كيف تعزز ممارسة الهوايات الجديدة الفعالية القيادية؟

5 دقيقة
ممارسة الهوايات
app.envato.com/by seventyfourimages

المهارات الأهم بالنسبة للقادة في عصر الذكاء الاصطناعي هي الإبداع والقدرة على التكيف، وهي مهارات ستكون مطلوبة أكثر من الخبرات الجامدة. إحدى الطرق المهمة لتطوير هذه المهارات هي ممارسة هوايات جديدة بطريقة استراتيجية، أي الانخراط المدروس في مساع جديدة وغير مألوفة للحفاظ على…

في ثقافة الأعمال اليوم، الخبرة هي الأهم. نحن نحتفي بالإتقان، ونثمن القدرة على التعرف إلى الأنماط، ونكافئ القادة القادرين على التمييز بسرعة بين المؤشرات المهمة وغير المهمة. مع ذلك، خلقنا بسبب هذه الأفكار مشكلة غير متوقعة؛ فكلما أصبحت أكثر تميزاً في مجال عملك (أي ازداد الاعتراف بك أو تعددت إنجازاتك واتسع نفوذك)، أصبح ذهنك أكثر جموداً، ما يحد من مرونتك وقدرتك على الإبداع. أطلق الباحث في مجال الإدارة، إريك دين، على هذه المشكلة اسم "التحصين المعرفي"، ووثق الباحثان هوي فان وبينغ هيونغ نغو انتشارها الواسع في مختلف المهن.

حل هذه المشكلة بسيط على نحو مدهش، وهو ينطوي على خلق الظروف التي تكون فيها مبتدئاً. خذ في الاعتبار الانخراط في مسعى جديد لا يتعلق بعملك، مثل تعلم لغة جديدة أو العزف على آلة موسيقية أو صناعة السيراميك أو ممارسة الكوميديا الارتجالية. انتق المجالات التي لا تملك فيها معرفة مسبقة يمكنك الاستفادة منها، ولا نجاحات سابقة يمكنك أن تستند إليها، ولا مقاييس إنجاز خارجية تسعى لتلبيتها. هذه هي الظروف التي ستتيح لدماغك تغيير بنيته بطريقة تعزز المرونة والقدرة على التفكير الابتكاري.

تشير الأبحاث في علم الأعصاب إلى أن هذا الحل، الذي أسميه "ممارسة الهوايات بطريقة استراتيجية"، ضروري ليصبح القائد مرناً. أظهر الباحثون أن البشر عندما يمارسون نشاطاً غير مألوف، ينشط نظام المكافأة في الدماغ ويفرز الدوبامين ويشكل الوصلات العصبية الجديدة، وهي البنى الأساسية التي تعزز المطاوعة الدماغية. لا يحفز خوض التجارب الجديدة الدماغ فحسب، بل يدفعه إلى تغيير بنيته بصورة فورية، ما يعزز المرونة الإدراكية. تشير دراسات أخرى إلى أن التحديات الجديدة تسرع تعلم المهارات وتعزز دقة الأدوات الفكرية التي يعتمد عليها القادة في وظائفهم اليومية وتنوعها.

أصبحت المرونة الإدراكية سمة تميز القادة الناجحين في عالمنا الذي يتسم بالتغيير الشامل والمتسارع. يشير تقرير مستقبل الوظائف لعام 2025 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن التفكير الإبداعي والمرونة والفضول والقدرة على التعلم مدى الحياة هي المهارات التي ستثمنها الشركات الباحثة عن الموظفين أكثر من غيرها. يبين التقرير أنه بحلول عام 2030، ستحتاج 40% تقريباً من مهارات الموظفين إلى التطوير. ومع تولي الذكاء الاصطناعي المزيد من المهام التقنية ومهام القدرة على التعرف إلى الأنماط، فإن السمات التي ستميز البشر ستتعلق بالإبداع والقدرة على التكيف، ما يزيد أهمية اكتساب المرونة الذهنية مقارنة بالخبرات الجامدة.

خذ في الاعتبار أن ممارسة الهوايات بطريقة استراتيجية لا تتطلب إحداث تغيير جذري في شخصيتك، بل تتطلب الابتعاد مؤقتاً عن عاداتك القيادية الراسخة وتعريض دماغك لظروف لا يواجهها إلا نادراً، مثل التعامل مع مجالات جديدة وحالة عدم اليقين والتوتر الإيجابي. لا تخلق هذه التجارب تحديات عليك تخطيها فحسب، بل إنها تنمي بطبيعتها السمات الإبداعية لديك مثل الانفتاح والتواضع والفضول والتساؤل. إذا كنت تمارس نشاطاً لا تمتلك فيه الخبرة التي تستطيع الاستفادة منها، سيتبع دماغك طرقاً للتفكير لا يتبعها في حياتك اليومية إلا نادراً، وإذا طبقت هذا الحل على نحو هادف ومستمر، فلن تنمي هذه السمات الموجودة لديك فحسب، بل ستعزز مرونتك الإدراكية التي يمكنك الاستفادة منها في العمل.

تجاوز مرحلة الكفاءة

اكتشفت أهمية ممارسة الهوايات بطريقة استراتيجية بالصدفة عندما كنت أعمل رئيسة تنفيذية للتسويق في شركة إنتويت ميل تشيمب. شغلت هذا المنصب مدة طويلة بما يكفي لأصل إلى "مرحلة الإجادة"، التي تحقق فيها المهارات التي قضيت سنوات في إتقانها نتائج متسقة، ولكن يبدأ عندها الدافع لتعلم المهارات الجديدة بالتلاشي. هذه الحالة مختلفة عن الاحتراق الوظيفي؛ إذ إنها تتعلق بسلوك خفي أكثر، وهو التميز المتسق والمترافق مع قبول ضمني بالتكرار والروتين.

وصلت إلى هذه المرحلة في فترة من مسيرتي المهنية شهدت فيها نجاحاً كبيراً؛ إذ كانت جودة العمل الذي أنجزه مع فريقي عالية، وكان العمل سليماً من الناحية الاستراتيجية وغنياً بالرؤى الثاقبة ويحقق نتائج ممتازة. كان تحقيق هذه النتائج في مشروعات مشابهة يغمرني بالسعادة والفخر قبل ذلك بعامين، ولكنني شعرت عندها بأن الإنجازات الإبداعية التي حققتها مع فريقي أصبحت محدودة وأن التنبؤ بها أصبح سهلاً. لم نكن نكرر استخدام الأفكار نفسها، ولكننا كنا عاجزين عن تغيير طرق التفكير التي اتبعناها. كنت أعلم أن فريقي يضم أصحاب المواهب والرؤى القادرين على تجاوز هذه العقبة، ولكننا كنا بحاجة إلى التحرر من الروتين المألوف.

جلست خلال تلك الفترة مع موجه تقاعد مؤخراً قدم لي نصيحة تلقاها في الفترة الانتقالية بين العمل والتقاعد، وهي "وافقي على فعل أي شيء جديد على مدى عام". أعجبتني الفكرة، وقلت لنفسي إنه لا مبرر للانتظار حتى التقاعد. قررت الانخراط في مسعيين لا يتعلقان بعملي وليست لدي فيهما أي خبرة، وهما الرسم بالألوان المائية وممارسة الكاريوكي. شعرت بتوتر شديد عند ممارسة النشاطين في البداية، لكن الوصول إلى هذه الحالة كان هدفي. دفعني ذلك إلى المواظبة على الرسم وممارسة الكاريوكي، ما ولد لدي مشاعر جديدة بمرور الوقت. بعد أن تحررت من العبء المتمثل في أنني "خبيرة"، دخلت في حالة اليقظة والانغماس التي يزيلها إتقان العمل غالباً، ونما لدي حب الاستطلاع، وصرت أكثر تقبلاً لتطبيق الطرق الجديدة في التفكير والعمل.

لم أتوقع تحقيق الكثير من هذه الهوايات، سوى أنها ستجعل نشاطاتي أكثر تنوعاً بعض الشيء. لكن ما حدث بعد ذلك فاجأني. لاحظ فريقي تغيراً طفيفاً في سلوكي خلال جلسات المراجعة الإبداعية. عندما كانت تتولد في ذهني أمثلة غير متوقعة أو أفكار غير مألوفة، حرصت على تخصيص الوقت الكافي لمتابعتها وتطويرها بدلاً من أن أجعلها متوافقة مع إطار العمل الذي اعتدنا تطبيقه. جعلتني ممارسة الرسم أكثر تقبلاً لطلب المصممين اختيار ألوان جريئة للمواد التسويقية، كما ذكرتني جلسات الغناء الليلية بشعور التحرر المترافق مع الإبداع دون الخوف من أحكام الآخرين. انعكس ذلك على حكمي على الأفكار والفرضيات المبكرة. ساعدتني هذه التغييرات مجتمعة وساعدت فريقي على تهيئة الظروف التي مكنتنا من إنجاز عملنا الأعلى جودة؛ إذ إننا شككنا في الأعراف السائدة في مجال التعامل التجاري بين الشركات، وحققنا نتائج ممتازة وحظينا بالتقدير على مستوى القطاع بأكمله.

من هاو إلى قائد فعال

لا تتطلب ممارسة الهوايات بطريقة استراتيجية إحداث تغييرات كبيرة في نمط الحياة، ولكنها تتطلب الجهد الهادف. قال عالم الاقتصاد، جون مينارد كينز: "توليد الأفكار الجديدة ليس صعباً، لكن التحرر من الأفكار القديمة هو الصعب". فيما يلي نهج من ثلاث خطوات يساعدك على ممارسة الهوايات استراتيجياً:

1. اختر نشاطاً أو نشاطين لا يتعلقان بمهنتك:

من المحبذ أن تبتعد عن مجال خبرتك قدر الإمكان. الهدف هو التحرر من عواقب الكفاءة، ومنح دماغك القدرة على تشكيل الوصلات العصبية الجديدة.

2. صرح بالتزامك علناً: 

أخبر زملاءك وأصدقاءك وأفراد عائلتك بأنك ستمارس هواية جديدة، وبين أن هذه الهواية هي تجسيد لالتزامك بالتعلم وليس بتقديم الأداء الجيد. يعزز ذلك حس المسؤولية لديك ويزيد التزامك بالمسعى الجديد، كما أن التركيز على التعلم يخفض ضغط الإنجاز.

3. تقبل التوتر المفيد:

الهدف هو أن تشعر بأن ما يتطلبه النشاط الجديد يفوق قدرتك. حاول النظر إلى هذا الشعور على أنه فرصة للنمو وليس علامة على انعدام الكفاءة أو الفشل. إذا لاحظت أن التحدي سهل أو أن توترك زال، ارفع المعايير المطلوبة.

إذا التزمت بهواية ما فترة طويلة بما يكفي، فسيتحسن أداؤك فيها تلقائياً وستشعر بجدوى التقدم الذي تحرزه. مع ذلك، فإن هدف ممارسة الهوايات بطريقة استراتيجية ليس الإتقان، بل تعزيز مرونتك الذهنية من خلال تعلم المهارات الجديدة باستمرار. يصعب على أصحاب الأداء العالي مقاومة تقييم الأداء ومقارنته بأداء الآخرين والتفوق عليهم، لكن هذا الانضباط هو ما يجعل ممارسة الهوايات بطريقة استراتيجية فعالة. إذا وضعت نفسك بانتظام في الظروف التي تكون فيها هاوياً فحسب، ستصبح قائداً أكثر فعالية، لذا، عندما تلاحظ أنك وصلت إلى مرحلة الكفاءة، لا تضاعف جهودك في المجالات التي تتقنها، بل تعلم مهارات جديدة تماماً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي