كيف تجعل إعلانك ينتشر بسرعة كبيرة جداً ويؤثر في الآخرين؟

6 دقائق
انتشار الإعلان على نطاق واسع

ملخص: في كل عام، عندما يتواجه فريقا كرة القدم في أهم مسابقة رياضية في البلاد، يتنافس خبراء التسويق للفوز بسباقهم الخاص، ويستثمرون ملايين الدولارات في الإعلانات التي ستبث في واحدة من أهم ليالي التلفاز. لكن ماذا يتطلب صنع إعلان جذاب يختاره المشاهدون لمشاركته والمساهمة في انتشار الإعلان على نطاق واسع؟

 

من أجل الإجابة عن هذا السؤال، أجرى المؤلف دراسة باستخدام تقنية التعرف الآلي على الوجه من أجل تتبع ردود أفعال الناس عند مشاهدة الإعلانات والتعرف على العواطف التي تترافق مع نسب المشاركة الأعلى. توصلت الدراسة إلى أنه على الرغم من أن بعض العواطف الإيجابية زادت احتمالات أن يشارك المشاهد مقطع الفيديو مع الآخرين، فإن العواطف السلبية مثل الاشمئزاز ارتبطت أيضاً بزيادة احتمالات المشاركة. وفيما يتعلق بجذب المشاهدين، ليست إثارة العواطف هي ما يهم فحسب، بل إثارة العواطف المنشطة التي تدفع المشاهد للقيام بنشاط ما، وهي إيجابية أو سلبية.

وبناء على هذا البحث، يقول المؤلف إنه يجب على خبراء التسويق السعي لتطوير محتوى محسن خصيصاً لإثارة هذه العواطف المنشطة، بالإضافة إلى أن عليهم التفكير مع خبراء التحليل في تطبيق منهجية مماثلة للمنهجية المتبعة في الدراسة من أجل التوصل إلى فهم أفضل للمشاعر التي يثيرها محتوى إعلاناتهم لدى المشاهدين.

هذا العام يشاهد أكثر من 180 مليون مستهلك مباراة نهائي بطولة كرة القدم الأميركية "السوبر بول" على التلفاز، ما يجعلها ليلة مهمة للإعلانات كما هي بالنسبة لكرة القدم. إذ ستنفق العلامات التجارية ملايين الدولارات كي يتم بث إعلاناتها القصيرة التي تستمر 30 ثانية فقط مرة واحدة في أثناء هذه المناسبة، على أمل إنشاء محتوى يلقى قبولاً حسناً عند المشاهدين ويحقق انتشاراً سريعاً واسع النطاق، لينضم إلى مجموعة الإعلانات عالية الأداء التي تزيد مشاهداتها على وسائل التواصل الاجتماعي عن ضعف مشاهداتها على التلفاز.

انتشار الإعلان على نطاق واسع ليس بالأمر السهل بطبيعة الحال. ما الفرق بين الإعلان النموذجي ومقطع الفيديو المقنع والممتع لدرجة تدفع المشاهدين لمشاركته مراراً وتكراراً؟

لمعرفة الإجابة، أجريت مع الباحث في شركة "مايكروسوفت"، دانييل ماكداف دراسة باستخدام تقنية التعرف الآلي على الوجه من أجل تحليل طرق تفاعل الناس مع أنواع مختلفة من الإعلانات. وعرضنا على المشاركين إعلانات على شكل مقاطع فيديو لمنتجات متنوعة، كمستحضرات التجميل ومنتجات رعاية الحيوانات والحلوى والمناديل الورقية صديقة البيئة، وسألناهم عن احتمال مشاركتهم لكل إعلان. وفي أثناء مشاهدتهم لكل مقطع، استخدمنا كاميرات أجهزتهم المتصلة بالإنترنت، بعد أخذ موافقتهم، من أجل تتبع تعابير وجوههم، ثم عملت خوارزمية تعلم الآلة الخاضعة للمراقبة بتصنيف تعابيرهم إلى عدد من العواطف.

كان لهذه المنهجية الجديدة بعض المزايا الرئيسية. أولاً، في حين تستدعي تقنية التعرف على الوجه التقليدية عموماً حضور الشخص إلى المختبر لاستخدام أجهزة متخصصة ومكلفة، أتاح أسلوبنا للمشاركين استخدام كاميرات أجهزتهم المتصلة بالإنترنت والمتوفرة في منازلهم بالفعل (حيث دخلوا إلى الموقع الذي يضم مقاطع الفيديو من خلال رابط أرسلناه إليهم في رسالة إلكترونية، وملؤوا استمارة موافقة لمنحنا الإذن بالتسجيل عن طريق كاميرات أجهزتهم، وأجابوا عن بعض الأسئلة في استبانة قصيرة بعد مشاهدة كل إعلان). أتاح هذا الأسلوب مشاركة عدد من الأشخاص أكبر من العدد الذي تسمح به التجارب التي تجرى بالأساليب القياسية، وأدى إلى مرور المشاركين بتجربة صادقة وهم في منازلهم عند مشاهدة الإعلانات.

أضف إلى ذلك أنه بدلاً من اضطرار الباحثين لمشاهدة تسجيلات وجوه المشاركين بأنفسهم وتسمية التعابير الظاهرة عليها، استفدنا من تعلم الآلة لتكون العملية برمتها آلية. صممنا نظاماً مخصصاً لتحري تعابير الوجه بناء على الحركة في ملامح الوجه الرئيسة، كالابتسامات والأخاديد بين الحاجبين وما إلى ذلك، ودربنا النموذج على مجموعة من الأمثلة التي تمت تسميتها مسبقاً من أجل معرفة عدد مرات ظهور العواطف المختلفة على وجه كل مشارك في أثناء مشاهدة مقاطع الفيديو. تمكنا بهذه الطريقة من اختبار مئات مقاطع الفيديو على أكثر من 2,000 مشارك من جميع أنحاء العالم، وكانت هذه العينة أكبر حجماً وضمت مشاركين من مناطق جغرافية أكثر تنوعاً مقارنة بالعينات في الدراسات المماثلة.

ما الذي توصلنا إليه؟ من غير المفاجئ أن ردود الفعل العاطفية كان لها أثر كبير في دفع المشاركين لمشاركة الإعلان، لكن لم تكن طريقة تأثير العواطف في عدد مشاركات الإعلان واضحة دائماً.

فمن المتوقع أن يشارك المشاهد الإعلان الذي يثير لديه مشاعر جميلة، ولا يشارك الذي يُشعره بالسوء. وهذا التوقع الحدسي صحيح إلى حدّ ما، ففي دراستنا، كانت احتمالات مشاركة الإعلانات التي يبدو أنها تثير عواطف إيجابية، مثل الفرح، كبيرة، في حين كانت احتمالات الإعلانات التي يبدو أنها تثير عواطف سلبية، مثل الحزن أو الارتباك، متدنية.

لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك، وعلى الرغم من أن بعض العواطف السلبية، مثل الحزن، أدت إلى انخفاض عدد المشاركات، فالإعلانات التي أثارت عواطف سلبية أخرى، مثل الاشمئزاز، أدت إلى ارتفاع بسيط في عدد المشاركات. لماذا؟ السبب هو أن العواطف أكثر تعقيداً من مجرد "سعادة" و"حزن".

وإلى جانب منح شعور جيد أو شعور سيئ، تتميز العواطف بمدى قدرتها على التنشيط، أو إثارة ما يسمى "التيقظ الفيزيولوجي". إذ إن بعض المشاعر قادرة على تحفيزنا، سواء كانت إيجابية أو سلبية. عندما نصادف ثعباناً في أثناء المشي في الغابة مثلاً، أو عندما نشتبك في عراك، يتخذ الجسم وضع التنبه الشديد، فتزداد ضربات القلب ويتسارع النبض ونصبح مستعدين للعمل. وينطبق الأمر نفسه على بعض المشاعر الإيجابية، فعندما يسجل فريقنا الرياضي المفضل هدفاً في الثواني الأخيرة من المباراة، أو نكتشف أننا حصلنا على ترقية، لا يسعنا إلا أن نشعر بحماس كبير.

البعض الآخر من المشاعر يهدئنا. فعندما تذهب إلى الشاطئ أو تشاهد غروب الشمس مثلاً، ستشعر بالرضا، لكن شعورك هذا لن يحفزك للقيام بفعل ما. وكذلك الأمر، قد يجعلنا الغضب نرغب في الصراخ في وجه أحد ما أو القيام بفعل ما، في حين أن العواطف السلبية الأقل تنشيطاً، كالحزن، تجعلنا نرغب بالانعزال وعدم فعل أي شيء.

أظهر بحث أجريته سابقاً أنه كلما ازدادت قدرة التجربة على تهييج العواطف ازداد احتمال مشاركتها مع الآخرين. وكانت نتائجنا متوافقة مع ما يلي: أدى تهييج العواطف الإيجابية المنشطة إلى زيادة احتمال وصول مقطع الفيديو إلى أكبر نسبة مشاركة، لكن الإعلان الذي هيّج عواطف سلبية منشطة (كالاشمئزاز)، أدى إلى ازدياد رغبة المشاهدين في مشاركته أيضاً على الرغم من أنه لم يمنحهم شعوراً جيداً. وعلى العكس، أدت العواطف الأقل قدرة على التنشيط (كالحزن) إلى انخفاض احتمال مشاركة المشاهد للإعلان.

"الشعور الجيد" ليس جيداً بما يكفي

توقع هذه النتائج عدة آثار يجب على خبراء التسويق الانتباه لها. أولاً، لا يكفي أن تمنح المشاهدين شعوراً جيداً تجاه علامتك التجارية. في كثير من الأحيان يعتقد خبراء إنشاء محتوى الإعلانات أنهم إذا تمكنوا من منح الزبائن شعوراً إيجابياً تجاه منتجاتهم أو خدماتهم أو علاماتهم التجارية فسيشارك الناس هذه المنتجات مع أصدقائهم. ولكن كما تظهر نتائجنا، فإن كلمة "الشعور الجيد" ليست كافية، وإنما يجب عليك تحفيز زبائنك. إذا كنت متمسكاً بالعواطف الإيجابية، فما عليك إلا تجاوز الشعور بالرضا وإنشاء محتوى يثير حماس زبائنك ويلهمهم ويسعدهم، أي أن تهيج العواطف المنشطة.

"السيئ" ليس سيئاً دائماً

ثانياً، على الرغم من نزعتنا للابتعاد عن العواطف السلبية، فتهييج العواطف السلبية ليس بالفكرة السيئة. قد نفترض أنه إذا أثار الإعلان اشمئزاز المشاهدين مثلاً، فلن يشاركوه مع أصدقائهم. لكن إذا ما أحسنا استخدام العواطف السلبية فستكون طريقة قوية لجذب الزبائن.

خذ مثلاً الإعلانات التي تغضب المشاهدين عن طريق توضيح الظلم، أو التي توترهم أو تثير اشمئزازهم عن طريق وصف المخاطر الصحية الناجمة عن مرض ما، فهي قادرة على تحفيز استجابتهم المتمثلة بمشاركة المعلومات مع الآخرين، وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، رأينا جيداً مدى قوة المعلومات المضللة التي تثير الخوف والغضب، لكن يمكن تسخير هذه العواطف لأهداف خيرة أيضاً. من ناحية أخرى، كان أحد أنجح الإعلانات في عام 2020 هو إعلان شركة "داش لين" (Dashlane) لتطبيق "باسوورد بارادايس"، الذي يساوي بين شعور الاستياء جراء فقدان كلمة مرور لحساب مهم وشعور من يجد نفسه محتجزاً في الجحيم الذي وصفه دانتي في "الكوميديا الإلهية".

جرب ذلك في المنزل

ثالثاً، في حين قمنا بتحليل إعلانات مجموعة متنوعة من القطاعات من أجل استكشاف الرابط العام بين ردود الفعل العاطفية ونسب المشاركة، يمكن لخبراء التسويق والمحللين تبني منهجيتنا من أجل اكتساب رؤى ثاقبة حول ردود الفعل تجاه محتوى إعلاناتهم تحديداً. بالطبع، يمكن أن تكون الطرق التقليدية المتبعة في دراسة السوق، مثل استطلاعات الآراء والمجموعات المركزة، فعالة في بعض الحالات، لكن ثمة قيود مهمة تحدّ من فاعليتها.

أولاً، سؤال المشاركين ببساطة عن شعورهم تجاه إعلان ما لا يضمن الحصول على معلومات دقيقة، فقد يكون المشترك متحيزاً أو لا يشعر بالراحة حيال عواطفه، أو ربما لا يستطيع وصف شعوره بوضوح. أضف إلى ذلك أن ردود فعل المجموعات المركزة قد تتشكل بناء على التأثير الاجتماعي، ما يزيد التأثير على إمكانية الوثوق بها. إلى جانب أن هذه الأدوات القياسية تحتاج إلى كثير من العمل الشخصي اليدوي، وهذا يعني أن استخدامها لإجراء دراسة على عينة كبيرة بما يكفي سيكون مكلفاً جداً. في المقابل، يمكن أن يستعين خبراء التسويق بتقنية التعرف الآلي على الوجه باستخدام كاميرات الأجهزة المتصلة بالإنترنت في المنازل من أجل قياس ردود فعل المستهلكين بطريقة فعالة وغير مزعجة ويمكن تطبيقها على عينة كبيرة بسهولة.

ومع ذلك، ثمة قيود تحدّ من فاعلية هذه الأدوات بالتأكيد، إذ وثق الباحثون التحيزات العرقية والثقافية في برامج التعرف على الوجه، ومن الممكن أن تتسبب هذه التحيزات بصعوبة في قياس استجابات قاعدة متنوعة من المستهلكين على نحو دقيق وأخلاقي. أضف إلى ذلك أنه بغضّ النظر عن الاختلافات الثقافية الواسعة، فإن ارتباط تعابير الوجه بالعواطف يختلف بدرجة كبيرة وغير متوقعة من شخص إلى آخر. مثلاً، قد يبدي بعض الأشخاص تعابير قوية على وجوههم أكثر من غيرهم، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن تعابيرهم هذه تعكس حالة عاطفية حقيقية.

تركز منهجيتنا على تمييز تعابير الوجه، كي لا تقع فريسة لبعض مزالق الأنظمة التي تحاول استخدام تقنيات مماثلة من أجل تمييز وجوه محددة. ومع ذلك، من الضرورة بمكان التنبه لهذه المشكلات المحتملة. وكما هو الحال مع أي تقنية، فإن الأدوات التي تستنتج الحالة العاطفية من تعابير الوجه ليست مثالية، لكن عندما يدرك خبراء التسويق والباحثون مواطن قصورها فسيجدون أنفسهم في موقع جيد يتيح لهم اغتنامها لتحقيق أهداف خيرة، واكتساب الرؤى الثاقبة التي تمنحهم القوة لتقديم محتوى يوقع أكبر أثر ممكن ويضمن انتشار الإعلان على نطاق واسع.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي