كان عام 2009 عاماً جيداً للشركات الناشئة مع انطلاق أكثر من 20 شركة وقتها مثل "أوبر" و"سلاك" و"بنترست" و"بلو أبرون" وقد قّدرت قيمة كل واحدة منها لاحقاً بما يزيد عن مليار دولار. وبالنظر إلى أن تمويل هذه الشركات جاء بالكامل من وادي السيليكون، فقد تفترض أن التقنيات المتطورة والمنصات الرقمية وقواعد العملاء التي تألفت بالكامل من جيل رقمي كانت المكونات الرئيسة لنجاحها، لكن لن يجانبك الصواب للأسف.
تملك تلك الشركات بالفعل تقنيات ومنصات وديموغرافيات رائعة، إلا أن سر نجاحها كان تقليدياً إلى حد كبير وتمثّل في قدرة كل واحدة منها على إرضاء الزبائن الفعليين الذين يريدون إنجاز أعمالهم، والتي أعني بها وجود مشكلة جوهرية بالنسبة لهم بحاجة إلى حل. وبعبارة أخرى، كانت لديهم نماذج أعمال رائعة.
وتدين كل شركة ناجحة إلى نموذج أعمالها، سواء أكانت تدرك هذا أم لا، وتطرقت إلى ذلك سابقاً في مقال نُشر في "هارفارد بزنس ريفيو" في عام 2008 قبل تأسيس أي من تلك الشركات. ولا يزال ما سبق صحيحاً على الرغم من مرور 10 سنوات عليه، وعلى الرغم من تركيز خطابات الشركات بشكل رئيس على التحول الرقمي. وقد تُمكّن المنصة الرقمية، أو الحل الرقمي من وجود مرحلة جديدة من النمو التحولي، إلا أننا عندما ننظر بتمعن إلى قلب أعمال الشركة ونحاول رؤية ما يقودها حقاً، سنجد أن نموذج أعمالها هو الأساس.
ولقد حددت في مقالي العناصر المتشابكة الأربعة التي تخلق وتوفر قيمة لكل من الشركات وعملائها إن تم العمل بها معاً. وهذه العناصر هي:
القيمة المقدمة للعميل، وهي الطريقة التي تساعد العملاء على إنجاز مهامهم؛ وكلما زادت أهمية تلك المهمة لهم وكان مستوى رضاهم عن محاولات الشركات الأخرى لحلها أقل والحل الذي تقدمه أنت أفضل وأقل تكلفة لهم، كانت القيمة المقدمة للعميل الخاصة بك أكثر قوة.
أما العنصر الثاني فهو صيغة الربح، أو كيفية إنشاء قيمة لنفسك مع توفير القيمة للعميل. وتمثل الإيرادات وهيكل التكلفة والهوامش وسرعة الموارد العناصر الأربعة الأساسية لهذه الصيغة. وتتمثل الطريقة الأفضل لإنشاء صيغة الربح في الانطلاق من خط النهاية والعودة رجوعاً عبر إما البدء بأقل سعر تكلفة ممكن لتوصيل القيمة المقدمة للعميل ثم معرفة هيكل التكلفة والعوامل الأخرى الواجب أن تكون موجودة، أو البدء بهيكل التكلفة اللازم والهوامش للوصول إلى السعر المطلوب في حالة الأعمال التجارية التي لا يوجد ما يشابهها.
الموارد الأساسية، وهي الأصول المطلوبة لإنجاز القيمة المقدمة للعميل لكل زبون مع تحقيق ربح، وتمثل الأشخاص والتكنولوجيا والمنتجات والمرافق والمعدات والقنوات والعلامة التجارية.
العمليات الرئيسة، وهي القدرات التشغيلية والإدارية التي تسمح للشركة بتقديم قيمة بطريقة قابلة للتكرار والتوسعة. وتشمل التصنيع وإعداد الميزانية والتخطيط والمبيعات والتسويق وخدمة العملاء.
وتتميز نماذج الأعمال الناجحة بوجود قيمة مقدمة للعميل قوية بشكل استثنائي ونظام مستقر وقابل للتوسع تتداخل فيه جميع العناصر بسلاسة مع التكامل فيما بينها. وتكمن قوة إطار العمل هذا في الترابط المعقد لأجزائه على الرغم من البساطة الظاهرية التي قد يبدو عليها. وتؤثر أي تغييرات رئيسة لأي عنصر على باقي العناصر وعلى الإطار ككل.
وغالباً ما تنظر الشركات الناضجة بحسرة إلى الشركات الناشئة الناجحة، كما في حالة الشركات الفريدة التي نشأت عام 2009، وتتساءل عما إذا كان في إمكانها إعادة الحيوية لأعمالها من خلال إضافة عنصر رقمي إلى نموذج أعمالها الحالي بنفس فكرة إضافة محرك بخاري خارجي إلى زورق تقليدي لجعله يُبحر أسرع. لكن لم يكن الجانب الرقمي هو ما أعطى تلك الشركات هذه القيمة الكبيرة، بل كان القيمة القوية جداً المقدمة للعميل لديها والتي جعلت المستثمرين يؤمنون بإمكانية الحصول على أرباح منها وقابليتها للتوسع. فلدينا القدرة على طلب سيارة باستخدام الهاتف الذكي (يقودها رائد أعمال يعمل لحسابه الخاص ويدفع معظم النفقات من جيبه)؛ ونظام مراسلة فورية يسمح أيضاً بالتعاون في العمل؛ وموقع تواصل اجتماعي يسمح لمستخدميه بمشاركة اهتماماتهم بصرياً مع بعضهم البعض (ومع المعلنين الذين يرعون المحتوى ويدفعون مقابل بيانات المستخدم).
وللحصول على مثال على حالة تحوّل نموذج أعمال ممكّن رقمياً، لننظر إلى حالة "دومينوز بيتزا" والتي شهدت تحولاً هائلاً منذ عام 2010 أشادت به مجلة "فوربس" قائلة إنها دراسة حالة حقيقية حول "كيف يؤدي التحول الرقمي إلى تحقيق قيمة للأعمال". مرّت "دومينوز" بحالة تحول لا مثيل لها، إذ باتت قيمة الأسهم التي اشتراها مستثمر في "دومينوز" بمبلغ 1,000 دولار في عام 2008، عندما كانت على حافة الإفلاس، تزيد الآن عن 80,000 دولار. وبالمقارنة، فإن قيمة أسهم "تشبوتلي" (Chipotle) التي اشتراها مستثمر بمبلغ 1,000 دولار في العام نفسه تساوي في ذروة ارتفاع أسهم الشركة في عام 2015، أي قبل الذعر الذي تسببت به بكتيريا الإيكولاي، 5,000 دولار فقط.
قدمت "دومينوز" ابتكارات جديدة في منتجاتها مثل تقديم وصفات محسنة وخيارات قائمة جديدة، فضلاً عن قيامها في الوقت نفسه بتحسين العمليات المتصلة بطلب البيتزا وتوصيلها عبر استحداث قسم تجارة إلكترونية داخلي، الأمر الذي جعل طلبات البيتزا عبر الأجهزة الرقمية اليوم تتجاوز تلك التي تُطلب عبر الهاتف.
لكن كانت الرقمنة الخطوة الأولى في تحول "دومينوز"، إذ عملت أيضاً على تحسين منصتيها على الإنترنت والهاتف المحمول لتقدم مزايا قامت بالتعريف عنها بحملات إعلانية كبيرة مثل قدرة المستخدم على إنشاء ملف يتضمن أنواع البيتزا المفضلة لديه ويسهل عليه طلب البيتزا، وقدمت برامج الولاء التي زادت من تواتر عمليات الشراء. وصحيح أن "دومينوز" تمكّنت من التحول باستخدام واجهتها على الإنترنت، إلا أنها حققت النجاح لأنها تمكنت من جذب عملاء جدد والاحتفاظ بهم، مع تحويل العملاء العابرين إلى عملاء دائمين وقيامها في الوقت نفسه باستخلاص قيمة أكبر من كل تعامل تجاري. وإضافة إلى ذلك، غيرت الشركة طريقة ترويجها لعلامتها التجارية وعلاقتها بعملائها عبر جعل تجربة طلب البيتزا أكثر متعة، والتي كانت الحلقة المفقودة في القيمة المقدمة للعميل في "دومينوز". وبات يمكن للعملاء الآن لعب "بيتزا هيرو" على هواتفهم المحمولة بعد إدخال طلباتهم المخصصة، أو مشاهدة عداد توقيت تنازلي حتى وصول البيتزا إليهم.
لقد كان بناء "دومينوز" لمنصة رقمية خاصة بها بمثابة تغيير هائل، إلا أنه لم يغيّر طريقة عملها، حيث نفّذت ذلك من خلال تعزيز القيمة المقدمة للعميل (إضافة المزيد بشكل مريح وممتع) الخاصة بها، وصيغتها الخاصة بالربح (عبر زيادة حجمها وسرعة مواردها)، وعبر ترقية الموارد والعمليات اللازمة لدعم ذلك.
ومن المؤكد أن على كل شركة تقدم خدمات أو سلع للمستهلكين امتلاك مكون رقمي؛ ففي نهاية المطاف، نحن في عام 2019؛ إلا أن امتلاك نموذج عمل قوي ومتماسك لا يزال هو مفتاح النمو التحولي.