تلقيتِ لتوّك عرضاً لراتب. ولأنك امرأة، فإنكِ تعرفين أن النساء في المتوسط يتقاضين رواتب أقل من الرجال، وأن امتناع النساء عن التفاوض يسهم في هذه التفرقة. فهل ينبغي لكِ التفاوض إذاً؟
قيل لكِ مراراً وتكراراً أن عليكِ التفاوض على عرض الراتب، وهذه النصيحة كما تعلمين لا تخصك وحدك. تؤكد استطلاعات الرأي التي تمت حديثاً أن 70% من المشاركين فيها يتعقدون أن على النساء التفاوض على رواتبهن بدرجة أكبر، و69% يميلون إلى تشجيع النساء لا الرجال على التفاوض.
ولكن بمراجعة الأبحاث السابقة، نجد أن هناك حالات ينبغي توخي الحذر فيها. إذ توضح الأبحاث أن طلب المزيد من المال لا ينجح دائماً إذا لم تكن النساء على علم بالمتوقع في المفاوضات، أو كانت هذه التوقعات غير واضحة. فالنساء في الواقع عرضةً -أكثر من الرجال- لوقوع نتيجة سلبيّة قد تضرّ بمستقبلهن العملي.
أنتِ من تحددين وضعك الحالي وتقررين أن هذه المخاوف لن تؤثر فيكِ. فإذا قررت التفاوض، فستتعاملين مع شخص من الموارد البشرية مُطالب بالحفاظ على سرية العملية، وعليه سيكون احتمال وقوع نتيجة سلبية محدوداً. سيتم التواصل بينك وبين ممثل الموارد البشرية عبر البريد الإلكتروني، ما سيرفع عنك ضغط المقابلة وجهاً لوجه. أنتِ ومسؤول الموارد البشرية على علم بالمهارات والخبرة التي ستقدمينها، وسيشجعك أصدقاؤك وأسرتك على "انتهاز الفرصة"، ويذكرون الرواتب العالية أو العلاوات التي حصلوا عليها بمجرد طلبها.
إلا أنكِ لا تشعرين أن عليكِ فعل ذلك، فتقررين عدم التفاوض قائلةً ليس الآن، وتتراجعين.
هل التراجع خطأ؟
إذا كنتِ مثل النساء المشاركات في دراستنا الأخيرة، فأنتِ محقة في الاستماع إلى حدسك عن الوقت المثالي للتفاوض. رأينا في التجارب التي أجريناها أن النساء يتسببن في ضرر مالي لهن عندما يتبعن التوصية العامة بطلب المزيد دائماً.
في دراستنا العملية، تفاوض "الموظفون" و"الشركات" عبر رسائل الدردشة بأسماء مجهولة لتقليل مخاطر وقوع نتيجة سلبية. فأسماء المتراسلين مجهولة ونوع المشاركين غير معروف. أنشأنا كذلك "قيمة سوقية" للموظفين حيث طلبنا منهم إتمام مجموعة من المهام، فعلم الموظفون والشركات كيفية أداء الموظفين وما يمكنهم تقديمه. وقد أجرينا هذه الدراسة بمنهجين: "التخيير"، وفيه عُرِضَ على الموظفين راتب مبدئي وعليهم اتخاذ قرار قبوله أو التفاوض على راتب آخر. والمنهج الثاني "الإجبار"، وبه تلقى الموظفون عرضاً براتب مبدئي لكننا طلبنا منهم التفاوض في جميع الأحوال. وكما هي الحال في المفاوضات على راتب حقيقي، فإن المفاوضات التي تفشل في الوصول إلى اتفاق تتسبب في تكلفة مادية لكل من الموظف والشركة.
وتأكيداً لنتائج البحث السابق، وجدنا في منهج التخيير أن احتمال دخول النساء في مفاوضات أقل من الرجال بنسبة 11%، وتزداد هذه الفجوة رغم حقيقة أن المتفاوضات يربحن دائماً من ذلك في معظم الأحوال.
لماذا إذاً لا تدخل النساء في مفاوضات أكثر؟
للإجابة عن هذا السؤال، علينا ملاحظة أن المشكلة لا تكمن في امتناع النساء عن التفاوض بشكل مطلق. الأمر في الحقيقة يعتمد على ظروف المفاوضة. فالنساء اللواتي يتلقين عرضاً مبدئياً أقل مما يقدمونه يرفضن الراتب ويدخلن في مفاوضات بنسبة 88%. أما الامتناع عن التفاوض، فلا يحدث إلا عندما يكون الراتب المبدئي المعروض مساوياً أو أكبر مما تقدمه المرأة. في هذه الحالة، نجد أن 44% فقط من السيدات يتفاوضن. فإذا كانت النساء يربحن بنسبة كبيرة من التفاوض، فإنهن على الأرجح لن يدخلن في مفاوضات عندما تكون رواتبهن مساوية لقيمتهن السوقية أو أعلى.
لكن ماذا سيحدث إذا أجبرنا النساء جميعاً على التفاوض ببساطة لأنهن عموماً يربحن من المفاوضات؟ للإجابة عن هذا السؤال، قارنا النتائج التي حققتها النساء عندما تجاهلن بعض المفاوضات (في منهج التخيير) بما حققنه عندما تفاوضن دائماً (في منهج الإجبار).
في جميع فرص التفاوض في منهج التخيير، وجدنا أن النساء يحصلن بنسبة 49% على راتب نهائي يفوق الراتب المعروض مبدئياً و9% يحصلن على راتب نهائي أقل من العرض المبدئي. أما نسبة 42% المتبقية من الحالات، فكان الراتب النهائي فيها مساوياً للراتب المبدئي، وكان هذا بشكل كبير بسبب النساء اللاتي يتجنب المفاوضات بنسبة 34% من الوقت.
كي نحدد ما إذا كان تجنب المفاوضات بنسبة 34% قراراً حكيماً من الناحية المادية، تفحصنا توزيع الرواتب التي تغيرت عندما أُجبرت النساء على التفاوض في جميع الأحوال. وجدنا أن رواتب النساء في المجمل انخفضت في الواقع عندما أجبرن على التفاوض دائماً. ولنكون أكثر دقة: في الحالات التي تجاوزت الرواتب النهائية الراتب المعروض مبدئياً، ارتفعت الرواتب عند إجبارهن على التفاوض بنفس النسبة التي ارتفعت بها عندما خيّرن بين المفاوضات وتجنبها (أي ارتفعت بنسبة 49%)؛ أما في الحالات التي انخفضت فيها الرواتب النهائية عن الراتب المبدئي، فقد ازداد معدل الانخفاض من 9% ليصبح 33%.
وبمقارنة هذين السيناريوهين، استنتجنا أن امتناع النساء عن التفاوض عندما كان لديهن الخيار، كان خياراً حكيماً على الصعيد المادي.
فهل يجب على النساء طلب المزيد؟
تعتبر دراستنا تذكيراً مهماً بمسألة الاختيار. فتجاهل اختيار من يدخل المفاوضات ومتى يدخلها يسمح بحدوث تعقيدات مضللة.
فمثلاً، استنتاج أن النساء اللواتي يدخلن في مفاوضات يربحن من ذلك لا يمكن تفسيره كإشارة إلى ضرورة دخول جميع النساء في مفاوضات دون النظر إلى ظروف هذه المفاوضات. وفقاً لبياناتنا، رفضت النساء دخول المفاوضات التي بدا لهن أن ظروفها ستكلفهن الكثير.
تشير نتائج دراستنا إلى أن التوصية العامة الشاملة لجميع النساء لطلب زيادة الراتب قد تؤدي إلى نتائج عكسية، والأفضل اتباع منهج أكثر اختلافاً. فإلى جانب تحسين مهارات التفاوض ومساعدة الأفراد في تقييم المهارات التي سيقدمونها، علينا الإقرار أنه حسب المهارات والظروف والسلبيات المحتملة فإن هناك بعض الحالات التي يكون من الأفضل فيها الامتناع عن التفاوض. وفي ضوء هذه التعقيدات ربما تكون السيدات أفضل من يقرر إذا كان عليهن التفاوض أم لا.