كيف تمكنت شركة جوجل من تحسين الوجبات الخفيفة المقدمة في مكاتبها؟

6 دقائق
الوجبات الخفيفة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تحتاج الشركات إلى طرق بسيطة ومنخفضة التكلفة لمساعدة الموظفين على اتخاذ خيارات صحية. ووفقاً لمعلومات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، تُكلِّف آثار المشكلات الصحية والسمنة الشركات الأميركية 225 مليار دولار كل عام، وهذا الرقم يتزايد بسرعة. وعلى الرغم من أن بعض برامج الرفاهة التي تعمد الشركات إلى رعايتها حققت عوائد مرتفعة، خذ مثلاً شركة جونسون آند جونسون (Johnson & Johnson) التي أعلنت أن العائد على الإنفاق على برامج الرفاهة بلغ 170% في العقد الأول من الألفية الثالثة، فقطاع رفاهة الموظفين بمجمله واجه صعوبات في إثبات قيمته.

تفشل مبادرات الرفاهة غالباً لأنها تعتمد على طرق المشاركة القديمة، إذ تفرط في التركيز على توفير المعلومات. ولكن تثبت الأدلة واسعة النطاق في الاقتصاد السلوكي أنه من النادر أن تنجح هذه المعلومات في تغيير السلوك أو بناء عادات جديدة للحفاظ على اللياقة البدنية وتناول الطعام الصحي. لا يمكن الحث على تغيير السلوك بإخبار الناس عن الأسباب التي تستدعي تحسين صحتهم وطرقه لأن السلوك مغاير للنوايا غالباً. وينطبق ذلك بدرجة كبيرة على خيارات الطعام لأن قدرتنا على ضبط النفس تتأثر بأي نوع من الشعور بالاستهلاك، وهذا يشمل الشعور بالجوع. تعني ضرورة اتخاذ قرارات تتعلق بالطعام عدة مرات في اليوم أنه ليس بإمكاننا تكريس قدر كبير من قوة التفكير لكل خيار، ولذلك تكون سلوكيات الطعام مدفوعة بالعادة والغريزة. ومع فهم أوضح للعوامل المؤثرة في خياراتنا، كالسياق والاندفاع مثلاً، يمكن للشركات تصميم بيئاتٍ تعزز اتخاذ الموظفين خيارات صحية وتقيّد الهفوات المحتملة وتوفر تكاليف الرعاية الصحية.

أجرى “فريق جوجل للطعام” (Google Food Team) ومركز ييل لرؤى الزبائن (Yale Center for Customer Insights) دراسةً مشتركةً لقدرة الاقتصاد السلوكي على تحسين الخيارات الصحية للموظفين. أجرينا تجارب ميدانية متعددة لفهم كيف يمكن “للتعديلات” الصغيرة تحفيز تغيير السلوك باتجاه النتائج المرغوبة وتحقيق فوائد هائلة. لتوجيه هذه التدخلات، لخصنا النتائج المتفرقة من العلوم السلوكية ضمن إطار عمل بسيط؛ العوامل الأربعة لتغيير السلوك:

  • العملية
  • الإقناع
  • الاحتمالات
  • الشخص

ساعدنا إطار العمل على بناء مجموعة من الاستراتيجيات لجعل الخيارات الصحية أسهل وأكثر جاذبية وجعل الخيارات غير الصحية أصعب وأقل إغراء. ونُقدّم فيما يلي مثالاً موجزاً لكل نقطة تدخّل.

العملية

يكمن أحد الإسهامات الرئيسة لاقتصاد السلوك في فهمنا للتغيير السلوكي في إدخال منبهات تحفيزية صغيرة إلى “تصميم الخيار”؛ أي عرض الخيارات المتاحة. إذ يمكن أن تؤدي التغييرات الصغيرة في سياق الاختيار إلى توجيه الانتباه نحو الخيارات الأفضل أو جعل اختيارها أسهل. مثال:

الترتيب: التسلسل مهم. الموضع المميز ضمن مجموعة مرئية (مثل مجموعة الأصناف المحضرة في المقصف أو قائمة الطعام) هو العنصر الأول من عنصرين أو الأوسط في مجموعة من 3 عناصر. كما أن الموضعين المميزين في المجموعة السمعية (مثل قائمة العروض اليومية التي يتم عرضها مقروءة) هي العنصرين الأول والأخير.

الخيارات الأساسية: بسبب التحيز للوضع الراهن وسهولة عدم اتخاذ قرار، تتمتع الخيارات الأساسية بقوة ضغط كبيرة على الخيارات. إذ يمكنها أن تجعل الخيار “الأفضل” هو الخيار السهل.

إمكانية الوصول: يميل الناس إلى تناول الطعام الذي تسهل رؤيته أو يسهل الوصول إليه،

لذا يمكن أن يكون للتغيير البسيط في إمكانية الوصول تأثير كبير في تناول الوجبات الخفيفة. أرسلنا مراقبين سريين إلى إحدى غرف الاستراحة الكبيرة والمزدحمة في شركة جوجل، وهي تسمى “المطابخ الصغيرة”، حيث يتم تخزين المشروبات والوجبات الخفيفة المجانية، وعمل المراقبون على تسجيل عدد الأشخاص الذين تناولوا مشروباً ووجبة خفيفة معاً. كانت إحدى آلات تقديم المشروبات تبعد مسافة مترين عن طاولة الوجبات الخفيفة، في حين تبعد الأخرى مسافة 5 أمتار. وكانت كل آلة لتقديم المشروبات تضم ثلاجة للمشروبات الباردة وآلة تسخين للمشروبات الساخنة، وقدمت طاولة الوجبات الخفيفة المكسرات والبسكويت والحلوى والفواكه المجففة ورقائق البطاطا والكعك. كشفت مراقبة أكثر من 1000 شخص أن الذين استخدموا آلة تقديم المشروبات القريبة من الوجبات الخفيفة كانت احتمالات تناولهم وجبات خفيفة مع المشروب أكبر بنسبة 50%. بالنسبة للرجال، كانت “الغرامة” التقديرية على زيادة استهلاك السعرات الحرارية في الوجبات الخفيفة سنوياً نتيجة استخدام آلة تقديم المشروبات الأقرب تتمثل في اكتساب نحو نصف كيلوغرام من الدهون سنوياً لكل كوب قهوة يومي!

الإقناع

يمكن لتدخلات الإقناع أن تزيد جاذبية الخيارات الصحية وتقلل جاذبية الخيارات غير الصحية عن طريق ضبط الرسائل بدقة، بدءاً من صياغتها وتوقيتها وصولاً إلى الاستفادة من المعايير الاجتماعية فيها، وتعتبر هذه الطريقة الأقلّ عدوانية وكلفة لتحفيز الموظفين على اتخاذ خيارات أفضل. يكمن سرّ نجاحها في توصيل الرسالة الصحيحة بالطريقة الصحيحة وفي الوقت المناسب، أي عندما يكون الشخص أكثر قدرة على تقبلها، وفيما يلي 3 عوامل أساسية:

الحيوية: تجذب الرسائل والصور الحية انتباه العقل العاطفي الحدسي، إذ يمكن للحيوية أن تساعد الغريزة على الاختيار الأفضل عن طريق إثارة البهجة أو الاشمئزاز مثلاً.

المقارنات: يمكن للرسالة الصحيحة أن تؤطر المفاضلات ذات الصلة أو تقيس آثار السلوك، على سبيل المثال: “يستغرق الأمر ساعتين للتخلص من السعرات الحرارية التي تحصل عليها بتناول علبة مشروبات غازية”. حيث يمكن أن تكون الخسائر أو الآلام في بعض الأحيان محفزة أكثر من المكاسب أو المتعة.

لحظات مواجهة الحقيقة: يمكن تعريف لحظة مواجهة الحقيقة على أنها المكان والزمان الذي يكون فيه الإنسان أكثر تقبلاً للرسائل المقنعة المتعلقة بالهدف.

على الرغم من توقع دراسة أخرى أن ترويج الخضروات التي لا يحبها الناس على نطاق واسع لن يدفعهم إلى زيادة استهلاكهم لها، فقد لاحظنا أن العكس هو الصحيح. في أحد المقاهي المزدحمة حيث يتناول موظفو شركة جوجل وجبات مجانية، عملنا على ترويج خضروات لا تحظى بالشعبية (الشمندر أو الجزر الأبيض أو الكوسا أو كرنب بروكسل أو القنبيط) على أنها “خضروات اليوم!” مع عرض صور ملونة وحقائق شائعة بجانب طبق تشكل تلك الخضار مكونه الرئيسي. وبوضع ملصقات الحملة عند لحظات مواجهة الحقيقة، أي بجوار الطبق مباشرة، بدلاً من إرسال مقال بالبريد الإلكتروني حول الفوائد الصحية للخضروات مثلاً، استطعنا زيادة عدد الموظفين الذين يُجرّبون الطبق الموصوف بنسبة 74% وزيادة متوسط الكمية التي تناولها كل منهم بنسبة 64%.

الاحتمالات

الاحتمالات هي مجموعة الخيارات المتاحة، وهي أوضح محفز للتغيير، ولكن غالباً ما نغفل عنها. عند تغيير الاحتمالات يجب مراعاة الحفاظ على حرية الاختيار، لأن ردود الفعل السلبية على التحكم المحسوس تفوق الفوائد. وربما كان من الممكن تقليل الخيارات المغرية ولكن غير الصحية أو جعلها متاحة بدرجة أقلّ من دون إلغائها تماماً. يمكنك تجربة تغيير ما يلي:

التشكيلة: التنوع محفز قوي للاستهلاك؛ تعني الخيارات الإضافية عموماً استهلاكاً أكبر، لأن الإنسان يميل لتناول ما يراه أمامه. ومع ذلك، يتأثر السلوك بالإدراك لا بالواقع. على سبيل المثال، سيأكل الناس كمية أكبر من حلوى “إم ن إمز” من وعاء يحتوي على حبات بألوان مختلفة مقارنة بوعاء يحتوي على حبات بلون واحد فقط، على الرغم من أن كلها لها نفس النكهة. تتمثل إحدى طرق تقليل الاستهلاك دون تقييد الخيارات في تغيير التشكيلة مع مرور الوقت، ويتم ذلك على سبيل المثال عن طريق تقديم نوع واحد من الحلوى يتغير كل يوم بدلاً من تقديم 5 أنواع معاً طوال الأسبوع.

التجميع: لأجل تشجيع السلوك الصحي، يمكن إرفاق الخيارات الصحية على نحو استراتيجي بخيارات صحية أخرى، أو حتى بخيارات صحية بدرجة أقلّ.

الكمية: يعتقد الإنسان أن الحصة الكاملة هي الكمية المناسبة التي يجب تناولها من الطعام، بغض النظر عن تعريف “الحصة”. وتعديل الكمية يؤثر في الاستهلاك.

أجرينا تجربة ميدانية في مطبخ صغير آخر تابع لشركة جوجل، استهدفنا فيها عنصر الوجبات الخفيفة الأكثر شيوعاً؛ الكميات الكبيرة من حلوى “إم ن إمز”، إذ كانت متاحة للخدمة الذاتية في صناديق الجملة حيث تعبأ بأكواب بسعة 115 غراماً، وكان معظم الموظفين يملؤون أكوابهم بالكامل. بعد تحديد معيار نقطة البداية للاستهلاك، استبدلنا كميات حلوى “إم ن إمز” غير المحدودة بعبوات فردية مغلفة صغيرة. أدى هذا التدخل البسيط إلى تقليل الحصة الوسطية بنسبة 58%، أي من 308 سعرات حرارية إلى 130 سعرة حرارية.

الشخص

يمكن التأثير في السلوك ضمن سياق معين بواسطة العملية والإقناع والاحتمالات، ولكن لا يمكن إلا للشخص نفسه التأثير في سلوكه ضمن السياقات المختلفة مع مرور الوقت وخارج مكان العمل. التأثير على الفرد هو أصعب محفزات التغيير، وتفشل معظم المحاولات في تغيير السلوك حتى وإن نجحت في تغيير المواقف والنوايا، لأن السلوك غالباً ما ينحرف بعيداً عن النوايا. لذلك لا يعتبر التحفيز كافياً، ومن الضروري الاستعانة ببعض الأدوات، ويمكن لبعض التدخلات المحكمة أن تساعد في دعم أفضل نوايا الموظفين. تشمل هذه التدخلات ما يلي:

الأهداف: يشكل تحديد الأهداف وتتبّعها استراتيجية أساسية لتحسين السلوك مع مرور الوقت، وينبغي أن تكون الأهداف شخصية وتحفيزية وقابلة للقياس ومدعومة بأدوات للمساعدة في كل خطوة.

الالتزام المسبق: الإرادة هي مصدر عقلي قابل للنفاد؛ عندما يكون الإنسان متعباً أو جائعاً أو مرهقاً أو مركزاً على أمر آخر يكون من غير المحتمل أن يبدي سلوكيات تتطلب قوة الإرادة. عن طريق التخطيط والالتزام المسبق، مثل التخطيط لتحضير وجبات صحية، يمكن للإنسان اتخاذ قرارات منطقية والابتعاد عن الخيارات المندفعة التي قد يندم عليها لاحقاً.

العادات: تعتبر معظم أفعالنا تلقائية، ما يعني أن التعوّد على السلوكيات الصحية هو الطريقة المثلى للحفاظ عليها. تم تصميم التجربة التالية لمساعدة موظفي شركة جوجل في تحويل الأهداف إلى عادات غذائية صحية.

وضع المتطوعون نظاماً غذائياً شخصياً وأهدافاً متعلقة بأجسامهم وتم توزيعهم عشوائياً في 3 مجموعات؛ تلقّت المجموعة الأولى معلومات عن العلاقة بين الغلوكوز في الدم وزيادة الوزن، وتلقّت الثانية نفس المعلومات مع أدوات لاستخدامها، وهي أجهزة مراقبة سكر الدم وجداول البيانات ونصائح حول قياس السكر والوزن ومؤشر كتلة الجسم وتركيبه، في حين كانت الثالثة مجموعة ضبط، ولم تتلق أي معلومات أو أدوات. أظهرت الاستقصاءات الأسبوعية أن المشاركين الذين حصلوا على أدوات إلى جانب المعلومات حققوا التقدم الأكبر في تحقيق أهدافهم، وبعد 3 أشهر لم نلاحظ فرقاً بين مجموعة المعلومات ومجموعة الضبط في تحقيق الأهداف الشخصية، ولكن بالنسبة للمجموعة التي حصلت على الأدوات قال 10% من أفرادها إنهم أحرزوا تقدماً في الأهداف المتعلقة بأجسامهم، وقال 27% منهم إنهم أحرزوا تقدماً في تحقيق أهداف النظام الغذائي. وعند نهاية الدراسة، لاحظ أفراد في المجموعة التي حصلت على الأدوات أن الخيارات الصحية تتحول إلى عادات. لم تكن المعلومات كافية لتسهيل التغيير، ولكن الأدوات وأنظمة القياس جعلت الخيار الصحي هو الخيار السهل.

تمكّن “فريق جوجل للطعام” ومركز ييل لرؤى الزبائن بفضل نهج العوامل الأربعة من إجراء اختبار لإنشاء برنامج شامل لمساعدة الموظفين على اتخاذ قرارات أفضل بشأن الطعام في العمل وفي المنزل، وتقدّم نتائجنا حتى الآن لمحة مقنعة عن إمكانية استعانة قسم الموارد البشرية والفرق القيادية بالاقتصاد السلوكي لتعزيز صحة الموظفين وأدائهم مع تقليل التكاليف التي تتكبدها الشركات نتيجة للمشكلات الضحية.

نتقدم بالشكر الجزيل لكل من كيم هسكي وليديا آش لمساهمتهما الكبيرة في أبحاث هذا العمل، كيم هي مديرة خدمات الطعام وليديا هي شريكة تجارية أولى في قسم الموارد البشرية بشركة جوجل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .