تُوزع هذه الجملة التي قالها ريتشارد ستاين، وهو مسؤول تنفيذي في مجال التوظيف بمدينة نيويورك، مع شهادات التخرج على جميع الحاصلين على درجة الماجستير في إدارة الأعمال. فمن جهة، تدعوهم هذه الجملة للتفاؤل لأنها تعني أن ثمة متسعاً لهم في القمة، لكنها تحذرهم من جهة أخرى بأن الوقت يمضي سريعاً. يقول الصحفي في صحيفة نيويورك تايمز نيلسون شوارتز، الذي أجرى مقابلات مع شتاين والعديد من كبار القادة في شركات القانون والخدمات المالية، إن يوم التقاعد الإجباري يقترب بسرعة من العديد من كبار القادة، وكثير منهم يرغب في الاحتفاظ بوظيفته فترة أطول.
ولا غرابة في عدم رغبتهم في المغادرة، فكثير من كبار القادة يجد نفسه في وظيفته. يعتاد كبار المسؤولين التنفيذيين على الامتيازات الإضافية التي تقدمها الوظيفة. ولن تكون طائرة الشركة الخاصة أكثر ما يفتقدون إليه عندما يغادرون. إذ يفتقد أصحاب السلطة للسلطة نفسها. فلن يتولى أحد الرد على مكالماتهم الهاتفية، ولن يوقفهم الموظفون في أروقة الشركة لطلب نصائحهم بعد الآن. سيسلبهم التقاعد أغلى ما لديهم: النفوذ.
ومن هنا تأتي أهمية مقولة شتاين بالنسبة إلى القادة الشباب، وعليهم الاستعداد للمستقبل من الآن. ثمة فهم خاطئ مفاده أن إرث الرئيس التنفيذي وفريقه يقتصر على عامهما الأخير من القيادة. لا أوافق على ذلك، فأنت تبدأ ببناء إرثك منذ يومك الأول في الوظيفة، ويكبر مع كل إنجاز تحققه في حياتك المهنية. (ويُشوّه بالأخطاء التي ترتكبها أيضاً).
في كثير من الأحيان، لا يجد كبار القادة ما يفعلونه بعد مغادرتهم عملهم، كما أظهرت تقارير شوارتز. أعلم من خلال تجربتي أن العديد من كبار القادة خصص حياته لعمله على حساب أسرته، وأهمل هواياته ونشاطاته التي كان من شأنها أن تسعده بعد التقاعد. وجعله ذلك غير مستعد لتسليم أعماله للجيل التالي. وكما كتب صديقي مارشال غولدسميث في كتابه "التعاقب الوظيفي: هل أنت مستعد؟" (?Succession: Are You Ready): "لو أردت التوقف، لتوقفت منذ زمن".
إن التحدي الذي يواجه القادة الشباب ومتوسطي الخبرة، هو تطوير الجانب الآخر من شخصياتهم دون تأخير. لا تنتظر التقاعد، حينها يكون قد فات الأوان. إليك بعض الاقتراحات التي تساعدك على توسيع نشاطاتك لتشمل الحياة خارج نطاق العمل:
نمِّ علاقاتك الشخصية
العائلة أهم شيء بالنسبة إلى الكثير منا. احرص على قضاء وقتك مع أغلى الناس. ستمر عليك سنوات لن تكون فيها قادراً على قضاء الوقت معهم كما تشاء، لذا لا تبخل عليهم أبداً بالوقت الذي يمكنك أن تقضيه بينهم. ولا تنسَ أصدقاءك.
ابحث عن شغفك خارج نطاق عملك
إذا كنت موفقاً بوظيفة تحبها، فمن الصعب عليك أن تحظى بهواية تحبها على حد سواء. ابحث عن تلك الهواية وأولها اهتمامك، سواء كانت الغولف أو الرقص أو المسرح. عليك أن تعثر على ما يُثري حياتك إلى جانب عملك، وخصص له وقتاً.
كن معطاءً
ابحث عن طريقة لمساعدة مجتمعك، وأنت تحدد ما هو مجتمعك، فقد يكون حيث تعيش أو تمارس هواياتك أو تتعبد ربك أو حيث تجد السكينة. أعلم أن وقتك محدود، لكن الكثير من الذين يعيشون حياة مليئة بالانشغال هم الذين يتمتعون بأكبر قدر من السعادة. والمجتمع جزء مهم من عيش حياة سعيدة.
وهنا نأتي إلى الجزء الصعب. كل ما ذكرناه يستغرق وقتاً لتنميته وبلورته، وعليك أن تجد ذلك الوقت. بصراحة، تظهر الأبحاث أن مَن في العشرينيات والثلاثينيات من أعمارهم أذكى بكثير من جيلي جيل طفرة المواليد فيما يتعلق بتخصيص الوقت للأشياء المهمة.
كتب شكسبير في مسرحية الملك لير: "لقد دارت العجلة دورتها"، تلك المسرحية التي تعتبر دراسة واقعية عن تأثير الشيخوخة على الأقوياء. لذا، حان الوقت للاستعداد قبل أن تدور "العجلة"، ويفوت الأوان على البحث عن اهتمامات أخرى غير العمل.