الوظائف الهجينة تحتاج إلى تعليم هجين

3 دقائق

إنه ذلك الموعد السنوي الذي يتقدم فيه طلاب الجامعات إلى مقابلات من أجل الوظائف التي يأملون في شغلها بعد التخرج. ولكن بالإضافة إلى الوظائف المألوفة مثل مهندس أو مستشار أو محلل المالي، فإننا نشهد تزايد ظهور وظائف جديدة: تقني طب شرعي، راوي قصص رقمي، مدير أتمتة تسويق.

تخبرنا بيانات سوق العمل أن هذه الوظائف "الهجينة" آخذة في الارتفاع المتسارع. وفقاً لتقرير صادر عن شركة "بيرننغ غلاس" (Burning Glass) لتحليل القوى العاملة، أُعلن عن أكثر من ربع مليون وظيفة من هذا النوع بين أبريل/ نيسان 2014 ومارس/ آذار 2015. تحتاج هذه الوظائف – العديد منها في مجالات ذات رواتب عالية مثل تصميم تجربة المستخدم – إلى حزمة مهارات لا تُدرس عادة. على سبيل المثال، نمت الوظائف في مجال تطوير الأجهزة المحمولة، التي تجمع بين مهارات الهندسة والترميز وعلوم الكمبيوتر، بنسبة 135% منذ عام 2011.

ماذا يعني هذا للكليات والجامعات؟ إذا كانت الوظائف الجديدة الناشئة مهجنة بصورة متزايدة، فقد تحتاج برامج الدراسة إلى أن تصبح مهجنة أيضاً.

وهذا أمر تؤيده مناقشاتي مع أصحاب العمل في عدد من القطاعات. فبالإضافة إلى تأكيد النقص المعروف في المواهب في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، يقولون إن الموظفين المطلوبين أكثر من غيرهم هم الذين يمكنهم العمل في فرق معقدة والتفكير في أنظمة معقدة. يبحث أصحاب العمل عن محترف يستطيع قيادة فريق يضم، على سبيل المثال، مهندساً ومبرمجاً وعالم بيانات، ويفهم بشكل فعال جميع الأدوار المتميزة والتنسيق فيما بينها.

يجب أن يكون النوع الصحيح من التعليم لتنمية هذا النوع من قدرة "التفكير في النظم" واسعاً وعميقاً، لأن الخبرة في مجال واحد غير كافية. على سبيل المثال، كشف بيت مكيب، نائب رئيس قسم الخدمات العالمية بشركة "جنرل إلكتريك" للنقل، مؤخراً أن شركته بحاجة إلى مزيد من "لاعبي الظهير" أي، مفكري الأنظمة الذين يشرفون على فريق من المتخصصين لحل مشكلة شائعة. يقول: "أنا بحاجة إلى متخصصين يعرفون دقائق الأمور، وأنا مستعد لدفع ثمن باهظ لعشرة آخرين من هؤلاء".

وكذلك، تبين أندريا كوكس، من قسم هندسة الطيران بشركة "جنرال إلكتريك"، أن فرقهم يمكن أن تتألف من مئات المتخصصين، بدءاً من مهندسي المواد إلى المصممين، وكلهم يفكرون في عناصر مختلفة من تصميم محرك الطائرة. لكن عليهم جميعاً أن يفهموا المسعى الأوسع لإبقاء الطائرة في الجو، تقول كوكس: "يجب على مهندس التصميم أن يفهم كيف يعمل جزء معين، وأيضاً كيف يتناسب مع تصميم وحدته، ثم كيف تتناسب الوحدة مع محرك معين، وكيف يتناسب المحرك مع الطائرة".

من المؤكد أن الموظف العادي، في اقتصاد المستقبل، سوف يظل بحاجة إلى معرفة عميقة بمجال واحد أو أكثر. لكن كيف يمكن للكليات تدريس نطاق أوسع من تفكير الأنظمة لخريجي المستقبل؟ أعتقد أن الأمر يتطلب 3 عناصر أساسية: دراسة الموضوعات في أكثر من تخصص والتعلم القائم على المشاريع والفرص التجريبية. على سبيل المثال، في الجامعة التي أنا رئيسها، لا يدرس الطلاب المهتمون بالاستدامة العلوم البيئية فحسب. بل يدرسون أيضاً مساقات يطلّعون من خلالها على المفاهيم ذات الصلة في الهندسة والفيزياء والاقتصاد وتحليل البيانات والعلوم الصحية والتخطيط الحضري والقانون – أي على مجموعة التخصصات التي من المحتمل أن يواجهوها إذا عملوا على مشروعات الاستدامة في عالم الواقع.

علاوة على ذلك، فإن المساقات التي يدرسها الطلاب لا تتعامل مع هذه الموضوعات بمعزل عن بعضها البعض، بل تتميز بمشاريع عملية تتيح للطلاب فرصة وضع المعارف التي اكتسبوها في مجالات مختلفة موضع التطبيق – كأن يبنوا، على سبيل المثال، روبوتات "شبيهة بالأحياء" تتحرك مثل الكائنات البحرية ومجهزة بأجهزة استشعار يمكنها قياس التحولات في درجات حرارة المحيطات.

أخيراً، يمكن لفرص التعلم التجريبية، مثل التدريب الداخلي والتعاوني، أن تمنح الطلاب فرصة لتطبيق هذه التوليفة المعرفية في سياق ميداني، بكل الفروق الدقيقة والخصوصيات. على سبيل المثال، اختبرت إحدى طالباتنا مؤخراً ما تعلمته بالعمل في برنامج تعاوني مع هيئة قناة "بنما" – حيث قادت، من بين أمور أخرى، مشروعاً لتصميم أنظمة تجميع مياه الأمطار وتقدير تكلفتها لصالح المدارس الريفية داخل مستجمعات المياه في القناة. ألزمتها التجربة على دمج المفهومات من الهندسة والعلوم البيئية والاقتصاد وسوى ذلك، فجعلتها تغوص في كيفية عمل تفكير النظم في عالم الواقع.

في الواقع، قد يحتاج الطلاب أكثر من كل هذا إلى إتقان الوظائف ومجموعات المهارات التي ستميز اقتصادنا في المستقبل. ذلك لأنه إلى جانب ظهور الفِرق المعقدة في أماكن العمل، نشهد أيضاً ظهور بنية أنظمة معقدة في العالم من حولنا، أي أننا نشهد بروز العلاقة المعقدة على نحو متزايد بين الأجهزة والبرامج والإنسان. فقد أصبحت هواتفنا الذكية أكثر تطوراً من ذي قبل، وسنشهد قريباً على طرقاتنا سيارات بلا سائقين، وسنرى فجر إنترنت الأشياء.

في نهاية المطاف، سيدشن هذا العالم المترابط للغاية عصراً جديداً من التعليم العالي، عصراً يركز على مساعدة الطلاب على فهم كيف تتضافر النظم والشبكات العميقة بين الأشخاص والبرامج والآلات لإنجاح أماكن عملنا.

أصبح سوق العمل، مثل مجتمعنا، أكثر تعقيداً. من خلال إطلاع الطلاب على التفكير في النظم، يمكن للتعليم العالي إعدادهم للقيام بالعمل الموجه للأنظمة اللازم لوظائف الغد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي