انتهاء عصر الدلال لرواد الأعمال

3 دقيقة
انتهاء عصر الدلال
shutterstock.com/August_0802

بعد أيام من رفع اسم شركة سويفل للنقل التشاركي في ساحة تايمز سكوير، وإعلان الإدراج في بورصة ناسداك، أعلنت هذه الشركة العربية الناشئة التي تجاوزت قيمتها المليار دولار أنها ستستغني عن 32% من موظفيها، أي ما يعادل 400 موظف في سعيها لتخفيض التكاليف. وربما نتساءل: كيف يمكن لهذه الشركة الناشئة الصاعدة بشكل صاروخي، والتي يقف وراءها كبار صناديق الاستثمار الجريء في المنطقة العربية والعالم، وباتت تستحوذ على شركات عالمية وتعمل بدءاً من صعيد مصر إلى باكستان إلى ألمانيا وإسبانيا، كيف يمكن لشركة مثل هذه أن تبدأ بتسريح هذا العدد من الموظفين، وتوقف بعض خطوط عملها غير الرابحة، في محاولة لتحسين "الكفاءة" في العمل؟

القصة أكبر من سويفل. إنها قصة "انتهاء عصر الدلال" للشركات الناشئة.

استخدمت وول ستريت جورنال تعبير "لقد انتهت الحفلة" بالنسبة للشركات الناشئة التكنولوجية، وأن عليها أن تفكر في "التقصّد" في المصاريف وتركز على تحقيق التعادل على الأقل بين مصاريفها وعوائدها. لكن لماذا انتهى عصر الدلال أو انتهت الحفلة؟ الجواب ليس فقط متعلقاً بتأثيرات الحرب الروسية على أوكرانيا والتي تسببت في شلل الاقتصاد العالمي وعمقت التضخم فيه، لكن هذه الحرب كانت هي البداية التي جعلت المستثمرين يوقفون الكرم الحاتمي على الشركات الناشئة التقنية تحديداً. فجأة وقف الجميع أمام احتمالات مفتوحة من الركود التضخمي والأزمات الاقتصادية العالمية، لدرجة أن التمويل المفتوح والشيكات على بياض باتت في خطر. وقد أرسلت مسرعة الأعمال العالمية "واي كومبينتور" (YC) قبل أيام رسالة تبين خلاصة توصياتها للشركات التي تعمل معها، بأن عليهم الحذر والتخطيط للأسوأ.

يبدو قرار سويفل بتسريح الموظفين آخر ما حصل خلال شهر مايو/آيار على مستوى العالم، لكنه ليس الوحيد، ويمكنكم أن تجدوا في هذا الموقع تتبعاً لآلاف التسريحات التي حصلت خلال الشهر الأخير والأشهر الماضية في الشركات الناشئة على مستوى العالم. لكن اللافت في الأمر أن سويفل، هي تقريباً الشركة الأولى في المنطقة العربية التي تدخل ضمن حالة "شد الحزام"، ولا أعتقد أنها ستكون الأخيرة. ومن يعتقد أن الانتعاش الاقتصادي الذي تعيشه المنطقة وخاصة دول الخليج العربي جراء ارتفاع أسعار النفط سيكون ضامناً، فعليه إعادة النظر. هذه الموجة عالمية بكل معنى الكلمة، وشركات الاستثمار الجريء في المنطقة مرتبطة بشكل مباشر بصناديق الاستثمار والتحوط العالمية، ولن تكون بمنأى عن الاتجاه إلى التحفّظ والاقتصاد في التمويل.

والصورة الأكبر التي أود أن ألفت النظر إليها، هي أن فكرة انتهاء الحفلة أو انتهاء عصر الدلال كما أسميها في تمويل الشركات الناشئة، ليست وليدة الحرب الروسية على أوكرانيا وتأثيراتها، أو وليدة التضخم الحالي فقط. بل تمتد جذورها إلى مراجعة عالمية بدأت تحصل هذا العام، وقد حرضتها الأرقام الصادمة التي كشفها واحد من أكبر صناديق الاستثمار في العالم وهو "سوفت بنك"، حيث أعلن عن أكبر الخسائر في العديد من الشركات التقنية التي استثمر فيها طيلة السنوات الخمس الماضية، وبلغت خسائره في بيع وتقييم هذه الشركات 13 مليار دولار. لكن ما الذي تكشفه قصة خسائر "سوفت بنك"؟ إنها تكشف أن ضخ الأموال الزائدة في الشركات الناشئة هو أمر قاتل، مثلما هو أمر قاتل أن لا تتلقى الشركة الناشئة أي تمويل. هل تذكرون مصطلح تأثير "كبد الأوز المسمن (Foie Gras Effect) الذي يشير إلى أن التمويل الزائد للشركات الناشئة هو أمر خطير مثله مثل عدم التمويل؟ حسناً، هذه هي النتيجة. لقد كان هذا ما حصل مع صندوق "سوفت بنك"، حتى أفسد هذا الدلال والمصروف الزائد بعض الشركات الناشئة. ولكي تعلموا كيف كان الرئيس التنفيذي لصندوق "سوفت بنك" ماسايوشي سون يمنح الأموال لمؤسسي الشركات الناشئة، يمكنكم أن تستمعوا لأحد صحفيي وول ستريت جورنال وهو يتحدث عن طريقة ماسايوشي، والذي كان يجلس مع مؤسسي الشركات الناشئة ثم ينهي الجلسة بأن يعطيهم من الأموال أكثر مما طلبوه، لقد كان يضخ التمويل بطريقة تعبر عن ارتجال أكثر منها طريقة مدروسة. فقد كانت طريقته تسمح للشركات الناشئة بأن تتصرف كابن مدلل ينفق بلاحساب ولا خوف من المستقبل. وهذه الطريقة التي اتبعها ماسا اتبعها كثيرون في السنوات الأخيرة، لدرجة أنهم أضروا الكثير من الشركات التي استثمروا فيها، بل إن طريقة ماسا التي كانت تتم بطريقة غير مدروسة، كما يذكر هذا الصحفي المحلل من وول ستريت جورنال، ربما تتسبب في تمويل شركات متنافسة، فيدخلها بأمواله في حرب تنافسية طاحنة يدفع ثمنها هو في النهاية. ولم يكن يعلم -ربما- أنه سيصل ليوم يبدأ فيه بتخفيض رواتب المسؤولين التنفيذيين كما حصل مؤخراً جراء تلك الطريقة في الاستثمار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي