كيف تُبرز رؤية 2030 الهوية البصرية للمدن السعودية؟

3 دقيقة
الهوية البصرية
shutterstock.com/Corona Borealis Studio

ملخص: مع إطلاق رؤية 2030، تقف المملكة على عتبة صفحة جديدة في صناعة تاريخها، إذ تستهدف هذه الرؤية الطموحة تعزيز الصورة الذهنية للبلاد وعكس واقعها المزدهر للعالم.

  • حفزت المؤسسات والشركات للتركيز على الإبداع والابتكار في تصميم المشاريع وتنفيذها لخلق بصمة جمالية مميزة في كل شارع وزاوية.
  • أصبحت الذائقة البصرية معياراً أساسياً في كل مشروع جديد تشهده السعودية اليوم عموماً والرياض خصوصاً.
  • تبرز قصة نيوم بوصفها مدينة خرجت من قلب الفراغ بطبيعتها وتضاريسها المتنوعة لتشكّل ملامح مستقبل الحياة الحضرية الذكية والمستدامة.

عندما نقلّب صفحات التاريخ، نجد أن طبيعة المكان وبيئته المحيطة كان لهما تأثير جوهري في تشكيل الهوية البصرية للحضارات، فالتضاريس والمناخ والثقافة والطبيعة عوامل رئيسية في تشكيل الذائقة البصرية وتسجيل الإرث الحضاري للأمم.

ففي مصر القديمة، على سبيل المثال، كان توظيف الشمس بتداخلاتها هو الأساس لفلسفة تصاميم المعابد القديمة والأهرامات. وفي اليونان وروما القديمة، رأينا كيف أن الأعمدة الشاهقة والهندسة البسيطة كانت أساساً نحو التقدير المتوازن للجمال.

ولا يمكننا أن نُغفل الإرث البصري الغني للأندلس، حيث كانت الطبيعة الساحرة بتناغمها مع الزخارف الإسلامية المعقدة ركيزة للهوية والذائقة البصرية، حتى أصبحت إرثاً تاريخياً مُلهماً للعالم حتى يومنا هذا.

ويمثّل هذا الإرث التاريخي للأمثلة المذكورة أعلاه مرجعاً متوافقاً لما نسميه اليوم "العلامة التجارية للمدن" (City Branding)، الذي يوضح لنا كيف تشكّل هذه المدن تراثها البصري والثقافي، خصوصاً أنها لا تزال تستلهم من الجمال المعماري الفريد هويتها في العالم الحديث، وتعزز به صورتها الذهنية عالمياً.

إن بناء علامة تجارية مميزة تعكس التراث الثقافي والبصري للمدن يعزز جذب السياح والاستثمارات، ويخلق أسواقاً عالمية ومحلية للصادرات، ويستقطب العقول المهاجرة، ويسهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين والمقيمين، ويساعد في تصدير ثقافة المدن والميزة التنافسية التي تحظى بها لتسويقها محلياً وعالمياً.

المملكة والهوية المميزة للمدن الجديدة

تتمتع المملكة العربية السعودية بتنوع طبيعي غني، فنجد الصحاري في وسطها والشواطئ في شرقها وغربها والطبيعة الخضراء في جنوبها، والثلوج التي تكسو الجبال في شمالها بمنطقة تبوك والمدن المجاورة لها.

ويعكس هذا التنوع المناخي الجغرافي تجربة حسية وبصرية تعزز فرص استثمارها في تشكيل هويتها الثقافية والبصرية.

ومع إطلاق رؤية 2030، تقف المملكة على عتبة صفحة جديدة في صناعة تاريخها، إذ تستهدف هذه الرؤية الطموحة تعزيز الصورة الذهنية للبلاد وعكس واقعها المزدهر للعالم. واليوم نشهد انعكاساتها بوضوح في الذائقة البصرية حولنا، من خلال جمالية المشاريع العقارية والتجارية والسياحية، فالقوة التحويلية للرؤية والأفكار الجديدة التي تعمل عليها، حفزت المؤسسات والشركات للتركيز على الإبداع والابتكار في تصميم المشاريع وتنفيذها لخلق بصمة جمالية مميزة في كل شارع وزاوية.

وأصبحت الذائقة البصرية معياراً أساسياً في كل مشروع جديد تشهده السعودية اليوم عموماً والرياض خصوصاً. فهي تجمع على نحو فريد بين مظاهر التقدم التكنولوجي والإرث الحضاري والبصمة التاريخية، لذلك نجد أن المشاريع الكبرى والضواحي الجديدة مثل مشروع "روشن" للمجتمعات السكنية المتكاملة في الرياض ومكة والمنطقة الشرقية، قد رفعت من مستوى الجودة والابتكار والطابع الإنساني في التصميم لمواكبة تطلعات الأفراد.

وفي شمال غرب المملكة العربية السعودية، تبرز قصة نيوم بوصفها مدينة خرجت من قلب الفراغ بطبيعتها وتضاريسها المتنوعة لتشكّل ملامح مستقبل الحياة الحضرية الذكية والمستدامة، حيث تتجلى أعلى سمات التكنولوجيا والأفكار التي تتخطى المألوف بالتوازي مع تجسيد ثقافة تخلق إرثاً غنياً يجعل العالم مكاناً أفضل.

أكثر من مجرد طموح جريء 

لم تكن هذه التطورات التي نشهدها عبارةً عن طموح جريء نحو تطوير عابر، بل هي في الواقع التزام يعكس رؤية تنموية تضع "العلامة السعودية" وتراثها على رأس الأولويات، وتتضح هذه الجدية في الدور المهم للهيئات الملكية للمدن، التي وضعت نصب أعينها اعتماد هوية معمارية وطراز مميز، لكل مدينة يستلهم جوهره من الهوية السعودية والمميزات التاريخية والثقافية لكل مدينة، ليصبح أساساً ترتكز عليه المشاريع الخاصة والتجارية والسكنية.

المعايير الجديدة

لقد وضع التحول الجمالي لرؤية السعودية 2030 بصمته على كل مناحي الحياة، وأصبح يسير بالتوازي مع مشاريع التنمية. واتضح هذا التأثير جلياً على مستوى مشاريع القطاع الخاص، حيث أضافت الذائقة البصرية لمشاريع الرؤية بنداً آخر إلى قائمة المنافسة بين شركات القطاع الخاص، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من معايير التميز. الأمر الذي جعل الشركات تدرك أن النجاح في السوق السعودية اليوم لم يعد مقتصراً على جودة المنتج أو الخدمة فقط، بل أصبح مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمدى تجسيد الهوية السعودية وطرازها العمراني وإرثها التاريخي وقيمها الثقافية.

وتهدف المملكة العربية السعودية إلى أن تكون وجهة عالمية، وتستعد لاستضافة أحداث عالمية كبيرة أبرزها معرض إكسبو وكأس العالم، كما تخطط لاستقطاب 150 مليون سائح بحلول عام 2030، وهنا تبرز أهمية تحسين التجربة البصرية للسائح، بحيث يلاحظ خلال رحلته الابتكار التصميمي ومعايير الاستدامة والطابع الإنساني والهوية الثقافية والحضارية للمملكة، ويكتشف من نافذة الطائرة قبل هبوطها وحتى مغادرته آفاقاً جديدة وتجربة ثقافية وفنية فريدة خارج إطار توقعاته.

لقد اكتملت كل الأركان الممكّنة لتميز العلامة السعودية: موقع جغرافي مهم، وعمق عربي وإسلامي، وثروة ثقافية غنية، ومواقع أثرية وسياحية استثنائية، ومقومات اقتصادية متينة، تدفع المملكة إلى تحقيق مكانة رفيعة على الساحة العالمية، لتكون مركزاً عالمياً للابتكار والاستدامة، وتسجل حضورها المتفرد على الساحة العالمية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي