تنتشر جوائز التميّز الداخلية وبرامج تقدير الموظفين وتشجيعهم داخل المؤسسات، وذلك بوصفها أداة تُستخدم لتمييز أصحاب الأداء المتفوق وتكريمهم وفق معايير محددة، وخلق حالة من القدوة الحسنة والمنافسة الإيجابية في بيئة العمل.
إن الأثر الإيجابي لتلك البرامج ظاهر للعيان، ويمنح الفائزين إحساساً بالتقدير والتحفيز. ومن اللافت أن غالبية الحالات التي تناولت الجوائز الداخلية ركزت على أثرها على الأداء، وعلى القيام بمهام العمل، ويبدو أنها تجاهلت إلى حد كبير أثر تلك الجوائز على العلاقات المهنية بين الأفراد، والتفاعلات الاجتماعية بين الموظفين.
إذا ما تناولنا الموظفين الفائزين بتلك الجوائز، فلا بد أن ننطلق من النتائج الإيجابية لذلك الفوز على الأفراد، ولكن هل الصورة مكتملة بشكل مثالي بحيث لا تشوبها شائبة؟ أعتقد أن الأمر يحتمل الشرح والتوضيح، فمثلاً في دراسة أجريت على موظفي مركز الاتصال في إحدى شركات فورتشن 500 متخصصة بالخدمات المالية، أظهرت النتائج أن الموظفين الفائزين بالجوائز الداخلية قد تحسّن أداؤهم في الشهر التالي لفوزهم، ولكنه ما لبث أن تراجع خلال الشهرين التاليين. كذلك يتوافر العديد من الدراسات الأخرى التي تنظر إلى الوجه الآخر لأثر الفوز بالجوائز الداخلية على الموظفين، وقد تنوعت هذه الآثار غير المرغوبة مثل التعالي والغرور، والتراخي عن أداء المهام الوظيفية، أو بذل الجهد المطلوب في العمل.
هذا بالنسبة للفائزين، ولكن ماذا بالنسبة للمرشحين غير الفائزين؟
غالبية برامج التميز الداخلية تُرشح مجموعة من المشاركين إلى القائمة النهائية في كل فئة، ومن ثم يتم اختيار الفائز منهم بالمركز الأول، وتوزع البقية على المراكز الأخرى، أو يكون هناك فائز واحد فقط في كل فئة.
إن الموظفين المرشحين غير الفائزين يمثلون شريحة مهمة داخل المؤسسة، لأنهم من أصحاب القدرات والأداء المتميز، وهذا الذي أوصلهم إلى القوائم المختصرة، وبالتالي فإن أثرهم على المؤسسة في الحاضر والمستقبل من المتوقع أن يكون ملحوظاً، وهذا يوصلنا إلى أن النظر في أثر عدم فوزهم على أدائهم من الأهمية بمكان، ومن المناطق التي تجب الإضاءة عليها بشكل أفضل.
علينا أن نتفق على أن خوض تجربة المشاركة في الجائزة الداخلية يترك آثاراً على المشاركين جميعهم، سواء كانوا فائزين أو غير فائزين، وتنقسم هذه الآثار إلى إيجابية وسلبية بنسب متفاوتة بحسب الحالة. بالنسبة إلى الموظفين المرشحين غير الفائزين، هناك بالطبع نتائج إيجابية مثل الرغبة في تحسين الأداء لسد الفجوة الحالية بين هؤلاء الموظفين والموظفين الفائزين، أو الرغبة في الفوز لتجنب الحرج وتكرار النتيجة نفسها بالوصول إلى القائمة المختصرة دون التمكن من الفوز بالجائزة. وهذا التحفيز في الأداء يدفع إلى المبادرة وتكثيف الإنجاز، فمثلاً وجدت دراسة أُجريت على عيّنة من الشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز 1500، أن الرؤساء التنفيذيين الذين لم يفوزوا بجوائز مخصصة لهذه الفئة، نفذوا أنشطة استحواذ أكثر كثافة في الفترة التي تلت إعلان النتائج مقارنة مع الفترة التي سبقت الجائزة، ويكون هذا التأثير أقوى عندما يكون لدى الرؤساء التنفيذيين -موضوع الدراسة- احتمال كبير للفوز بالجائزة أو كانوا من المنافسين الجديين عليها.
إلى هنا تسير الأمور جيداً، ولكن الدراسة السابقة نفسها، اكتشفت أن عوائد الشركات التي يديرها الرؤساء التنفيذيون المنافسون، ولكن غير الفائزين، انخفضت في الفترة ما بعد إعلان النتائج مقارنة مع الفترة ما قبل الجائزة. وهذا قد يشير إلى أن عمليات الاستحواذ كانت مدفوعة برغبة الرؤساء التنفيذيين في إثبات أنفسهم، وتعظيم إنجازاتهم ومكانتهم، ولكن على حساب الأداء والإنجاز العامين. هذا يضعنا أمام نقطة مهمة وتساؤل حول إذا ما كانت الجوائز الفردية تسهم في المباعدة بين مصلحة الموظف ومصلحة المؤسسة، وإذا ما كانت تضغط على الموظف باتجاه إظهار إنجازاته الفردية واتخاذ القرارات التي من شأنها إبرازه بوصفه فرداً دون التركيز على الأداء العام.
يمكننا أن نرد هذه الحالة إلى ظاهرة المقارنة الاجتماعية، فالموظفون المرشحون غير الفائزين يقارنون أنفسهم بمجموعتين من الموظفين؛ مجموعة الموظفين الفائزين، ومجموعة الموظفين الذين لم يتم ترشيحهم للقوائم النهائية، والطبيعة الإنسانية ترجح أن نقارن أنفسنا مع من هم أفضل منا وليس العكس، لذلك نرى أن هؤلاء الموظفين يقارنون أنفسهم بالفائزين، وهذا يضعهم تحت ضغط البحث عن طرق لرفع أدائهم وإبراز إنجازاتهم. وهذا ما يؤسس أيضاً إلى ظهور بعض الآثار السلبية للمنافسة وعدم الفوز في الجوائز مثل الشعور بالغيرة السلبية والحسد من الفائزين، أو فقدان الموظفين الثقة بإمكاناتهم وقدراتهم وإحجامهم عن المشاركة. ومن جهة أخرى، كلما اقترب الموظف من الفوز دون أن يصل إليه، خلق ذلك شعوراً أكبر من الإحباط وعدم الرضا ويعود ذلك إلى ما يعرف "بالتفكير المضاد" الذي يقوم على النتيجة التي كان من الممكن تحقيقها، وليس على النتيجة المحققة. ووجدت إحدى الدراسات في هذا السياق أنه في الألعاب الأولمبية، على الرغم من فشل كل من الحاصلين على الميداليتين الفضية والبرونزية في الفوز بالميدالية الذهبية، فإن الحاصلين على الميدالية الفضية أكثر تعاسة من الحاصلين على الميدالية البرونزية.
ربما من المهم أن نتناول العلاقة بين الموظفين المرشحين والموظفين الفائزين في الجوائز الداخلية، هل يعملون في مهن متشابهة؟ أو أنهم من قطاع أو إدارة واحدة؟ فالقرب الجغرافي أو الهيكلي بينهم يزيد من وتيرة المقارنة بين النتائج التي حققها كل منهم، ويؤدي هذا إلى تنشيط التأثير السلبي لهذا الاختلاف، لكن عندما يكونون في وحدات متباعدة يصبح من الأسهل تفعيل التأثير الإيجابي لنتائج الفوز، حيث يمكن أن ينظر الموظفون غير الفائزين إلى الفائرين باعتبارهم مرجعية آمنة للمقارنة من بعيد، دون الشعور بالحرج أو عدم الارتياح.
ماذا عن عامل الوقت؟ هل يمكن أن تختلف استجابة المرشحين غير الفائزين على المدى القصير منه على المدى المتوسط أو الطويل؟ أُجريت في أحد الأبحاث دراسة العلماء المبتدئين المتقدمين للحصول على منح من المعاهد الوطنية للصحة، وتم تقسيمهم إلى مجموعتين، المجموعة التي كانت قريبة من الفوز بالمنحة ولكنها لم تصل إلى المستوى المطلوب، والمجموعة التي بالكاد استوفت المتطلبات وتجاوزت بقليل عتبة التمويل وحصلت على المنح. أظهرت النتائج أن آثار الفشل في الفوز بالمنح لها تأثير سلبي واضح على المدى القصير إذ إن نحو 10% منهم لم يتقدموا إلى المنح مرة أخرى، ولكن من ثابر على التقديم فإنه تفوق على المدى الطويل على الذين فازوا بالمنح في البداية. من المنطقي أن تسوقنا هذه النتائج إلى المرشحين غير الفائزين بالجوائز الداخلية، سيكون هناك أثر سلبي على المدى القصير، ولكن المثابرة ستحقق نتائج واعدة على المدى الطويل.
بالنظر إلى الآثار السلبية التي تظهر على المرشحين غير الفائزين في الجوائز الداخلية، من المهم أن ننظر فيما إذا كانت تمثل آثاراً عامة أم أنها تتجلى بسلوكيات محددة. ذكرنا سابقاً بعض السلوكيات والآثار النفسية غير المستحبة كالحسد والغيرة والإحباط وفقدان الثقة والإحجام عن المشاركة، كذلك تناولت بعض الأبحاث سلوكيات محددة لتبيان أثر عدم الفوز عليها، وخلص بعضها إلى تأثير سلبي كبير على تعاون المرشحين غير الفائزين مع الفائزين في غضون شهرين بعد الإعلان، ولكن هذا التأثير يختفي في الفترات اللاحقة من ثلاثة إلى ستة أشهر بعد الإعلان. بالإضافة إلى ذلك، فإن التأثير الزمني للفشل في الحصول على جائزة على تعاون المرشحين غير الفائزين مع الآخرين عموماً غير مهم في غضون شهرين بعد الإعلان، ولكنه يصبح إيجابياً أكثر في غضون ثلاثة إلى أربعة أشهر ويظل على المستوى نفسه تقريباً خلال الفترة من خمسة إلى ستة أشهر بعد الإعلان.
ونحن نعيد القلم إلى دواته، ونرتب أوراق هذا المقال، هناك مجموعة من النصائح المختصرة التي يمكن أن نسوقها على ضوء ما استحضرناه وناقشناه، والتي من شأنها زيادة فعالية الجوائز الداخلية:
- من الجدير بالنقاش إعلان فائزين في كل فئة دون القوائم المختصرة، ولكل مؤسسة المفاضلة بين إيجابيات هذا التوجه وسلبياته واختيار ما يناسب.
- تنظيم آلية المشاركة بحيث لا يتركز المرشحون والفائزون في فئات الجوائز في وحدة عمل أو وحدات محددة ضمن المؤسسة.
- إبداء عناية خاصة بالمرشحين غير الفائزين خلال الفترة القصيرة بعد إعلان النتائج، ومحاولة دمجهم في أنشطة جماعية تكافح الآثار السلبية التي يمكن أن تظهر خلال تلك الفترة.
- بذل الجهود لضمان مشاركة المرشحين في الدورات القادمة من الجوائز الداخلية، وتفادي مسببات انسحابهم منها.
- التوعية بالتغيرات التي قد تقع في القرارات والسلوكيات الإدارية الصادرة عن المرشحين غير الفائزين في الفئات الإشرافية والتنفيذية، وذلك في مرحلة ما بعد إعلان النتائج.