النسيان يدفعنا إلى التمادي في التصرفات غير الأخلاقية في العمل

3 دقائق
النسيان والتصرفات غير الأخلاقية
بول غاربت لصالح مجلة "هارفارد بزنس ريفيو".
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لقد اعترفت شركة “ميتسوبيشي موتورز” (Mitsubishi Motors)، سادس أكبر شركات لصناعة السيارات في اليابان، مؤخراً، بأنها كانت تستخدم أساليب غير متوافقة مع أنظمة الحكومة اليابانية لاختبار درجة التوفير في استهلاك الوقود في سياراتها طيلة 25 عاماً. كما اعترفت الشركة بقيامها مراراً بالتلاعب ببيانات الاختبار الخاصة بأربعة من النماذج المحلية للسيارات الصغيرة، وبأنها أجرت اختبارات لا تتوافق مع المعايير اليابانية في العديد من النماذج الأخرى، فماذا عن النسيان والتصرفات غير الأخلاقية في العمل؟

التحايل المستمر من قبل الشركات

هذه ليست الحالة الوحيدة من التحايل المستمر المرتكب من جانب الشركات. ففي سبتمبر/ أيلول الماضي في الولايات المتحدة الأميركية. كشفت وكالة “حماية البيئة” (Environmental Protection Agency)، عن حالات احتيال في اختبارات الانبعاثات التي قامت بها شركة “فولكس فاغن” (Volkswagen) لسنوات. إضافةً إلى وجود أمثلة مماثلة للسلوك غير الأخلاقي في الكثير من القطاعات الأخرى التي تمتد من العمل المصرفي إلى التأمين والرعاية الصحية.

ولكن لماذا ينخرط العديد من قادة المؤسسات وموظفيها (حتى أولئك الذين يحرصون على المحافظة على نزاهتهم) باستمرار في سلوكيات مشبوهة أخلاقياً مع مرور الوقت؟ وبهدف الإجابة عن هذا السؤال، أجرينا مؤخراً بحثاً أقر بأن الفجوات التي تصيب الذاكرة البشرية يمكن أن تساعد على تفسير حوادث عدم النزاهة المتكررة.

فعندما يفشل الناس في الارتقاء إلى مستوى المعايير الأخلاقية الموضوعة من قبلهم، تصبح هذه المعايير مزعجة ومهددة لصورتهم الذاتية بقدر ما هي صادقة وخيرة. وبالتالي، نجدهم ينخرطون في استراتيجيات مختلفة للحد من شعورهم بالضيق بما يتضمن محو تلك الحوادث من ذاكرتهم. ولا يعتبر الانحياز والتشوهات التي تصيب الذاكرة من الحوادث العرضية، بل هي عوامل تحفيزية لدعم مفهوم الذات والهوية الشخصية.

كما وجدنا في بحثنا، أنه من المرجح أن ينسى الأشخاص تفاصيل أفعالهم غير الأخلاقية مقارنةً ببقية الحوادث، التي تتضمن الأحداث المحايدة والسلبية والإيجابية إضافةً إلى الأعمال غير الأخلاقية التي يقوم بها الآخرون. ونطلق على هذا الميل تسمية فقدان الذاكرة غير الأخلاقي، أو التشويش الذي يلم بالتصرفات غير الأخلاقية للإنسان بمرور الوقت. حيث يعد فقدان الذاكرة غير الأخلاقي آلية للتكيف تمكننا من التعامل مع الشعور بالضائقة النفسية وعدم الراحة الملازمين للتصرفات غير الأخلاقية.

فمن خلال بحثنا، عثرنا على أدلة تثبت فقدان الذاكرة غير الأخلاقي، وذلك عبر 9 دراسات تجريبية تغطي عيّنة سكانية متنوعة، تتراوح من طلاب المرحلة الجامعية إلى مجموعات البالغين عبر الإنترنت. وقارنا في هذه الدراسات ذكريات الأفراد حول الأحداث المتنوعة، وذلك لفحص مدى جودة ذكرياتهم عن أفعالهم غير الأخلاقية مقارنةً ببقية الأفعال (ويشمل الفحص حيوية الذاكرة ومستوى وضوح التفاصيل).

على سبيل المثال، في إحدى الدراسات، اعتمدنا على التجارب الماضية للأفراد ووجدنا أن الأشخاص الذين تذكروا ودونوا تصرفاتهم غير الأخلاقية كانوا أقل ميلاً إلى تذكر تفاصيل تلك التصرفات بعد بضعة أيام، مقارنةً بالأشخاص الذين شاركوا في سلوك أخلاقي والأشخاص الذين تذكروا ودونوا التصرفات الإيجابية أو السلبية (الأخلاقية).

وفي دراسة أخرى، طلبنا من المشاركين قراءة قصة مفصلة عن عمل غير أخلاقي. فقرأ بعض المشاركين قصة بصيغة الغائب عن الأفعال غير الأخلاقية لشخص آخر، بينما قرأ الآخرون قصة بصيغة المتكلم عن شخص يطلب منهم أن يضعوا أنفسهم مكان الشخص الوارد وصفه في القصة. وهنا أيضاً كان المشاركون أكثر ميلاً إلى نسيان أفعالهم غير الأخلاقية “الخاصة”، بينما تذكروا تصرفات الآخرين غير الأخلاقية.

كما أجرينا دراسة أُتيحت فيها للمشاركين الفرصة للغش في أحد الألعاب لكسب المال من خلال التلاعب بحقيقة أدائهم. ثم قسنا ذاكرة هؤلاء المشاركين بعد بضعة أيام. وتبين لنا أن ذكريات المشاركين الذين قاموا بالغش كانت أقل وضوحاً وحيوية وفقيرة التفاصيل مقارنةً بأولئك الذين تصرفوا بنزاهة.

فقدان الذاكرة غير الأخلاقي

إضافةً إلى ذلك، قمنا بدراسة النتائج المترتبة على فقدان الذاكرة غير الأخلاقي. وعلى سبيل المثال، في اثنتين من دراساتنا، منحنا المشاركين فرصة ثانية للغش والتلاعب بحقيقة أدائهم في مقابل الحصول على أموال إضافية، بعد بضعة أيام من منحهم الفرصة الأولى. فوجدنا أن الغش الأولي قد أوعز بفقدان الذاكرة غير الأخلاقي، الأمر الذي أدى إلى تفاقم السلوكيات غير الأخلاقية في المهمة اللاحقة.

وبشكل عام، تُظهر النتائج التي توصلنا إليها انخفاضاً مطرداً في وضوح الذاكرة البشرية وحيويتها فيما يتعلق بالأفعال غير الأخلاقية السابقة، وهو ما يفسر أيضاً تكرر حدوث التصرفات غير الأخلاقية بمرور الوقت. كما تشير أبحاثنا إلى أنه عادةً ما يتم نسيان الأفعال غير الأخلاقية، وعندما نحاول استرجاع تلك الأفعال، نجد ذكرياتنا حول السلوك غير الأخلاقي مشوشة مقارنةً بذكرياتنا حول بقية أنواع السلوكيات سواء كانت إيجابية أم سلبية.

وفي نهاية الحديث عن النسيان والتصرفات غير الأخلاقية في العمل، يمكننا القول: إن فهم خفايا علم النفس الذي يشكل الدافع المحرك للقرارات الإنسانية، سيساعدنا على فهم فضائح الغش في الشركات، كما نأمل أن يساعدنا على الالتزام بالتصرفات الأخلاقية، إضافةً إلى تعزيز السلوك الأخلاقي في مؤسساتنا.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .