ما هو التفكير المعزز؟ وكيف تستفيد منه لتطوير مهاراتك القيادية

5 دقيقة
التفكير المعزز
app.envato.com/by FabrikaPhoto

يناقش المقال تحوّل القيادة الاستراتيجية في عصر الذكاء الاصطناعي، والحاجة إلى تجاوز الأطر التقليدية عبر نموذج "التفكير المعزز"، الذي يدمج الذكاء البشري والآلي لتسريع التحول المؤسسي واتخاذ قرارات أكثر وعياً في بيئات معقدة ومتغيرة. أبرز المحاور:

  • التفكير المعزز كإطار قيادي …

السياق والمشكلة

في ظل ازدياد استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات صنع القرار الاستراتيجي، حان الوقت لتقييم ملاءمة الأطر الفكرية السائدة وفعاليتها، ولا سيما التفكير المنظومي والتفكير التصميمي، في قيادة تطوير الأعمال. قدم بيتر سينغ إطار التفكير المنظومي الذي يوضح فائدة اعتماد النظرة الشمولية إلى المؤسسات على أساس أن الكل أكبر من مجموع أجزائه، وتختلف هذه النظرة جوهرياً عن التصور المبسط التجزيئي الجامد التقليدي للمؤسسات الذي يعتبرها مجموعة من العناصر المنعزلة، ويعتبر أن التحول المؤسسي الحقيقي لا يتحقق إلا من خلال التغيير على مستوى المنظومة بأكملها. ومع مطلع الألفية الجديدة، أحدث التفكير التصميمي نقلة نوعية في تاريخ الفكر الإداري من خلال تقديم منهجية لحل المشكلات تركز على الإنسان. ففي حين أن التفكير المنظومي مكن المؤسسات من تبني رؤية استراتيجية شاملة، فإن التفكير التصميمي وفر إطاراً تكتيكياً لاكتشاف المشكلات الجوهرية من خلال الكشف عن رؤى عميقة عن المستهلكين ضمن ظروفهم الواقعية، ما دفع عجلة التجريب والابتكار.

في هذا السياق، نطرح مفهوم "التفكير المعزز"، وهو إطار قيادي جديد مصمم لتوسيع الإدراك البشري من خلال التعاون المدروس مع الذكاء الاصطناعي. ليس الغرض من هذا النموذج أن يحل محل نهجي التفكير المنظومي والتفكير التصميمي، بل أن يكملهما ويدعمهما لتعزيز وتيرة التحول المؤسسي وتسريعها في بيئة الأعمال القائمة على الذكاء الاصطناعي.

القيادة المعززة بالذكاء الاصطناعي

لطالما كانت القيادة مجالاً متطوراً باستمرار، تشكل ملامحه تعقيدات بيئات العمل. ومع دخولنا عصر الابتكار المتمحور حول الإنسان، علمنا التفكير التصميمي كيف ندمج التعاطف والإبداع في حل المشكلات. وعندما ظهرت التداخلات المعقدة بين الأنظمة العالمية، ساعد التفكير المنظومي القادة على توسيع رؤيتهم واكتشاف الأنماط، وتصميم حلول فعالة للتعامل مع التعقيدات. أما اليوم، فإن القادة يواجهون تحديات جسيمة تتفاقم بسرعة وتتغير باستمرار، من الزعزعة التي يسببها الذكاء الاصطناعي إلى المخاطر النظامية العالمية، الأمر الذي فرض عليهم متطلباً جديداً وجوهرياً، وهو توسيع قدراتهم المعرفية والتفكير بما يتجاوز حدود إمكاناتهم الذهنية. من هنا يبرز نموذج جديد وهو التفكير المعزز، إذ يجب تعزيز الذكاء البشري بالذكاء الآلي بوعي للتكيف مع متطلبات العصر.

بنيت نماذج القيادة في القرن العشرين لتتناسب مع بيئات كان الإنسان قادراً فيها على إدارة المعلومات بجهده على الرغم من تعقيدها، فحينئذ كان التمتع بالخبرة والحدس والقدرة على اتخاذ القرار المنظم كافياً أغلب الأحيان. أما اليوم، فقد أدى التدفق الهائل للبيانات، وتسارع وتيرة التغير، وانتشار الذكاء الاصطناعي إلى خلق ظروف لا يمكن لعقل بشري أن يسيطر عليها بمفرده، إذ يواجه القادة تدفقاً هائلاً من المعلومات لكنهم يفتقرون إلى وضوح الرؤية، وتتداعى آثار القرارات الاستراتيجية عبر أنظمة العمل بطرق غير متوقعة، كما أن الابتكارات التي كانت تستغرق عقوداً أصبحت تعيد تعريف القطاعات في غضون أشهر فقط.

الحقيقة المرة هي أن العقل البشري بمفرده لم يعد كافياً للقيادة على نطاق واسع.

  • لم تعد المشكلات معقدة فقط، بل أصبحت متغيرة بوتيرة متسارعة.
  • تقلصت دورة اتخاذ القرار من شهور إلى دقائق.
  • يولد الذكاء الاصطناعي أفكاراً وسيناريوهات ومخاطر على نطاق يفوق القدرات البشرية على المعالجة.

ينبغي للقادة الآن تجاوز حدود تفكيرهم الشخصي، لا مجرد تحسينه.

تطبيق التفكير المعزز: مخطط تعزيز القيادة

لتحويل التفكير المعزز إلى ممارسة عملية، يحتاج القادة إلى أدوات منهجية تتمثل إحداها في "مخطط تعزيز القيادة"، وهو إطار عملي مصمم على غرار مخطط نموذج العمل، لكنه معد خصيصاً لدعم التفكير الاستراتيجي المعزز بالذكاء الاصطناعي.

تشمل المكونات الأساسية لهذه الأداة القدرة على:

  • إعادة صياغة التوجه الاستراتيجي ليواكب وتيرة التغيير المتسارعة.
  • رصد الفرص الحالية والمستقبلية بسرعة، وترتيبها حسب الأولوية، والموازنة بين السلبيات والإيجابيات.
  • اكتشاف فرص التوسع المعرفي؛ أي تطوير التوجه الاستراتيجي أو الفكرة إلى وجهات نظر أوسع.
  • تحديد متطلبات إعادة صياغة السياق لفهم المشكلة بصورة أفضل، وتمكين التفكير الإبداعي الذي تجاوز الطرق التقليدية.
  • تحديد نقاط التعاون والتفاعل مع الذكاء الاصطناعي.
  • تحديد التحيزات والمخاطر والأبعاد الأخلاقية لكل خيار استراتيجي.
  • تصميم أساليب تعزيز القيادة لتسريع مرحلتي تطبيق الفكرة وتوسيع نطاقها.
  • وضع مؤشرات نجاح وحلقات تعلم متطورة تحفز الابتكار وقائمة على المراقبة الذاتية، ودمجها في العمليات.

باستخدام هذا المخطط، ينتقل القادة من سؤال "كيف أتخذ هذا القرار؟" إلى "كيف يمكن للذكاء البشري والآلي معاً صياغة مستقبل أفضل؟".

الرؤى الأساسية

1. الحجة: القيادة المعززة بالذكاء الاصطناعي تعزز القدرة البشرية.

يمثل التفكير المعزز في جوهره الممارسة المنظمة لتوسيع القدرة الاستراتيجية البشرية من خلال التعاون الواعي مع الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة. فهو لا يتمحور حول الأتمتة فحسب، بل يهدف إلى تعزيز المعرفة القيادية نفسها عبر:

  • توليف كميات هائلة من المعلومات غير المنظمة على الفور، والكشف عن الأنماط التي كانت ستظل خفية.
  • التفكير عبر أبعاد موسعة، تشمل أطراً زمنية متعددة ووجهات نظر متنوعة لأصحاب المصلحة.
  • نمذجة سيناريوهات مستقبلية متعددة، بدلاً من الاعتماد المبكر على توقع واحد، ما يمكن من صياغة استراتيجيات أكثر مرونة.

2. الحجة المضادة: القيادة المعززة بالذكاء الاصطناعي تفاقم التحيزات القائمة

تزداد الأدلة على أن تفويض الآلة بالاستشراف الاستراتيجي واتخاذ القرار لا يخلو من سلبيات، لا سيما:

  • تحيز البيانات: قد تؤدي القرارات المستندة إلى بيانات متحيزة إلى ممارسات غير أخلاقية وتعزيز عدم المساواة المنهجي.
  • انحراف الاستراتيجية: يمكن لمجموعات البيانات المعيبة والافتراضات الخاطئة أن تقود إلى انحراف الاستراتيجية عن مسارها الأصلي.
  • اختلال التوازن المعرفي: الاعتماد المفرط على البيانات القابلة للقياس قد يمنع الوصول إلى الرؤى التي لا يمكن توليدها إلا عبر المناهج الحدسية والتأملية الأصيلة.

تحسين القيادة المعززة بالذكاء الاصطناعي من خلال التفكير المنظومي والتفكير التصميمي

نحن نرى أن التفكير المعزز يمكن أن يحدث تأثيراً مضاعفاً عند دمجه مع التفكير المنظومي والتفكير التصميمي، ونقدم الفكرتين التاليتين:

1. الفكرة الأولى: التفكير المنظومي يحسن التفكير المعزز والقيادة المعززة من خلال:

  • تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي باستمرار من خلال مراعاة حلقات الملاحظات والترابط بين المكونات.
  • أخذ العوامل الخارجية في الاعتبار ضمن سياقها الشامل لتقييم أثرها الطويل المدى.
  • اعتماد نهج متكامل في صنع القرار يشمل مراعاة مصالح الأطراف المعنية كافة.
  • الاهتمام بالآثار الاجتماعية والأخلاقية بمعزل عن معايير الكفاءة التي يحققها الذكاء الاصطناعي.

2. الفكرة الثانية: يضفي التفكير التصميمي الطابع الإنساني على التفكير المعزز والقيادة المعززة من خلال:

  • تبني نهج يتمحور حول الإنسان في صنع القرارات القائمة على البيانات، عبر تحديد الاحتياجات الحقيقية للمستخدمين.
  • إعادة صياغة المشكلات من خلال الكشف عن الرؤى الإنسانية العميقة، لضمان طرح الأسئلة الصحيحة على الذكاء الاصطناعي.
  • استكمال التعرف على الأنماط بالاستفادة من الذكاء الاصطناعي، من خلال المزج بين الحدس والخيال.
  • تسريع مراحل النمذجة والاختبار عبر الأنظمة المعززة بالذكاء الاصطناعي التي يمكنها محاكاة النتائج على نطاق واسع.

دعوة لاتخاذ إجراء

يناقش هذا البحث مفهوم التفكير المعزز الذي سيحدد معالم جيل القادة الجديد، من خلال توظيف التكنولوجيا المدعومة بالذكاء الاصطناعي في التوسع المعرفي. وباستخدام أدوات جديدة مثل مخطط تعزيز القيادة، يمكن للرؤساء التنفيذيين وصناع السياسات توسيع آفاقهم الاستراتيجية بصورة منهجية، وتعزيز سرعة التعلم، وضمان فعالية القرارات في بيئات تتسم بالتغير وعدم اليقين.

في النهاية، لن يكون النجاح في عصر الذكاء الاصطناعي حليفاً للذين يكتفون بالتفاعل مع التحولات التكنولوجية، بل للذين يعززون طريقة تفكيرهم بوعي (بالجمع بين المحاكمة العقلية وحلول الذكاء الاصطناعي السريعة النمو لصياغة مستقبل أفضل وأكثر مرونة).

يضاف إلى ذلك، أن دمج التفكير المنظومي والتفكير التصميمي في التفكير المعزز يساعد على ممارسة القيادة الاستراتيجية المسؤولة. فمن خلال دمج التفكير المنظومي بالقيادة المعززة بالذكاء الاصطناعي يتعزز بعد النظر لدى القادة في عملية صناعة القرار؛ فيتجنبون اتخاذ قرارات جامدة مجزأة. كما يجب على المدراء إعادة تعلم التفكير المنظومي باعتباره "منهجية حية" ترى تدفقات البيانات ونماذج الذكاء الاصطناعي المدربة والخبرة البشرية مكونات متكافئة ومتطورة باستمرار. وأخيراً، فإن الاستراتيجية المعززة التي تفتقر إلى القيادة الأخلاقية قد تتحول بسرعة إلى تضخيم للأفكار القصيرة المدى أو تحيز مؤسسي، ففي حين أن التفكير المعزز بالذكاء الاصطناعي يسمح باتخاذ قرارات قائمة على البيانات على نطاق واسع، يضمن نهج التفكير التصميمي القائم على التعاطف تبني نهج يركز على الإنسان لتعريف المشكلات بطريقة إبداعية والابتكار في حلها.

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي