تقرير خاص

النقل الذكي في المملكة: رؤية الهيئة العامة للنقل لعصر جديد من المواصلات

6 دقيقة
النقل الذكي

ملخص: النقل الذكي في السعودية لم يعد مجرد وسيلة تنقل، بل تحول إلى أداة استراتيجية لتحقيق الاستدامة الحضرية ودعم رؤية 2030 عبر مشاريع مبتكرة تجمع بين التقنية والبنية التحتية الحديثة.

  • يشكل النقل الذكي ركيزة لتطوير المدن الذكية، حيث يسهم في تحسين جودة الحياة وتقليل الانبعاثات الكربونية.
  • المملكة أطلقت القطار الذكي في الرياض ومركبات ذاتية القيادة ضمن خطة متكاملة للتنقل الحضري الآمن.
  • بدأت التجارب منذ 2019 عبر جامعة كاوست، وتطورت إلى مشاريع تطبيقية في الرياض وموسم الحج.
  • المركبات الذاتية القيادة تغطي 7 مواقع رئيسية في الرياض وتصل سرعتها إلى 100 كيلومتر/ساعة.
  • شراكات محلية ودولية (مثل وي رايد، أوبر) عززت تبني هذه التقنيات، مع إقبال مواطنين بنسبة 77.8%.
  • الهيئة العامة للنقل وضعت أنظمة أمان بوجود "مسؤول أمان" داخل المركبات لضمان السلامة.
  • مبادرات أخرى تشمل السكوتر الكهربائي، التاكسي الهيدروجيني، وروبوتات التوصيل الذاتي.
  • سوق النقل الذكي قُدر بـ 1.19 مليار دولار عام 2023، ويتوقع أن يتجاوز ملياري دولار بحلول 2030.
  • أبرز التحديات تتمثل في ارتفاع تكلفة السيارات الكهربائية والحاجة لتطوير البنية التحتية بشكل أشمل.
  • استثمارات ضخمة بقيمة 300 مليار دولار تُخصص لتطوير شبكات النقل الذكية والموانئ والطرق.

لم يعد النقل الذكي مجرد وسيلة تقليدية، بل أصبح رمزاً للتحول الحضري نحو مدن أكثر ذكاء وبيئة أكثر استدامة، وأعاد تعريف مفاهيم الحركة والمكان والزمان. وفي المملكة العربية السعودية، حيث يشكل العدد الإجمالي للأشخاص المقيمين في المناطق الحضرية نحو 92%، أصبحت وسائل النقل الذكية جزءاً من تطوير البنية التحتية الوطنية، لتحقيق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية للارتقاء بجودة الحياة،، وتحسين الكفاءة التشغيلية، وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص، بما يتماشى مع رؤية 2030.

ويسهم النقل الذكي في تحسين آليات الأمان والسلامة العامة، بفضل أنظمة المراقبة الذكية والاستجابة الطارئة. كما يعزز الشمولية الاجتماعية في المملكة من خلال تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة وتلبية متطلباتهم في وسائل النقل، إضافة إلى دوره في تقليل الانبعاثات الكربونية، وتحسين مستوى الهواء في المناطق الحضرية. وتستهدف المملكة الاستعانة بالتقنيات الحديثة وتحليل البيانات لتحسين السلامة المرورية وتقليل الازدحام. لذا، أطلقت مشروع القطار الذكي في الرياض بتكلفة تتجاوز 22.5 مليار دولار.

من هذا المنطلق، دخلت خدمات مركبات نقل الركاب ذاتية القيادة أولى مراحلها التطبيقية في مدينة الرياض، تحت إشراف مباشر وتنظيم فني من الهيئة العامة للنقل. ويهدف هذا المشروع الذي يستمر 12 شهراً، إلى توفير بيئة نقل آمنة وموثوقة، وبناء منظومة ذكية تدعم الابتكار والتحول التقني، وتحقيق التكامل مع وسائل النقل الأخرى. ويعكس توجه المملكة نحو تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في النقل الحضري، بما يعزز الاستدامة ويدعم جودة الحياة في المدن الذكية. فكيف انتقلت هذه المركبات من مرحلة التجربة إلى التطبيق؟

رحلة من النموذج التجريبي إلى الواقع الذكي

تطورت رحلة المملكة في الاهتمام بالمركبات الذاتية القيادة من التجارب المحلية إلى الشراكات العالمية والتطبيقات التجريبية الحضرية. ففي عام 2019، أطلقت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) أول حافلة ذاتية القيادة ضمن بيئة فعلية داخل حرمها الجامعي. وتطلعت الجامعة من خلال هذه التجربة إلى استخدام النقل الذكي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في البنية التحتية المحلية، وتبني المواصلات الصديقة للبيئة.

وفي عام 2023، أطلقت وزارة النقل و الخدمات اللوجستية والهيئة العامة للنقل المرحلة التجريبية لأول حافلة ذاتية القيادة في حرم جامعة الملك سعود و روشن للأعمال بمدينة الرياض و ايضا في موسم حج 1445؛ بهدف زيادة وعي المواطنين والزوار وتعزيز قبولهم لهذه التقنية، ما أثمر عن إطلاق المرحلة التطبيقية لمركبات نقل الركاب ذاتية القيادةعلى أرض الواقع، وبشراكة سعودية تكاملية بين منظومة النقل والخدمات اللوجستية، ومنظومة الاتصالات و تقنية المعلومات ، ووزارة الداخلية، والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، والهيئة العامة للمساحة والمعلومات الجيومكانية، والهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة.

تنطلق هذه المركبات بسرعات تصل إلى 100 كيلومتر في الساعة ضمن بيئة تشغيلية تشمل 7 مواقع حيوية في مدينة الرياض، منها مطار الملك خالد الدولي، وواجهة روشن للأعمال، وجامعة الأميرة نورة، إضافة إلى بعض الطرق السريعة والوجهات في شمال المدينة. وبذلك، فإنها تغطي 13 محطة ضمن نظام حضري يعتمد على التقنية الرقمية لتعزيز خدمات النقل وتحسين جودة الحياة.يتطلع المواطنين في المملكة لكل ماهو حديث ومن ضمنه استخدام وسائل النقل الذكي بوصفها أساساً لنقل حضري أكثر كفاءة واقتصاداً وراحة. وقد أظهرت دراسة بعنوان "التحقيق في تأثير حلول التنقل الذكي على كفاءة النقل الحضري في المدن السعودية" أن 77.8 % من المشاركين فيها أبدوا استعدادهم لاستخدام حلول النقل الذكي. لذا، من المتوقع أن تحقق هذه التجربة إقبالاً بين المواطنين والزوار، خاصة أنها تعمل بالتعاون مع شركات عالمية من القطاع الخاص مثل وي رايد، وأيه آي درايفر، وأوبر؛ التي يستخدم خدماتها أكثر من 560 ألف شخص في المملكة. في حين ينتشر استخدام تطبيقات النقل في الرياض، وتستحوذ على 40% من إجمالي الرحلات بالمملكة بأكملها، ما يعكس الإقبال الشديد في العاصمة السعودية.

وعلى الرغم من هذا التقدم اللافت، تبقى السلامة مسألة محورية. إذ تستعين المركبات الذاتية القيادة بالذكاء الاصطناعي المدمج فيها دون الحاجة إلى وجود سائق، لكنها تحتاج في بعض الأحيان إلى تدخل بشري محدود. وأكدت دراسة بعنوان "أهمية العوامل البشرية في سلامة المركبات الذاتية القيادة" ضرورة وجود ضوابط تنظيمية صارمة لهذه المركبات، بما في ذلك آليات تفاعل واضحة بين النظام التقني ومستخدم المركبة، فضلاً عن تنظيم اختبارات لضمان الأمان. من هنا، أدركت الهيئة العامة للنقل أهمية وجود مسؤول أمان داخل المركبات الذاتية القيادة في الرياض، ولا سيما في هذه المرحلة التطبيقية بهدف ضمان السلامة ومتابعة أداء الأنظمة الذكية.

النقل الذكي: أداة حضرية لتحقيق الرؤية الوطنية

تطور قطاع النقل الذكي في المملكة باعتباره واجهة للحضارة ومحركاً حيوياً للاقتصاد الوطني. وفي عام 2023، قدرت سوق أنظمة النقل الذكي بنحو 1.19 مليار دولار، ويتوقع أن تواصل النمو لما يتجاوز ملياري دولار بحلول عام 2030. وترتكز استراتيجية الهيئة العامة للنقل على تحديث البنية التحتية، وتحسين جودة الخدمات من خلال الرقمنة والابتكار، ما يؤثر في نهاية المطاف على خدمات النقل الذكي ويطور منظومة مستدامة تجمع المدن الكبرى. وتجلى دور الهيئة من خلال ما يلي:

المركبات الذاتية القيادة

تتسم السياسات الحكومية في المملكة بمرونة في تبني التحول نحو المركبات الذاتية القيادة. وقد صنف تقرير شركة تينبت المملكة في المركز السابع عالمياً من حيث جاهزيتها لاعتماد المركبات الذاتية القيادة. إذ أكد امتلاكها بنية تحتية رقمية ناضجة، وتكاملاً تشريعياً وتكنولوجياً واعداً، ما يفتح آفاقاً جديدة أمام التوسع والاستثمار.

بدورها، عززت الهيئة العامة للنقل شراكاتها لتطوير عمل هذه المركبات وزيادة تبنيها في موسم الحج الماضي. إذ تعاونت الهيئة مع شركة جاهز لإطلاق 5 مركبات ذاتية القيادة لتوصيل الطلبات إلى ضيوف الرحمن في مشعر منى. وقد تجاوز الإقبال على هذه التجربة 20 طلباً. كما قامت الهيئة العامة للنقل بالتعاون مع شركة جاهز و روشن لإطلاق خدمة توصيل الطلبات ذاتي القيادة من مطاعم واجهة روشن الى منطقة الأعمال، تم تدشين الخدمة في 31 يوليو 2025 بخمسة روبوتات وستصل الى 30 روبوت بنهاية عام 2025 و ستتوسع الخدمة لتشمل المنطقة السكنية في روشن.

السكوتر الكهربائي

تكتسب سوق السكوتر الكهربائي زخماً متزايداً في المملكة؛ نتيجة الاهتمام بوسائل النقل الصديقة للبيئة، بالتزامن مع توسع محطات الشحن في الرياض وجدة والظهران. وفي عام 2024، بلغ حجم هذه السوق 333 مليون دولار أميركي، ومن المتوقع أن يستمر النمو إلى أكثر من 881 مليون دولار أميركي خلال 10 سنوات فقط. وخلال العام الماضي، استغلت الهيئة إمكانات السكوتر الكهربائي لتعزيز نجاح موسم الحج، وتيسير تنقل ضيوف الرحمن داخل المشاعر المقدسة.

التاكسي الهيدروجيني

تتجه المملكة نحو اعتماد الهيدروجين في النقل لتقليل الانبعاثات وتنويع مصادر الطاقة. ويعد مشروع التاكسي الهيدروجيني خطوة أخرى ضمن اهتمام الهيئة بالنقل الذكي. فقد أطلقت تجربة تشغيلية لسيارات تويوتا ميراي التي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين في مدينة جدة، وذلك في إطار شراكة استراتيجية مع القطاع الخاص. يمثل هذا المشروع نموذجاً متقدماً للنقل النظيف، إذ تعمل السيارات بانبعاثات صفرية مدة 8 ساعات متواصلة وتصدر بخار الماء فقط، مع قدرة تشغيلية تصل إلى 350 كيلومتراً في التعبئة الواحدة. وفي نهاية العام الماضي، تعاونت الهيئة أيضاً مع شركة هيونداي موتور لإطلاق حافلة بخلايا الوقود الهيدروجيني في المنطقة الشرقية مدة شهرين، ما يمثل إنجازاً في رحلة المملكة نحو التنقل المستدام.

تحديات النقل الذكي: الواقع أمام الطموح

يعد النقل الذكي ركيزة لتحول اجتماعي واقتصادي في المملكة، فقد تؤدي الاستثمارات في هذا القطاع إلى تخفيف الأزدحام المروري، خفض نسبة الحوادث، خفض الانبعاثات الكربونية، وتحسين نمط الحياة، وتحفيز الاقتصاد الرقمي. لذا، استقطبت هذه الرؤية اهتماماً متزايداً من كبرى الشركات العالمية، وعلى رأسها شركة تيسلا بقيادة إيلون ماسك، الذي أعلن نيته إدخال مركبات نقل الركاب ذاتية القيادة "روبو تاكسي" إلى المملكة، ما يعكس الثقة في السوق السعودية وإمكاناتها الواعدة. لكن هذه الطموحات تتطلب تصدياً للتحديات ووضع خريطة طريق لموازنة هذه الفرص. فما هي أبرز العقبات؟

تبني السيارات الكهربائية

تسعى المملكة إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والالتزام بالمعايير البيئية. وتستهدف تحويل 30% من المركبات الجديدة في الرياض إلى كهربائية، وتسعى إلى إنتاج 500 ألف سيارة كهربائية سنوياً بحلول عام 2030. وتدعم الحكومة هذا التوجه من خلال توفير بنية تحتية لشحن المركبات، بالتعاون مع القطاع الخاص. لكن الواقع يظهر أن تكلفة السيارات الكهربائية الباهظة قد تشكل حاجزاً أمام انتشارها، ففي عام 2023، بلغ عدد السيارات الكهربائية على الطرق أقل من ألف سيارة، ما يبرز الفجوة بين الطموحات والواقع. ومع ذلك، تشير الخطط لافتتاح مصانع للسيارات الكهربائية داخل المملكة إلى إمكانية قلب هذه المعادلة وفتح آفاق نمو تصل إلى 6% سنوياً حتى عام 2030.

تطوير البنية التحتية

تظل البنية التحتية عصباً حيوياً لنجاح النقل الذكي، إذ يتطلب هذا القطاع شبكة متطورة من الطرق والمرافق التقنية التي تضمن تغطية متكاملة لكل المناطق، بما فيها النائية. وعلى الرغم من تفوق الرياض في هذا المجال بفضل بنيتها التحتية المتطورة، لا يزال الكثير من المناطق خارج نطاق هذه التغطية، ما يعوق التطبيق الشامل لحلول النقل الذكي. مع ذلك، لا يمكن تجاهل ضخامة الاستثمارات التي تخصصها المملكة لهذا الغرض، فقد خصصت 300 مليار دولار أميركي للبنية التحتية الجديدة، مع تركيز خاص على تحديث شبكات النقل، وتطوير الموانئ، واعتماد الطرق الذكية، ما يمهد الطريق نحو مشهد مستقبلي واعد يوازن بين الابتكار والتنمية المستدامة.

في النهاية، تمثل رحلة النقل الذكي في المملكة تجربة شاملة تتطلب رؤية وخططاً وتعاوناً بين القطاعين الحكومي والخاص. وتجسد مبادرات الهيئة العامة للنقل استراتيجية شاملة ومدروسة نحو بناء منظومة ذكية تستجيب لحاجة العصر وتسهم في تحقيق مستقبل حضري متوازن.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي