متى تنكسر الثقة بسهولة ومتى تستمر؟

4 دقائق
عندما تنكسر الثقة بين الناس يفقد التواصل قيمته

قال دارسي لإليزابيث بينيت في لحظة مفصلية من رواية  "كبرياء وهوى" (Pride and Prejudice): "لا أستطيع نسيان حماقات وأخطاء الآخرين في حقي"، وذلك قبل البوح بعبارته الشهيرة: "إذا تغير رأيي الإيجابي في أحدهم فإنه يتغير للأبد".

سيتفق الكثير من الناس مع دارسي في مسألة الثقة، فعندما تنكسر الثقة يصعب جبرها، فهي مسألة صعبة الاكتساب، وسهلة الانكسار. أو قد يقولون إن الانتهاك الصارخ للثقة يمكن أن يفضي إلى قطع العلاقة بين الناس أكثر مما يسببه خطأ بسيط.

لكن بحثنا أظهر أنه على الرغم من أن انتهاكات الثقة قد تؤدي إلى قطع العلاقات، فإن تأثير الانتهاك لا يتوقف كثيراً على نوعية المخالفة وإنما على عقلية مانح الثقة.

يعتقد بعض الناس أن سمات الشخصية مثل القدرة على التفاوض والصفات الأخلاقية أمور ثابتة. ويعتقد آخرون أن هذه السمات مرنة.

هل السمات الشخصية ثابتة؟

إليك كيفية تجسيد هذين الاعتقادين: تصور مرشحَين لوظيفة يتفاوضان حول علاوة توقيع عقدهما. تقضي المرشحة الأولى وقتاً طويلاً تحضيراً للمفاوضات، تستعد في المنزل وتتمرن مع صديقاتها. أما المرشح الثاني فيبذل جهداً ضئيلاً في التحضير، ويقرر "الارتجال" خلال المقابلة. يتفاوض المرشحان، وتحصل المرشحة الأولى على مكافأة قدرها 10 آلاف دولار، بينما يجني المرشح الثاني مكافأة قدرها 8 آلاف دولار. وبالنظر إلى الجهد الذي بذلاه والنتائج التي حققاها. من هو المفاوض الأفضل بينهما؟

قد يعتقد البعض أن المرشحة الأولى هي الأفضل، فهي لم تحقق فقط عائداً كبيراً بل عملت بجد أيضاً لتطوير القدرات التي ستساعدها في المستقبل. إن الذين يعتقدون أن المرشحة الأولى هي الأفضل، أكثر ميلاً لاستيعاب القدرة على التفاوض كمهارة يمكن تعلمها بمرور الوقت. وفي المقابل قد يعتقد آخرون أن المرشح الثاني أفضل مفاوض. فقد حصل في نهاية المطاف على عائد معقول بجهد ضئيل، وهذا يعني أن لديه قدرة فطرية على التفاوض. ويميل الأفراد الذين يقدمون هذه الإجابة إلى الاعتقاد بأن السمات الرئيسية ثابتة وأن الناس إما يمتلكون أو لا يمتلكون القدرة على النجاح في مجال ما.

لقد وجدنا أن هاتين العقليتين تلعبان دوراً مهماً في تحديد كيفية تفاعل الناس مع تعرضهم للخداع في المفاوضات. إذ يظل الأفراد ذوو العقلية الثابتة "حبيسي" النظرة الأولية عن الآخرين. فإذا اعتقدوا أن شخصاً ما جدير بالثقة فإنهم يثبُتون على هذه الرؤية ويعتقدون أنهم يعرفون حقيقة هذا الشخص. وتصبح اعتقاداتهم الأولية بطيئة التغير حتى في ظل وجود أدلة تثبت العكس. ونتيجة لذلك فإن من يتمتع بعقلية ثابتة يكون أكثر ميلاً للحفاظ على ثقته في الطرف المفاوض الذي يُخيب آماله. والعكس صحيح أيضاً. كما سيتطلب تغيير قناعات صاحب العقلية الثابتة وقتاً طويلاً أيضاً عندما يشكل انطباعاً أولياً عن شخص ما بأنه غير جدير بالثقة.

نتائج الدراسات حول انكسار الثقة

لقد اختبرنا في إحدى الدراسات هذا التأثير عند 94 طالباً في ماجستير إدارة الأعمال. أكمل الطلبة مفاوضات معينة، وعبَّروا بعد ذلك فوراً عن مدى ثقتهم في نظرائهم. ثم أخبرنا بعد ذلك المفاوضين بالحقائق الكاملة للقضية. وكما اتضح لنا فقد تم خداع الكثير من هؤلاء المفاوضين. فكيف تغيرت تصوراتهم عن قضية الثقة؟ لقد اتضح أن الأشخاص الذين يتمتعون بعقليات مرنة فعلوا ما كنا نتوقعه فانتبهوا إلى المعلومة الجديدة. وبعد علمهم بتعرضهم للخداع، راجعوا قناعاتهم وتراجعت ثقتهم في نظرائهم من المفاوضين. لكن الأشخاص ذوي العقليات الثابتة تجاهلوا مع ذلك المعلومات الجديدة وحافظوا على ثقتهم في نظرائهم.

وقد استكشفنا هذه النتيجة بمزيد من التفصيل في دراسة لاحقة شارك فيها 258 شخصاً. فعندما قدمنا لبعض الأشخاص معلومات تفيد بأن شخصاً يثقون فيه قد خدعهم، وجدنا أن أصحاب العقليات الثابتة يميلون إلى منح منتهِك الثقة فرصة الاستفادة من قرينة الشك أو يميلون إلى تعليل سلوكه أو التماس العذر لخداعه. وقام الأشخاص ذوو العقليات المرنة بإدماج المعلومات الجديدة ومراجعة تصوراتهم (ومنحوا ذلك الشخص ثقة أقل).

وقد ركزنا في كثير من أبحاثنا على كيفية تفاعل الناس مع انتهاك الثقة مرة واحدة، لكننا وجدنا أيضاً أن العقليات تؤثر على الثقة بعد انتهاكات متعددة. وكما هو متوقع بعد تكرار انتهاكات الثقة مرات عديدة، يغير أصحاب العقليات الثابتة أو المرنة معاً قناعاتهم ويتوقفون عن الوثوق بالشخص المنتهك. غير أن ذوي العقليات الثابتة يحتاجون وقتاً أطول لبلوغ هذه المرحلة.

وتظهر غالباً أسباب معتبَرة لمسامحة الآخرين ومنحهم فرصة ثانية. وتشير دراستنا إلى أنه على الرغم من سرعة فقدان ذوي العقليات الثابتة لثقتهم فيمن يخيبون آمالهم، إلا أنهم أكثر تقبلاً للاعتذارات ووعود تغيير السلوك التي تصدر عن المنتهك. وعلى الرغم من أن الأفراد ذوي العقلية الثابتة أبطأ في فقدان الثقة بالآخرين، إلا أنهم أقل قابلية لتصديق الأعذار وأقل ميلاً للاعتقاد بأن المخادع سيتغير.

لكنك إذا خسرت ثقة شخص ذي عقلية ثابتة، فهناك أمل. أولاً، اعترف أن هؤلاء الأشخاص قد يكونون حبيسي قناعاتهم عنك. وإذا كنت أنت أو مؤسستك قد تغيرتما، فستواجه صعوبة في إقناع أصحاب العقليات الثابتة. وعندما تتواصل مع هذه الفئة من الناس فيجب أن تكون أكثر فعالية إذا أردت إقناعهم بأن الناس يمكن أن يتغيروا. (تقاسُم أمثلة سالفة عن تغير سلوك أشخاص آخرين يمكن أن يساعدك). وقد يتعين أيضاً قصفهم بأدلة متواصلة ودامغة تؤكد أنك تغيرت، فالتغيرات الدقيقة قد لا تتم ملاحظتها

هل هناك نهج أفضل من الآخر؟ تشير البيانات إلى أن العقلية الثابتة هي المفضلة، للأسف إذ يعتبر الخداع ظاهرة شائعة، وإذا تعرضت إلى فقدان الثقة فمن الحكمة تغيير تصوراتك بسرعة. ويمكنك دائماً تغيير رأيك في الناس مرة أخرى، إذا أثبتوا أنهم جديرون بالثقة في المستقبل.
وقد كشفت مجموعة من الدراسات علاوة على ذلك أن الاعتقاد بأن التغيير ممكن له فوائد عديدة. فالأشخاص ذوو العقلية المرنة أكثر قابلية لتجاوز الصور النمطية السلبية والتي تتمثل بانكسار الثقة بالآخرين ويصبحون أكثر إبداعاً، ويميلون في النهاية إلى أن يكونوا أكثر نجاحاً.
وعليه فإذا كنت تميل إلى الاعتقاد بأن طباع الناس ثابتة وجامدة، فحاول مراقبة الأوقات التي يفاجئونك فيها. يمكن لكل الناس يمكنهم التغيير، بمن فيهم أنت.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي