4 انحيازات سلوكية تؤثر في قراراتنا الشرائية

4 دقيقة
انحيازات سلوكية
shutterstock.com/Inked Pixels

ملخص: لطالما اعتقد الإنسان أن قراراته عقلانية وتصب دائماً في مصلحته، لكن الكثير من الأبحاث أثبتت عدم صحة هذه الفرضية، وأن عقل الإنسان قد يقوده إلى قرارات خاطئة نتيجة لبعض القصور في أساليب التفكير. يسلّط المقال الضوء على 4 أنواع من هذا "القصور" تؤثر في قراراتنا الشرائية: 1. تأثير فون ريستورف، 2. مفارقة الخيار، 3. تأثير الاستعارة، 4. تأثير الخيار التلقائي.

اهتم علماء النفس منذ أمد بعيد بدراسة دوافع السلوك البشري، واستفاضوا في ذلك مع تطوّر وسائل البحث العلمي والتكنولوجيا المتاحة، واستطاعوا فك بعض شفرات الدماغ البشري الذي يشكّل أعقد جهاز في الكون، وتوصلوا إلى مجموعة من التفسيرات للقرارات غير العقلانية التي يتخذها الإنسان، على الرغم من سعيه الدائم لتحقيق أكبر منفعة ممكنة من كل وضعية أو موقف يواجهه. يعرّف الخبراء الانحيازات السلوكية أو المعرفية (Cognitive Biases) بأنها عيوب تشوب التفكير الإنساني خلال مواقف معينة تؤدي إلى استخلاص استنتاجات غير دقيقة، ويمكن تتسبب باتخاذ قرارات غير سليمة لأنها توجه الدماغ البشري نحو التركيز المفرط على بعض المعلومات دون غيرها من المعلومات المتاحة.

اخترنا لكم اليوم 4 انحيازات سلوكية شائعة في ميدان التسويق يمكن أن تؤثر في قراراتنا الشرائية: 

1. تأثير فون ريستورف (Von Restorf Effect)

يسميه الخبراء أيضاً "تأثير العزلة" (Isolation Effect)، و"تأثير الأهمية" (Prominence Effect) و"تأثير الاختلاف" (Distinction Effect)، وهو انحياز سلوكي يصف ميل الإنسان إلى تذكّر العناصر المختلفة اختلافاً بارزاً ضمن قائمة من العناصر المتجانسة؛ أي أنه من المرجح أن يتذكر الإنسان الأشياء غير العادية مقارنة بالأشياء المألوفة. على سبيل المثال،  إذا اطلعنا على قائمة من الكلمات مكتوبة بالطريقة نفسها من حيث نوع الخط واللون والحجم، وتضمّنت هذه القائمة كلمة واحدة مختلفة على نحو بارز، (الكلمة الوحيدة باللون الأخضر)، فمن المرجح أننا سنلاحظها أكثر ويكون تذكّرها أسهل مقارنة بباقي الكلمات. 

اكتشفت هذا الانحياز الطبيبة النفسانية الألمانية هيدفيغ فون ريستورف (Hedwig Von Restorf) عام 1933، وتوصلت إلى تفسير علمي فحواه أن الدماغ البشري والعينين يبحثان باستمرار عن الأشياء غير المألوفة؛ ما يعني أننا ننتظر باستمرار أن يجذب أي شيء غير عادي انتباهنا.

ينطبق المبدأ نفسه على باقي الأشياء مثل الصور والمنتجات ومقاطع الفيديو، أما في مجال الأعمال، فغالباً ما تظهر تطبيقات "تأثير فون ريستورف" في مجال التسويق والإعلان، إذ يسعى المسوقون لتمييز حملتهم الترويجية وجعلها سهلة للملاحظة والتذكر من خلال تضمين عناصر غير معتادة، مثل الرسالة الإعلانية المبتكرة أو طريقة عرض الإعلان الجديدة أو الألوان غير المعتادة للموقع الإلكتروني أو غير ذلك من العناصر البارزة. الأمثلة في هذا السياق كثيرة، منها استخدام الدجاجة في الإعلان الشهير لمرسيدس بنز عن تقنية التحكم السحري في السيارات (Magic Body Control). 

2. مفارقة الخيار (Paradox of Choice)

انحياز سلوكي درسه عالم النفس الأميركي باري شفارتز وأظهر نتائج دراسته في كتابه "مفارقة الخيار" (The Paradox of Choice) عام 2004، إذ بيّن أن وجود وفرة في الخيارات المتاحة لا يزيد من قدرتنا على اتخاذ القرار السليم، بل يؤدي إلى شعورنا بالقلق والوحدة والاكتئاب؛ أي أن توافر خيارات أقل في الحياة اليومية يجعلنا نتخذ قرارات أفضل ويُشعرنا بالسعادة والرضا في الوقت نفسه. يرجع ذلك إلى حقيقة أن توافر عدد كبير من الخيارات التي تبدو جيدة مع ضرورة اتخاذ خيار واحد فقط أمر يكتسح أدمغتنا، ويُبقينا تحت وطأة التفكير في الخيارات الجيدة التي لم نتخذها، وهو ما يسبب الشعور بالقلق وعدم الرضا.

غالباً ما تظهر مفارقة الخيار في عالم المبيعات والتسويق، إذ يمكن أن تؤثر بوضوح في قرارات المشترين سواء كان التسوق في المحلات أو عبر الإنترنت، ففي الكثير من الحالات، يُؤجل المشترون قرار الشراء النهائي إذا تطلب ذلك الكثير من الجهد الإدراكي، وقد يؤدي بهم إما إلى إلغاء عملية الشراء نهائياً أو اتخاذ قرار من شأنه أن يجعلهم في النهاية غير راضين؛ لذلك من المهم للغاية التأكد من أن الخيارات المتاحة أمام المشترين محدودة قدر الإمكان حتى لا يشعروا بالإرهاق النفسي ويكون قرارهم النهائي مُرضياً.

3. تأثير الاستعارة (Metaphor Effect)

يطلق عليه الخبراء أيضاً "تأثير المجاز"، ويعني الانحياز السلوكي الذي يصف الطريقة التي يتفاعل بها الدماغ البشري مع الاستعارات، إذ يميل إلى تذكرها على نحو أسرع لأنها تنشّط الخيال. يعرّف اللغويون المجاز أو الاستعارة بأنها صيغ لغوية تصف شيئاً أو حالة معينة من خلال تشبيهها بشيء يثير صورة ذهنية تعبّر عن المشبه، كأن نقول: "فلان قلبه متحجر"؛ أي فلان يتميز بصفات مرتبطة ببرودة القلب وتصلبه كالافتقار إلى التعاطف والرفق.

عندما نكون متصلين على الإنترنت، فإن حواسنا تكون محدودة أكثر مما هي عليه في الحياة الواقعية، لذا في مجال التسويق الإلكتروني، يساعد استخدام الاستعارات إلى حد كبير في تحسين جودة المحتوى المعروض على الموقع الإلكتروني، وإيصال رسالتك على نحو أفضل، وزيادة جذب الزائرين للموقع وترسيخ المحتوى في ذاكرتهم لفترة أطول. ومن أشهر الأمثلة في هذا المجال الاستعارة الشهيرة التي تستخدمها شركة مشروبات الطاقة ريد بول: "ريد بول بيعطيك جوانح".

4. تأثير الخيار التلقائي (Default Choice Effect)

يطلق عليه الباحثون أيضاً "التأثير المعتاد" و"التأثير التلقائي"، وهو انحياز سلوكي درسه العديد من الباحثين، أشهرهم جونسون وفريقه عام 1993، ويتلخص هذا التأثير في أن وجود خيار "تلقائي" متاح في أثناء عملية اتخاذ القرار يؤثر فيها. من بين جميع الخيارات المتاحة أمامنا، فإن الخيار المعتاد هو الخيار الذي لا يتطلب منا بذل أي جهد أو تفكير لأنه قد تم اختياره بالفعل بالنسبة لنا. على سبيل المثال، عندما نُدخل برنامجاً جديداً إلى جهاز الكمبيوتر الخاص بنا، فإننا نختار خيار التثبيت التلقائي (By Default)، ونحتاج فقط إلى متابعة التثبيت واختيار الوظائف التي تتبّع خيار التثبيت التلقائي. وبالتالي، فإن "الأثر المعتاد" هو الطريقة التي نرجح فيها اختيار أي خيار تلقائي معروض متاح في أي مسألة؛ أي أن هذا الخيار يؤثر في طريقة اتخاذ القرارات. 

يعتقد العلماء أن دوافع الخيار التلقائي متعددة، نذكر منها حقيقة أن الخيار التلقائي يتطلب أقل قدر ممكن من عملية التفكير، في حين أن مقارنة الخيارات المختلفة والمفاضلة بينها يعني الكثير من الوقت والجهد العقلي، ولا سيما في حالة مواجهة قرار الاختيار بين مواضيع متشابهة، ويتيح لنا ذلك تقليل العدد الكبير من الخيارات التي نواجهها كل يوم، وبالتالي التركيز على اتخاذ القرارات عندما يكون ذلك مهماً.

في عالم التسويق الإلكتروني، يمكن استخدام تأثير الخيار التلقائي عندما يحتاج العميل إلى اتخاذ قرار ما، سواء تعلق الأمر بالاشتراك في الرسائل الإخبارية أو باختيار منتج ما أو باختيار طريقة التوصيل، فيتم تقديم الخيار التلقائي على أنه الخيار الأكثر سهولة وإتاحة، وهو ما يزيد من احتمالية اللجوء إليه، ومن أشهر الأمثلة على ذلك التطبيقات التي يكون خيار تثبيتها "تلقائياً" عند اقتناء أجهزة إلكترونية جديدة مثل الهاتف الذكي أو الكمبيوتر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي