إليكم هذه القصة التي تتحدث عن موضوع انهيار التواصل مع الآخرين بشكل كامل. عندما وصل طارق إلى اجتماع لمناقشة المنهج التسويقي الجديد لأحد المنتجات، لم تسرِ المحادثة على نحو جيد مع مدير المنتج. فبعد مضي خمس دقائق على بداية الحوار، قاطعه عماد، مدير المنتج، بأسئلة كان طارق يخطط لتناولها في ما بعد. ومع خروج المناقشة عن مسارها الصحيح، وجد طارق صعوبة في الحفاظ على هدوئه، بينما قام عماد بأكثر من شيء في آن واحد. كان طارق يتطلع إليه بإحباط وهو يرسل خمس رسائل نصية على الأقل أثناء حديثهما. خرج طارق من الاجتماع وهو يشعر بالهوان وبروح معنوية محطمة، وأما عماد فقد شعر بالإنهاك والضيق. فلم يكن لديه الوقت ليقضيه في الاستماع إلى العرض التقديمي الذي لم يتم إعداده بإتقان. ذلك أنّ لديه الكثير من الأعمال الأخرى التي يتحتم عليه إنجازها.
كيفية تجنب انهيار التواصل مع الآخرين
مررنا جميعاً بتجربة انهيار التواصل مع الآخرين، على غرار ما حدث مع طارق، وربما كنت عندها في موقع طارق أو عماد. ولكن مع انتهاء المحادثة، كان التوتر شديداً للغاية. ولم يسر جدول أعمالك على النحو الذي كنت تصبو إليه. وبذلك انتهى بك الأمر، وعلقت المحادثة بذاكرتك، فأثقلت بشدة على تفكيرك وزادت من التوتر الذي تعانيه من أعباء عملك.
بالنسبة لمن هم على شاكلة طارق وعماد، يتطلب التعافي من انهيار التواصل وقتاً وجهداً أكبر مما يتطلبه تجنب هذا الانهيار في المقام الأول. وتشير دراستنا للأمثلة المأخوذة من الأبحاث ومن عالم الشركات إلى وجود ثلاثة أمور يمكنك القيام بها لتجنب انهيارات التواصل تلك.
كن حاضراً (فعلياً)
سواء كنا بصدد حضور اجتماع ما، أو وضع مسودة لعرض مهم، أو نتجهز للتحاور مع زميل لنا وجهاً لوجه، فمن السهل أن يتشتت انتباهنا، لا سيما وأنّ أذهاننا تشرد منا، كما تُشير الأبحاث، بنسبة 50 في المئة من الوقت. أضف إلى ذلك العشرات من رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية والمكالمات الهاتفية ورسائل الدردشة الفورية التي نتلقاها في كل ساعة، وستجد أنّ الحفاظ على تركيزنا يزداد صعوبة بشكل كبير. فبمجرد أن يقطع تركيزنا شيء ما، تتطلب منا استعادته وقتاً وجهداً. وكما تُشير دراسة أجرتها جامعة ستانفورد، فإنّ القيام بعدة مهام في آن واحد، باستخدام وسائل التواصل الرقمي على وجه الخصوص، يكون له تأثير سلبي على قدرتنا العقلية وإنتاجيتنا.
نظراً لجدول مواعيدنا المزدحم، وكثرة الرسائل النصية والإلكترونية، لا يكون ذهننا أحياناً حاضراً مع من نتحدث إليه، حيث نفكر في أمر ما حدث سابقاً، أو في مقال قرأناه أو مكالمة هاتفية أجريناها للتو، فعقلنا يكون في مكان آخر. وكلّما تمكنا من تركيز عقلنا المشتت على الوقت الحاضر، صار التواصل والاستماع والانفتاح والصدق أسهل وأكثر تلقائية.
ولكي تساعد نفسك على أن تظل حاضراً في الاجتماع أو المحادثة، عليك أن تبتعد عن حاسوبك، وتجعل هاتفك في وضع الطيران. والأفضل من ذلك أن تترك هاتفك في مكتبك. فوجود الهاتف في حد ذاته ضمن الاجتماع يشعر الحضور بتدنّي التواصل في ما بينهم، إضافة إلى الإضرار بقدرتك على التحاور بنجاح.
إذا توافر لديك بعض الوقت قبل بدء الاجتماع، فعليك بالتأمل أو ممارسة بعض تمارين التنفس الباعثة على الهدوء، بدلاً من محاولة إرسال بعض رسائل البريد الإلكترونية. وحاول إفراغ ذهنك من الأفكار كي تكون حاضراً ومنتبهاً على الوجه الأكمل. وحتى لو لم يكن أمامك سوى ثانية واحدة قبل الرد على مكالمة هاتفية أو الدخول إلى غرفة الاجتماعات، يتوجب عليك أن تتوقف لبرهة وتأخذ نفساً عميقاً. بل وربما ذكّرت نفسك بأن ترسم ابتسامة على شفتيك.
استمع أكثر
ثمة حكمة شاعت لأزمنة مديدة تقول: "لدينا أذنان وفم واحد، لذا علينا أن نستمع أكثر مما نتكلم". تُنسب تلك المقولة للمفكر الإغريقي زينون الرواقي. لذلك، كن شغوفاً بحق ومهتماً بما يقال، حتى ولو لم تكن كذلك في بداية الأمر. وتنبه للإشارات التي يُصدرها من تتحدث معه: هل يكرس وقتاً طويلاً لموضوع بعينه؟ هل تغلبه الحماسة بدرجة أكبر عند العروج على موضوعات بعينها وبدرجة أقل بالنسبة لغيرها؟ يساعدك الاستماع بتركيز أكبر وبشغف ليس فقط على التواصل بصورة أفضل وفهم ما يقال بشكل أوضح، بل يوفر كذلك معطيات قيمة عن كيفية صياغة ردودك وطريقة خوضك للمحادثة. ويساعدك أيضاً على اكتشاف الموضوعات التي تثير شغف زميلك. والعلم بتلك الموضوعات من شأنه أن يعينك على معرفة وجهات نظر زملائك والتوصل إلى اتفاق يُرضي الجميع. واستناداً إلى تلك النقطة الخاصة بالاستماع الذي يدل على الاهتمام، سوف تتطور محادثتك لتكون بناءة أكثر.
وفي واقع الأمر، يمكن لمثل هذا النوع من المحادثة أن يعلمك شيئاً جديداً أيضاً. إذ خصص هنري إلكوس، المدير التنفيذي لشركة هيلينا (Helena)، فضاء افتراضياً لتلقي التقييم من جميع العاملين بشركته، وحتى المتدربين. وبفضل هذا الانفتاح، ساعد أحد متدربيه على تحسين التوجه الذي تنتهجه شركته بصورة جذرية. يقول إلكيوس: "لقد وفر هذا المتدرب عليّ وعلى الفريق الوقت والجهد الذي كنا سنضيعه بالاستمرار في طريق غير مثالي".
كن واسع الأفق من أجل تجنب انهيار التواصل مع الآخرين
يتضمن التواصل تبادل الآراء، حيث تكون مواقف الأطراف متضاربة في بعض الأحيان. وما لم تتسم بعقلية منفتحة على وجهات نظر الآخرين، فقد يكون التوصل إلى أرضية مشتركة أمراً صعباً. إذ يتطلب التوصل إلى أرضية مشتركة أن تُنصت للغير كي تقدّر موقفه حق تقديره.
ربما يتطلب منك اتساع الأفق أحياناً أن تقبل بخطئك. وضع إلكيوس ثقافة شركة تُقدر الحوار بشكل واضح وتشجع عليه، وفي مثل هذه الثقافة، لا يأتي التقييم باقتضاب من أعلى لأسفل، بل يأتي كذلك من أسفل لأعلى. وعلى الرغم من أنّ هذا النوع من الثقافة يمثل تحدياً له بوصفه القائد، إلا أنه أثبت ما له من فائدة عظيمة، إذ يقول: "تؤدي الثقافة التي يكون مسموحاً فيها حتى للمتدربين بالإدلاء بآراء مخالفة لرأيك إلى أن تكون عرضة لأن يثبت خطؤك، ويكون ذلك في الغالب بصورة علنية. في الواقع، تعرضت لهذا الموقف أكثر من مرة. ولكن بالنسبة لي هناك قيمة هائلة تكمن في أن يتحداني متدرب بمثل تلك الطريقة المباشرة جداً، وأن يكون على صواب. وبوصفي رئيساً تنفيذياً، تلقيت تحذيرات بأنّ هذا النموذج سيضر بسلطتي داخل المؤسسة. وفي الحقيقة، كنت أشعر بعدم الارتياح تجاه الأمر، وتعرضت للتحدي بصورة قوية. لكنّ هذا الانزعاج كانت له ثماره، فقد كان منهج التقييم الجماعي حيوياً في تحسين استراتيجية المؤسسة. ونتيجة لشعور كل موظف بوجود دور له في وضع الاستراتيجية، فقد كانوا أكثر تحفزاً عند تنفيذها".
حين يتحدث شخص ما، عليك ملاحظة ما يلي: هل بدأت تفكر بالفعل في ردك؟ هل ترد بـ"نعم" يعقبها مباشرة "ولكن"؟ أم أنك قاطعت المتحدث بالفعل؟ كن متسع الأفق أمام وجهات نظر الآخرين. وإن ساورك القلق من عدم امتلاك الرد المثالي، فبوسعك دائماً قول: "لم أفكر في الأمر بهذه الطريقة من قبل. هلّا منحتني يوماً أو يومين للتفكير في الأمر؟ وعلى حد علمنا، لم يشتك أحد أبداً من أنّ شخصاً استمع لما قاله ثم قضى وقتاً إضافياً ليحلل كلامه بعناية ويرد عليه.
مع مرور الوقت يساعد الاستماع للآخرين بعقلية منفتحة وبانتباه على غرس بذور الثقة لديهم من أجل عدم انهيار التواصل مع الآخرين بشكلٍ كلي. فكر في تجاربك: كلما زاد تواصلك مع شخص ما، زاد ميلك للثقة به، ومن ثم سيسهل الحديث بينكما. ويُسهم ذلك في خلق حالة من الأمان النفسي، وهو ما يُعد أمراً حيوياً في نجاح الفرق، وفقاً لدراسة قامت بها شركة جوجل. يمكن أن تُشكل القدرة على المخاطرة والمصارحة الفرق بين تجنب الوقوع في خطأ ما أو التعلم من مثل هذا الخطأ، حيث يستفيد الجميع في نهاية المطاف.
اقرأ أيضاً: