يمثل الانتباه أهم سلعة لدينا. ففي عالمنا الحالي الذي يسير بوتيرة فائقة السرعة، ويعج بالأجهزة الرقمية التي لا تتوقف عن العمل، ودورات التغطية الإعلامية المتواصلة على مدار الساعة، أصبح الاستحواذ على انتباه الجمهور مسألة جوهرية لتحقيق تواصل ناجح. وبوجود الكثير من العوامل التي تشتت انتباهنا وتستهلك من وقتنا، يجب أن نسعى بجد ونستحوذ على انتباه جمهورنا أولاً.

من سوء الحظ، ليس اجتذاب الأنظار والأسماع كافياً. فالاستحواذ على الانتباه ليس سوى المعركة الأولى، أما الحفاظ عليه فهو تحدٍّ مختلف تماماً. ولهذا، لا يقتصر المحاورون الأذكياء على استخدام وسائل فعالة للاستحواذ على الانتباه فحسب، بل يعملون أيضاً على الحفاظ عليه. الانتباه المتواصل هو ما أُطلق عليه اسم “الاندماج“. وإذا استطعت أن تجعل جمهورك مندمجاً، فسيحافظون على تركيزهم وسيقل تشتيت انتباههم. إضافة إلى هذا، ستحصل على فرصة أفضل كي تُظهر لهم أهمية موضوعك وجدواه بالنسبة إليهم. ولتحقيق هذه الغاية، ثمة 3 طرق لتحقيق اندماج الجمهور.

3 طرق لتحقيق اندماج الجمهور

الاندماج الجسدي

حيثما يذهب الجسد، يتبعه الدماغ. وسيؤدي أي عامل يدفع جمهورك إلى إبداء تفاعل جسدي إلى تحقيق الاندماج. وسواءٌ أكنت تقدم مقترحاً أو عرضاً تقديمياً يتطلب الحضور الشخصي، أم كنت تعقد اجتماعاً افتراضياً، ففكر فيما يمكنك فعله لإضافة عنصر الاندماج الجسدي إلى نشاطاتك.

وعلى سبيل المثال، يمكنك أن تطلب من الحاضرين مشاهدة مقطع فيديو، أو قراءة وثيقة مُوَزعة عليهم، أو النقر على عنصر ما على شاشاتهم، أو رفع أيديهم، أو استخدام ردود أفعال افتراضية. تفرض جميع هذه الأفعال على الجمهور المشاركة في التواصل معك، لا الاقتصار على المراقبة. وتكفي دعوة بسيطة إلى “الالتفات إلى الشخص الجالس بجانبك وإلقاء التحية عليه” أو “قراءة محتوى الشريحة والإفصاح عن أفكارك حولها” لتحقيق الاندماج.

الاندماج العقلي

ابذل جهدك كي تقاوم نزعة الجمهور إلى الشرود أو الانشغال بأداء مهام أخرى على التوازي، وذلك بتعزيز الاندماج الإدراكي لديهم. ثمة 3 طرق بسيطة لتحقيق ذلك: توجيه الأسئلة إلى الجمهور خلال العرض التقديمي، واستخدام عبارات وبيانات وإحصائيات مثيرة للجدل، وطرح تشبيهات ذكية.

عند توجيه سؤال، يبدأ معظم الناس تلقائياً بالتفكير في إجاباتهم، ما ينقلهم من حالة الاستماع السلبي إلى حالة المشاركة الفعّالة.

أما العبارات المثيرة للجدل أو البيانات المقنعة، فهي تثير الفضول وتشجّع جمهورك على طرح تساؤلاتهم التي تعتلج في داخلهم. على سبيل المثال، إذا كنت تحاول أن تبرر عدد العاملين في قسم التدريب الذي تديره، يمكن أن تقول: “يمكن تقليل طلبات خدمة العملاء بنسبة 30% من خلال توفير تدريب أفضل للمستخدمين”.

أما المقارنات والتشبيهات، فهي إجراء مقارنة بين ما نعرفه وما لا نعرفه، أي بمعنى آخر، استخدام المألوف لشرح غير المألوف. يؤدي طرح المقارنات والتشبيهات إلى تحفيز المشاركة من خلال دفعنا إلى التفكير بإمعان. ولكن ثمة تحذير واحد: عند استخدام المقارنات والتشبيهات، يجب الحرص على أن تكون مفهومة وذات صلة بالجمهور. يمكن أن يؤدي الإفراط في الاعتماد على التشبيهات الرياضية أو المقارنات المعقدة إلى عجز الجمهور عن المتابعة أو الاستيعاب، ما يقوِّض جهودك الرامية إلى تحقيق الاندماج وزيادة الفهم.

الاندماج اللغوي

يشير الاندماج اللغوي إلى استخدام الكلمات الشمولية، واللغة العابرة للزمن، والإشارة إلى وجهات نظر أو تجارب مشتركة. يعني استخدام الكلمات الشمولية توجيه الدعوة إلى الناس للتواصل معك. على سبيل المثال، يحمل الإنسان ميلاً غريزياً إلى الانتباه عند سماع اسمه، أو سماع كلمة تدل على المخاطبة، مثل “أنت”. ومن ثم، يمكنك تحقيق هذا الاندماج عن طريق ذكر أسماء الحاضرين، واستخدام جمل مثل: “كما تعرفون…” أو “من المحتمل أنكم تتساءلون…” أو “اليوم، سوف تتعلمون…”

أما اللغة العابرة للزمن فتنقل الجمهور من الحاضر إلى المستقبل أو إلى الماضي. ويمكنك استخدام جمل مثل: “تخيلوا…” أو “ماذا لو تمكّنتم من…” أو “تصوروا أن…” لنقل الناس إلى المستقبل. أما لنقل الناس إلى الماضي، فيمكن استخدام جمل مثل: “هل تذكرون عندما…” أو “فكروا فيما حدث عندما..”. يمكن أيضاً بناء صلة مشتركة بين الجميع عبر الإشارة إلى تجارب أو معتقدات مشتركة. على سبيل المثال، يمكن اجتذاب انتباه الناس من خلال إبراز مهمة الشركة وقيمها، أو الإشارة إلى تجارب سابقة مشتركة، تماماً كما يحدث عندما يجتمع أفراد العائلة أو الأصدقاء ليتجاذبوا أطراف الحديث عن قصص وطرائف قديمة.

الجمع بين تقنيات الاندماج

لستَ في حاجة إلى الاقتصار على استخدام تقنية واحدة فقط لتحقيق الاندماج في العرض التقديمي الواحد. بدلاً من ذلك، يمكنك الجمع بينها لزيادة مفعولها وتحسينه. على سبيل المثال، يمثل استطلاع الآراء طريقة رائعة لتحفيز مشاركة كل من العقول والأجساد في نشاط واحد ثلاثي المفعول. ويمكنك تحقيق هذا بسؤال بسيط مثل: “برفع الأيدي، أي العناصر في هذه المسألة هو الأهم بحسب اعتقادكم؟” من شأن التضافر بين تقنيات الاندماج الجسدي والعقلي واللغوي باستخدام هذا السؤال البسيط أن يؤدي إلى إخراج الحضور من حالة الحياد إلى حالة من الانسجام الكلي معك.

من الجدير بالذكر أن استخدام طريقة استطلاع الآراء يتطلب منك أولاً توضيح أساليب الاستجابة المطلوبة من الجمهور (مثلاً: “برفع الأيدي” أو “بالكتابة ضمن مساحة الدردشة”). أيضاً، من المهم أن تعلّق على الإجابات التي تتلقاها (مثلاً: “هذا ما توقعته، فالنتيجة تشير إلى 50% منكم تقريباً” أو “هذا مدهش، لقد أجمعتم على رأي واحد”). وإذا لم تعلق على نتيجة الاستطلاع، فقد يشعر الحاضرون أنهم تعرضوا إلى الخديعة عندما امتثلوا لطلبك، والأسوأ من هذا أن يشعروا أنك لم تكترث بالإجابة وأن استطلاع الرأي الذي أجريته كان مجرد حيلة لا أكثر.

بطبيعة الحال، قد لا تكون هذه الاقتراحات مناسبة لوضعك (تخيل لو أنك تستطلع آراء 3 مسؤولين تنفيذيين لا يوجد غيرهم في الغرفة على سبيل المثال)، ولهذا، يجب أن تكون خياراتك ملائمة للحدث ولحجم المجموعة.

وعلى حين يمكن استخدام تقنيات الاندماج في أي وقت خلال موقف يتطلب التواصل، فإنها مُهمة على وجه الخصوص عند البدء بالاجتماعات أو العروض التقديمية أو عروض المقترحات. تأمّل افتتاحيات أفلام الحركة (Action Movies). فهذه الأفلام تضعك في خضم التشويق على الفور، إذ يظهر الممثل وهو يؤدي عملاً مثيراً للإعجاب أو مثيراً للاهتمام أو مثيراً للفضول. ولا يظهر عنوان الفيلم وشارة البداية إلا بعد الاستحواذ على اهتمامك واندماجك. أما إذا بدأت بصورة تقليدية مستخدماً عبارة مثل: “مرحباً، اسمي…”، فسوف تفوِّت على نفسك فرصة رائعة لتحقيق اندماج الجمهور على الفور. وعلى نحو مماثل، فإن توجيه سؤال أو إجراء استطلاع للآراء أو عرض مقطع فيديو أو استخدام تشبيه ذكي قبل تقديم نفسك بهدف تحقيق الاندماج، سيؤدي إلى نقل إيقاع اللقاء إلى مستوى نشط وحيوي.

يمثل الاستحواذ على تركيز جمهورك والحفاظ عليه مسألة جوهرية لتحقيق تواصل ناجح. إذا تأمّلت أي تواصل ناجح أو أي محاور ناجح في التواصل، فمن المرجح أن هذا الشخص يستخدم بعضاً من تقنيات الاندماج الجسدي أو العقلي أو اللغوي المذكورة أعلاه. يتسم الموضوع الذي تعتزم التحدث عنه بأهمية بالغة، لهذا يجب أن تمنح نفسك أفضل فرصة للتعبير عن رسالتك الموجّهة إلى جمهورك بالاستحواذ على انتباههم أولاً، وبعد ذلك -وهو الأهم- الحفاظ عليه.