ملخص: ثمة عجز كبير في أدوات نقل المعرفة وأساليبه مثل الكتيبات الإرشادية والتدريبات. فكلما كانت التعليمات شاملة أكثر قلّ احتمال استيعاب الموظفين وفهمهم لها، وكلما كانت دقيقة تَقلص المجال لتكييفها وقلّت قدرة الموظفين على المبادرة، وكلما ازدادت صرامة قلّت قدرتها على التطور مع تغير الظروف. يقترح المؤلفون أسلوباً يطلقون عليه "النص القابل للتطور"، وهو مجموعة تعليمات موجزة قابلة للتجزئة تحدد الغرض من المهمة وأهم الإجراءات لتنفيذها. يتيح هذا الأسلوب سهولة استيعاب التعليمات والقدرة على استخدامها يومياً من خلال التركيز على الإجراءات الجوهرية فحسب، أضف إلى ذلك أن هذا الأسلوب يترك للموظف المجال ليختار طريقة تنفيذ المهام، وذلك يمكّنه من تطويع الأسلوب ليناسب الظروف المختلفة أو تجربة طرق جديدة. وتمكن مراجعة قرارات الموظف والنتائج بسهولة، وذلك بهدف تطوير النص مع مرور الزمن ليتلاءم مع الظروف والدروس المستقاة من التجربة.
يعتبر نقل المعرفة الخاصة بطرق إنجاز المهام من القدرات البالغة الأهمية للشركات، حيث يساعدها على ضمان الجودة والاتساق في مواجهة الضغوط المستمرة من المنافسين. قد تعتمد الشركات الناشئة على أعضاء الفريق الذين يراقبون ويتعلمون من بعضهم بعضاً، لكن في الشركات المتوسطة والكبيرة، تُعد عملية نقل المعرفة تحدياً دائماً بسبب الفصل التنظيمي أوالجغرافي بين الموظفين وتنوع مهامهم ووظائفهم وارتفاع معدلات دوران العمالة.
ثمة قصور في أدوات تدوين المعرفة وأساليبه، مثل الكتيبات الإرشادية و التدريبات.
- كلما كانت التعليمات شاملة أكثر، قل احتمال استيعابها وفهمها وتذكرها عند المسؤولين عن تنفيذها، أضف إلى ذلك أن التعليمات الشاملة قد تخفض الشعور بالمسؤولية عند المنفذ.
- وكلما كانت التعليمات دقيقة تقلص المجال المتاح لتكييفها وقلت قدرة الموظفين على المبادرة.
- وكلما ازدادت التعليمات صرامة قلت قدرتها على التطور مع تغير الظروف.
من الصعب جداً تدوين العمليات التي تنطوي على الحكم البشري أو التكيف مع احتياجات معينة أو مع ظروف متغيرة، وذلك نتيجة صعوبة تحديد المعرفة الضمنية واستخراجها وتحديث معلوماتها بانتظام، واسترجاع الجزء المطلوب منها عند الحاجة. وتزداد هذه التحديات في حالات التغير الشديد السرعة وعدم الاستقرار في البيئة التجارية الحالية نتيجة لتطور التكنولوجيا والاضطرابات الجيوسياسية.
كيف يمكن للنصوص القابلة للتطور تقديم المساعدة
نقترح مفهوم النص القابل للتطور (The Evolvable Script) بصفته بديلاً للأساليب الحالية، وقد أوضحناه أول مرة في كتابنا "آلة الخيال" (The Imagination Machine). النص القابل للتطور هو مجموعة تعليمات موجزة وقابلة للتجزئة تحدد الغرض من المهمة وأهم الإجراءات لتنفيذها، يتيح هذا الأسلوب سهولة استيعاب التعليمات والقدرة على استخدامها يومياً من خلال التركيز على الإجراءات الجوهرية فحسب، أضف إلى ذلك أن هذا الأسلوب يترك للموظف المجال ليختار طريقة تنفيذ المهام، وذلك يمكّنه من تطويع الأسلوب ليناسب الظروف المختلفة أو تجربة طرق جديدة. وتمكن مراجعة قرارات الموظف والنتائج بسهولة، وذلك بهدف تطوير النص مع مرور الزمن ليتلاءم مع الظروف والدروس المستقاة من التجربة.
يستخدم النص القابل للتطور في أكثر من 500 متجر تجزئة تابع لشركة آبل، حيث تواجه الشركة التحدي المزدوج المتمثل في خلق تجربة متسقة مع الحفاظ على الإنتاجية العالية. يزداد هذا التحدي تعقيداً بسبب أسلوب آبل الفريد في بيع التجزئة الذي يركز على التفاعل المباشر؛ إذ يتعين على مندوبي المبيعات تقديم العروض التوضيحية والتوصيات، والاستجابة للاستفسارات حول مجموعة واسعة من المنتجات المعقدة، مع اختلافات كبيرة في معرفة العملاء واحتياجاتهم.
لتحقيق النجاح في بيئة العمل هذه، وضعت آبل مجموعة من المبادئ المرنة لموظفي التجزئة، توضح الميزات الأساسية للتفاعلات الممتازة مع العملاء، وصاغتها في نص "آبل" (APPLE) على الشكل الآتي:
- (Approach) "الاستقبال": استقبل العملاء بحفاوة.
- (Probe) "الاستفسار": استفسر بلطف لفهم احتياجاتهم.
- (Present) "التقديم": قدم حلاً سهل التطبيق.
- (Listen) "الاستماع": استمع بعناية.
- (End) "الخاتمة": اختتم بدعوة لزيارة أخرى.
هذه المجموعة الموجزة من التعليمات سهلة الفهم والتذكر وتسمح للموظفين بالتكيف مع احتياجات العملاء المحددة والمتغيرة.
متى يجب استخدام النصوص القابلة للتطور؟
تتمتع النصوص القابلة للتطور بفعالية كبيرة في السياقات التي تتطلب مرونة وقدرة على التكيف بسبب تنوع الاحتياجات والحالات، أي عندما يتغير السياق نفسه مع مرور الوقت ويتطلب أساليب جديدة.
تدعم النصوص القابلة للتطور المهام التي تتضمن تفاعلات منتظمة مع العملاء، بدءاً من المبيعات وصولاً إلى الدعم، كما تدعم الجهود الإبداعية مثل تطوير الحملات التسويقية وإدارة المشاريع، والدليل على ذلك انتشار الأساليب القائمة على نهج أجايل خارج نطاق تطوير البرمجيات.
لكن النصوص القابلة للتطور ليست علاجاً سحرياً، فبعض السياقات تتطلب أسلوباً محدداً بدقة. على سبيل المثال، غالباً ما تمتلك شركات الأدوية إجراءات تشغيلية قياسية لتطوير الأدوية قد تصل إلى آلاف الصفحات. حتى في مثل هذه الحالات، فإن سهولة الاستخدام والقدرة على التطور ضروريتان، إذ تطلَّب ابتكار شركة فايزر (Pfizer) لقاح كوفيد-19 في وقت قياسي تبسيطاً كبيراً لعمليات صناعة القرار الداخلية وتخفيف قواعد إدارة الغذاء والدواء الأميركية العامة لتطوير الأدوية.
طريقة إنشاء النصوص القابلة للتطور ودمجها في المؤسسة
لفهم فوائد النص القابل للتطور سنأخذ سلسلة مقاهٍ افتراضية على سبيل المثال. لا أحد يرغب في أن يستقبله موظف يتصرف مثل الروبوت ويلتزم بمجموعة من الخطوات المحددة مسبقاً في دليل إرشادي طويل. يمكن أن يوفر النص القابل للتطور توجيهات كافية للحفاظ على تجربة متسقة عبر المتاجر مع ترك مجال للمرونة في التفاعلات مع العملاء، وهو أمر مفيد في حال اختلفت التفضيلات بين المناطق المختلفة.
3 عناصر أساسية لتطوير النصوص القابلة للتطور:
1. تحديد العناصر الأساسية للنجاح.
يعتمد التفاعل الناجح على عدد من العوامل التي تسير بطريقة صحيحة في وقت واحد، بينما يمكن أن يحدث الفشل بسبب خطأ واحد فقط. لذلك، من الضروري التفكير ملياً في التنفيذ الناجح واستخلاص الدروس منه تماماً مثلما نفعل عند الفشل، وذلك لتحويل النجاح المؤقت إلى نجاح قابل للتكرار.
قبل الشروع في كتابة النص، يجب أن تسأل نفسك: ما هو الضروري لنجاح هذه العملية وما هي الحوادث العرضية؟
في مثالنا عن سلسلة المقاهي، قد يكشف برنامج تجريبي أن العملاء يحبون الحصول على مزيج مخصص، لذا ستكون العناصر الأساسية لنجاح متجرنا هي إعداد نظام لتوثيق تفضيلات العملاء، بالإضافة إلى عملية فعالة لاسترجاع هذه المعلومات وتحديثها. بالمقابل، قد يتبين أن التغليف الفاخر أو تقديم النكهات الغريبة غير ضروري.
مثال واقعي آخر لتحديد العناصر الأساسية للنجاح يتجسد في محاولات شركة أديداس (Adidas) المبكرة لتقديم الأحذية القابلة للتخصيص إلى السوق العامة. في أواخر التسعينيات اختبرت الشركة عمليات التخصيص الخاصة بها أول مرة، حيث أقامت أكشاكاً مختصة على هامش الأحداث الرياضية الكبرى، وقدّمت مسحاً ثلاثي الأبعاد للأقدام، ومنحت العملاء خيار اختيار الأقمشة والألوان. أدركت الشركة عبر هذه البرامج التجريبية أن المشاركين كانوا مهتمين بملاءمة الحذاء للقدم أكثر من تصميم مظهره، وهو ما كان مخصصاً سابقاً للرياضيين النخبة. بعد تحديد هذا العامل الرئيسي للنجاح، استخدمت الشركة ماسحاً ضوئياً أقل تعقيداً حين وسّعت شبكة متاجرها في أوائل العقد الأول من الألفية الثالثة وركزت على شكل القدم. لذلك تمحور النص حول ضمان ملاءمة الحذاء للقدم وتقليل أهمية التصميم المخصص.
2. توضيح الخطوات الرئيسية لإتمام المهمة
الخطوة التالية هي إنشاء قائمة بالميزات أو السلوكيات التي تعتبر ضرورية لأداء المهمة بطريقة ممتازة وتوفير التوجيه المطلوب لكي يؤدي كل شخص دوره. يجب أن يركز كل مكون من مكونات النص على تحفيز العمل وتوجيهه بدلاً من وصف السلوك على نحو عام.
بالنسبة للمقهى، من الممكن أن يكون النص على النحو الآتي:
- (Begin) "ابدأ": ابدأ التفاعل بتحية العميل وسؤاله عن اسمه.
- (Look) "ابحث": ابحث عن نوع القهوة المفضل للعميل في النظام.
- (Ensure) "تأكد": تأكد أن المعلومات محدثة وتحقق إذا ما كان العميل يريد شيئاً مختلفاً.
- (Neatly) "غلّف بأناقة": قدم القهوة بصورة أنيقة وأكمل عملية البيع.
- (Document) "وثّق": سجل أي تغييرات في تفضيلات العميل في النظام.
النص هو وصف موجز للإجراءات الأساسية التي يجب أن يتخذها الموظفون، لذا من الضروري عند صياغته أن تتجنب بعض المزالق الشائعة؛ فقد يؤدي تحديد التعليمات بالتفصيل الممل إلى نص مرهق وصعب التطبيق، مثل مطالبة الموظفين باستخدام نبرة ودية، والابتسام، والتواصل البصري عند تحية العميل، وكذلك الأمر عند تقديم تعليمات شاملة للغاية، مثل تقديم معلومات عامة عن النكهات وطريقة طحن البن والممارسات المستدامة. من ناحية أخرى، فإن بقاء النص غامضاً أو فضفاضاً جداً، مثل شرح هدف التخصيص دون تقديم تفاصيل، يعني عدم وجود تفاصيل كافية حول الإجراءات التي يجب اتخاذها.
3. بناء القدرة على التطور
إحدى السمات الرئيسية للنص القابل للتطور هي أنه يستفيد من قوة حرية التصرف التي يتمتع بها الموظف ولا يفترض أنه روبوت ينفذ دون تفكير. لذلك يجب أن يتجنب النص التحديد المفرط، وأن يركز على وصف الغرض من المهمة.
أدرك مؤسس سلسلة فنادق فورسيزونز (Four Seasons)، إيزادور شارب، أن حرية التصرف التي يتمتع بها موظفو الخطوط الأمامية كانت سبباً رئيسياً في الحفاظ على روح أول فندقين في سلسلة فنادقه العالمية. صحيح أنه قدم لهم قواعد العمل، لكنه أتاح لهم المجال لتعديلها والارتجال لتقديم تجربة شخصية راقية تهدف إلى شعور النزيل بأنه في بيته الثاني. قال أحد الموظفين: "لدي عدد لا يحصى من الأمثلة على طريقة تطبيق هذه الفلسفة، فقد أرسلني النادل في إحدى الليالي لأشتري عصيراً من متجر قريب على الرغم من أنه لم يكن في قائمة مشروباتنا، كما أصبح أحد موظفي خدمة الغرف حديث الموظفين لأنه استعار قليلاً من التوت البري من فندق آخر في الساعة 3 صباحاً بسبب نفاده في الفندق".
في مثالنا عن المقهى، يمكن ترك مساحة للموظفين لتخصيص العروض، مثل اقتراح خلطات جديدة بناءً على ملاحظات العملاء، أو تقديم لمسة شخصية بإضافة ملاحظة أو تقديم عينة مجانية.
من المهم أن تكون المرونة مصحوبة بمراجعات منتظمة للمبادرات الناجحة وأسباب نجاحها، والتي يمكن بعد ذلك دمجها على نحو انتقائي في النص. على سبيل المثال، يناقش موظفو متاجر آبل كل يوم عملية تفاعلية مع أحد العملاء جرت في اليوم السابق، وذلك يعدل طريقة تطبيق النص بمرور الزمن ويوضّح طريقة تطبيقه.
يجب أن تكون النصوص قابلة للتجزئة لكي تكون قابلة للتطور، بحيث يوضع نص واحد لكل نشاط رئيسي، ما يسمح لكل منها بالتطور بالوتيرة المناسبة مع زيادة إمكانية استيعابها.
بالإضافة إلى تطوير النصوص الفردية، يمكن للشركات أيضاً إنشاء آليات تقييم واضحة من خلال مراجعة النصوص بانتظام لمعرفة أيها ما زال ضرورياً، خاصة عندما تتغير الظروف. اعتمدت بعض الشركات، مثل نتفليكس (Netflix)، هذه الآلية، حيث وضعت قواعد لإزالة القواعد غير الضرورية.
مشاركة النصوص الخاصة بمؤسستك
تعامل المؤسسات إجراءات العمل الخاصة بها بسرية تامة، لكن قد يكون لمشاركة النصوص خارج المؤسسة أثر كبير. على سبيل المثال، تبنت شركة غِت لاب (GitLab) العمل عن بُعد منذ تأسيسها عام 2011، وهي شركة مدرجة في بورصة ناسداك تعمل في تصميم البرمجيات للمطورين. عندما انتشرت جائحة كوفيد-19، نشرت شركة غِت لاب دليلاً للعمل عن بُعد بطريقة صحيحة يشمل طرق التواصل، والثقافة، وسير العمل، وغيرها. أسهمت مشاركتها هذا النص في تعزيز ريادتها الفكرية في القطاع، وأبرزت قوة حلولها البرمجية للعملاء المحتملين.
كما تدعو شركة غِت لاب الأطراف الخارجية للمشاركة في تحسين دليلها المتاح على منصتها باعتباره مشروعاً مفتوح المصدر. ويتبنى معهد لندن لعلوم الرياضيات (London Institute of Mathematical Sciences)، وهو مركز دراسات حول الرياضيات في المملكة المتحدة، أسلوباً مشابهاً من خلال عرض نصوصه على موقعه الإلكتروني، ما يتيح لأصحاب المصلحة المهتمين الاطلاع على العمليات الداخلية في المعهد ويشجعهم على التفاعل وتقديم الملاحظات. يمكن تطوير النصوص بناءً على الدروس المستفادة من المجتمع باتباع هذا الأسلوب. وبذلك يمكن أن تمثل مجموعة من النصوص المتاحة للجمهور خطوة فعالة لبناء مؤسسة تتبنى مبدأ الشفافية والتعاون والابتكار المفتوح.
يمكن للمؤسسات أن تتنافس وفقاً لقدرتها على تعلم الجديد في بيئات العمل المتغيرة، وذلك يتطلب ترقية بنيتها التحتية التنفيذية بحيث تستند إلى التغيير وليس الثبات، والنصوص القابلة للتطور خطوة مهمة في هذا الاتجاه.