ملخص: عندما تدخل الشركات المتعددة الجنسيات أسواقاً جديدة، فعليها تحديد طريقة التعامل مع القوانين المحلية الرسمية وغير الرسمية التي قد تختلف من دولة لأخرى اختلافاً كبيراً. في الواقع، تُعد الأنظمة والقوانين المحلية مهمة، وعدم مراعاتها يعرّض المسؤولين التنفيذيين في المقرات الرئيسية لمخاطر جدية. من جهة أخرى، قد يهدد التكيّف المستمر مع الممارسات المحلية قدرة الشركة على دمج عملياتها في الأسواق. توصّلت دراسة أجراها باحثون على 5 شركات اسكندنافية ناجحة عالمياً إلى 6 أساليب يمكن للشركات اتباعها للتعامل مع القوانين المحلية والحفاظ على ميزتها التنافسية في الوقت نفسه، وهي التجنّب والتغيير والتكيّف والتقليد والتأثير والابتكار.
تنجح الشركات المتعددة الجنسيات الباحثة عن فرص النمو في اغتنام تلك الفرص بالفعل عند توسعها في دول جديدة غالباً. تناولت البحوث السابقة العوائق التي تواجه الشركات الأجنبية عند ممارسة أعمالها التجارية في أسواق جديدة، والتي تسمى مسؤولية الاغتراب (Liability of Foreignness)، وغالباً ما تتلقى الشركات نصائح بالتكيّف مع القوانين المحلية للتغلب عليها. لكن تكييف استراتيجياتها وممارساتها لتتناسب مع الأسواق المحلية يعرضها لخطر فقدان ميزة أساسية تعتمد عليها في التوسع الدولي والتفوق على المنافسين المحليين، وهي دمج عملياتها في الأسواق.
على الرغم من أن هذه المفاضلة هي معضلة معروفة تعانيها الشركات الدولية، فلا معلومات كافية عن الأساليب البديلة. ما هي الطرق الأخرى التي تعتمدها الشركات المتعددة الجنسيات للتعامل مع القوانين والأنظمة المحلية بصورة استباقية؟
أجرينا دراسات متعمقة حول كيفية تحقيق 5 شركات اسكندنافية نجاحاً عالمياً في 5 أسواق دولية لفهم تلك الطرق البديلة. وعقدنا مقابلات شخصية مع 92 مديراً عاملاً في المقرات الرئيسية للشركات وفروعها العالمية، وحلّلنا أكثر من 400 وثيقة لفهم كيفية تعامل هذه الشركات مع القوانين الرسمية (مثل القوانين والتشريعات التي تحددها الحكومات أو جمعيات القطاع) والقوانين غير الرسمية (مثل العادات والمعايير والمعتقدات) التي تكون غير واضحة غالباً لكنها تؤدي إما إلى نجاح الابتكار نجاحاً كبيراً وإما إلى فشله فشلاً ذريعاً، والتي تختلف من سوق لأخرى اختلافاً كبيراً.
وحددنا 6 أساليب وسطية بين التوحيد القياسي العالمي ودمج العمليات وتكييفها محلياً:
التجنب
استخدمت بعض الشركات في دراستنا أسلوب التجاهل أو تجاوز القوانين المحلية ومواصلة تنفيذ عملياتها التجارية المعتادة. وتعتمد الشركات هذا الأسلوب الشائع في الحالات التي تكون فيها قوانين البلد المضيف غير واضحة، مستغلة بذلك مكانتها بصفتها كياناً أجنبياً.
لنتأمّل مثلاً الشركة السويدية الرائدة في تكنولوجيا أحزمة الأمان، أوتوليف (Autoliv)؛ عندما طرحت منتج وسائد الهواء في السوق الأميركية، أتاحت لها مكانتها بصفتها كياناً خارجياً تحدي الأعراف والممارسات والمنتجات المحلية، وأثار طرح ذلك المنتج جدلاً واسعاً بين شركات صناعة السيارات آنذاك.
كانت شركة أوتوليف تورّد أنظمة السلامة لسيارات شركة فولفو منذ عقود، لكن علاقاتها مع قطاع صناعة السيارات الأميركي كانت ضعيفة. من ناحية أخرى، كانت الشركات المحلية تلتزم بالأعراف السائدة التي تعارض استخدام وسائد الهواء التزاماً شديداً، وهو ما منعها من اتخاذ خطوات مبتكرة، وأتاح لشركة أوتوليف استغلال الوضع السائد، ما جعلها الشركة الرائدة عالمياً في أنظمة سلامة الركّاب.
التغيير
تكرر بعض الشركات التعديلات المطبقة في أسواق أخرى ذات قوانين محلية مشابهة، وتستخدم هذا الأسلوب عندما تكون النزاعات المتعلقة بالقوانين المحلية غير صارمة، وعندما تكون قادرة على التضحية ببعض عناصر الكفاءة في عملية الدمج.
استخدمت الشركة السويدية العالمية لتصنيع الشاحنات الثقيلة، فولفو ترَكس (Volvo Trucks) هذا الأسلوب عندما ابتكرت منتجاً جديداً وطرحته في فرنسا، وهو ناقل الحركة اليدوي الأوتوماتيكي. بعد أن طرحت الشركة هذه التكنولوجيا في ألمانيا سابقاً، تعلمت كيفية تعديل العمليات التجارية الأصلية بهدف اختراق السوق والانتشار على نطاق أوسع. وبالتالي، لم تُجرِ شركة فولفو إلا تعديلات بسيطة على ناقل الحركة ليتوافق مع السوق الفرنسية، مثل تحسين البرمجيات لتناسب ظروف الطرق المحلية.
التكيّف
تُعد استراتيجية التكيّف من الاستراتيجيات الشائعة، حيث تلتزم الشركات المتعددة الجنسيات بأعراف وتوقعات البلد المضيف بدقة. إن عملية التكيّف لا تعني بالضرورة فقدان الميزة التنافسية، بل يمكن للشركات المتعددة الجنسيات الاستفادة أحياناً من مزايا كبيرة نتيجة التكيّف مع الأعراف المحلية. وتستخدم الشركات هذه الاستراتيجية في البيئات التي تشهد تعقيدات كبيرة بسبب القوانين والعادات المحلية، وعند وجود توقعات ومعايير سلوكية واضحة في السوق.
واجهت الشركة النرويجية الرائدة عالمياً في آلات إعادة التدوير التي تعتمد على المستهلكين، تومرا (Tomra)، قيوداً كبيرة عند محاولتها إدخال آلات إعادة التدوير إلى السوق الأميركية. كانت الجهات الفاعلة المحلية في القطاع، مثل شركات المشروبات وشركات التعبئة ومجمعات النفايات، تشكّ في إمكانية تغيير أنظمة إعادة التدوير وإجراءاتها القائمة. وكانت عملية جمع الزجاجات تُعتبر عملاً قذراً ومصدر دخل للفئات المهمشة، حتى مع زيادة الوعي بقضايا البيئة. وللتكيف مع الأعراف المحلية، ركزت شركة تومرا على التوسع في الولايات القليلة التي وضعت قوانين تدعم إعادة تدوير الزجاجات، والولايات التي تدرس هذا القانون بالفعل، مثل نظام الودائع القانونية المفروضة على حاويات المشروبات، ثم وسعت أنشطتها في أنحاء الولايات المتحدة جميعها لاحقاً.
التقليد
يُعد التقليد أسلوباً مناسباً في البلدان التي لا تضطر فيها الشركات إلى الامتثال للقوانين المحلية كلياً أو جزئياً. يتيح هذا الأسلوب للشركات تعزيز عمليات الدمج التجارية من خلال دخول الأسواق التي تتناسب مع ممارساتها بالفعل؛ إذ تعتمد استراتيجية التنسيق مع المقرات الرئيسية، عبر الموظفين المغتربين غالباً، لضمان عدم انحراف العمليات عن المعايير المؤسسية.
عمدت الشركة السويدية العالمية المتخصصة في تصنيع معدات إنتاج الحليب ومنتجات الألبان، ديلافال (DeLaval)، إلى استخدام هذه الاستراتيجية عند دخولها السوق الفرنسية من خلال طرح نظام التحليل الأوتوماتيكي للحليب، مستفيدة من وجود قوانين محلية تدعم كامل ممارساتها التجارية، من استخدام الهرمونات إلى تحقيق التوازن بين العمل والحياة، ما أتاح لها تكرار نهجها في أسواق دولية أخرى دون الحاجة إلى إجراء تغييرات كبيرة؛ فدخلت الشركة إلى السوق تحت إشراف المقر الرئيسي، في حين أسندت مهمة التنفيذ الفعلي لفرعها المحلي.
التأثير
تلجأ الشركات إلى التأثير عندما تحتاج إلى تعديل القوانين الحالية بما يتناسب مع احتياجاتها، على سبيل المثال، من خلال إقناع المشرّعين وجمعيات القطاع المحلية بتعديل النقاشات بصورة طفيفة لتتماشى مع أهدافها المؤسسية.
استخدمت شركة فولفو ترَكس هذا الأسلوب عندما طرحت نظام الناقل اليدوي الأوتوماتيكي الجديد في الولايات المتحدة، إذ إنها كانت ترغب في كسب حقوق ملكية هذا العنصر مثلما فعلت في أسواقها بأوروبا، لكن طموحها ذلك واجه عقبة في السوق الأميركية لتمتع مالكي الأساطيل هناك بحرّية اختيار مكونات المركبات من شركات تصنيع مختلفة ودمجها في مركباتهم.
بذلت شركة فولفو جهداً كبيراً لتحدي هذه المعتقدات والأعراف الصارمة وتغييرها تدريجياً بين مالكي الأساطيل والموزعين وغيرهم من الجهات الفاعلة في القطاع، داعية الأطراف المعنية إلى جلسات نقاش استمرت لأيام، ومنظّمة عروضاً عامة شملت تجارب قيادة لمقارنة ناقل الحركة الجديد بالبدائل. ولم تقتصر جهود شركة فولفو على التسويق التقليدي لمنتجها الجديد فحسب، بل عملت على استهداف جهات فاعلة مكملة لجهودها ومؤثرة في قطاع الشاحنات أيضاً، مثل الصحفيين المتخصصين في السيارات، بدلاً من استهداف العملاء النهائيين. وحققت هذه التكنولوجيا نجاحاً باهراً مماثلاً لنجاحها في السوق الأوروبية، ودمجتها الشركات في شاحناتها جميعها.
الابتكار
يشير هذا الأسلوب إلى بذل الشركة المتعددة الجنسيات جهداً كبيراً لفهم البيئة المحلية والعمل على الاستفادة من القوانين الرسمية وغير الرسمية وتحقيق توافق أفضل مع الأساليب المحلية في ممارسة الأعمال التجارية. قد تتطلب هذه العملية بذل جهود شاقة للتعاون مع صنّاع السياسات والمؤسسات غير الحكومية وأصحاب المصالح المحليين الآخرين بهدف تحسين الأنظمة أو المفاهيم في المجتمع الأوسع وتغييرها بصورة جذرية.
على سبيل المثال، عندما دخلت شركة إريكسون (Ericsson) أسواق الاتصالات في جنوب شرق آسيا في منتصف وأواخر التسعينيات من القرن العشرين، واجهت لوائح قانونية تسمح للجيش فقط باستخدام الاتصالات المتنقلة. وللتغلب على هذه التحديات، ساعدت الشركة الحكومات المحلية على تطوير قوانين ومتطلبات فنية ومعايير قانونية للهواتف المحمولة بفضل خبرتها القيّمة في العمل مع الهيئات التنظيمية والسلطات عند إعداد هذه الأنظمة في الشرق الأوسط، والدول الاسكندنافية، ودول البر الأوروبي.
تنطوي نتائجنا وتحليلاتنا على العديد من الدروس للمدراء. فالأنظمة والقوانين المحلية مهمة، وعدم مراعاتها يعرّض المسؤولين التنفيذيين في المقرات الرئيسية لمخاطر جدية. ومن جهة أخرى، يجب على المقرات الرئيسية أن تتحلى بالثقة والشجاعة عند التعامل مع هذه القضايا المحلية. قد تبدو بيئة العمل المحلية غير متوافقة مع عمليات الشركة بداية، لكنها في الواقع ستقدم فرصاً جديدة لأي شركة رائدة إذا نجحت في إدارة القوانين المحلية.
توصلنا أيضاً إلى استنتاج مهم فيما يتعلق بالمهام المختلفة للمقرات الرئيسية والفروع، وهو أن الشركات تواجه نزاعاً غالباً بين الفروع الأجنبية التي قد توظف خبراء محليين يقاومون الابتكارات التي تتعارض مع القوانين المحلية، والمقرات الرئيسية التي تسعى إلى التوحيد القياسي العالمي متحدية الأنظمة المحلية. لكن التهرب من هذا النزاع ليس بالحل الصحيح، وذلك لوجود أساليب بديلة وسطية لا تتطلب سوى إدارة حكيمة للتوفيق بين وجهات نظر الفروع المحلية والمقر الرئيسي.
باختصار، يؤكد بحثنا قدرة الشركات المتعددة الجنسيات على إدارة الأنظمة والقوانين المحلية بفعالية في أثناء نشر ابتكاراتها في أنحاء العالم. قد يصعب تحديد الوقت والمكان المناسبين لاستخدام هذه الأساليب الستة، لكن الشركات الناجحة تمتلك بالفعل القدرة على التكيف باستمرار استجابة للقوانين الرسمية وغير الرسمية والتأثير فيها بفعالية.