أدى التحول في الآونة إلى الأخيرة نحو تبني نموذجي العمل عن بعد والعمل الهجين إلى ظهور مخاوف لدى العديد من الموظفين بشأن حضورهم إلى المقار المكتبية. يشير انحياز القرب المكاني إلى تفضيل القادة والأشخاص في مراكز السلطة للموظفين الذين يعملون بالقرب منهم، ويستند هذا الانحياز إلى الافتراض القديم بأن الموظفين الذين يعملون عن بعد أقل إنتاجية من الذين يعملون من المقر المكتبي.
هذه المخاوف مبررة إلى حد كبير، ففي العام الماضي، نشرت الجمعية الأميركية لإدارة الموارد البشرية نتائج استقصاء شمل أكثر من 800 مشرف وأفادت بأن 67% من المشرفين على الموظفين الذين يعملون عن بعد يعتقدون أنه بالإمكان استبدالهم بسهولة أكبر من نظرائهم الذين يعملون من مقر العمل،
كما أشار 42% من المشاركين إلى أنهم في بعض الأحيان ينسون الموظفين الذين يعملون عن بعد عند توزيع المهام. قد يفسر هذا سبب انخفاض معدلات ترقية الموظفين الذين يعملون عن بعد مقارنة بنظرائهم، على الرغم من تفوقهم في الإنتاجية بنسبة تصل إلى 15% في المتوسط.
تثير هذه النتائج إشكالية لعدة أسباب، أبرزها هو أن التحيز ضد الموظفين الذين يعملون عن بعد يؤدي إلى تفاقم أوجه عدم المساواة الأخرى داخل بيئة العمل. تشير البيانات إلى أن الفئات المهمشة التي لا تحظى بتمثيل كاف تفضل نمط العمل الهجين والعمل عن بعد، فقد كشف أحد الاستطلاعات أن 21% من موظفي المعرفة من أصحاب البشرة البيضاء يرغبون في العودة إلى العمل من المكتب بدوام كامل مقارنة بـ 3% فقط من نظرائهم أصحاب البشرة الداكنة. لا يزال الموظفون الذين ينتمون إلى المجتمعات المهمشة يعانون التمييز والإساءات الدقيقة في بيئة العمل المكتبية. يسهم العمل عن بعد في تقليل احتمالية تعرض هؤلاء الأشخاص لهذه التحيزات ويخفف عنهم الضغوط المستمرة المرتبطة بتغيير أسلوبهم وسلوكهم للتكيف مع بيئة العمل، لذا فهو يوفر للكثير من الموظفين من أصحاب البشرة الداكنة والسكان الأصليين وأصحاب البشرة الملونة في الولايات المتحدة فرصة لتحسين صحتهم النفسية.
ولكن عندما يجتمع انحياز القرب المكاني مع الانحياز اللاإرادي، تنتج بيئة عمل سلبية يمكن أن تلحق الضرر بالثقافة التنظيمية وتعرقل جهود التنوع والمساواة والشمول. كيف يمكنك تجنب انحياز القرب المكاني إذا كنت مديراً تقود فريقاً يعمل عن بعد، سواء كنت جديداً في هذا المنصب أو صاحب خبرة؟
اعمل على ترسيخ ثقافة التميز بغض النظر عن مكان العمل
يشير أفضل الممارسات المستندة إلى الأبحاث إلى ضرورة البدء بمساعدة مؤسستك على الاعتراف صراحة بأن انحياز القرب المكاني يمثل مشكلة حقيقية. خلال السنوات القليلة الماضية، ظهرت دلائل واضحة تؤكد أن الموظفين يحققون إنتاجية أعلى حين يعملون من المنزل؛ إذ يستثمرون نحو ثلث وقت التنقل إلى مكان العمل في أداء مهامهم، كما يمكنهم التركيز أكثر بعيداً عن المشتتات المرتبطة بالعمل في المكتب، بالإضافة إلى تحسين جودة نومهم وإمكانية تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية.
على الرغم من ذلك، يمنح البشر قيمة أكبر للمساهمات والإنجازات الملموسة التي يلاحظونها مقارنة بالتي لا يرونها مباشرة حتى إن كانت أكبر وأهم بكثير. لإيقاف هذا السلوك، يجب على قادة المؤسسات الاعتراف به أولاً والإقرار بأن انحياز القرب المكاني هو سلوك بشري طبيعي، ولكن لا يعني ذلك أنه سلوك جيد أو صحيح. على غرار أنواع الانحياز اللاإرادي الأخرى، فإن انحياز القرب المكاني هو تصرف غير منصف، بالإضافة إلى أنه يؤثر سلباً في . يضعف هذا السلوك معنويات الموظفين وقدرة الشركات على استبقائهم ويؤدي إلى انخفاض إنتاجيتهم، ما يؤثر سلباً في أرباح الشركات. بالإضافة إلى ذلك، ونظراً لأن النساء وأصحاب البشرة الملونة يفضلون العمل عن بعد فترات أطول خلال الأسبوع، فمن الضروري الإشارة إلى المخاطر التي يشكلها هذا التحيز على جهود التنوع والمساواة والشمول.
بمجرد الوعي بهذه المشكلة وفهمها بوضوح ستتمكن أنت والقادة الآخرون من التركيز على معالجتها. راقب تصرفاتك وانتبه للمواقف التي يمكن أن تظهر فيها انحيازاً للقرب المكاني، واحرص على أن تركز أيضاً على مساهمات الموظفين الذين يعملون عن بعد. اعملوا معاً على تقدير المنجزات والنتائج والعمل التعاوني والابتكار، بدلاً من التركيز على المكان الذي يعمل فيه الموظف. فمع الاستمرار في تطبيق هذا النهج، سينعكس الأمر إيجاباً على ثقافة العمل وستتغير الأجواء في بيئة العمل نحو الأفضل.
بمرور الوقت، سيدرك الموظفون أنك تقدر عملهم بالقدر نفسه ودون تمييز، سواء كانوا يعملون في المكتب أو عن بعد. يتمثل هدفك في ترسيخ روح الفريق الواحد والعمل الجماعي لتحقيق أهداف الشركة المشتركة.
اتخذ خطوات استباقية لتقليل المخاوف المرتبطة بانخفاض وقت الحضور الفعلي في مقر العمل
يجتمع المدراء عادة مع مرؤوسيهم المباشرين خلال تقييمات الأداء الربع سنوية أو السنوية. وللتعامل مع مشكلة انخفاض وقت الحضور الفعلي للموظفين عن بعد، احرص على إجراء تقييمات أداء غير رسمية ومتكررة أسبوعياً أو كل أسبوعين أو إجراء لقاءات مراجعة فردية.
استخدم هذا الإطار للبدء:
- اتفق مع كل عضو في الفريق على 3 إلى 5 أهداف أسبوعية أو نصف شهرية تتعلق بالأداء. قد تختلف هذه الأهداف تبعاً للمهام الوظيفية، فمن الممكن أن تشمل أهدافاً عملية قصيرة المدى، مثل كتابة 10 منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو أهدافاً طويلة المدى، مثل تقليل متوسط زمن الاستجابة إلى 48 ساعة.
- قبل 3 أيام من موعد لقاء المراجعة، اطلب من أعضاء فريقك إرسال تقرير موجز عن التقدم الذي أحرزوه والتحديات التي يواجهونها وكيفية التغلب عليها، بالإضافة إلى اقتراح بعض الأهداف للأسابيع المقبلة، واطلب منهم تقديم التقرير على شكل نقاط مختصرة وبسيطة.
- قدم انطباعاتك الأولية حول التقرير قبل يوم واحد من الاجتماع وأضف أي ملاحظات تراها ضرورية، بالإضافة إلى جدول أعمال مقترح لاجتماع المراجعة.
- ركز في الاجتماعات الثنائية على تدريب أعضاء فريقك على التعامل مع التحديات التي يواجهونها ومراجعة الأهداف التي تحتاج إلى تعديل، واحرص على تقدير جهودهم ومساهماتهم. يمكن الاستفادة من هذه الاجتماعات لاحقاً في إعداد تقييمات الأداء الرسمية.
تهدف هذه الاجتماعات إلى تخصيص وقت حضور فعلي للتواصل مع كل عضو من أعضاء فريقك وتأكيد اطلاعك على عمله وإعلامه بأنك تلاحظ جهوده ومساهماته. من المهم الإشارة إلى أن تتبع أهداف أعضاء الفريق، سواء على المدى القصير أو الطويل، ستساعدك على تقييم أدائهم بإنصاف أكبر في السياقات الرسمية وستمنح كلاً منهم رؤية أوضح حول مستوى أدائه وتقييمه داخل الفريق أو المؤسسة.
اعمل على تعزيز المساواة في المعاملة
لتعزيز المساواة في المعاملة على نطاق أوسع، ركز على تفويض صلاحيات اتخاذ القرارات المتعلقة بالعمل الهجين والعمل عن بعد واعتماد ثقافة يقود الفريق فيها صناعة القرارات لتحديد ترتيبات العمل. بصفتك قائداً يتمتع بصلاحية المشاركة في اجتماعات صناعة القرارات، اعترض على السياسات الصارمة المفروضة من الإدارة العليا وشجع على منح الموظفين حرية اختيار أماكن عملهم بأنفسهم بدعم من مدرائهم.
إذا كنت تعمل في مؤسسة تسمح لك بوضع قواعد عمل فريقك بنفسك، فاستفد من هذه الفرصة. ففي النهاية، لا أحد يعرف ما يناسب موظفيك أكثر منك؛ فاحتياجات أعضاء فريق المبيعات مثلاً تختلف عن احتياجات فريق المحاسبين. من خلال اجتماعاتك الأسبوعية أو النصف شهرية، ستبدأ بملاحظة أسلوب عمل كل موظف والبيئة أو الظروف التي تساعد كل شخص على تقديم أفضل أداء. استفد من هذه المعلومات لوضع معيار يحدد الأيام التي يجب أن يحضر فيها أعضاء الفريق إلى المكتب واحرص على توضيح أهدافك صراحة. على سبيل المثال، يمكنك أن تطلب من أعضاء فريقك الحضور شخصياً كل خميس للمشاركة في نشاط بناء فرق العمل، مع منحهم الحرية في اختيار الحضور إلى المكتب أو العمل عن بعد بقية أيام الأسبوع، أو يمكنك أن تطلب منهم الحضور مرة واحدة على الأقل في الأسبوع في اليوم الذي يختارونه لتعزيز التعاون. من الأفضل اتباع قاعدة عامة تتمثل في تطبيق مبدأ التكافؤ في ساعات الحضور إلى المكتب بين أعضاء الفريق جميعهم. يعالج هذا النموذج الذي يعتمد على قرارات الفريق نفسه المخاوف المتعلقة بانخفاض وقت الحضور الفعلي والتواصل مع المدير والمشاعر السلبية الناتجة عن اختلاف عدد أيام الحضور إلى المكتب بين الموظفين.
ويمكنك تعديل أسلوب عقد الاجتماعات من أجل تحقيق المساواة على نطاق أصغر. يواجه الموظفون الذين يعملون عن بعد بعض المشكلات في الاجتماعات الهجينة، ما يحد من قدرتهم على التفاعل وتقديم أفكارهم. تتمثل إحدى الاستراتيجيات الفعالة في تحويل الاجتماعات التي يشارك فيها شخص واحد على الأقل يعمل عن بعد إلى اجتماعات عبر الفيديو. هناك استراتيجية أخرى، ولكنها أكثر رسمية وتكلفة، وتتمثل في الاستثمار في التدريب على مهارات تيسير الاجتماعات وتطويرها لتحسين جودة تجارب التعلم الافتراضي للموظفين الذين يعملون عن بعد.
يتمتع القادة الجدد بفرصة استثنائية لقيادة جهود تطوير ثقافات أفضل للجيل القادم من الموظفين الذين يعملون عن بعد. شهدت بيئات العمل خلال الفترة الماضية تحولات جذرية، ويمكن استثمار هذه التغييرات لتحفيز المحادثات التي تسهم في جمع الموظفين وتعزيز الترابط بينهم بدلاً من توسيع الفجوة. يمكن للمدراء ذوي الخبرة الاستفادة من الاستراتيجيات المذكورة أعلاه لتعديل أساليب عملهم وإنشاء بيئة عمل أفضل للجميع.