هل يمكنك أن تصبح ثرياً أكثر من الحد المعقول؟

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل هناك ما يسمى بالثراء الفاحش؟

مثل الكثيرين من العقلاء، أوافق بشدة على أن الأشخاص الذين ينجزون أعظم الأمور وأكثرها قيمة ونبلاً يستحقون المكافأة أكثر من نظرائهم. أنا لست “الشيوعي الأخير” في العالم الذي يهتف بقبضته مندداً فوق قبر كارل ماركس كلما راودته صورة الأغنياء.

لعلي إذاً سألت سؤالاً تافهاً. ربما لا يوجد شيء اسمه ثراء شديد في أي مكان أبداً. لكن جرّب معي التأمل في هذه التجربة الفكرية: تخيّل أن هناك شخصاً واحداً ثروته تعادل ما يمتلكه كل البشر مجتمعين. لو كان هناك شخص مثل هذا، لكان قادراً على شراء كل ما نملكه نحن البقية. وبمرور الوقت، ستصبح عائلته أسرة حاكمة بعد أن ترث ثروته؛ ومن خلال منح العطايا، سيكون باستطاعته توجيه المجتمع كما يرغب. هذا الشخص يعتبر ملكاً على كل الأصعدة إلا الاسم؛ بوجوده لن يعود لحقوق أو أمنيات أو رغبات أو أهداف أي شخص آخر أي اعتبار. وبذلك، لا يمكن لأي مجتمع يوجد فيه شخص مثل هذا أن يكون مجتمعاً حراً.

يبدو لي إذاً، أن هناك شيئاً اسمه الثراء الشديد، أو أقّله بالنسبة للأشخاص الذين يحبون أن يُسموا أنفسهم أحراراً. ويبقى السؤال الوحيد: أين هو الخط الفاصل؟ متى يصبح الغنى ثراء شديداً؟

تخيّل أنك شديد الثراء، يمكنك شراء أنفس البضائع في أي اقتصاد، وأفضل تعليم، وأفخم سيارة، وأغلى مأكولات وهكذا. هل يمكن اعتبار هذا المستوى من الثراء مبرّراً ليس فقط ليستمتع الشخص بما يمتلكه، بل لأن يجعل منه هدفاً يسعى إليه؟ الكثير من الأشخاص سيقولون نعم.

الآن تخيل أنك شخص ثري جداً بحيث يمكنك شراء أفخم ما في الاقتصاد دفعة واحدة، أفخم 10 من المنازل والوجبات والأطباء والخدم والملابس، أفضل 10 يخوت. أغنى 10 طائرات خاصة. هل يمكن اعتبار هذا مستوى مبالغاً فيه من الغنى؟

فجأة يصبح هذا المستوى من الثروة ليس فقط غير معقول، بل غير مبرر. ففي نهاية الأمر ما فائدة امتلاك 10 من البيوت الضخمة واليخوت والطائرات؟ لماذا قد يرغب أي شخص أن يبلغ ذلك المستوى من الثراء؟ هو ليس فقط ثري، بل إنه فاحش الثراء.

ما هو إذاً الشيء الذي يسبب النفور لدى الكثيرين منا (معظم العاقلين) ليس من الأغنياء بل حيال فاحشي الثراء؟ ولماذا تتحول آراؤنا عن الثراء من الإعجاب إلى المقت عند تجاوز ذلك الخط الخفي؟

إن الطبيب، ورجل الأعمال، وجارنا المصرفي -معظمهم أغنياء فقط؛ ويمكننا القول إن الكثيرين يرون غناهم مبرراً. فغناهم يُظهر بجلاء مساهمتهم في الثراء العام. ولعملهم غاية وهدف، ويتطلب سنوات من التدريب والالتزام، وهو أمر من حق المجتمع أن يقدره كثيراً.

لكن تعالوا نعيد صياغة مقولة فرانسيس سكوت فيتزجيرالد الشهيرة: “إن فاحشي الثراء مختلفون كثيراً عن مجرّد الأغنياء. إنهم لا يمتلكون الملايين، بل المليارات. وهم ليسوا أطباء أو رجال أعمال أو مصرفيين. هم ملوك الصناديق الوقائية، وبارونات “الأسهم الخاصة”، الذين اشترو كامل الموارد البشرية العائدة للبلاد؛ وهم رؤساء تنفيذيون تظللّهم مظلة ذهبية بحجم كوكب صغير. غناهم مشكوك به: ليس فقط بالمعايير الأخلاقية، لكن بالمعايير الاقتصادية أيضاً. فما الفائدة من التنبؤ أو المضاربة أو التقليب؟ وبأية طريقة يفيدون المجتمعات التي تحتضنهم؟

عندما لا يتمكن الأغنياء من زرع بذور الازدهار، فإنهم يهتمون بالأغصان على الأقل، أما فاحشو الثراء فكل ما يفعلونه قطف الثمار الناضجة.

عندما تسمح المجتمعات للأغنياء بالنمو ليصبحوا فاحشي الثراء، فإنها ترتكب سلسلة من الأخطاء. الخطأ ليس فقط في أن طبقة من فاحشي الثراء في الأساس غير ديمقراطية لأنّها تأخذ نظام الحكم رهينة لديها. والخطأ ليس فقط أن طبقة من فاحشي الثراء في الأساس وجودها غير اقتصادي لأنها تجمع كميات ضخمة من رأس المال، وتحرم المجتمع من فرص الاستثمار. والخطأ ليس فقط أن طبقة من فاحشي الثراء هي في الأساس ظالمة لأنه من المستحيل أصلاً أن يخلق أي إنسان لوحده ثروة تعادل عشرات المليارات. وليس الخطأ فقط أن طبقة من فاحشي الثراء هي في الأساس أمر غير منطقي لأنه لا مبرر لأن يرغب أي شخص في بلوغ هذا المستوى من الثراء الفاحش. وليس الخطأ أن طبقة من فاحشي الثراء هي أساساً معادية للمجتمع لأن فاحشي الثراء لن يعتمدوا أبداً على المرافق العامة بنفس الطريقة التي يحتاج بها الأغنياء المواقف والمواصلات والطرق والجسور.

كل هذه أخطاء صغيرة. لكن إليكم الخطأ الكبير.

عندما تسمح المجتمعات للأغنياء بأن يصبحوا فاحشي الثراء، فإنها تقيّد ما بإمكان هذه المجتمعات إنجازه.

تخيل غابة سخيّة. ثم (لا أحد يعرف لماذا) تنمو بعض الأشجار فجأة لتصبح طويلة. ثم أطول. صارت طويلة وقوية وعريضة بحيث أنها تمنع ضوء الشمس عن باقي الأشجار. تبدأ باقي الأشجار تذبل وتيبس وتختفي. تتصدع جذورها وتتشقق وتتحول إلى رماد. في أحد الأيام، وبعد فترة ليست بالبعيدة، لا تعود جذور أطول الأشجار قادرة على إيجاد الماء، ولا يمكنها التمسك بالتراب. تبدأ بالتهاوي، ثم تتحول الغابة بأكملها إلى صحراء.

هنا لا يعود مصطلح أكاديمي مثل مصطلح “تفاوت الدخل” كافياً لوصف الفكرة، أليس كذلك؟

عندما ينمو فاحشو الثراء من دون رقيب، الجميع يخسر حتى الأثرياء أنفسهم على المدى البعيد. تُخنَق فرصة الجميع عندما يتم تجاوز الخط الخفي بين الغنى والثراء الفاحش. سبب عدم رغبة أي مجتمع في وجود طبقة من فاحشي الثراء؛ لأنها من المؤكد ستضمن أن تبلى الإمكانات البشرية للمجتمع. وهذا بالضبط السبب في أن المشاعر الأخلاقية لمعظم الناس المنطقيين على الدوام، غريزياً وطبيعياً، تعارض فكرة الثراء الفاحش.

عند هذا الحد، أنا واثق أن المدافعين عن السوق الحرة سوف يشتكون: من أنت لتقول إن على الجميع الامتناع عن أن يصبحوا فاحشي الثراء؟ لكن هؤلاء المدافعين عن الأسواق الحرة هم بالضبط من يجب أن يعترضوا بشراسة على فاحشي الثراء. أتحداك أن تجد عضواً في نادي فاحشي الثراء ليس محتكراً أو وريثاً أو عضواً في أقلية حاكمة، أو الثلاثة معاً.

هل هناك ما يسمى الثراء الفاحش؟

إليك إجابتي: لا يجب أن تتحول أي غابة إلى صحراء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .