ملخص: كيف ينتشر السلوك المحفوف بالمخاطر؟ هناك نظريتان: واحدة تتضمن الإشارات الاجتماعية والأخرى تتضمن التجربة والخطأ. وقد وفرت جائحة كوفيد-19 فرصة لدراسة هذه الظاهرة وإيجاد أدلة على كلتيهما. على وجه الخصوص، يوثّق بحث أجرته المؤلفتان ظاهرة "تسلل السلوكيات المحفوفة بالمخاطر"، حيث تشجع حالات "النجاة بأعجوبة" (مثل عدم الإصابة بمرض كوفيد على الرغم من عدم اتباع تعليمات السلامة) الأفراد على انتهاج سلوكيات أكثر خطورة في المستقبل.
يتمثل التحدي في بعض المؤسسات في عدم المخاطرة بالقدر الكافي: يتوخى الموظفون الحذر الشديد ولا يرغبون في تجربة أشياء جديدة حتى إن كانت ستعود بالنفع على المؤسسة بشكل عام. وفي مؤسسات أخرى، تتمثل المشكلة في الإفراط في المخاطرة: تنتشر السلوكيات المحفوفة بالمخاطر داخل المؤسسة إلى أن تحدث مشكلة، من اتخاذ قرارات مالية سيئة إلى انتهاج سلوكيات غير أخلاقية، ما يمكن أن يطيح بالمؤسسة.
إذاً، كيف تنتشر سلوكيات المخاطرة داخل مؤسسة ما؟ هيأت حالة عدم اليقين الشديد الناجمة عن كوفيد-19 بيئة فريدة لدراسة هذا السؤال. فمع بداية الجائحة، تساءل الناس حول العالم عن السلوكيات المناسبة للحد من المخاطر الفردية والمجتمعية للتعرض للفيروس. سمح لنا ذلك باختبار كيف تؤثر نظريات التعلم المتعارف عليها في نشر سلوكيات المخاطرة.
في دراسة لسلوك الأفراد بعد تطبيق الحظر الشامل وقبل إعطاء اللقاحات، وثّقنا ظاهرة نسميها "تسلل السلوكيات المحفوفة بالمخاطر". وهي تشير إلى التساهل المتزايد مع السلوكيات المحفوفة بالمخاطر، ما قد يكون ناتجاً عن حوادث كادت تقع (النجاة بأعجوبة)، أو أحداث كان من الممكن أن تؤدي إلى نتيجة سلبية ولكن بالصدفة لم يحدث ذلك.
يوضح بحثنا قناتين رئيسيتين تنتشر من خلالهما سلوكيات المخاطرة: التعلم الاجتماعي والتعلم التجريبي، أو التجربة والخطأ. ويجب أن تفهم الشركات كلاً منهما وكيفية حدوث تفاعل محتمل بينهما لتشجيع السلوكيات المحفوفة بالمخاطر أو تثبيطها. وكلما فهم المدراء ما يوجّه سلوك الموظفين على نحو أفضل، تمكنوا من التنبؤ بذلك على نحو أفضل. وفي نهاية المطاف، يمكن أن يساعدهم ذلك على توقع العواقب النهائية من أجل التواصل على نحو استباقي مع الموظفين وتقييم المخاطر بشكل أكثر ملاءمة.
نظريات المخاطرة
بعد عقود من دراسة الأعراف الاجتماعية، تَبين أن الأفراد يتأثرون في الغالب بملاحظة ما يفعله الآخرون. وتساعد هذه الملاحظات الأفراد على فهم السلوكيات الشائعة التي من المحتمل أن تمنحهم مكافآت اجتماعية أو تعرِّضهم للعقوبة. وغالباً ما تكون كافية لتعلم سلوكيات جديدة. يشير الباحثون إلى الاستدلالات القائمة على ملاحظة الآخرين باسم "التعلم الاجتماعي".
كما يعلم أي مدير، يكون الموظفون أقل استجابة لما يُقال لهم إنه سلوك مناسب وأكثر استجابة لما يرون الآخرين يفعلونه في مكان العمل. وفي الثقافات الراسخة، يقترن هذان التوجهان أحدهما بالآخر، ويعزز كل منهما الآخر. على سبيل المثال، تُعلِّم شركة ساوث ويست أيرلاينز (Southwest Airlines) مضيفيها المخاطرة باستخدام حسهم الفكاهي، لكن المضيفين الجدد يتعلمون كيفية التصرف فعلياً من خلال مراقبة زملائهم وهم يرتجلون في أثناء إلقاء تعليمات السلامة أو الدعابات. فعندما يراقبون الآخرين، يتعلمون المستوى المناسب من المخاطرة بتجربة شيء جديد.
ولكن ماذا يحدث عندما لا تكون هناك إشارات واضحة من البيئة الاجتماعية؟ يحدث هذا في الحالات التي تكون فيها الثقافة ضعيفة أو في أوقات التغييرات الكبيرة، وبذلك لا تكون هناك إلا معلومات قليلة أو معدومة لمساعدة الأفراد على تحديد السلوك المقبول اجتماعياً. وفي هذه الحالة، على الأرجح يعتمدون على التعلم التجريبي أو التجربة والخطأ. يمكن للأفراد "جس النبض"، من خلال قدر ضئيل من المخاطرة ثم تقييم النتيجة، وهذا التقييم توجهه العواطف أكثر من الحسابات العقلانية.
كيف يسير هذا الأمر؟ إذا فعل شخص شيئاً محفوفاً بالمخاطر في أسبوع ما، فهل نتوقع منه أن يفعل الشيء نفسه الأسبوع التالي؟
تكمن الإجابة في مدى خطورة نتيجة هذا العمل المحفوف بالمخاطر. تخيّل أن رسالة نصية تسببت في تشتيت انتباهك في أثناء القيادة وبالتالي انحرفت عن الطريق. بمجرد التقاط أنفاسك، من المرجح أن تغلق هاتفك لبضع دقائق على الأقل. بدلاً من ذلك، إذا قام الأفراد بممارسة سلوك محفوف بالمخاطر دون عواقب خطيرة، فإنهم يشعرون بنوع من الأمان والسلامة ويصبحون أقل حذراً في سلوكياتهم. تخيل أنك قمت بالرد على الرسالة النصية ولم تنحرف عن الطريق، قد تشعر بمزيد من الجرأة لمواصلة الرد على الرسائل النصية في أثناء القيادة. نسمي هذه الظاهرة الأخيرة "تسلل السلوكيات المحفوفة بالمخاطر".
استكشفت الأدبيات الأكاديمية حول سيكولوجية صنع القرار متى يصبح الأفراد أكثر تجنباً للمخاطرة ومتى يصبحون أكثر إقبالاً عليها (اطلع على هذه الأوراق البحثية لعامي 2012 و2016). ودرست أيضاً كيف يمكن للتعلم الاجتماعي أو التعلم التجريبي القائم على التجربة والخطأ تفسير هذه النتائج. ولكن جرت دراسة كل منهما على حدة وليس في السياق نفسه. ساعدتنا دراستنا للسلوكيات المتعلقة بجائحة كوفيد-19 على تحديد ما إذا كانت الغلبة لتفادي المخاطرة أم للإقبال عليها، مع مراعاة الآليات الممكنة للتعلم الاجتماعي والتجريبي.
ظاهرة "تسلل السلوكيات المحفوفة بالمخاطر" خلال كوفيد-19
في دراسة ميدانية طولية استمرت لخمسة أشهر بعد تطبيق الحظر الشامل وقبل إعطاء اللقاحات، تتبعنا ما فعله الأفراد عندما غادروا منازلهم. جمعنا ردوداً على 8 استطلاعات رأي من 304 طلاب عادوا مؤخراً إلى الحرم الجامعي والمنطقة المحيطة به لتلقي المحاضرات وجهاً لوجه. وقد أجابوا عن استطلاع أساسي و7 استطلاعات متابعة أسبوعية "لجس النبض" تضمنت مجموعة فرعية من الأسئلة التي طُرحت في الاستطلاع الأساسي. سمحت لنا استطلاعات "جس النبض" السبعة بتتبع التغييرات في السلوكيات والتصورات بمرور الوقت. في جميع الاستطلاعات، ذكر المشاركون عدد المرات التي غادروا فيها منازلهم للمشاركة في أي من الفئات الستة للأنشطة التي صنفناها كما يلي: 1) الأنشطة غير الاختيارية، وهي ضرورية للحياة اليومية (الخروج من المنزل لتناول الطعام أو قضاء الحاجات أو ممارسة الأنشطة المدرسية)، 2) الأنشطة الاختيارية في الغالب، وقد كانت أقل أهمية نسبياً للحياة اليومية، وتخلى عنها الكثيرون في أثناء فترة الحظر الشامل (الخروج من المنزل لممارسة التمارين الرياضية، ولقاء الآخرين في مجموعات اجتماعية صغيرة، وحضور الفعاليات الكبيرة). لدراسة التعلم الاجتماعي، سألنا المشاركين عن عدد الأشخاص الذين رأوهم يشاركون في تلك الأنشطة نفسها في الأسبوع السابق. ولدراسة التعلم التجريبي، قمنا بقياس تصورات الأفراد عن خطورة سلوكياتهم قبل ذلك بأسبوع.
وجدنا أن مستوى الأنشطة غير الاختيارية (الذهاب إلى متجر البقالة أو متجر الأدوية أو مجموعات الدراسة) التي يقوم بها الأفراد لم يتغير خلال تلك الفترة الزمنية. ومع ذلك، فإن الأشخاص الذين رأوا آخرين يشاركون في أنشطة اختيارية خارج المنزل (ممارسة التمارين الرياضية وحضور مناسبات اجتماعية وفعاليات كبيرة) مارسوا المزيد من هذه الأنشطة نفسها في الأسبوع التالي، وهو دليل على تسلل الإقبال على المخاطرة المقترن بالتعلم الاجتماعي.
وبالمثل، فإن الأشخاص الذين قالوا إنهم شاركوا في أنشطة عامة أكثر خطورة في أسبوع ما، شاركوا تدريجياً في المزيد من الأنشطة الاختيارية في الأسبوع التالي. ومجدداً أظهر الأفراد إقبالاً على المخاطرة بسبب النتائج غير المنطقية لتجاربهم.
تشير نتائج دراستنا إلى أنه حتى عندما يكون التعلم الاجتماعي قوياً ومؤثراً على السلوك، فإنه لا يستبعد التعلم التجريبي. وقد يكون هذا هو الحال بوجه خاص عندما يتعطل التعلم الاجتماعي بسبب أحداث عشوائية (على سبيل المثال، نسيان الكمامة يدعو الفرد إلى اتخاذ قرار جديد لم يضطر إلى اتخاذه من قبل). وبالتالي، يجب دائماً الحذر من الإفراط في المخاطرة.
الآثار المترتبة على الشركات
الدرس الذي يجب أن تتعلمه الشركات هو باختصار: الحذر من حالات "النجاة بأعجوبة". إذا قام شخص ما بشيء محفوف بالمخاطر، سواء عن قصد أو عن غير قصد، وسارت الأمور على ما يرام، فمن المرجح أن يقوم بهذا الشيء مرة أخرى. على سبيل المثال، إذا قام شخص ما باختيار كلمة مرور غير آمنة ولم يحدث شيء، فإن دماغه "يتعلم" أنه لا بأس في القيام بذلك. وإذا دفع شخص مبالغ زائدة عن طريق الخطأ لعميل ولكن لم يلاحظ أحد ذلك، فمن المرجح أن يفعل ذلك مرة أخرى. وإذا قام شخص ما بإجراء صفقة محفوفة بالمخاطر وحققت له النتائج المرجوة، فسوف يخاطر بشكل أكبر في المرة القادمة.
في الواقع، سيؤدي التصرف بتعجل أو إهمال، حتى إن لم يكن ذلك متعمَّداً في البداية، إلى القيام بالمزيد من مثل هذا التصرف مستقبلاً. فعندما تنجح الأمور، نميل إلى تجاهل حظنا الجيد أو استبعاده، وبالتالي لا يبدو السلوك أو العملية محفوفة بالمخاطر في نظرنا.
يصبح هذا النمط أكثر خطورة عندما يكون الخطر منخفضاً نسبياً، بسبب طريقة دمجه مع التعلم الاجتماعي، كما اتضح في فترة تفشي الجائحة. حتى في عام 2020، كان لا يزال من غير المرجح إلى حد ما أن يصاب الشخص الذي نسي الكمامة، وبالتالي خرج دونها لقضاء حاجة ما، بالفيروس. ثم يجعله تأثير "تسلل السلوكيات المحفوفة بالمخاطر" أكثر ميلاً إلى عدم ارتداء الكمامة في المرة القادمة. وبعد ذلك يضاعف التعلم الاجتماعي هذا التأثير؛ إذ يرى الآخرون الشخص الذي لا يرتدي كمامة ويدمجون ذلك ضمن السلوكيات التي يعتقدون أنها مقبولة اجتماعياً. إذ يطلق القليل من الحظ الجيد ردود أفعال تسلسلية تنتهي بانتهاج سلوكيات محفوفة بمخاطر أكبر.