لقد شعرنا جميعاً في السابق أننا اصطدمنا بجدار في لحظة معينة. فقد تجد نفسك أمام منافس لا يمكنك التفوق عليه في الأداء، وربما تخسر وظيفتك على الرغم من أنك بذلت قصارى جهدك. وقد تكون من الأشخاص الذين يفعلون كل ما في وسعهم ومع ذلك لا يحصلون على الترقية المستحقة. ولكن بغضّ النظر عن السبب، قد تكون تلك العقبة التي تشعر بأنك تواجهها في طريقك، هي خطوتك الأولى نحو رحلة نمو جديدة – طالما أن هذه الخطوة هي خطوة إلى الوراء، فماذا عن توقف النمو المهني بشكل مفاجئ؟
عندما لا تستطيع المضي إلى الأمام، فإن السبيل الوحيد للمحافظة على حالة الحركة هي أن تتراجع خطوة إلى الوراء. ومن الأمثلة على ذلك ما قالته بربارة كوركوران في البرنامج الحواري التلفزيوني "شارك تينك" (Shark Tank)، عندما كانت تتحدّث عن تأسيس شركتها "كوركوران" للعقارات، وهي شركة وساطة عقارية للبيوت السكنية في مانهاتن: "بحسب معايير كل الناس، كنت عبارة عن قصة نجاح كبيرة. لكنني كنت أعلم أنني في طريقي إلى الإفلاس. فهل تعلمون ما الذي فعلته؟ لقد التحقت بوظيفة جديدة بدوام كامل في نفس الوقت الذي كنت أدير فيه شركتي، فليس من الخطأ إطلاقاً أن تعود خطوة إلى الوراء قبل أن تمضي قدماً". وكما نرى من تجربة "كوركوران"، قد يكون الانتقال أي أخذ خطوة جانبية أو العودة إلى الوراء فرصة للانطلاق بقوة نحو الأمام.
توقف النمو المهني
لطالما نرى هذا الأمر يحدث في عالم استراتيجيات الشركات – فالشركات التي تجد نفسها قد ارتطمت بالجدار، ترجع خطوة إلى الوراء، وتعيد تقييم الأمور، ومن ثم تنطلق. ولنأخذ على سبيل المثال شركة "تراكتور سبلاي" (Tractor Supply)، التي تأسست عام 1938 لبيع قطع غيار الجرارات الزراعية إلى أكثر من 6 ملايين مزارع كانوا يشكّلون قوام المزارعين في الولايات المتحدة الأميركية. ومع النمو المضطرد للشركة، تحوّلت في خمسينيات القرن الماضي إلى شركة عامة مدرجة في البورصة. وبحلول أواخر ستينيات القرن ذاته، وبما أن الجرارات الزراعية باتت ذات نوعية أفضل وقلت معها الحاجة إلى استبدال أجزائها بقطع غيار أخرى، ومع تراجع أعداد المزارعين في أميركا من 6 ملايين إلى 3 ملايين مزارع، أخذت الشركة تعاني. وخلال الاثنتي عشرة سنة التالية، جرى الاستحواذ على الشركة مرتين، وتوالى على إدارتها 5 رؤساء. وبعد أن شهدت إغلاق عدد كبير من متاجرها، وتراجعت إيراداتها إلى 100 مليون دولار، شارك عدد من كبار المدراء التنفيذيين في عملية شراء للشركة باستخدام رأس مال أساسي وقروض، وذلك في مطلع ثمانينيات القرن العشرين.
وعندما تعمّق الملاك الجدد في بحر البيانات، اكتشفوا أنه على الرغم من التراجع في عدد المزارعين المحترفين الذين يمارسون الزراعة لأغراض تجارية، فإن عدد المزارعين الهواة كان في تصاعد. مما يدل على ضرورة إحداث نقلة استراتيجية والابتعاد عن توفير قطع غيار الجرارات الزراعية، والانتقال إلى تأمين المستلزمات العامة للمزارع الكبيرة والصغيرة. يقول جو سكارليت، الرئيس التنفيذي السابق للشركة: "لقد كان أحد أهدافنا الرئيسية هو أن نصبح المتجر المفضل للناس الذين يمتلكون خيولاً". أما اليوم فقد ازدادت أعداد متاجر هذه الشركة لتصل إلى أكثر من 1,400، أي ثلاثة أضعاف عدد المتاجر التي يمتلكها المنافسون الخمسة لها مجتمعين، في حين وصلت الإيرادات إلى أكثر من 5 مليارات دولار، وهي عبارة عن سلسلة ناجحة من المتاجر المتخصصة بمعدات إصلاح المنازل والمستلزمات الزراعية والحدائق المنزلية والعناية بالحدائق.
وبالطبع فإن شركة "تراكتور سبلاي" ليست الوحيدة – فهي قامت بما حاول الكثيرون غيرها فعله. فوفقاً للأستاذ آمار بايدي من جامعة "تافتس"، فإن 70% من جميع الشركات الناجحة ينتهي بها المطاف إلى تبني استراتيجية تختلف عن تلك التي كانت وضعتها في بدايات انطلاقها. ويعتبر تتالي الأحداث وتتابعها بالنسبة لهذه الشركات واحداً تقريباً وعلى الدوام، فهي تأخذ خطوة إلى الخلف وتعيد تقييم الأمور ومن ثم تقفز نحو تبنّي استراتيجية جديدة.
لماذا توقّفت عن النمو؟
عندما تشعر بأنك تراوح مكانك في تجربتك الشخصية وأنك غير قادر على النمو، حاول أن تستعير صفحة من الكتاب ذاته الذي تطالعه هذه الشركات. واطرح على نفسك السؤال التالي: لماذا توقّفت عن النمو؟ وما الذي تقوله لي البيانات؟ وما هي المجالات القريبة التي يمكن أن تدعني أنمو من جديد؟ بعد ذلك خذ نفساً عميقاً – وتراجع خطوة إلى الوراء.
عندما نكون قريبين جداً من الجدار وعلى وشك الاصطدام به، فإنه يطغى تماماً على الصورة التي تراها أعيننا بحيث يمنعنا من رؤية محيطنا بدقة. والأمر شبيه بلعبة الهاتف المحمول "كلوس آب" (Close Up). فأنت ترى أولاً صورة مقربة جداً لجسم معين، وبعد ذلك يبدأ الإطار بالاتساع تدريجياً، كاشفاً عن حقيقة هذا الجسم. وقبل أن تبتعد الكاميرا إلى الوراء، سيكون من المستحيل تقريباً تحديد ما تنظر إليه.
يجد معظم الناس صعوبة في العودة إلى الوراء بسبب الآثار النفسية المترتبة على ذلك. بالنسبة للبعض، التراجع إلى الوراء يعادل الخسارة. والبعض الآخر يعتقد أنه أصلب من الجدار وأنه قادر على تحطيمه واختراقه. وآخرون يريدون فقط تجاهل وضعهم، ومواصلة تدوير عجلاتهم حتى حتى نفاد كل الوقود من خزاناتهم. فكم من واحد منا قال لمدير للموارد البشرية في مقابلة عمل: "أنا لا أقبل راتباً أقل" أو "ما هي الخطوة التي يجب أن تكون إلى الأعلى"؟
هذا النوع من الصرامة يمكن أن يكون كارثياً بسبب توقف النمو المهني بشكل مفاجئ، في حين أن المرونة والاستعداد للاستدارة وتغيير الاتجاه يمكن أن يزيد من فرصك في النجاح.
اقرأ أيضاً: