يغادر قائدا قاعة أحد الاجتماعات. أحدهما أتم صفقة مهمة، ويهنئه الآخر على الفور. وبمجرد أن يكون المهنئ بعيداً عنه، يلتفت من أتم الصفقة إلى أحد زملائه ويقول: "لقد كان يشعر بالغيرة سابقاً، والآن يحاول التودد لي لأنه يريد أن يكون له نصيب من صفقتي. يريد أن يأخذ كل المجد لنفسه، ولكنني عملت بجد لأنجز ذلك. والآن يعلم كيف يجعل بقيتنا نشعر عندما يتباهى حول حياته المرهفة". فكيف يمكن منع الغيرة بين فريق العمل؟
شاهدت موقفاً مشابهاً في أحد مكاتب عملائي. في جملة واحدة، أحسّ من أتمّ الصفقة بغيرة المهنئ، وغار من النجاحات التي حققها ذلك المهنئ سابقاً. لكن إذا كان من أتمّ الصفقة صادقاً، ربما قال شيئاً من قبيل: "أشعر بالعجز أمامه، وأريده أن يشعر بنفس الشعور أيضاً. ولهذا السبب لا أريد أن يكون له نصيب مما فزت به للتو".
الغيرة بين فريق العمل
غالباً ما يتولد الشعور بالغيرة من مشاعر عميقة بالعجز. نغتاظ من الأشياء التي يمتلكها الأشخاص الذين نشعر أننا أقل منهم شأناً، أو بسبب ما نريده أو بسبب ما نشعر أننا نستحقه. كما نميل إلى كره أنفسنا بسبب امتلاك هذه المشاعر في المقام الأول. وفي محاولة لمحاربة مشاعرنا، نصنع مقارنات لإرضاء الذات. وعلى الرغم من الطبيعة البشرية، إلا أنّ القادة عندما يتصرفون بهذه الطريقة يخلقون ثقافة تجعل من وضع الآخرين أسفل منهم سلماً يصعدون به إلى الأعلى. يمكن لمثل هذه الثقافات أن تكون مدمرة بشكل كبير.
فحسب الباحثة برونا مارتينوزي، لا تؤثر الغيرة سلباً على ثقافة الشركة فحسب، بل إنها تضر بمعنويات الفريق، ما يؤدي إلى حالة انفصال لدى الموظفين. يمكن لمظاهر الشهرة الغريبة، مثل مساحة مكتب أو الاجتماعات التي يُدعى إليها الشخص، أن تتحول إلى رمز للمكانة وتخلق إحساساً بالجدارة أو عدم الثقة. وبمرور هذه الأمور دونما وعي، قد تدفع تلك المشاعر الناس على المشاركة في شجار غير عقلاني بسبب "عدم الإنصاف"، ما يحول الفروق التافهة إلى مسائل تتعلق بالعدالة الأساسية ("إذا سُمح لها بحضور الاجتماع السنوي في الخارج، فلماذا لم يُسمح لي؟").
هذا لا يصرف الانتباه بعيداً عن العمل الأهم فحسب، بل إنه يفشل في معالجة مشكلة عميقة: ماذا سيحدث عندما نعتمد في إحساسنا بالرفاهة على قدر ارتفاعنا عن الآخرين، أو تضييع الوقت في التأكد من عدم ارتفاعهم عنا. وبالتالي، فمن غير المفاجئ أنه كلما زادت قوة مشاعر الغيرة، يصبح الموظف أقل إخلاصاً وأقل إنتاجية.
وللخروج من هذه الدوامة، يجب على القادة استبدال حكاية المقارنة ("أستحق ما تمتلكه") برواية النيّة الحسنة ("أنا سعيد بما تمتلك وممتنّ لما أمتلك"). هذا ليس تحولاً سهلاً إطلاقاً. لكن الأشخاص الذين تقودهم لن يكونوا مشاركين بالكامل أو لن يكتشفوا إحساساً مرضياً بالهدف أبداً إذا لم تجعل القيام بذلك من الأولويات. يجب عليك إدراك سلوكياتك الخاصة التي تنمّ عن الحسد وأن تكبحها من أجل أن تنشئ ثقافة من الترابط والثقة والانفتاح.
منع الغيرة بين فريق العمل
وإليك ثلاث طرق للبدء في ذلك:
كن مثالاً يحتذي به الآخرون
معظم الناس ينظرون إلى الغيرة على أنها نوع من التفاهة وعدم النضج. عندما يُظهر ذلك طالب في المدرسة الثانوية، يمكن أن يكون الأمر صحيحاً. لكن عندما يكون قائد ما غيراناً، فهذا سام. وبالتالي، فمن المهم عدم التقليل من شأن الغيرة الكامنة لديك على أنها "عادة سيئة". إذا لم يجرِ الانتباه لها، فقد تتمخّض عن ثقافة ازدراء.
القادة الذين يمثلون سلوكيات الغيرة يعززون فكرة الفوز على حساب الآخرين في فِرقهم من خلال الإثبات للموظفين بأن لا مشكلة في التنافس للحصول على ما يريدون بأي ثمن. عندما تشجِّع هذا النوع من الثقافة، التي يثير فيها نجاح الآخر مشاعر الغيرة بدلاً من الدعم، فسينتهي الأمر بك مع مجموعة من الأشخاص الذين يقارنون أنفسهم باستمرار مع الآخرين. ونتيجة لذلك، يمكن أن يفضِّل الموظفون الفوز ضد فريقهم على الفوز مع فريقهم. وعلاوة على ذلك، فسيصعب عليهم إيجاد شعور دائم بالقناعة في وظائفهم وفي أن يشعروا بسعادة حقيقية إزاء الإنجازات الجماعية.
سيكون قولك "توقفوا عن الغيرة" في هذه الحالة أمراً سخيفاً. القيادة هي مسعى مكلف، وأحياناً تجبرك على امتلاك شعور سيئ تجاه نفسك والأشخاص الذين تقودهم. أخطاؤك عامة. وقراراتك يُساء فهمها. ومركزك يُحاول الآخرون الحصول عليه. لكن عندما تبدأ هذه الأشياء بتهديدك، ابذل قصارى جهدك في عدم اللجوء إلى مقارنات غير صحية. التقط أنفاسك وتحدث إلى حليف موثوق يمكنه مساعدتك في تصحيح طريقة تفكيرك. وسواء كنت تشعر بالغيرة أو على الطرف المستقبل لها، فإنّ التحدث إلى شخص ما عن ذلك سيسمح لك بتكوين فكرة موضوعية عن الوضع، بتحييد وجهات النظر المشوهة التي تنتج من مقارنة غير صحية.
تعلّم الشعور بالرضا إزاء ما تملكه بالفعل وتقبل ما لا تملكه
كقائد، فإنك تمتلك تأثيراً أكبر مما ينبغي على الرفاهة العاطفية لفريقك. عندما تشعر بالغيرة، وتعجز عن معالجتها، وبدلاً من ذلك تثير مشاعر مشابهة لدى الآخرين، فقد تهدّئ غرورك للحظات، ولكنك ستدمر مع مرور الوقت الإعجاب الذي تسعى للحصول عليه وتضر بمعنويات الفريق.
يمكنك بدلاً من ذلك أن تختبر مصدر الغيرة، حيث يحاول الكثير من القادة بشكل غير إرادي الارتقاء بأنفسهم من خلال بث الغيرة في قلوب الآخرين (سواءً عن وعي أم دون وعي). يمكن أن تؤدي أشياء مثل الحديث بين تارة وأخرى عن سيارتك الفارهة الجديدة أو ذكر أسماء كبار التنفيذيين الذين قابلتهم أو التباهي بنجاح ابنك، إلى شعور بالنقص لدى الآخرين. وحتى السلوكيات التي تبدو داعمة، مثل إغداق أحد أفراد الفريق بعبارات المدح والثناء أمام أقرانه، يمكن أن تُستخدم كاستعراض للقوة، وتذكر الجميع بمن هو المدير.
ولتجنب هذا السلوك، تعرّف على مشاعر النقص لديك وعالجها في اللحظة التي تبدأ بها. وفي المرة المقبلة التي تشعر فيها أنك أقل من إنجازات الآخرين وامتيازاتهم، أعِد التركيز في نفسك بدلاً من الاستمرار في مقارنة غير صحية. حاول تحديد مصدر شعورك بالنقص من خلال طرح الأسئلة التالية:
- ما الذي يمتلكونه ويشعرني بأنني أقل منهم شأناً؟
- ما الفراغ الذي أعتقد أنّ امتلاك ذلك الشيء سيملأه؟
- ماذا أعتقد أنه سيحدث إذا لم أمتلكه؟
يمكنك تغيير هذه المشاعر المتكونة لديك بمجرد التعرف على جذورها. على سبيل المثال، قد تفترض أنّ زميلك القائد تم اختياره للعمل على مشروع ما لأنّ مديرك يعتقد أنه أكثر كفاءة منك، مع أنك لا تمتلك دليلاً تثبت به ذلك. بدلاً من البقاء في حالة من استياء، اذهب إلى المصدر واسأل مديرك. قد تجد أنّ افتراضاتك كانت خاطئة تماماً. الوصول إلى مصدر مشاعرك سيساعدك في تحويل تركيزك من شيء لا تستطيع السيطرة عليه (دوافع مديرك) إلى شيء يمكنك السيطرة عليه (تفسيرك لدوافع مديرك).
ستساعد هذه العملية من اختبار الذات في إخماد دافعك الأصلي للشعور بالغيرة أو إثارة هذه المشاعر. استبدل المشاعر بالامتنان. بدلاً من الحزن إزاء عدم حصولك على المشروع، هنئ زميلك وتمنّ له خيراً وقدِّم ما بوسعك من المساعدة. وبدلاً من التباهي بنجاحاتك، استخدمها لشراء وجبة عشاء لأعضاء الفريق الذين يعملون حتى وقت متأخر. سيساعدك تعلم تغيير السيناريو على إدارة إحساسك بالغيرة في حال حدث مثل هذا الموقف مستقبلاً.
قابل مشاعر الغيرة تجاهك باللطف، وليس بالمرارة
غالباً ما يُقابل القادة بمشاعر غيرة لا يرغبون بها. وما يبعد القادة بوضوح كبير عن زملائهم هو في أحوال كثيرة المركز الذي يأتي مع وظيفتهم. بعيون الآخرين، قد يبدو أنّ القادة يحصلون على "امتيازات" خاصة، بما فيها رواتب عالية وقدرة أكبر على إبداء الرأي في عملية اتخاذ القرارات المهمة. وهذا يعني أنه بغض النظر عن هوية القائد، ففي مرحلة أو أخرى سيشعر بغيرة لا يُحسد عليها من الآخرين، وستكون على الأرجح موجعة له.
يقول الكاتب مارك ستين في أحد أبحاثه إنه عندما يقارن موظفو إحدى المؤسسات أنفسهم أو ما يمتلكونه مع شخصية قائدهم وما يمتلكه، فإنّ ذلك يثير إحساساً بالدونيّة ورغبة في الهجوم والتدمير. وهذا صحيح على نحو خاص عندما يعتمد الشخص الغيور على القائد للتقدم.
كقائد، فقد تشعرك هذه المواقف بالعزلة وسوء الفهم. قد ترى الموظفين يغادرون عملهم مبكراً أو يخرجون في ساعات معينة مع أقرانهم، بينما تبقى أنت في المكتب مع كمية كبيرة من الرسائل بانتظارك على البريد الإلكتروني. وقد تشعر بمرارة أكبر تجاه التزاماتك مع سخرية من مرؤوسيك المباشرين، من قبيل: "هذا ما يُدفع لك كثيراً لأجله"، كما تشعر باستياء من أولئك الذين يتمتعون بحرية لا تحصل عليها، والذي لا يرون العبء الذي يقع على عاتقك.
لكن عليك تذكر أنّ جزءاً من وظيفتك يتمثل في أن تبقى موضوعياً، وعندما تتسبب في شعور بالغيرة لديك أو لدى من تقودهم، فأنت مسؤول عن مساعدتهم في تجاوز مشاعرك. لا تلُمهم على عدم قدرتهم على تقدير متطلبات وظيفتك بالكامل، أو إساءة فهم "مدى استمتاعك بالأمر". وبدلاً من لك، اجعلهم يتعاطفون معك من خلال إظهار بعض الضعف. لا بأس في إعطائهم لمحة عن المتطلبات التي تتعامل معا، طالما أنك تحافظ على حدود صحية بين المدير والموظفين. كن منفتحاً إزاء التحديات التي تواجهها دون تذمر أو إظهار مشاعر قوية. على سبيل المثال، قد تقوم بتصفية الأجواء خلال أوقات التوتر من خلال القول: "أحتاج إلى أن تصبروا عليّ خلال الأسابيع القليلة المقبلة بينما أتجهز لتقديم عرض إيضاحي أمام مجلس الإدارة. أنا قلق إلى حد ما إزاء ذلك، لذا ربما لا أكون متوفراً كالعادة". انفتاحك وليس تذمرك هو ما سيساعد فريقك على التعاطف معك.
ما يجعل الغيرة مدمرة جداً هي الطريقة الماكرة التي اعتدناها. سواء كنا نحسد صور عطلة المدير على إنستغرام، أم نجمّل خططنا لعطلة يوم الجمعة مع أقراننا، فإنّ قلة من أجهزة القياس تمتلك قوة تدميرية أكبر من تلك التي نستخدمها لمقارنة أنفسنا بالآخرين. وبمجرد أن يبدأ الموظفون بالاعتماد على هذا المقياس لتحديد قيمتهم الخاصة، فإنّ مصالحهم الشخصية وحمايتهم لأنفسهم تضيق الخناق على صفات الكرم والتواضع والقدرة على التحمل. إذا أردت إدارة فريق من الموظفين القادرين على دعم أحدهما الآخر والاعتراف بأخطائهم الخاصة وطلب المساعدة والمثابرة خلال الانتكاسات ومنع الغيرة بين فريق العمل، فالتزم ببناء ثقافة دعم ونيّة طيبة. ذلك سيترك للموظفين مجالاً لمقارنة أنفسهم بأهدافهم الخاصة فحسب، والأكثر من ذلك أنه سيمكنك من مساعدتهم في تحقيق هذه الأهداف.
اقرأ أيضاً: