العمل مع أشخاص لا يتمتعون بالوعي الذاتي

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على الرغم من أنّ الوعي الذاتي – أي معرفة من نحن وكيف يرانا الآخرون – أمر مهم لأداء العمل والنجاح المهني وفعالية القيادة، تعاني هذه السمة من نقص واضح في أماكن العمل اليوم. وفي برنامجنا البحثي الذي استغرق ما يقرب من خمس سنوات وتناول هذا الموضوع، اكتشفنا أنّ 95% من الأشخاص يعتقدون أنهم يتمتعون بالوعي الذاتي، لكن على الرغم من ذلك تتراوح النسبة في الواقع بين 10 و15% فقط.

وفي محيط عملنا، لن نحتاج للبحث كثيراً حتى نجد العديد من الزملاء غير الواعين ذاتياً، أي أناس يظهرون افتقاراً تاماً إلى البصيرة في طريقة تعاملهم، على الرغم من النجاحات السابقة أو المؤهلات القوية أو الذكاء الذي يتمتعون به. ففي مسح أجريناه مع 467 من البالغين العاملين في الولايات المتحدة في العديد من القطاعات، أبلغ 99% عن عملهم مع شخص واحد على الأقل من هذا النوع، فيما عمل ما يقرب من نصفهم مع أربعة على الأقل. وكان النظراء (أي الموظفين الذين يعملون في وظائف متشابهة) هم الأكثر إدانة لبعضهم البعض (إذ أفاد 73% من المشاركين في المسح بوجود واحد على الأقل من النظراء من هذا النوع)، وتلاهم المرؤوسون المباشرون (33%)، والرؤساء (32%)، والعملاء (16%).

لا يعتبر الزملاء غير الواعين ذاتياً سبباً للإحباط فحسب، بل يمكنهم أيضاً أن يخفضوا فرص نجاح فريق ما إلى النصف. فوفق بحثنا، تشمل العواقب الأخرى للعمل مع زملاء لا يتمتعون بالوعي الذاتي زيادة التوتر وانخفاض الدوافع وزيادة احتمال ترك الوظيفة.

فكيف نتعامل إذاً مع هذه المواقف؟ هل يمكن مساعدة المفتقرين للوعي الذاتي على رؤية أنفسهم بشكل أوضح؟ وإذا لم نستطع ذلك، فما الذي يمكننا القيام به لتقليل أضرارهم على نجاحنا وسعادتنا؟

فهم المشكلة

لا يعاني جميع الزملاء الذين يتصرفون بشكل سيئ من نقص الوعي الذاتي، ولا يمكن مساعدة كل من يعاني من المشكلة. لذلك، يجب عليك أولاً تحديد ما إذا كان مصدر المشكلة هو حقاً نقص الوعي الذاتي لشخص ما. اسأل نفسك:

ماذا وراء التوتر؟

عندما نواجه مشكلة في العمل مع شخص ما، لا تكون المشكلة دائماً نقصاً في الوعي الذاتي من جانبه. ويمكن أن ينشأ الصراع بين الأفراد من أولويات مختلفة أو أنماط تواصل غير متوافقة أو عدم ثقة.

ولتحديد ما إذا كنت تتعامل حقاً مع شخص لا يتمتع بالوعي الذاتي، فكر في كيفية شعور الآخرين من حوله. عادة، إذا كان شخص ما غير واع ذاتياً، يتكون إجماع حول سلوكه (أي لن تلاحظ الأمر وحدك فقط). وبشكل أكثر تحديداً، وجدنا العديد من السلوكيات المتناسقة والتي تصدر من أفراد لا يتمتعون بالوعي الذاتي كالتالي:

  • لن يصغوا إلى رد فعل انتقادي أو يقبلوه.
  • لا يمكنهم أن يتعاطفوا مع الآخرين أو يتبنوا وجهة نظرهم.
  • يواجهون صعوبة في “قراءة الحاضرين” وتخصيص ما يريدون قوله وفق جمهورهم.
  • لديهم رأي مبالغ فيه بشأن مساهماتهم وأدائهم.
  • هم مؤذون للآخرين من دون أن يدركوا ذلك.
  • هم يعزون النجاحات إلى أنفسهم ويلقون تبعة الفشل على الآخرين.

من أين يأتي هذا الشخص؟

وعلى صعيد آخر من غير الواعين ذاتياً، توجد مشكلة أخرى حول بعض الزملاء ذوي المراس الصعب – مثل ثقلاء المكاتب – والذين يعرفون بالضبط ما يفعلونه، لكنهم غير مستعدين للتغيير.

لقد عرفت ذات مرة رئيس مسؤولي عمليات اشتهر بإهانة فريقه كلما خاب ظنه. وعندما ووجه أخيراً حول سلوكه، كان رده: “أفضل أداة للإدارة هي الخوف. إذا كانوا يخشونك، سينجزون العمل”. (ومن غير المفاجئ عدم مشاركة رؤسائه وجهات نظره وطردوه بعد عدة أشهر).

ويتمثل الفرق الأكبر بين غير الواعين ذاتياً والواعين غير المهتمين هو  نواياهم: فالأوائل يريدون بصدق أن يكونوا متعاونين وفعالين، لكنهم لا يعرفون أنهم لا يفعلون. وفيما يعترف الواعون لكن غير المهتمين بسلوكهم من دون أسف (عندما يقول الشخص منهم: “بالطبع أنا انتهازي مع العملاء. إنها الطريقة الوحيدة لإنجاح عملية البيع!”)، لا يمكن للذين لا يتمتعون بالوعي الذاتي رؤية مظهرهم (ورأيهم هو: “كان الاجتماع مع ذلك العميل جيداً!”).

مساعدة غير الواعين ذاتياً

بمجرد أن تقرر أنّ شخصاً ما يعاني من نقص الوعي الذاتي، فقد حان الوقت لتقيّم بصدق إمكانية مساعدته. فكر في نواياه وما إذا كان يريد التغيير. هل رأيته يسأل عن وجهة نظر مختلفة أو يرحب برد فعل نقدي؟ يشير هذا السلوك إلى أنه من الممكن مساعدته على أنْ يصبح أكثر وعياً بذاته.

لكن الاحتمالات يمكن أن تكون صعبة. لقد كشف المسح الذي أجريناه أنّ 70% من الأشخاص الذين لديهم زملاء غير واعين ذاتياً حاولوا مساعدة هؤلاء على التحسن، لكن على الرغم من ذلك حقق 31% منهم فقط نجاحاً أو نجاحاً كبيراً. ومن بين الذين قرروا عدم تقديم المساعدة، قال 21% فقط إنهم يأسفون لقرارهم. لذلك قبل أن تتدخل، اسأل نفسك:

هل أنا الوسيط المناسب؟

كان السبب الأول الذي قدمه المشاركون في المسح لعدم مساعدة شخص غير واع ذاتياً هو أنهم لم يروا أنفسهم الوسطاء المناسبين. عند مساعدة غير الواعين ذاتياً، صحيح أنّ تقديم ردود الفعل الجيدة والبناءة لا يجعلنا نقطع سوى جزء من الطريق. ولكي يكون الشخص منفتحاً فعلاً على ردود الفعل النقدية، يجب عليه أن يثق بنا وأن يؤمن بشكل أساسي أننا نضع مصالحه العليا في قلوبنا. وعندما تتوفر الثقة، سيشعر الشخص الآخر بمزيد من الراحة نظراً لأنه عرضة للخطر، وهو شرط أساسي لقبول السلوك غير الواعي ذاتياً لشخص ما.

لذلك فكر في العلاقة التي تربطك بزميلك غير الواعي ذاتياً: هل حاولت بجهد مساعدته أو مؤازرته في الماضي؟ وهل أنت واثق من أنه سيرى ردود فعلك على ما هي عليه، أي سيراها محاولة لمؤازرته ومساعدته على التحسن بدلاً من استنتاج دافع أكثر شناعة؟ أو هل هناك آخرون قد يكونون أكثر ملاءمة منك لتقديم ردود الفعل هذه؟

هل أنا على استعداد لقبول السيناريو الأسوأ؟

يتمثل السبب الثاني الأكثر شيوعاً الذي يجعل الناس يقررون عدم مساعدة غير الواعين ذاتياً في أنّ الخطر بكل بساطة مرتفع للغاية. وكما أشار أحد المشاركين في دراستنا، “قد لا أكون قادراً على المساعدة ومجرد المحاولة قد تغضبهم”. ويمكن أنْ تتراوح عواقب المساعدة غير المحسوبة بين عدم الراحة (الدموع، الرد الصامت، الصراخ) والتقييد المهني (قد يستقيل الموظف، وقد يحاول أحد الزملاء الإضرار بنا، وقد يطردنا المدير).

هنا، تشكل فروق السلطة عاملاً، فمثلاً على الرغم من أنّ الرؤساء غير الواعين ذاتياً يملكون أثراً ضاراً بشكل خاص على الرضا الوظيفي والأداء والرفاه لدى الموظفين، إلا أنّ مواجهة المرء لرئيسه تكون أكثر خطورة بسبب قوة الموقع التي يمتلكها الرئيس. وعلى العكس من ذلك، يكون الخطر عادة أقل مع النظراء، وأقل من ذلك مع المرؤوسين المباشرين (في الواقع، إذا كان لديك موظف غير واع ذاتياً، ستكون وظيفتك بالفعل أنْ تساعده). لكن بغض النظر عن الموقع الوظيفي لغير الواعين ذاتياً، يجب أنْ نكون مستعدين لقبول السيناريو الأسوأ إذا حدث.

إذا كنت تعتقد بأنك تستطيع المساعدة، فما هي أفضل طريقة للقيام بذلك؟ هناك بالتأكيد العديد من الموارد المفيدة في تقديم ردود فعل عالية الجودة، ومعظمها ينطبق على غير الواعين ذاتياً. ومع ذلك، هناك ثلاث ممارسات تستحق التأكيد مع هؤلاء الأفراد.

أولاً، تحدث إليهم شخصياً (يشير بحثنا إلى أنّ أولئك الذين يقدمون ردود الفعل عبر البريد الإلكتروني أقل نجاحاً بنسبة 33%). ثانياً، بدلاً من إظهار سلوكهم دون سابق إنذار، مارس الصبر الاستراتيجي. فإذا كان ذلك ممكناً، انتظر حتى يعبر زميلك عن مشاعر الإحباط أو عدم الرضا (المجهول من قبلهم) بسبب عدم وعيهم الذاتي. اسأل ما إذا كان بإمكانك تقديم ملاحظة انطلاقاً من روح نجاحهم ورفاهيتهم (لاحظ أنك تخاطر باستخدام كلمة “رد فعل” التي قد تثير موقفاً دفاعياً). ثالثاً، إذا وافقوا، ركز على سلوكهم المحدد والملاحظ، وكيف يحد من نجاحهم. وقم بإنهاء المحادثة من خلال التأكيد على مؤازرتك لهم وسؤالك إياهم كيف يمكنك تقديم المساعدة.

ماذا تفعل إذا لم يتغيروا؟

من السهل أنْ تشعر باليأس عندما لا تستطيع مساعدة شخص غير واع ذاتياً. لكن الخبر السار يتمثل في أننا نستطيع تقليل أثرهم علينا على الرغم من أننا لا نستطيع أنْ نفرض رؤيتنا عليهم.

إعادة صياغة سلوكهم بعناية: يمكن أنْ تكون الممارسة الشائعة في مكان العمل والمتمثلة في اليقظة الكاملة هي أداة فعالة للتعامل مع غير الواعين ذاتياً. وعلى وجه التحديد، تسمح لنا ملاحظة ما نشعر به في لحظة معينة بإعادة تأطير الموقف وأن نكون أكثر مرونة.

وثمة أداة واحدة يمكن النظر في إمكانية الاستعانة بها، لكن يجب ألا ننجذب إلى ردود فعل سلبية إزاء الذين لا يتمتعون بوعي ذاتي. طرحت للمرة الأولى فكرة “مقطع الضحك المسجل” عندما أتيحت لي فرصة العمل مع رئيس واع لكن غير مهتم. وفي أحد الأيام، بعد لقاء خاص غير سار، تذكرت برنامجي التلفزيوني المفضل في يفاعتي، وكان عبارة عن مسلسل كوميدي بطولة الممثلة ماري تايلر مور. كان رئيس ماري رجل عابس يدعى لو غرانت. في الأيام السعيدة، كان “لو” يستشيط غضباً؛ أما في الأيام العصيبة، فكان مؤذيا جداً. لكن لأن تعليقاته أعقبها ضحك مقصود من الجمهور، أصبحت تعليقاته محبوبة بشكل مثير للدهشة. وقررت أن أتخيل خلافاً للعادة تسجيلاً ضاحكاً في الخلفية في المرة المقبلة التي يقول فيها رئيسي شيئاً فظيعاً. وفوجئت في كثير من الأحيان بتقليل هذه الأداة من أذاه (وأحياناً زيادة طرافته).

ضع يديك على مواضع إنسانيتهم: من السهل أنْ ننسى أنّ أكثر الناس غير الواعين ذاتياً بيننا هم بشر أيضاً. وإذا تذكرنا ذلك، فبدلاً من الغضب عندما يتصرفون بشكل سيئ، يمكننا أنْ ندرك أنّ سلوكهم غير الواعي هو في جوهره علامة على أنهم يكافحون. ويمكننا تبني عقلية التعاطف من دون إطلاق الأحكام.

اكتشف الباحثون أنّ شحذ مهاراتنا في التعاطف يساعدنا على التزام الهدوء في مواجهة الأشخاص والمواقف الصعبة. وكما أوضحت أستاذة الإدارة، حورية جزائري، “هناك عواقب سلبية… عندما… نفكر بشكل سيئ في شخص ما”. التعاطف “يتيح لنا فرصة لأن نتركهم يبتعدون عنا”.

التحلي بالصبر: عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع غير الواعين ذاتياً، فإنّ أحد أهم الأشياء التي يجب تذكرها هو أنّ مجرد أنهم بهذا الشكل لا يعني أنهم لن يتغيروا في المستقبل. وفي بعض الأحيان، لا بدّ من الإشارة إلى سلوكيات غير واعية ذاتياً عدة مرات قبل أنْ تبدأ ردود الفعل، أو كما أشار أحد المشاركين في بحثنا، “في بعض الأحيان يضطرون لتجربة الفشل عدداً من المرات قبل أن يروا الحقيقة أخيراً”.

وفي بحثنا، درسنا الأشخاص الذين قاموا بتحسينات دراماتيكية وتحويلية في وعيهم الذاتي. وعلى الرغم من أنّ الأمر يتطلب الشجاعة والالتزام والتواضع، فإنّ الأمر ممكن. وسواء اختار الأشخاص من حولنا تحسين وعيهم الذاتي أم لا، تبقى لدينا سيطرة كاملة على خيار تحسين وعينا الذاتي (حاول أنْ تجد تقييماً سريعاً عالي المستوى للوعي الذاتي الخاص بك هنا). وفي نهاية المطاف، ربما يكون هذا هو المكان الأفضل الذي نبذل فيه طاقتنا.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .